‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو الفتح الشهرستاني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو الفتح الشهرستاني. إظهار كافة الرسائل

29/09/2021

من معاني التجديد

أنا ممن يدعي ان النهوض الاجتماعي يتطلب تجديدا في فهمنا لمعنى وفلسفة الحياة والدين والثقافة. وأعلم ان التاثير العميق للموروث الديني في الحياة والثقافة ، يستدعي على الدوام جدلا حول تجديد الدين ، وما إذا كان في الاصل ، قابلا للتجديد ام لا ، وما اذا كان التجديد يتناول الأصول ام الفروع ام الأدوات والمظاهر.

ومن هنا فاني ادعو القاريء العزيز الى تقبل نقطتين ، أوجز الأولى في "ان لكل جيل من اجيال المسلمين حق ثابت في اعادة صياغة مفهوم الحياة الدينية ، وانتاج نموذج التدين المناسب لزمنه ، دون التزام بما انتجته الاجيال السابقة". اما النقطة الثانية فخلاصتها اننا بحاجة للتمييز بين دائرتين في حياتنا: دائرة يمكن ان نسميها دينية ، وهي مجال اشتغال احكام الشريعة ، ودائرة خارج الدين ، فهي مجال لأحكام العقل النظرية والعملية والاخلاقية.

كلا النقطتين مورد جدل بين التيار الديني التقليدي ونظيره الاصلاحي. يقول التقليديون بان كل ما عرفه البشر في العصور الحديثة ، موجود على شكل حكم مفصل او قاعدة مجملة في التراث الإسلامي. وبالتالي فلا مبرر لقيام الجيل الجديد باي دور او تصرف في المنظومة الشرعية.

وأصل هذه الفكرة هو القول بان الشريعة الإسلامية تحوي كل شيء في الحياة ، او انها قادرة على تنظيم أي جانب من جوانب الحياة. ويتعامل الناس مع هذه الفكرة كأمر بديهي لا يقبل الجدل. ولعل بعض القراء الاعزاء قد صادف كتبا تحمل عنوانا مثل "البديل الإسلامي" ، "قال الإسلام قبل ذلك" ، "هذا الدين للقرن الواحد والعشرين".. الخ.

يعتقد أكثر الناس ان هذه حقيقة ثابتة. فاذا قلت لهم ان هذا غير صحيح ، حسبوك تتهم الإسلام بالنقص والعيب ، وجادلوك دفاعا عن الدين ، وليس نقاشا في الفكرة.

وكنت فيما مضى اذهب نفس المذهب. ثم اكتشفت ان بعض العلوم لم تكن موجودة اصلا في زمن التشريع ولا الأزمان المقاربة له. فكيف تضع أحكاما لشيء لا يمكن تصوره ، فضلا عن معرفته. وخلال بحثي عن الموضوع طرحت هذا السؤال على فقيه بارز ، فأجابني بالجواب المعروف ، وهو ان ما لم يرد حكمه في الكتاب والسنة ، فان حكمه يستمد من اقرب القواعد العامة المتعلقة بموضوعه. فسألته عن حكم لبس الساعة ، فلاحظ في لهجتي شيئا من السخرية ، فتمالك نفسه واجاب انها مباحة ، فجادلته بان الاباحة ليست حكما ، لان القول بان الاباحة حكم ، تكلف من غير داع ، ولا طائل تحته ، وان القول الصحيح هو ان لبس الساعة ليس من قضايا الشريعة ، فان وافقتني ، فان القول بشمولية الشريعة لا يصح.

وفي وقت لاحق وقعت على نقاش بين اثنين من الفقهاء البارزين ، اولهما الشيخ يوسف البحراني الذي قال بان آيات مثل "ما فرطنا في الكتاب من شيء" و "ﺗﺒﻴﺎﻧﺎ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء" وأمثالها تدل على ان كل شيء في الحياة له حكم في الكتاب او السنة ، حتى ارش الخدش (التعويض عن الجرح الطفيف). وقد رد عليه الشيخ احمد النراقي قائلا: ان سياق الايات يدل على ان في الكتاب تبيين لكل شيء يجب بيانه ولا يصح السكوت عنه ، لا انه يبين كل شيء على الاطلاق. والدليل هو ما نراه فعلا من الاف الموضوعات والمسائل التي لم يخبرنا الشارع عن حكمها ، وهي تتزايد يوما بعد يوم. والى هذه الناحية اشار ابو الفتح الشهرستاني في "الملل والنحل" حين قال ان النص محدود والحوادث غير محدودة ، فكيف يستوعب المحدود ما لاحد له ولا حصر؟.

