‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجزائر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجزائر. إظهار كافة الرسائل

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

17/12/2013

الكراهية




في منتصف تسعينات القرن المنصرم ، يوم كانت الجزائر على وشك الانزلاق في حرب اهلية شاملة ، سئل الشيخ محفوظ نحناح ، رئيس حركة المجتمع الاسلامي الجزائرية عن الحل الذي يقترحه للنزاع الداخلي ، فأجاب ببساطة ان الحل هو الآية المباركة "كفوا ايديكم واقيموا الصلاة". من يحمل سلاحا فليلقه جانبا وليتجه الى الله بقلبه ، ايا كانت النتيجة.

يومذاك ، بدا هذا المنطق مغاليا في التبسيط. بل لقد وصفه احد الزعماء السياسيين بالسذاجة والفشل في استيعاب تعقيدات الوضع الجزائري. لكن الايام مرت ، وتوصل الجميع ، الحكومة والمعارضة ، الى ان المخرج الوحيد المتاح من الازمة المستفحلة ، هو الطريق الذي اقترحه نحناح. استعادت الجزائر سلمها الاهلي ، ثم استعادت الدولة من يد العسكريين ، ليس لان الجيش هزم المعارضة المسلحة او العكس ، بل لأن شرائح كثيرة في الطرفين قررت ان تضع السلاح ، حتى لو وصفت بانها جبانة او انهزامية.

كرر هذه الفكرة ديزموند توتو ، اسقف جنوب افريقيا ، الحائز على جائزة نوبل للسلام. سأله صحفي عن نصيحة يوجهها لمواطنيه ، سيما المناضلين وضحايا التمييز العنصري. فأخبره بان وصيته الوحيدة هي نسيان التاريخ.

في اوقات لاحقة سمعت الاسقف يتحدث ساخرا عن تجربة الاستعمار الاوربي في افريقيا. لكنه كان – في كل مرة – يؤكد ان هذا التاريخ مجرد رواية نعود اليها كي نتسلى او نسخر ، او ربما كي نأخذ درسا في قدرة الانسان على الانزلاق في الآثام. لكننا – يقول توتو - نريد ان نتحرر من هذا التاريخ ، بكل ما يحويه من الم وكراهية. نريد تركه وراء ظهورنا ، كي لا يشغلنا عن بناء مستقبل مختلف.

كلام الاسقف الحكيم مثل كلام المرحوم نحناح ، ينطلق من تفسير بسيط لعجز الناس عن التسالم والتحرر من الكراهية ، خلاصته: ان الانسان قد ينزلق في الغضب او التصنيف السلبي للآخرين ، لأي سبب. لكنه بمرور الوقت ، يصبح اسيرا لدوامة الكراهية والكراهية المضادة ، مثل مدمن المخدرات الذي يبدأ بدوافع بسيطة ، لكنه يعجز لاحقا عن الخروج من دوامتها.

لا سبيل للتحرر من دوامة الكراهية غير الارادة الفردية. وتحديدا ارادة التحرر من تاريخ الكراهية ، ومن الذاكرة المشحونة بقصص الكراهية ، ومن ناشري الكراهية وتجارها ودكاكينها. لم يعد الامر خيارا او رفاهية. الدماء والدمار والدموع التي تقتحم عيوننا وآذاننا كل ساعة ، على امتداد العالم العربي والاسلامي ، نذير بان مستقبلنا قد يذهب وقودا لنيران حروب تؤججها كراهيات انفلتت من رفوف التاريخ واستوطنت نفوسنا وحياتنا. لن ينتصر احد في معركة الكراهية. ولو تغلب يوما فسوف يحمل على كتفيه جبالا من الخسائر والاثم والالم ، تجعل الهزيمة اكثر شرفا واحسن حالا.

الاقتصادية 17 ديسمبر 2013

مقالات ذات علاقة

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن

14/01/2001

الحركة الاسلامية: الصعــود السـر يـع و الا سئـلة الكـبر ى


بعد ربع قرن من صعود تيار الاسلام السياسي ما يزال التوسع المدهش للحركة الاسلامية ، يثير الكثير من العواصف الفكرية والسياسية ، في داخلها وبين المنافسين ، فهي لا زالت اكثر الموضوعات السياسية اثارة للاهتمام ، واستقطابا للجدل في داخل العالم الاسلامي ، وفي الدول التي لها مصالح واهتمامات باقطاره ، بديهي ان بعض هذا الجدل كان يستهدف تحجيم اندفاعة الحركة ودفع مشروعها الى الزاوية ، ومن الواضح انهم قد نجحوا في تحقيق هذه الغاية في عدد من الاقطار ، الامر الذي جعل الحركة تضيق صدرا بالاشكالات المثارة من حولها .

على ان الانصاف يقتضي الاشارة الى ان تحول الحركة الى مادة رئيسية للاهتمام ، من جانب الاصدقاء والاعداء على السواء ، ليس ظاهرة سلبية ، بل هو مؤشر ايجابي يدلنا على تنامي الوزن السياسي لهذا التيار الجديد .
على الوجه الآخر من الصورة يوفر الجدل والشكوك المثارة ، فرصة ثمينة لاستبيان نقاط الضعف في تفكير الحركة الاسلامية وفي برامجها وعلاقاتها ، فالانسان لا يكتشف نفسه الا عندما يقارن بالغير ، خاصة وان الكثير مما عند الحركة لا يزال غير نهائي ، وبعضه لم يخرج عن اطار العناوين العامة ، فهو غامض عند الاسلاميين انفسهم فضلا عمن سواهم . ولهذا لا ينبغي اغفال الجوانب الايجابية لهذه الاثارات ، ان التعامل السجالي مع ما يطرح من مقولات ونقد ، قد يشفي الغليل ، لكنه في المحصلة النهائية يشغل الانسان عن رؤية الحقائق المجردة ، وفي  ظني ان معظم الاسئلة التي اثيرت خلال هذا الجدل ، تحتاج الى وقفة من جانب الحركة الاسلامية ، بغض النظر عن اغراض المنافسين ، وايا كانت الثمرة المرجوة من مشاركتهم جدلهم .

