اشقاؤنا في اليمن هم اكثر العرب استعمالا
لعبارة "تصفير العداد". ذلك ان رئيسهم السابق ، المرحوم علي
عبد الله صالح (1942-2017) اعتاد تعديل البند الخاص بالفترات الرئاسية في
الدستور ، كلما انهى فترة رئاسية ، كي يترشح
من جديد للانتخابات. وبلغت شهرة المصطلح ان الرئيس نفسه وعدهم يوما بانه "لن
يصفر العداد" مرة أخرى. اما انا فتعلمت معنى "التصفير" من ابني
الاكبر ، وهو مهندس كمبيوتر. في كل مرة اواجه مشكلة في جهازي ، كان ينصح بالتصفير =
Reset.
موضوعنا اليوم ليس العداد الرئاسي ولا
الكمبيوتري. انما اردت لفت انتباه القراء الاعزاء الى فكرة "التصفير العظيم =
Great Reset" التي اظنها سترافقنا في قادم الايام ، بل اتمنى ان يكون
العالم العربي ، لا سيما المثقفين والطبقات الجديدة ، جزءا من الحراك الذي يحمل
هذا العنوان ، والذي اظنه أهم التحولات في تاريخ البشر.
صديقي الصحفي اللامع حسن المصطفى يقول ان
التجارب الجديدة هي محور التاريخ البشري. وهي لم تتوقف أبدا. ولذا فالتحولات المنتظرة
احتمال طبيعي. وبدا لي هذا القول صحيحا في الجملة ، لكن لعله يقلل من أهمية
التحولات التي أدعي انها ستحدث بعد تلاشي جائحة كورونا.
لا اقول ان الجائحة أوجبت التحول او
صنعته. فقبلها كان العالم يتهيأ لقفزة واسعة في حقل الاتصالات والمعلوماتية ، تؤذن
بالانتقال الى عالم رقمي مخالف لما ألفناه حتى الآن.
حين تتبلور "الثورة
الصناعية الرابعة" حسب وصف البروفسور كلاوس شواب ، فان جانبا
اساسيا من الحياة سوف يتغير على نحو يصعب تخيله ، في الاقتصاد والتعليم والصحة
والمواصلات على سبيل المثال. اقول هذا لان معظمنا لم يتخيل ، قبل 20 عاما فحسب ،
انه سيعيش حياة ينظمها جهاز صغير في الجيب اسمه "الهاتف الذكي".
قلة من الناس يرون المستقبل. هذا مضمون اشارة الرئيس
السابق باراك اوباما في رثاء "ستيف
جوبز" مبدع فكرة الهاتف الذكي: "كان ستيف ثاقب البصيرة حين راى
المستقبل يوم عجز الاخرون ، وكان شجاعا حين كافح من اجل الامساك به ، بينما تردد
الاخرون".
في 2016 تبنى منتدى دافوس مفهوم "التورة
الصناعية الرابعة". وقد تحدثت عنه في مقال بهذه الصحيفة منتصف نوفمبر الماضي.
ونعلم ان المملكة قد وقعت اتفاقية مع المنتدى ، يجعلها جزء من هذا الحراك الانساني
الجديد. نذكر ايضا الصراع الشديد بين الولايات المتحدة والصين ، حول امتلاك تقنيات
الجيل الخامس ، التي ستكون عصب الشبكات والاتصالات في السنوات الآتية. هذا وذاك
يشيران الى مسار تحول بدأ بالفعل.
لكن الجديد الذي اضافته "كورونا"
هو تغيير الاولويات وتسريع بعض المسارات. سيناقش
منتدى دافوس فكرة "التصفير العظيم" في دورته القادمة. جوهر الفكرة ان الوباء
كشف للعالم نقاط ضعف مؤثرة ، وقرب احتمالات كانت مؤجلة. وفقا لبعض الباحثين فان الاضطرابات
العمالية في فرنسا نهاية 2019 ، والتظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة في الشهر
الجاري ، تستدعي مراجعة لفكرة "العقد الاجتماعي" و سبل تحقيق
"العدالة الاجتماعية" ولاسيما التناسب بين دور الدولة والمجتمع المدني
في هذا المجال.
هل لهذا علاقة بالتحول الى العالم
الرقمي؟
في راي علماء مثل مانويل كاستلز ، فان تبلور العالم الرقمي يؤدي الى:
أ) تغيير جذري في مفهوم الهوية الشخصية وتركيبها
، اي الجواب على سؤال: من أنا؟.
ب) تغيير مؤثر في معادلات القوة وتوزيعها
في المجتمع والعالم. ستحوز الطبقات
المهمشة دورا اكبر مما عرفه العالم في اي
وقت. وبسببه سوف نرى توزيعا مختلفا للسلطة وراس المال والتاثير الثقافي.
ولعلنا نعود لتفصيل الموضوع في وقت
لاحق.
الشرق الاوسط الأربعاء - 25 شوال 1441 هـ - 17 يونيو 2020 مـ رقم العدد [15177]
مقالات ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق