‏إظهار الرسائل ذات التسميات بريطانيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بريطانيا. إظهار كافة الرسائل

13/01/2021

ان تنتمي الى قوم بعينهم

 

اذا كنت قد زرت مدينة لوس انجلس غرب الولايات المتحدة الامريكية ، فلعلك سمعت بالحي الصيني (او المدينة الصينية كما تسمى هناك). واذا اتيح لك المكث برهة في العاصمة البريطانية ، فسوف تسمع عن احياء مثل ساوثهول او البرتون ، التي تسمى – تلطفا- "بومباي الصغرى". ولهذه الاحياء نظائر في معظم المدن الكبرى في اوربا الغربية. وهو ما يشير الى انجذاب البشر الى شركائهم في الثقافة او الهموم او أسلوب المعيشة.

لا نحتاج للتدليل على ان الانتماء الديني او القومي يؤلف رابطا بين اتباعه ، مهما اختلفت امصارهم وثقافاتهم. حين تكون في بلد اجنبي ، فيلفت نظرك اسم بعينه او لباس او مظهر شخصي ، فان ما لفت انتباهك في الحقيقة ، هو مقدار ما يشير اليه ذلك الاسم او اللباس من علاقة بقومك ، أي كونه منهم او كونه عدوا لهم. وهذا بذاته مؤشر على كون الانتماء الى قوم بعينهم ، واحدا من حقائق الحياة المحددة لمشاعر الانسان ورؤيته للعالم.

في وقت سابق تساءل باحثون: هل  في هذه الحقيقة دلالة على ان الشعور القومي طبيعي ، ام هو نتاج للتربية العائلية والاجتماعية؟. الفرق بين هذا وذاك ان الشعور الطبيعي يعني ان الانسان لايتدخل في انشائه او تحديد مستواه ، بل يجد نفسه جزء منه ، لايمكنه الانفكاك. بينما ينسبه الرأي الثاني الى تأثير البيئة المحيطة ، تماما مثل اللغة والمعارف والثقافة ، بحيث لو ان طفلا تربى في بلد مختلف او بين قوم مختلفين ، فسوف يشعر بالانتماء الى هؤلاء وليس الى قوم ابويه.

لو دققت في الفارق بين الرأيين ، لوجدت انهما يشيران في حقيقة الامر الى زمنين مختلفين. ينتمي الراي الأول الى  عصر ما قبل الحداثة ، حين كانت قيمة الفرد وهويته مجرد امتداد لقيمة الجماعة وهويتها: حين تولد لعائلة او قبيلة رفيعة الشأن ، سوف تكون رفيع الشأن ، وسوف تكون عاديا او مهملا ان ولدت في عائلة عادية او قبيلة ضعيفة.

المعلوم ان هذه الاعتبارات قد تضاءلت في عصر الحداثة ، وباتت قيمة الفرد ومكانته رهنا بانجازاته ، وبهذا لم يعد مستغربا ان ينتخب الامريكيون باراك أوباما رئيسا لبلدهم، مع انه ابن لأب فقير مهاجر. ان نسب الفرد وانتماءه العائلي والعرقي لم يعد محددا لقيمته ، كما في الماضي.

حسنا.. كيف يفهم كل منا انتماءه؟

هل نعتقد اننا وجدنا انفسنا في هذا الوسط الاجتماعي (الانتماء/القوم) وليس في يدنا ان نختاره او نختار غيره ، ام نرى ان في وسع الفرد ان يختار حياته ، ان يصنع أقداره ، ان يحدد من هو والى أي اطار ينتمي؟.

لعل بعضنا يتذكر الآن ان التوجيه الذي تلقاه أغلبنا في سنوات التعبئة الأيديولوجية المركزة ، كان يؤكد على ان الفرد "أسير" للاطار الاجتماعي الذي ينتمي اليه ، وانه لايملك الخيار في إصلاحه او تعديله او تركه  او اختيار بديل عنه. ويأتي هذا التوجيه في صيغ عديدة ، بعضها ترغيبي مثل القول بان العرب او المسلمين خيرة الله او الامة الناجية ، وبعضها ترهيبي مثل ا لقول بان الخارج منها متسافل/مرتد.. الخ ، كما تاتي أحيانا في صيغة مقارنة مع "الآخرين" الأكثر التزاما بقناعات قومهم مع انهم ادنى منا!.

الرسالة الضمنية لهذا التوجيه هي إلغاء فردانية الفرد وإبقاؤه ذائبا في جماعته ، أي منعه من الاستقلال او التمرد على القوالب المسبقة الصنع ، ومنعه من التواصل مع المختلفين الذين قد يعززون جانب التمرد في نفسه.