امثلة عن الاسئة :

ثمة كثير من الاسئلة التي أثارها قيام الحركة ، يتعلق بعضها بالمشروع السياسي الذي تدعو اليه الحركة الاسلامية ، وبعضها بالمرجعية الفكرية والمنهج النظري المتبع في التوصل إلى الآراء والمواقف ، ويتعلق البعض الآخر بطبيعة الحركة ذاتها ، حدود الارتباط بين الحركي والديني فيها والعلاقات الداخلية بين اعضائها ، وعلاقتها بالغير الذين ينافسونها في نفس الساحة .
المشروع السياسي : في الجانب الأول المتعلق بالمشروع السياسي ، لا توفر تجربة الحركة الاسلامية الاطمئنان الكافي لكثير من الناس ، أو لنقل على وجه الدقة انها تقدم اشارات متعارضة ، هي من ناحية دليل على تنوع الحركة وتنوع طروحاتها ، لكنها من ناحية أخرى دليل على عدم وجود مشروع واحد ، الامر الذي يجعل من العسير معالجة موضوع الحركة باعبتاره واحدا .
لقد انتقلت سريعا من ميدان العمل الثقافي والاجتماعي إلى السياسي ، ويبدو ان الوقت لم يتسع كي تحدد فواصل واضحة بين طروحاتها في الميدان الأول الذي يعبر عن دعوة ايديولوجية خالصة ، والطروحات المفترضة في الميدان الثاني الذي ينبغي ان يكون دعوة للحوار والشراكة ، وربما استمد بعض المنافسين رؤيتهم للحركة من المنظور الذي دعا اليه سيد قطب في الستينات ، والذي يقوم على اعتبار الدور الاساسي للحركة الاسلامية هو تصحيح اعتقاد المجتمع الذي رأى انه يخضع فعلا لسيطرة الجاهلية الجديدة ، وان العمل لاقامة حكومة اسلامية في ظل الاوضاع القائمة يعتبر هزلا  لا يليق بالدين .

وخلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين ظهر العديد من الحركات الاسلامية في تجارب فعلية ، تقوم اساسا على استبعاد الاخرين أو رفض مشاركتهم في الحياة السياسية ، ومنها مثلا تجربة المقاومة المسلحة في الجزائر التي تطورت إلى اعلان تكفير الدولة والمجتمع واستباحة دماء واعراض واموال كل من رفض مشروع الجماعات التي تتبنى هذا الاتجاه .

ومن بينها ايضا تجربة الامارة الاسلامية التي اقامتها حركة طالبان في افغانستان ، التي تعبر عن تيار في الحركة الاسلامية لـه انشداد عميق إلى التقاليد القروية التي كانت سائدة في العالم الاسلامي قبل نهضته الحديثة ، واتبعت الحركة سياسات داخلية ، لا يمكن لمعظم الناس القبول بها ، مثل ابعاد النساء عن العمل واغلاق وسائل الاعلام وفرض قيود مشددة على اللباس والمظهر الشخصي ، فضلا عن الاعتماد على القوة العسكرية في فرض السياسات ومقاومة أي دعوة لاشراك ممثلي المجموعات الاجتماعية الأخرى في السلطة .

 لقد بادر معظم الحركات الاسلامية إلى التبرؤ من تجربة (طالبان) ولاحقا تبرأ الجميع من تجربة القتال التكفيري في الجزائر ، إلا انه لا يمكن انكار حقيقة ان بعض الجماعات الاسلامية اظهرت - في بعض الاحيان على الاقل - تعاطفا معها وقدمت تبريرات لعلمها ، وبصورة عامة فان هذا الوضع قد قدم صورة قاتمة عن الحركة الاسلامية في أحد احتمالاتها .
خلافا لامثال هذه التجارب البائسة فان فصائل اسلامية أخرى قدمت طروحات ونماذج عمل يمكن اعتبارها مشروعات سياسية بديلة ، ومن بينها مثلا تجربة الحركة الدستورية الاسلامية في الكويت ، وتجربة حزب العمل الاسلامي في الاردن ، وحركة مجتمع السلم في الجزائر ، وجماعة الاخوان المسلمين في مصر ، وحزب الرفاه في تركيا ، التي اعلنت بوضوح التزامها بمشروع للتغيير السلمي وقبول غير مشروط بمشاركة المنافسين في الميدان السياسي ، واعتبار صناديق الانتخابات مصدرا وحيدا للتفويض الشعبي لممارسة السلطة ، كما قدمت تجربة حزب الله في لبنان مثالا على الالتزام العميق باهداف الجمهور العام ، وعدم استثمار المكاسب في الانقلاب على النظام المدني .
كما ان تجربة الاسلاميين في اليمن تمثل هي الأخرى مثالا جيدا على الالتزام باللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ، اذ ان التجمع اليمني للاصلاح ، وهو حزب الاسلاميين الرئيسي ، حافظ على التزامه بالدستور واصول اللعبة السياسية بعد خسارته الانتخابات النيابية ، فانتقل بهدوء إلى صفوف المعارضة بعدما تمتع بالمشاركة في السلطة لسنوات .

ونشير ايضا إلى تجربة الانتقال السلمي للسلطة في ايران ، رغم ان الانتخابات الرئاسية ، ولاحقا النيابية جاءت بفريق يعارض المتبنيات المعلنة لأقطاب النظام ، كما فشل ابرز رموزه ، وكان الاعتقاد السائد بين المراقبين في الغرب خاصة ، ان فوز السيد ناطق نوري ، المرشح  المعبر عن توجهات زعماء النظام ، يعتبر امرا محسوما ، إلا ان صناديق الانتخاب جاءت بالسيد محمد خاتمي ممثل الفريق المعارض ، وكان وصول خاتمي إلى الرئاسة مثيرا لدهشة المراقبين الغربيين الذين عبروا صراحة عن شعورهم بالدهشة ، لان زعماء النظام الاسلامي التزموا - على غير توقع - بأصول اللعبة الديمقراطية ، ولم يستخدموا ما يملكون من سلطة لفرض مرشحهم .

يشير هذا الاختلاف في الممارسة السياسية ، إلى اختلاف التنظير الايديولوجي الذي يدعمها أو يوفر لها المبررات ، فمن البديهي ان كل فصيل يدعو إلى مشروعه مدعوما بمبررات نظرية تنتمي إلى الفكر الاسلامي ، وازاء اختلاف الاستنتاجات ، فلا مفر من القول بان المناهج المستعملة في التنظير والاستنباط مختلفة ، الامر الذي يؤدي - ضرورة - إلى نتائج متعارضة ، وهذا مع انه يوفر مخرجا مناسبا لتفسير الاختلاف ، إلا انه من جهة أخرى يلقي بظلال من الشك حول مدى العلاقة بين الحركة والدين ، أي بين المشروع السياسي الفعلي والمرجعية النظرية .

الدين والحركة : 
في ايران حكمت المحكمة على رجل دين ومفكر معروف هو د. محسن كديور بالسجن لانه عارض نظرية (ولاية الفقيه) وسجن الوزير السابق عبد الله نوري ، وهو ايضا رجل دين واعلامي لاسباب مشابهة ، وشن عدد من علماء الدين التقليديين حملة متواصلة ادت إلى اقالة وزير الثقافة عطاء الله مهاجراني ، لانه دعا إلى ازالة القيود عن حرية التعبير ، بما مكن المعارضين للمدرسة الثقافية والايديولوجية السائدة ، من التعبير عن ارائهم في الصحافة ، وهدد بعض القضاة بتقديم مهاجراني للمحكمة لما وصوفوه بتساهله أو تشجيعه للانفتاح الثقافي على الغرب وتذليله العوائق امام محاولات الغزو الثقافي الاجنبي ، وفي كل هذه الحالات وغيرها ، كان المعيار في تحديد الاتهام هو عدم توافق المتهم ، تفكيره أو عمله ، مع المدرسة الفكرية السائدة ، فكأن هذه المدرسة منحت قداسة أو عصمة واعتبرت مسطرة يحدد وفقا لها ما هو صحيح وما هو خاطيء .
وفي الجزائر اعلن بيان للجماعة الاسلامية المسلحة وقعه اميرها ابو عبد الرحمن امين (جمال زيتوني) في 3 يناير 1996 عزمها على محاربة جبهة الانقاذ الاسلامية وجناحها العسكري لانه (طائفة ذات شوكة ومنعة اجتمعت على اساس رابطة حزبية من اجل العودة الى الديقمراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع والاحتكام اليها والرضا بحكم غالبية الشعب وهذا شرك وكفر وانحراف عن المنهج السليم) و (ان جيش الانقاذ كان اضافة الى بدعته المكفرة خارجا عن الجماعة الاسلامية المسلحة التي تحمل الراية الوحيدة المبصرة والوحيدة في هذه الديار خصوصا بعد صدور بيان الوحدة والاعتصام بالكتاب والسنة وكذلك بيان ابراء الذمة الذي كان بعدما اقيمت عليهم الحجة مرارا من طرف اخواننا سواء في الشرق او الغرب ) وعليه (نقول لاخواننا ان قتالنا لجيش الانقاذ هو قتال واجب …. فيجب علينا ان نقاتل هؤلاء ونثخن فيهم حتى يعودوا الى امر الله ويتوبوا عن بدعهم وضلالهم ويلتزموا المنهج السلفي ) [1] ويتضح من البيان ان الجماعة تعتبر نفسها والانتماء اليها مقياسا للكفر والايمان ، وعلى أساس هذا التصنيف يتقرر من يستحل دمه ومن يعصم .

وتثير هذه التجارب اسئلة حرجة عن تصور الحركة لنفسها وطبيعة علاقتها بالمجتمع ، وبصورة خاصة موقع تشكيلاتها الحزبية الخاصة ضمن مشروعها. مثل هذه الاسئلة مبررة تماما بالنظر للغموض القائم حول الحدود الفاصلة بين المشروع النظري الذي تطرحه الحركة وبين النظام الحزبي الخاص الذي تتوسل به لايصال ذلك المشروع إلى سدة السلطة ، ويساور القلق كثيرا من الناس  - وهم على حق تماما - في ان الدعوة إلى البديل الاسلامي قد لا تكون غير مركب يمتطيه الطامحون للوصول إلى واجهة الحياة السياسية ، وربما تكرار التجربة البائسة لحكومة الحزب الواحد التي عانى منها العالم العربي ولا يزال .

وفي الستينات ادت دعوة المرحوم سيد قطب إلى إعادة تديين المجتمع الذي وصفه بالجاهلي ، إلى حملة على جماعة الاخوان المسلمين ، من منطلق ان أي مفكر أو جماعة لا يحق لها الحكم على الغير بالايمان أو الكفر ، اعتمادا على متبنياتها الخاصة ، لان كل مسلم لـه الحق في الاجتهاد والوصول إلى الله سبحانه من خلال تجربته العلمية أو الروحية الخاصة ، واصدر مرشد الجماعة السابق حسن الهضيبي كتابه المشهور (دعاة لا قضاة) للرد على هذا الموقف ، وبين ان الجماعة لا تتبنى بصورة مفتوحة الفكرة التي دعا اليها قطب ، رغم ان كثيرا من الحركيين اعتبرها ، وبقية الافكار المماثلة لها والتي وردت في كتابه المشهور (معالم في الطريق) ، اعتبرها دليلا نظريا للعمل .
وفي الوقت الحاضر يتفق الاكثرية على رفض اعتبار أي حركة نفسها أو طروحاتها ومتبنياتها الخاصة ، مقياسا للحق والباطل ، لكن - على مستوى الممارسة - فان كثيرا من الجماعات الحركية تتبنى أو تمارس سياسات من هذا النوع ، وهذا يظهر خصوصا في الصراعات القائمة بين بعض الفصائل ، كما هو الحال في موقف الحركة السلفية في الكويت من نظيرتها الحركة الدستورية الاسلامية التي تعبر عن جماعة الاخوان المسلمين ، ومثله موقف اكثر الجماعات السلفية من الفصائل الشيعية .
وبين التعبيرات المهمة عن إعادة النظر في هذه التوجهات ، يجدر الاشارة الى تصريحات عبد الله بن كيران وهو من زعماء حركة التوحيد والاصلاح ، أحد احزاب الاسلاميين الرئيسية في المغرب العربي:  (مفهوم ومضمون الاقصاء وسم المشروع الاسلامي لمدة غير يسيرة .. لايزال في سلوكات ومشروعات البعض .. وهو يتضمن اقصاء القوى المجتمعية الاخرى والمجتمع والسلطة في الاصلاح والتغيير .. .انه اقصاء نظري ينطلق من الذات بمعنى ان ذاتك خير من ذوات الاخرين .. في مقابله توجد فكرة المشاركة التي تنطلق من فكرة انه طالما ان الهدف هو خدمة الاسلام ورفع شانه فان التعاون مع من انطلق من اصل الاسلام او انطلق من نتائج الاسلام امر مقبول ..
كان للحركة في بعض المواقع تصرفات افزعت الاطراف الاخرى فاغلقت الابواب دونها  او اعطت الفرصة للاطراف ان يخوفوا منها …
ما يطلب اليوم من الحركات الاسلامية هو الاعتراف بالاطراف الاخرى وبتعيين برامجها .. وهي مدعوة الى مراعاة الخصوصيات .. انظمة الحياة التي يدخل اغلبها في اطار النمط الغربي اصبحت بمثابة خصوصيات من الضروري الحذر في التعامل معها لانه لايمكن القطع معها ومع النظام الغربي ومع دول وحكومات هذا النظام ..) [2].

النظام الاجتماعي : 
ومن بين الاسئلة التي كثيرا ما تطرح هو موقف الحركة الاسلاميين من عناصر النظام الاجتماعي القائم ، عناصر هذا النظام في وقته الراهن هي نتاج تطور طبيعي للمجتمع من صورته التقليدية القديمة إلى الصورة المعاصرة ، ومن نافل القول ان الاتصال بالغرب كان ابرز محركات هذا التطور ، ونجد تجسيدات ذلك في الاعلام وفي حركة تحرر المرأة وفي قنوات الثقافة والترفيه ، كما نجده في الاقتصاد .
وفي هذا المجال ايضا قدمت الحركة الاسلامية مواقف متعارضة ، وينقل فهمي هويدي الذي قام بتحقيق ميداني في افغانستان عن رحيم الله زرمتي نائب وزير الثقافة والاعلام وهو من اكبر رجال طالبان سنا ، ان (علماء افغانستان لم يجيزوا التلفزيون الذي ثبت ان الضرر فيه اكثر من النفع ناهيك عن ان فيه تصويرا للاشخاص وذلك محرم شرعا ، وإذا قيل  ان في الامكان الاكتفاء بالمواد المشروعة فما يدريك ان الناس لن تتركه إلى المحطات الاخرى التي تبث اشياء فاسدة … عند علمائنا صوت المرأة عورة والموسيقى حرام والرسم جائز ما لم يكن فيه ذو روح أما المسرح والسينما فممنوعان لما فيهما من المفاسد والاختلاط وتدليس على الخلق ثم الن السينما فيها تصوير ) [3].
أما  في الكويت فقد وقف معظم ممثلي الحركة الاسلامية في البرلمان ، ضد قانون أصدرته الحكومة يتضمن منح المرأة حقوقها السياسية ولا سيما حق العضوية وانتخاب نواب الشعب في مجلس الامة ، وثمة جدل لا يزال محتدما حول حرية المرأة ، حقوقها الاجتماعية والسياسية ، من يحدد لها ما هو صالح وما هو غير صالح ، ومع ان التجربة الايرانية تعتبر متقدمة في هذا المجال ، حيث  تتمتع النساء بحقوق سياسية واسعة ، وتشغل إحدى السيدات وظيفة معاون رئيس الجمهورية ، كما سمح لهن اخيرا بتولي مناصب قضائية ، عدا عن مشاركتهن في عضوية مجلس الشورى ترشيحا وانتخابا ، إلا ان الاشكال لا يزال قائما ، وثمة جدل حول المبررات الفقهية وحدود ما تسمح به الشريعة ، ويعكس حديث للشيخ القرضاوي جانبا من طبيعة هذا الجدل حين يقول (توجد فتوى قديمة لبعض علماء الازهر تمنع المراة من حقوقها السياسية في الانتخاب والترشيح. وادلة الفتوى هي انها بمقتضى الخلق والتكوين لها وظائف خاصة تجعلها ادعى للتاثر بدواعي العاطفة. واورد [المفتي] ادلة من القرآن تدل على ان نساء البيت النبوي كن على هذه الشاكلة فكيف بغيرهن. والرد على هذا الاستدلال ان المفتي قد فاته بان هؤلاء النسوة قد اخترن في النتيجة الله ورسوله والدار الاخرة. وهذا من ادلة تغليبهن العقل على العاطفة . ثم هل بريء الرجال من هذه العواطف والله يقول عن صحابة محمد (واذا راوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما) وكثير من الايات مثلها في الرجال مثل (حتى اذا فشلتم وتنازعتم من بعد ما اراكم ما تحبون ..) فهل يؤخذ من هذه الايات ان الرجال تغلب عليهم عند الازمات العواطف ، ثم استدلت الفتوى  بقوله (وقرن في بيوتكن..) وهي خطاب لنساء النبي فقط واتفق المسلمون على جواز ان تخرج المراة للعلم او للعمل والسفر الخ .. ومما استدلت به الفتوى حديث (ما افلح قوم ولوا امرهم امرأة)  وهو قول قاله النبي عندما بلغه ان الفرس ولوا امرهم بنت كسرى بعد موته ، وهذا مع اننا نرى صرفه الى خصوص الواقعة الا انه على فرض عمومه مصروف الى الامامة العظمى التي هي خلافة على جميع المسلمين ، ثم ان النظام القائم حاليا في العالم لا يسمح لفرد بان يكون حاكما بامره بل هو شريك لمؤسسات وافراد في حمل المسئولية)  [4] .

وفي الجانب الاقتصادي وجه شيخ الازهر د. طنطاوي انتقادا شديدا لتجربة البنوك الاسلامية ، وقيام بعض البنوك المصرية بتاسيس فروع تعمل تحت اسم المعاملات الاسلامية وقال ان تحديد الارباح مقدما لايعتبر من الربا ، ودعا المسلمين الى التعامل مع البنوك التي تحدد الربح مقدما ليضمن كل حقوقه ، وشكك في البنوك التي لا تحدد الربح تحت اي مسمى ، ووصف ظهور فروع اسلامية للبنوك بانه نوع من السفه والحمق ، واعلن استعداده لعقد مناظرة في الازهر لاثبات رايه في هذا الموضوع ، وقال انه ليس اول من قال بهذا الراي فقد سبقه اعضاء مؤتمر اسلامي انعقد في القاهرة عام 1976 شارك فيه 13 عالما برئاسة الشيخ محمد فرج السنهوري واتفق ثمانية منهم على جواز التعامل مع البنوك المعروفة من خلال شهادات الاستثمار وغيرها من التعاملات [5].

الاممية والتناسخ :
 ادى تصاعد قوة بعض الفصائل الاسلامية في اوائل الثمانينات ، ووصول بعضها إلى سدة الحكم ، ادى إلى اضفاء قدر من التبجيل أو القداسة على بعض شعاراتها ، ونجد تأثير هذا في مبادرة فصائل أخرى إلى محاولة نسخ تلك الشعارات وتقليد صورة الحركة المنتصرة التي كانت قد وصلت إلى غايتها ، رغم ان الفصائل (الناسخة) كانت قد بدأت للتو ، أو انها لم تخط خطواتها الاولى في ميدان العمل الفعلي ، أو ان الظرف الاجتماعي والسياسي الذي تعمل في ظل شروطه ، كان مختلفا عن ذلك الذي عملت فيه الحركة الاولى (المنسوخة). ونشير هنا إلى الشعارات الشمولية مثل شعار (الثورة الاسلامية في لبنان) الذي رفعه حزب الله في اوائل ايامه ، وتصريحات الشيخ علي بلحاج نائب رئيس جبهة الانقاذ الاسلامية عشية الانتخابات النيابية في 1991 عن الغاء الدستور الجزائري واعادة بناء الحكومة الاسلامية على انقاض ما وصفه بالنظام الطاغوتي .
وزاد الطين بلة ظهور تطورات عكسية ، يمكن اعتبارها نكسات ، من بينها مثلا تحول بعض الناشطين الاسلاميين في الجزائر إلى العنف العشوائي ، وقيام نظام الامارة الاسلامية في افغانستان على يد حركة طالبان .

 ويتفق الجميع على استحالة نسخ تجربة بحذافيرها بين بلد واخر ، الا ان منافسي الحركة الاسلامية في مختلف الاقطار ، انطلقوا في جدلهم من موقع الحركة في تجاربها الواقعية القائمة ، في السلطة أو في المعارضة. وعلى الطرف الاخر فان الحركيين الذين لم تنضج تجربتهم الفكرية ، لم يجدوا بأسا في تبني بعض هذه التجارب ، مثل ارتداء عدد من التنظيمات العراقية عباءة التجربة الايرانية ، رغم سعتها بالقياس الى حجمهم ،  والدفاع عن مشروعهم من ذات الموقع ، ونعني خصوصا الطروحات الفكرية والشعارات السياسية ، وليس بالضرورة ادوات العمل وأساليبه .
بالنسبة لايران فان قائد الثورة ورجاله لم يوفروا جهدا في التاكيد على الترابط البنيوي بين الدولة والسلطة والحركة. وقد ساعدهم على هذا ما تحقق لهم من قوة ونفوذ مطلق في ساحة عملهم ، وصيرورتهم اسياد الساحة بلا منازع. ان القوة تصنع الافكار بقدر ما الافكار صانعة للقوة. لكن الامر ليس كذلك في بقية الساحات ، اذ لم تحظ اي جماعة اسلامية اخرى بقدر مماثل من القوة لكي تقيم الدولة على صورتها .

في وقت متاخر اكتشف معظم الحركيين ان نجاح الحركة الاسلامية في ايران ، أو نجاح الاسلاميين الكاسح في الانتخابات الجزائرية ، ليس ـ بذاته ـ دليلا على امكانية نسخ المشروع ، او الاعتماد عليه كدليل. ثم جاء فشل التجارب اللاحقة ، ولا سيما التجربتين الافغانية والجزائرية ، ليدفع بقطاع واسع من الحركيين الى البحث عن نقاط الضعف في مشروعهم السياسي ، ولا سيما تلك الجوانب النظرية التي صنفت في الماضي كثوابت.
 ونجد اليوم ان الجماعات الاسلامية التي دفعتها حداثة التجربة ، ثم الانبهار بتلك النجاحات ، الى وضع تصورات عن الدولة والسلطة ، هي اقرب الى الاحلام منها الى الاهداف ، عادت بطروحات اكثر نضجا ، واقدر على السير في طريق التكامل ، وعلى اي حال فان دروس الممارسة الفعلية ، قد توفر للاجيال التالية من الحركة  ، فرصة الاتكال على مشروع نظري متكامل وسابق التجهيز ، ونشير هنا - على سبيل المثال - إلى نموذج حزب الله اللبناني الذي قرر في وقت لاحق الانضمام إلى النظام السياسي اللبناني القائم على أساس علماني . ومثله ايضا جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر التي عاد قادتها بعد المحن الشديدة التي واجهتها بلادهم منذ انقلاب 1992 إلى الاعلان صراحة عن القبو ل بالمشاركة المتكافئة ضمن النظام السياسي القائم .

لا يوجد الان - بين الحركات الاسلامية - من يفكر في نسخ نماذج سابقة ، إلا انها لم تتخل عن علاقاتها الوثيقة بالجماعات التي تتفق معها على المنهج أو المرجعية. ويمكن الان تمييز الجماعات التي تنتمي إلى تيار الاخوان المسلمين التقليدي ، من تلك التي تنتمي إلى تيار الجماعة الجديد (المتمرد على السابق). ويمكن تمييز المجموعات التي تنتمي إلى التيار السلفي ، وتلك التي تنتمي إلى التيار المتأثر بالثورة الاسلامية الايرانية ، من تلك التي تعبر عن توجهات محلية في المقام الأول ، ويشكل كل من هذه التيارات فريقا غير قطري يتبنى طروحات متشابه ومرجعيات موحدة ، حتى لو اختلفت اساليب العمل وربما جهة القرار في كل قطر. هذا الارتباط - الذي يبدو في النظرة الاولى غير مؤثر في القرار المحلي ، يثير هو الآخر بعض التساؤلات عن حدود استقلال كل جماعة ، وهو يشبه كثيرا ذلك الاشكال الذي اثير على الجماعات الشيوعية ، يوم كان الاتحاد السوفيتي قائما .
لكن لا ينبغي المبالغة في خطورة هذا النوع من العلاقة ، اذ ان كل فريق سياسي ، ايا كانت الايديولوجيا التي يتبناها ، يرتبط بتحالفات أو علاقات فكرية و احيانا سياسية مع فرقاء مماثلين لـه في التوجهات خارج حدود القطر الذي ينتمي اليه .

لقد ساعد انتقال حركة الاسلامية إلى العمل السياسي ، على وضع فصائلها في مواجهة الوقائع كما هي. وهذا مهد السبيل امام إعادة نظر كانت ضرورية في كثير من المقولات والمتبنيات السابقة ، كما اثار الشكوك حول بعض الافكار التي لم تخضع لدراسة ، لكنها اعتبرت من المسلمات ، قبل ان تطرح على مائدة النقاش ، والحقيقة ان ممارسة السياسة ، في دوائر السلطة أو ضمن المعارضة تهيء للانسان فرصة للنظر في الامور من زوايا تختلف كثيرا عن تلك التي اعتاد ان ينظر الهيا يوم كان مبشرا وداعيا في المسجد أو الجامعة.
 وحسب تقدير الوزير السابق جمعان العازمي الذي مثل الاخوان المسلمين في البرلمان والحكومة الكويتية فان المشاركة في السلطة مكنته من معرفة كيف تدار الامور ويتخذ القرار في الدوائر السياسية[6]  . والمؤكد ان هذه المشاركة ، وما ترتب عليها من معرفة جديدة كانت طريقا ضروريا لعقلنة الطروحات والنظر إلى الامور من زوايا اوسع . ولهذا فيمكن القول ان الممارسة الفعلية للسياسة قد ساعد على تحديد او تكييف كثير من الاسئلة التي كانت تواجه الحركة الاسلامية ، من داخلها أو من جانب الغير ، وهو الخطوة الاولى الضرورية لتشخيص نطاق الاشكال والبحث عن اجابته .

لكن من السابق لأوانه القول ان مشروع الحركة الاسلامية قد نضج في جانبه النظري ، الضروري لتاسيس مشروع سياسي نهائي. ان الطروحات التي قدمتها بعض الفصائل ما تزال غير نهائية ، وان كثيرا منها مؤسس على معادلات براغماتية يمكن اتهامها بالتكتيكية ، بينما يقتضي الحال دعم المشروع السياسي الجميل المظهر بمرجعية تنتمي بصورة دقيقة وواضحة إلى الشريعة الاسلامية التي تمثل مصدر مشروعية هذه الفصائل ومبرر وجودها. وعلى سبيل المثال ، فاننا لا نزال بحاجة إلى جواب نهائي ومؤسس نظريا على الاسئلة التي تتناول الموقف من النظام السياسي القائم ، وهل تعتبر مشاركتها فيه تكتيكا مرحليا ، أم هو تعبير عن ايمان جديد بامكانية العمل في ظل نظام يقوم على المشاركة مع الغير في صناعة السياسة ، وهل تسعى الحركة إلى تطوير يقبل بالمعادلات القائمة أم انها تسعى - عندما يشتد عودها -  لخلق معادلاتها الخاصة ، كما فعلت حركة طالبان في افغانستان مثلا ؟ .

صعود مفاجيء
 يمكن الاعتذار عن تأخر الحركة الاسلامية في التوصل إلى اجابات نهائية عن تلك الاسئلة ، بحداثة عمرها ، فحتى اواخر السبعينات الميلادية ، كان رواد الدعوة الاسلامية في شغل عن موضوع الدولة ، وكان همهم الاكبر هو الدفاع عن الاسلام ، واثبات صلاحيته لهذا الزمان ، كما كان صالحا للازمنة التي شهدت ظهوره وتطبيق احكامه ، ووجدنا ان معظم النشاط الثقافي في الخمسينات والستينات ، وحتى اوائل السبعينات الميلادية ، قد تمحور حول رسالة محددة ، هي اعادة الاعتبار الى الاسلام ، واقناع المسلمين باستعادة الثقة فيه ، في فاعليته وامكاناته .

اما في النصف الثاني من السبعينات وما بعدها ، فان الكلام العمومي حول قدرة الاسلام ، وحول افضليته على غيره من العقائد ، لم يعد ذا اهمية ، ذلك ان فشل ايديولوجية التحديث التي قادتها نخب العالم الاسلامي ، واتجهت غالبا الى التماهي مع الامم المتقدمة ، قد تكفل باعادة الناس الى التفكير من جديد في دينهم باعتباره مخرجا وحيدا ، او مخرجا رئيسيا ـ على الاقل ـ من الازمة المزمنة ، التي عاشوها منذ وقوع بلادهم تحت يد الاجانب ، ولم يجدوا لها حلا في ظل الحكومات الوطنية .

لقد عاد الاسلام الى نفوس الناس من جديد تحت عنوان اكثر تقدما ، الا وهو تطبيق الشريعة ، اي جعلها حاكمة على الحياة والسياسة . وهذا يتجاوز كل العناوين السابقة ، التي تنطوي على التوفيق بين الاسلام والافكار الاوربية ، وهو منهج كان سائدا عند بعض رواد الدعوة في اوائل القرن العشرين ، كما يتجاوز ـ بالضرورة ـ الافكار التي تعتبر الدين علاقة محدودة بين الانسان وخالقه ، يقتصر تاثيرها على حياة الانسان الشخصية واخلاقياته .
ويبدو لي ان صعود المشروع الاسلامي الى المرتبة الاولى بين خيارات الجمهور للمستقبل ، قد فاجأ الحركة الاسلامية ، التي لم تكن ـ وقتئذ ـ قد اعدت عدتها للدخول في معترك السياسة وتمثيل الشعب ، ولهذا فان طروحاتها التي اعدت على عجل ، لم تتجاوز الخطوط العامة والعريضة للمشروع الاسلامي ، بمضمون اقرب الى السجالية منه الى خطة العمل .

السجالية والتركيز على العناوين العامة والخلط بين الشعار الذي ينادى به لاجتذاب التاييد ، والخطوط العامة لمشروع العمل الذي يعتبر وعدا ، لا يلتزم به إلا من عرف نهاياته وتأكد من قدرته على تحويله إلى واقع عملي ، هذا الخلط هو سمة بارزة في الحياة السياسية العربية ، يستوي في ذلك الحزب المعارض والسلطة الرسمية ، ويتماثل فيه السياسي الماركسي والليبرالي والقومي والمسلم ، فالكل يزف البشائر والكل يسرف في الوعود ، والكل يستهدف غرضا محددا هو الحصول على تعاطف الجمهور ، أما  بعد ذلك ، فهو موضوع آخر .
 ومع الاخذ بعين الاعتبار كون السياق العام للجدل السياسي في اقطار العالم الاسلامي ، لا يخرج عن حدود العناوين والشعارات العامة ، فان الجانب الجدير بالاهتمام هو تقييم كفاءة الحركة ـ بعض فصائلها على الاقل ـ في الانعتاق من قيود الشعار العام ، والانتقال الى طرح السياسات التي تتبناها بوصفها علاجا للازمات العامة ، التي يعانيها هذا القطر او ذاك من الاقطار التي تنشط فيها الحركة.
 نعلم ان كل جماعة سياسية بحاجة إلى مادة تثير اهتمام الجمهور ، ولهذا فلن نتوقف عند الشعارات ، الفخمة منها والبائسة ، لكن الذي يهمنا حقا هو الامساك ببعض النقاط التي يمكن - انطلاقا منها - تطوير خطاب سياسي جديد فعلا وقابل لان يكون بديلا اكثر تطورا مما اعتادت عليه الساحة ، واريد التأكيد هنا على ان محل اهتمامنا هو الخطاب وليس الخطابة ، وشتان بين الامرين ، لقد مضى ربع قرن من الزمن على انبثاق الحركة الاسلامية الحديثة ، وهي مدة كافية لتطوير مشروعات عمل جدية ، خاصة وان بعض الفصائل قد حصل على فرصة التجربة المباشرة في السلطة ، وجرب بعضها العمل السياسي القانوني وان لم يصل إلى السلطة ، مما يتيح لكل منهما النظر في الامور من زوايا اوسع واشمل من تلك التي اعتادت عليها الحركة يوم كان الصراع سمة العلاقة بينها وبين القائمين على الحكم في كل بلد نشطت فيه .

 من  غير المنطقي مطالبة الحركة الاسلامية او غيرها ، ببرنامج عمل تفصيلي عن كل صغيرة وكبيرة من امور الدولة ، الا ان من الضروري التعرف على المواقف والاتجاهات ، التي تشكل اطارا لعمل هذا الحزب او ذاك في السلطة ، اضافة الى بعض البرامج المفصلة في القضايا التي تشكل محاور ازمة في كل بلد .  واظن ان هذه الحاجة اكثر الحاحا في حالة الحركة الاسلامية عما هي في الحالات الاخرى ، ذلك ان المشروعات البديلة للاسلام ، تستطيع الاتكاء على تجارب قائمة ، تستوحي ذات المنطلقات وتعمل في نفس المحيط الايديولوجي ، فالمشروع الاشتراكي يستوحي تجارب الاشتراكيين ، والمشروع الليبرالي يستوحي التجارب الليبرالية ، اما تجربة الحكم الاسلامي فلا تزال حديثة بما لا يكفي للحكم على نتائج تجربتها ، فضلا عن نقلها الى اقطار أخرى .