الشرق الاوسط  21 صفَر 1443 هـ - 29 سبتمبر 2021 م

https://aawsat.com/node/3215266/


مقالات ذات علاقة

تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

 

29/05/2019

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

|| لم يعد للعقل دور مستقل. فقهاء اليوم يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث وفي تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان هذا حل مستحيل||
تأسس علم الفقه في القرن الثاني للهجرة ، حين وجد المسلمون أن ما وصلهم من حديث الرسول لا يغطي المسائل الجديدة. وصور ابو الفتح الشهرستاني هذا المعنى بقوله ان "الحوادث والوقائع .. مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نص... والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار".
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
والمشهور ان الامام الشافعي (ت 204ه) هو الذي وضع القواعد الأولية للاجتهاد واستنباط الاحكام في كتابه"الرسالة". أما أول من مارس الاجتهاد فالمشهور انه الامام ابو حنيفة النعمان وتلاميذه (ت 150ه). ومنذئذ انقسم المشتغلون بالفقه الى فريقين: الفريق الذي يسمى اهل الرأي او الاصوليون ، وهو يدعو للبحث عن قواعد عامة نستفيدها من النصوص ، ونجعلها مرجعا لتكييف الحوادث الجديدة ، ان تطلبت حكما شرعيا. مقتضى هذا الرأي في نهاياته المنطقية ، ان الشريعة ليست مجموعة احكام مدرجة في نصوص ، بل منهج وفلسفة عمل ، جرى توضيحها من خلال امثلة واحكام في قضايا ، ذكرت في القرآن او حديث الرسول. وان الاعتماد الكامل على الادلة العقلية ، سيضمن جعل التشريع متجددا مستجيبا لعصره. هذا يقتضي بطبيعة الحال ان تخضع احكام الشريعة للمراجعة المستمرة. ولذا يتوقع ان يختلف الحكم في الموضوع الواحد ، بين زمن وزمن وبين مكان وآخر ، اذا اختلفت البيئة المادية او الثقافية لموضوع الحكم.
اما اهل الحديث ، ويطلق عليهم ايضا الاخباريون ، فهم يأخذون برؤية انكماشية نوعا ما ، تحصر التشريع في حدود المنصوص ، وتمنع انشاء الزامات شرعية اعتمادا على اجتهاد مستقل. ومقتضى هذا الراي في نهاياته المنطقية ، هو ان قبول اصل الدين والشريعة ، يعني الاقتصار على ماحدده الشارع ، وعدم التصرف بموازاته على اي نحو ، حتى لو كان صلاح التصرف ظاهرا للعيان.
تختلف الحجة القيمية بين الفريقين. إذ يرى الاصوليون ان الدين غرضه صلاح الدنيا. ومن صلحت دنياه ، نجا في الآخرة. بينما يرى الفريق الثاني ان غاية الخلق هي عبادة الخالق وان غرض الدين هو النجاة في الاخرة ، على النحو الذي عرفه التنزيل الحكيم. ولذا فواجب المؤمن هو الاعداد للآخرة ولو على حساب الدنيا.
ويتضح مما سبق ان الاتجاه الاول (الاجتهاد) اكثر قابلية للتفاعل مع التطور المادي والثقافي للمجتمع. لكن انتشاره سيفضي الى تلاشي الفاصل بين الديني والدنيوي ، وضمور ما يسمى بالصبغة الدينية للحياة. اما الاتجاه الثاني (الاخباري) فهو يميل الى نوع من الثنائية الحيوية ، حيث يتعايش الديني والدنيوي ، كلا في مجال خاص به. وفي هذا الاطار يعمل اهل الفقه على ابراز الصبغة الدينية والتاكيد على خطوط الفصل بين العالمين.
رغم ان ظهور الاجتهاد كان تعبيرا عن حاجة المسلمين لتطوير حياتهم الدينية ، الا انهم – لأسباب عديدة – تراجعوا عنه مبكرا ، وهيمن الاتجاه الاخباري بشكل صريح او ضمني. وفي وقتنا الحاضر لم يعد للعقل دور مستقل. بل اصبح تابعا ثانويا. ولهذا تجد الفقهاء يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث او في تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان الحل مستحيل ، ما لم نعط العقل دورا مستقلا موازيا للكتاب والسنة. لكن قرارا مثل هذا يتطلب تعديلا في التصور الاساسي او الفلسفة التي ينطلق منها الفقيه ، على النحو الذي شرحته آنفا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر رمضان 1440 هـ - 29 مايو 2019 مـ رقم العدد [14792]
https://aawsat.com/node/1743631

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...