الشرق الأوسط. الأربعاء - 30 جمادى الأولى 1442 هـ - 13 يناير 2021 مـ رقم العدد [15387]

https://aawsat.com/node/2738151/

 

 مقالات ذات صلة

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

التنوع في اطار الوحدة

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة الترابكتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

المساواة والعدالة ديفيد ميلر

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنةمقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنةتفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

 

06/01/2021

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

 أقرا في هذه الأيام كتاب "حول الوطنية On Nationality" للمفكر البريطاني ديفيد ميلر. وهو قديم نسبيا ، فقد نشر في 1995. وتتوزع مواده على سبعة فصول ، في نحو 200 صفحة. وقد اراد المؤلف معالجة قضية راهنة وقت صدوره ، الا وهي اتجاه بريطانيا للتحول الى دولة متعددة الثقافات ، تعترف لكل سكانها بهوياتهم الخاصة ، وبما يشعرون حقا انهم ينتمون اليه.

 لقد نضج الان هذا المسار ، مما يدل على حكمة النخبة السياسية التي تبنته في بداياته. إلا ان موضوع الوطنية والقومية والهوية الوطنية ، لازال بذاته مثار جدل حتى اليوم. ان قرار البريطانيين الخروج من الاتحادالأوروبي ، مؤشر واضح على صعود التيار الذي يبالغ في الاعتزاز بالذات (وهو ميل ينصرف بالضرورة الى انكماش على الذات).

نعلم ان العوامل الاقتصادية هي التي حددت اتجاه التصويت في استفتاء 2016. لكن ينبغي القول – بصورة عامة – ان المجتمع البريطاني يشهد بالفعل صراعا ، بين من يدعي ان الانجلوساكسونية هي الهوية الوحيدة المعبرة عن بريطانيا  ، وبين طرف آخر يرى ان بريطانيا نموذج للعالم الجديد الذي تلتقي فيه الثقافات والحضارات ، ويتعارف فيه البشر ويتشاركون حياتهم ، مثل نهر كبير تصب فيه عشرات الروافد الآتية من مختلف الجهات.

وقد سبق ان كتبت عن البروفسور ميلر ، وذكرت حينها انه ينتمي الى شريحة صغيرة نسبيا من أساتذة الفلسفة السياسية ، الذين كرسوا جانبا هاما من بحثهم العلمي ، للربط بين النقاشات النظرية المجردة والقضايا المثيرة للجدل في الحياة العامة. والموضوع الذي نتحدث عنه اليوم مثال آخر على هذا التوجه.

 يطرح الكتاب مسالة القومية والوطنية ، من زوايا تضطر القاريء لمساءلة قناعاته السابقة ، وربما إعادة النظر في مفاهيم يعتبرها الناس مسلمات او بديهيات. أراد ميلر تقديم رؤية تجمع بين مباديء الوطنية/القومية ومباديء الليبرالية ، وهو يدعو لما يسمى ب "الوطنية المدنية" او "الوطنية الليبرالية".

الفرضية المسبقة في القومية هي قبول التمايز بين الأمم ، فالمنتمون الى أي أمة يقررون لانفسهم حقوقا لا يتمتع بها أبناء الأمم الأخرى. بينما تنطلق الليبرالية من فرضية ان كافة الحقوق توافقات بين البشر ، وليس فيها ما هو امتياز مرتبط بالولادة او العرق. ان الجمع بين المفهومين يتطلب قراءة ناقدة لكل منهما وتنازلات متبادلة.

نعرف ان مفهوم "الامة" القديم لم يعد قائما الا كعنصر ثقافي ، بينما مفهومها الجديد سياسي/دستوري. المفهوم الثقافي عابر للحدود ، ولا يترتب عليه أي حقوق سياسية ، لأن النظام القانوني للعالم الحديث بني على أرضية اتفاق ضمني ، فحواه أن الحدود الإقليمية تشكل خطوطا فاصلة بين أمم. ومن هنا فان مفهوم "الامة" الحديث ، يطابق مفهوم "الوطن" اي مجموع رعايا الدولة ، ويطلق على الحكومة اسم دولة الامة او الدولة الوطنية او القومية.

ثمة كثير مما يستحق الشرح هنا. لكني اود استغلال هذه المساحة في الإشارة الى افتقار المكتبة العربية لدراسات معمقة في مسالة الامة ودولة الامة ، وندرة البحوث التي تهتم بالمعاني الجديدة للقومية والوطن والمواطنة. اني اذكر بهذا نظرا لشعوري بان العرب من اكثر الشعوب احتياجا الى هذا النوع من الدراسات ، فهم يعانون فعليا من إشكالية العلاقة بين مفهومي الامة والوطن ، ولأن تراثهم الفكري لا يقدم أساسا مناسبا للصيغ الجديدة من هذين المفهومين. وأظن ان افتقارنا لتاسيس فكري وقيمي مناسب لهذه المباديء الكبرى ، يشكل واحدا من أسباب التوتر المزمن ، بين التيارات السياسية التقليدية ونظيرتها التي تتبنى منظورات حديثة.

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 جمادى الأولى 1442 هـ - 06 يناير 2021 مـ رقم العدد [15380]

https://aawsat.com/ node/2723741/

مقالات ذات صلة

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

التنوع في اطار الوحدة

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة الترابكتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

المساواة والعدالة : ديفيد ميلر

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنةمقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنةتفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...