نضيف الى هذا ان التجربتين الرئيسيتين (السودان وايران) بدأتا بصورة انقلابية ، ولازالتا تعبران المرحلة الانتقالية ، حيث يصعب الحصول على معلومات تفصيلية قابلة للمقارنة ، الامر الذي يعيق الاستفادة من هاتين التجربتين ـ ضمن وضعهما الراهن على الاقل ـ في وضع مشروع يتبنى فكرة التداول السلمي للسلطة ، او يدعو الى تنافس حر  بين برامج العمل ، ان التجربة التركية تعتبر فريدة في هذا المجال ، فقد وصل حزب الرفاه الى السلطة من خلال تنافس سياسي سلمي ، ركز على البرامج والسياسات بالدرجة الاولى ، ومع المحاولات غير المنصفة التي استهدفت عزل الاسلاميين او منعهم من تشكيل الحكومة ، الا ان حزب الرفاه نجح في المصابرة واحتفظ برباطة جأش نادرة ، حتى استطاع ان يكسر ( جدار برلين ) السياسي الذي اراده اتاتورك واحفاده سدا يحول دون عودة الاسلام السياسي الى تركيا ، لكن من المؤسف ان السقوط السريع للحكومة التي شكلها زعيم الحزب نجم الدين اربكان ، لا يسمح الان بتقييم جدوائية المشروع السياسي الذي تبناه أو فاعليته ، على الرغم من الاضافة الهامة التي قدمها والمتمثلة في اصراره على التداول السلمي للسلطة واعتبار صناديق الانتخاب طريقا وحيدا للحصول على التفويض القانوني لممارسة الحكم .



 [1] الحياة 10 يناير 1996
[2]   عبد الاله بن كيران مقال بصحيفة المستقلة 11 نوفمبر 1996
[3]   فهمي هويدي : في مملكة طالبان . الشرق الاوسط 13-12-1998 
[4]  يوسف القرضاوي : مقال بجريدة الشرق القطرية 25 يناير 97
[5]  الحياة 1 يناير 1997
[6]  المجتمع الكويتية 15-7-97

09/03/1997

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟


كانت الجزائر هي القطر العربي الاخير ، الذي طرح فيه الاسلام كمشروع سياسي ، تتبناه حركة سياسية تسعى رسميا الى الحكم . وبين الحدث الجزائري واحداث مماثلة ، تكررت خلال التاريخ المعاصر لا سيما في العقدين الأخيرين ، اثار طرح المشروع السياسي الاسلامي ما وصفه رئيس الوزراء الايراني السابق محمد جواد باهنر بطوفان من الاسئلة ، اسئلة لا بد منها في ظروف انتقال وتحول ، كالتي يشهدها العالم الاسلامي ، ويتراوح التركيز في هذه الأسئلة ، بين قدرة الاسلام ذاته على تلبية الحاجات الثقافية والتنظيمية المعاصرة للمجتمع والدولة ، وبين كفاءة الحركيين الاسلاميين ، للحلول كبديل اصلح عن النخب السياسية ، التي اعتاد عليها العالم العربي منذ قيام الدولة الحديثة ، من نوع ... هل يملك الحركيون الاسلاميون مشروعا لانقاذ بلادهم من حالة التخلف والسقوط الاقتصادي ، هل ينوون إعادة هيكلة المجتمع ، وضع المرأة في ظل حكومة الاسلام ، العلاقة مع غير المسلمين في ظل النظام الاجتماعي الجديد ، والعديد من الاسئلة المشابهة ، التي تعبر جميعها عن حقيقة كون الاسلام في بعده الإجتماعي والسياسي ، مجهولا عند اكثرية الناس ، فضلا عن كونه مرفوضا عند المنافسين الأيديولوجيين .

يمكن ارجاع السبب في ظهور هذا الموج من الاسئلة ، الى سببين ، غموض المشروع الاسلامي المعاصر ،  وكون الحركة الاسلامية بنموذجها الذي تبلور في السبعينات وما بعدها ، حديثة الظهور الى حد ما ، فخلال الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية ، لم يكن هناك ما يصح تسميته حركة اسلامية بالمعنى الحديث للجماعة السياسية ، كما ان النشاط الفكري الذي جرى حتى ذلك الحين كان محدودا جدا ، فوق انه تكرس ـ باستثناءات محدودة ـ للموضوعات التقليدية ، التي لم تعد الآن موضع اهتمام الباحثين ، لأن معظمها لا يعالج قضايا جديدة او معاصرة ، ولاسيما قضايا عامة .

 اما بعد الحرب فقد انصرف الاسلاميون ، الذين خرجوا عن الاطارات التقليدية الى الدفاع عن الاسلام ، الذي واجه يومئذ محاولات جادة للتهميش والعزل ، في نطاق الدعوة المشهورة الى الفصل بين الدين والسياسة ، فاتسم النتاج الثقافي لتلك الحقبة ، وحتى وقت متأخر من عقد السبعينات الميلادية ، بالصبغة الدفاعية او التبريرية في الغالب ، كما ان معظم النظريات الجديدة التي طرحت يومها ، وهي قليلة على اي حال ، قد اقيمت في سياق المقارنة بين الاسلام والايديولوجيات المناوئة ، ضمن ذات السياق الدفاعي التبريري المشار اليه . نقول هذا ونقصد الأعم الأغلب وليس الكل الحقيقي ، فقد ظهرت كتابات من النوع التنظيري ، المتحرر من قيود السياق الدفاعي والتبريري ، لكنها قليلة جدا بل نادرة .

نشير هنا الى المحاولات النظرية الفريدة التي قدمها عدد من الفقهاء في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين ، مثل المرحوم النائيني ، والافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ، لكن هذه المحاولات لم تتواصل ولم تتحول الى اساس يبني عليه اللاحقون ، فكانما هي نبتات برية منفصلة عن التسلسل الثقافي العام .

وعليه فان عدم وضوح صورة المشروع الاسلامي ، لا سيما مشروع الدولة ، يعطي مشروعية تامة لتلك التساؤلات ، ويوجب على الاسلاميين تقديم الجواب ، وهنا مربط الفرس ، فالاجابة على ذلك النوع من الاسئلة وغيرها يقتضي وجود نظرية اجتماعية تقام عليها الاجابة ، والقبول بالنقاش يقتضي توفير الفرصة لسماع النقد والاعتراض ، فالذي يبحث عنه السائلون هو نظرية قابلة للتطبيق ، ضمن شروط الزمان والمكان الحاضر ، وليس العرض التقليدي للقصص التاريخية عن عدل الخلفاء الراشدين ، او فتوحات بين امية ، أو الانجازات العلمية للعباسيين ، كما يصعب الافتراض بان السائلين سيتوقفون عند حدود النظرية ، ومن الطبيعي احتمال أن يعرض النقاش للتجربة السياسية ، كما للفكرة التي تشكل اساسا للمشروع .

