التمدد
السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا
والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد
للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة
القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان
النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن
العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد
مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة
اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان
ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات
الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على
هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف
الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.
يكشف
مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي
بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا
اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون
الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في
الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم
ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا
توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية
الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في
مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل
هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي
ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما
تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو
السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو
الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات
الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا
الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في
اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن
ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي
كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر
حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان
بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي
تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟.
الشرق
الاوسط 24 ديسمبر
2014
مقالات ذات
علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق