‏إظهار الرسائل ذات التسميات التجربة الصينية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التجربة الصينية. إظهار كافة الرسائل

01/04/2020

ما بعد كورونا .. عبودية جديدة؟

|| بعض الناس يتقبل اخضاع حياته للرقابة المباشرة ، وهو يقول "لاتبوق ولاتخاف". لكن هذا نزول لا يليق بكرامة الانسان||
سأذكر القراء بصورتين ، لعل غالبيتهم قد صادف احداهما هذه الايام. الصورة الاولى لطائرة صغيرة مسيرة (درون) تقترب من سيدة في احد شوارع ووهان ، المدينة الصينية التي كانت بؤرة فيروس كورونا (او ربما مدينة اخرى) ، وثمة تعليق يفيد بان الطائرة أمرت السيدة بارتداء الكمامة والعودة للبيت. اما الصورة الثانية فهي لعربة مسيرة (روبوت) في العاصمة التونسية ، تقترب من سيدة ايضا ، لتامرها بالرجوع للبيت.
في كلا الصورتين ، شعر المشاهدون - أو معظمهم - بقدر من الضيق ، لما لاحظوه من فزع على وجهي السيدتين.  وظننت اننا ما كنا سنشعر بالضيق ، ولعل السيدتين ما كانتا ستشعران بالفزع ، لو ان الذي تحدث معهما رجل شرطة اعتيادي. لكن ان توقفك آلة وتصدر اليك أوامر ، فهذا يولد خوفا شديد في نفس الانسان يصعب احتماله ، سيما في ظروف الأزمة.
في الحادثتين حمولة رمزية ضخمة ، تشير لأحد المخاوف الكبرى التي تنتاب المحللين ، ازاء ما سيتلو انحسار وباء كورونا. كنت قد ذكرت في مقال الاسبوع الماضي ، ان شعور بعض الناس بنجاح النموذج الصيني في التعامل مع ازمة الوباء ، ربما ينصرف الى تجميل صورة الحكومات المركزية والشمولية ، حيث الانضباط والانتاجية مقدمة في القيمة على الانسان وحقوقه ، كما في الصين المعاصرة. ونقلت ايضا رأي خبراء قلقين من ان الوباء سيبرر منح النخب السياسية سلطات أوسع من المعتاد ، وان تلك النخب ستتمسك بالسلطات الجديدة حتى بعد زوال الوباء.
نعلم ان حصول النخب الحاكمة على سلطات إضافية ، يعني تقليص المساحات المفتوحة في الحياة العامة او الخاصة ، او ربما زيادة تمركز الدولة ، بدل التفويض التدريجي للسلطات نحو الادارات الوسطى.
كان نيقولو مكيافيلي ، المفكر الايطالي الشهير ، قد قال ان الناس لا يعبأون بكيفية توزيع السلطات ، لانهم لا يأملون في الوصول اليها. لكنهم يشعرون ان الحرية تعطيهم الامان الضروري للسعادة والاطمئنان. الحكومات التي تمارس رقابة لصيقة على الناس ، تجردهم من الامان ، لانها تجعلهم في حالة قلق دائم من ارتكاب خطأ. اما في ظروف الحرية ، فان الاخطاء الصغيرة التي اعتاد الناس على فعلها ، لا تودي بهم للسجن. الحرية – وفق مكيافيلي – ضرورية للناس ، لان الامان ضروري لحياتهم. والرقابة تقلص نطاق الامان.
الحقيقة ان التجربة الصينية (التي احبها بعض الناس) تضمنت نماذج لهذه الرقابة. ومنها مثلا ضبط حركة الافراد ومنعهم من ركوب القطارات او دخول المطاعم والاماكن العامة ، الا اذا عرفوا انفسهم بواسطة تطبيق خاص على هواتفهم المحمولة.
اعلم ان بعض القراء سيردد المثل المحلي السائر "لا تبوق – اي لا تسرق – ولا تخاف". وهو مثل يستعمل لتبرير خضوع الافراد لاجراءات امنية غير ضرورية ، وقد يكون غرضها الوحيد اشعار الفرد بانه تحت السيطرة.
والحق انه مثل غبي لايليق بعاقل ان يقبله على نفسه. لكنه - على اي حال - مثل مشهور. تخيل نفسك تقف بين ساعة واخرى امام مفتش آلي كي تخبره اين تذهب ولماذا. تخيل نفسك محاطا بعشرات الكاميرات التي تسجل دقائق حياتك اليومية ، حتى علاقاتك العائلية.     
 الميل للتمركز وتوسيع السلطات ، واستغلالها للسيطرة على حياة الافراد ، احتمال مقلق في مرحلة ما بعد كورونا. ربما لن تكون ممكنة بكاملها ، لانها ليست واقعية تماما . لكن على الانسان ان يحذر من الميل الغريزي عند الاقوياء لاستعباده ، فهذا سيكون اسوأ قدر ينتظره.
الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شعبان 1441 هـ - 01 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15100]

مقالات ذات علاقة

14/03/2006

النموذج الصيني في التنمية

||يعتقد الصينيون ان المهمة الاولى للاقطار النامية هي استئصال الفقر ، فهو علة الازمات والتطرف. تحتاج هذه البلدان الى حكومة تؤمن الخدمات العامة اكثر مما تحتاج للديمقراطية او الليبرالية||

  يشير "النموذج الصيني" الى برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تبناه الزعيم السابق للحزب الشيوعي الصيني دينغ سياوبنغ واستهدف رفع الناتج القومي من 250 دولارا للفرد في 1978 الى 1000 دولار في العام 2000. 

يتعامل هذا النموذج مع الجانبين السياسي والاقتصادي للتنمية كلا على حدة. فهو يستهدف في المقام الاول تحرير الاقتصاد بصورة تدريجية ، ضمان توزيع متوازن للمنافع المادية يميل بدرجة اكبر لصالح الطبقات الفقيرة ، التركيز على الاكتفاء الذاتي وتوسيع قاعدة الانتاج ، واستخدام الاقتصاد كعامل تعزيز للاستقرار والاستقلال الوطني. بناء على هذا فهو يرحب بالمساعدة الاجنبية على مستوى التمويل والتقنية لكنه يرفض التاثير الثقافي والسياسي. على المستوى السياسي يفترض النموذج اجراءات اكثر محافظة ، فهو يدعو لسيادة القانون ومستوى محدد من التمثيل الشعبي وقدر محدود من الحريات المدنية. بعبارة اخرى فهو ينحو صوب تحول ديمقراطي محدد ومؤطر ضمن الاطارات التي يقررها الحزب الشيوعي ، على نحو يحفظ القرار النهائي والسلطة العليا لقيادة الحزب. 