لم يعد من المنطقي التساؤل عما اذا كان الاسلام كعنوان لحركة سياسية ، او الاسلاميون كتيار اجتماعي ، قادرين على الوصول الى السلطة او ممارسة الحكم ، وإقامة النظام الذي يعرضونه بديلا عن الانظمة القائمة ، بعد ان اصبح هذا المشروع قيد التطبيق الفعلي منذ نهاية السبعينات ، وفي العالم الاسلامي اليوم حكومتان تتبنيان المشروع الاسلامي في صيغته الحديثة ، ايران والسودان .

ومع عدم اغفال ما يبدو من نقاط ضعف في تجربة الحكومتين المذكورتين ، وهي على اي حال نقاط ضعف متوقعة في اي تجربة سياسية ، الا أن قيام التجربة وثباتها لمدة تزيد على عقد ونصف من الزمن ، كما في المثال الايراني ، يدل على ان الحركيين الاسلاميين ليسوا اقل قدرة من منافسيهم على ممارسة القيادة ، كما يعني ضمنا ثبوت امكانية اقامة الحكم الاسلامي ، بعد مرور قرون متمادية على زوال النموذج الاسلامي القديم في الحكم  .

لكن لايزال تصوير الاسلام عند اكثرية الناس بعيدا عن الحقيقة ، فهو اقرب الى الاماني منه الى الموضوعات ، وهو في معظم الحالات يتراوح بين واحد من تصويرين:

ـ التصوير الخرافي الذي يعرضه كما لو كان مشروعا لاحياء ايام هارون الرشيد وليالي الف ليلة وليلة ، اي استدعاء صور من التاريخ وتركيبها على الواقع المعاصر ، بافتراض ان هذا يشكل مشروع انهاض او سياسة .

ـ التصوير الاخلاقي المجرد ، الذي لا يمكن تقدير فاعليته على الصعيد العام العملي ، وخاصة على صعيد الدولة ، ويتضمن هذا التصوير تفريغا للمشروع الاسلامي ، في قالب محدد هو الاخلاقيات الفردية .

 وفي تقديرنا ان قيام تجارب اسلامية في اكثر من بلد ، ونجاح القوى الاسلامية في الوصول الى السلطة او المشاركة فيها ، قد ساعد الى حد ما في ايضاح الجوانب الغائبة من المشروع الاسلامي ، لكن بالنظر الى ان تلك القوى لا تزال حديثة التجربة في الحكم نسبيا ، او انها لا تزال في مرحلة الانتقال ، فان جوانب الصورة لم تكتمل ، لا سيما اذا اضفنا اليها حقيقة ان كثيرا من الاسلاميين يعترضون على جوانب من التطبيقات الموصوفة بالاسلامية ، التي تجري في ايران منذ 1979 والسودان منذ 1989 ، اننا نجد بين الاسلاميين ، من يشكك او ينفي اسلامية احدى التجربتين ، او كلاهما او بعض جوانبهما .  ولا ينبغي اغفال ان معظم الناس من الاسلاميين وغيرهم ، ينظر بشك عميق الى التجربة الافغانية الشديدة الالتباس والمثيرة للدهشة .

وخارج هاتين التجربتين فان الحركات الاسلامية تطرح شعارات عامة ، من نوع (الاسلام هو الحل) وامثالها ، لكن نادرا ما يتحدث احد ، عن ماهية هذا الحل وتفصيلاته وآليات عمله ، واتذكر في هذا السياق حادثة بسيطة لكنها مشحونة بالعبر ، في سيارة تاكسي في العاصمة الايرانية ، شتاء 1982 ، فقد دار جدل بين سائق السيارة وركابها حول تقنين البنزين ، الذي تقرر حينها بسبب الحرب ، ففي سياق هذا الجدل قال احد الركاب ما مضمونه ، ان على الايرانيين ان يحمدوا الله تبارك وتعالى ، لان بلدهم يقيم حكم الاسلام ، وهو سياتي بالبركات ، فاجابه سائق التاكسي بان بنزين السيارة سينفذ عند منتصف النهار ، ولن يكون لديه وسيلة لتحصيل رزقه في اليوم التالي  (انني بحاجة الى البنزين لتشغيل السيارة ، فهل اصب الاسلام في خزانها كي احصل على لقمة العيش) .

 ان شعار (الحل الاسلامي) جذاب ومثير لاهتمام المسلمين ، فهو يستدعي الى اذهانهم تلك الصور الجميلة ، التي سمعنا بها او قرأنا عنها في تراثنا التاريخي ، من العدالة الاجتماعية وتواضع الحاكم والمساواة بين الناس ، وقوة الدولة وعظمة الحضارة ، الى السمو الاخلاقي للفرد وفاعليته الاجتماعية ، ومثل هذه الصور اشد تاثيرا في مسلم اليوم ، بالنظر لما يعيشه من مرارات واحباطات استعصى علاج اسبابها على امهر النطاسين .

 لكن أنى لنا باعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، للعيش في عصر اولئك الاماجد ، ان ما لدينا اليوم هو النتاج العلمي الذي خلفوه لنا من التجربة الكبرى ، وما نحتاجه تحديدا هو تحويلها من صورة الاقاصيص والحكايات التاريخية ، الى مشروع للنهضة يتضمن ما يجاوز الموضوعات التعبوية او التحريضية الى التنظيمية ، او على الاقل الاستعانة بها في وضع المشروع .

 اذا كان الاسلاميون جادين في تقديم مشروع ديني للحكم ، فان فضله على غيره يجب ان يتضح في قابليته لانهاض الامة الاسلامية ، او بعض شعوبها على الاقل ، والاقلاع بها من مستنقع التخلف والهامشية ، لان هذا هو مقتضى قوله تعالى (ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) .

النقد الموجه الى المشروع الاسلامي ، يستمد بعض مبرراته من كونه غير واضح المعالم ، ولاسيما في تفاصيله واليات عمله ، فنحن بحاجة الى الخروج من مقام التجريد الى مقام التفصيل و التطبيق على الوقائع ، وبيان حقيقة التطابق بين الحلول التي ندعي انها مراد الاسلام وبين المصالح الحقيقية للناس ، واثبات قدرتنا على تقديم بديل للتجارب الفاشلة ، التي عاصرتها امتنا الاسلامية ، منذ ان اصبح الاسلام على هامش الحياة العامة .

الراي العام 9 مارس 1997

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...