يختلف النموذج الصيني الى حد بعيد عن نموذج التنمية الكلاسيكي الذي تبشر به الولايات المتحدة الامريكية ومؤسسات التمويل الدولية والقائم على نظرية "العلاج بالصدمة = Shock Therapy" كما يختلف عن "برنامج التعديل الهيكلي" الذي صممه صندوق النقد الدولي للدول الافريقية جنوب الصحراء.
وجوهر اختلاف النموذج الصيني يكمن في مقاربته التجريبية والمتعددة السرعات لمسألة التنمية: ابدأ بمستويات صغيرة ، اختبر النتائج ، ثم عمم التجربة[1]. ويقول باحثون ان هذه المقاربة تستوحي حكمة صينية قديمة تقول : "حين تعبر النهر تحسس الحجارة تحت قدميك قبل الخطوة التالية =Mo zhe shi tou guo he".
من خلال هذه المقاربة نجحت الصين في تفادي الانعكاسات السلبية لنموذج العلاج بالصدمة الذي جربته دول اخرى مثل روسيا ومصر ، وادى الى فوضى اجتماعية وتذمر بين الطبقات المحدودة الدخل. طبقا لباحثين صينيين فان الفصل بين مساري التحديث الاقتصادي والسياسي يرجع الى قناعة بان كلا منهما يحتاج الى اليات مختلفة وظروف مختلفة ، وان البدء بالتحديث السياسي او البدء بهما معا يؤدي عادة الى اطلاق موجات عالية من التوقعات والامال غير الواقعية بين الجمهور. معظم هذه الامال تتوقف على رسوخ الاقتصاد الحديث وتمأسسه ، الامر الذي يتطلب وقتا طويلا.
في مرحلة الانتقال بين الاقتصاد التقليدي والحديث يشعر الكثير من الناس بالاحباط لعدم استجابة النظام الاقتصادي لتطلعاتهم ، الامر الذي يقودهم الى الاحباط وبالتالي التذمر. ولهذا السبب قرر الصينيون ان يبدأوا بتحديث الاقتصاد وجعله قادرا على الاستجابة لتطلعات الجمهور قبل فتح الباب امام تغييرات هيكلية في النظام السياسي. بعبارة اخرى فهم يقولون : دعنا نبدأ بتوفير مصادر العيش الكافية لعامة الناس حتى يستعدوا لممارسة حرياتهم المدنية انطلاقا من ارضية مستقرة[2]. طبقا لباحث صيني فان التنمية الراسخة تتطلب "اجماعا وطنيا على التحديث وتامين الاستقرار على المستويين السياسي والاقتصادي يتيح الفرصة لاصلاحات عميقة على المستوى المحلي" ومن هنا فهو يجادل بان :
المهمة الاكثر الحاحا بالنسبة للأقطار النامية هي استئصال الفقر ، فهو علة الازمات والاشكال العديدة من التطرف. ما تحتاجه المجتمعات النامية ليس حكومة ديمقراطية ليبرالية ، بل حكومة صالحة وقادرة على مكافحة الفقر وتأمين الحد الادنى من الامن والخدمات العامة [3].
 ارادت الصين انشاء شبكة امان لحماية الطبقات الضعيفة من القوى الشرسة للسوق الحرة. وتحقق هذا من خلال استراتيجيات تنموية ذات سرعات متفاوتة. فالمناطق الساحلية التي تتمتع ببنية تحتية مؤهلة للتغيير السريع ، حظيت ببرنامج تنمية مكثف ، ووجهت اليها طلائع الاستثمار الاجنبي ، وجرى تحويل اقتصادياتها بشكل شبه كل الى نظام السوق الحرة. اما الارياف والمناطق الداخلية ، الاقل استعدادا فقد اعطيت جرعات اقل وجرى التركيز بشكل متواز على انماء الاقتصاد ومساعدة الشرائح الفقيرة على التكيف مع النظام الجديد من خلال دعم حكومي مباشر.
رغم الكثير من الصعوبات والتحفظات على التجربة الصينية[4] ، الا ان نتائجها الفعلية كانت مذهلة. بين 1979 و 2003 ارتفع الناتج الوطني الاجمالي من 44.2 مليار دولار الى 1425.6 مليار ، بمعدل نمو سنوي يصل الى 9 بالمائة ، وهو اعلى معدل في العالم خلال هذه الفترة. خطة معالجة الفقر حققت هي الاخرى نتائج مذهلة ، فقد انخفض عدد الفقراء من 260 مليون (حوالي ثلث السكان) في 1978 الى 30 مليون (نحو 3 بالمائة) في العام 2000. وطبقا لتقديرات البنك الدولي فان معدلات الفقر في الريف الصيني قد انخفضت من 42.5 بالمائة في 1990 الى 24.9 بالمائة في العام 2000. ويعتمد البنك معدل دولار واحد للفرد في اليوم كخط عالمي لقياس الفقر[5]. ويظهر انعكاس النمو واضحا على تجارة الصين الخارجية التي تضاعفت 22 مرة خلال العقدين الاخيرين كثمرة لتوسع الصناعات التصديرية[6].
وفر الازدهار الاقتصادي ارضية للاستقرار وتعزيز النظام السياسي ، كما ساعد الصين على تعزيز دورها السياسي على المستوى الدولي. واجتذب نجاح هذا النموذج اهتمام النخب السياسية في العالم الثالث ، خاصة تلك النخب التي تسعى لتحديث اقطارها من دون التضحية بما تملكه من سلطة ونفوذ. فقد اثبت الصينيون ان تحديث الاقتصاد ممكن من دون تغيير بنيوي في النظام السياسي ، كما تفترض نظرية التنمية التقليدية (الغربية). ولاشك ان كثيرا من نخب العالم الثالث التقليدية يروقها النموذج الصيني ، فهي تريد بصدق بناء دولة قوية واقتصاد متطور من دون التضحية بالاركان الكبرى للنظام السياسي ، ولا سيما تلك المعتمدة على ارث ثقافي يمنح المشروعية.
مقتطف من الفصل السابع ، كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"

[1] See in this regard, Ramo, Joshua Cooper, The Beijing Consensus, The Foreign Policy Centre , (London  (2004.
[2] Deng Xioping, Quoted in Ramo, ibid., p. 24.
[3]  Zhang, Wei-Wei, "The allure of the Chinese model", International Herald Tribune, Nov., 1, 2006
[4] See for example Dirlik, Arif, "Beijing Consensus: Beijing "Gongshi." Who Recognizes Whom and to What End?", Globalization and Autonomy Online Compendium, e. edition, retrieved in Dec., 2, 2006, from http://www.globalautonomy.ca/global1/position.jsp?index=PP_Dirlik_BeijingConsensus.xml
[5] Nathalie & Riskin, Carl (eds), The Macroeconomics of Poverty Reduction: The Case of China, United Nations Development Programme, (Beijing, 2004), p. 1.

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...