‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماوتسي تونغ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماوتسي تونغ. إظهار كافة الرسائل

13/10/2021

نموذج مجتمع النحل

 

اظن ان مفهوم "بناء الدولة" مألوف لدى غالبية دارسي العلوم السياسية ، وربما غيرهم ايضا. وفيما مضى كنت أحسب أن محور هذه الفكرة ، هو اقامة جهاز اداري متماسك وفعال ، كي يستثمر مصادر قوة الدولة او يعيد تأهيلها او يخلق مصادر جديدة.

لكن استاذي البروفسور جون كين ، كان مرتابا جدا في هذه الفكرة. وهو يقول ان النظام الاجتماعي الذي يقام على هذا الاساس ، أقرب الى هرم مقلوب ، يعتمد ثباته على القوة الشخصية للزعيم. خذ مثلا جوزف ستالين (1878-1953) الذي اعاد بناء الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية ، وحوله الى دولة عظمى. خذ أيضا مثال ماوتسي تونغ (1893-1976) الذي حول الصين من بلد يموت مئات الالاف من سكانه بسبب الجوع في كل عام ، الى بلد هو الاسرع نموا في العالم. ويمكن ان نضرب مثلا بادولف هتلر ، والعديد من الزعماء الأقوياء الذين نجحوا في احداث تحولات عميقة جدا في بلدانهم ، خلال فترة قصيرة.

جوزف ستالين

يعتقد البروفسور كين ان هذا النموذج الباهر ، قصير الأمد. البناء الذي أقامه ستالين تفكك وانهار خلال خمسة عقود. ونموذج ماوتسي تونغ نجح اقتصاديا ، لكنه حول المجتمع الصيني الى شبه معسكر مترامي الأطراف. ولذا سرعان ما تنكر له خلفاؤه.

مشكلة هذه النماذج تكمن في ايمانها بمثال "مجتمع النحل" حيث يسود النظام الكامل الشامل ، الذي لا يتخلف عنه أحد. واقع الامر انه لا يمكن تنظيم الحياة الاجتماعية ، استنادا الى مثال مجتمع النحل ، ولا وفق "كاتالوج" او دليل الاستعمال ، كالذي يأتي عادة مع المكائن. هذا وهم كبير ، سبق ان تحدث عنه دعاة اليوتوبيا ، لكنه مستحيل التحقيق ، حتى في حده الأدنى.

تعمل المكائن بطريقة ميكانيكية ، فحركتها مشروطة بعامل خارجي ، وحدود انفعالها ثابتة لا تتغير. السيارة مثلا ، سرعتها محددة ب 200 كم في الساعة ، وهذا لن يتغير لو ضاعفت كمية الوقود او  غيرت السائق او الطريق. بخلاف البشر الذين يعملون بطريقة ديناميكية ، أي ان جانبا كبيرا من تفاعلهم يحدث في داخلهم ، على نحو يتجاوز تاثير العامل الخارجي.  ولهذا فان غالب المخترعين لم يتعلموا عند مخترعين مثلهم ، بل هم الذين ابدعوا ، لانهم اتخذوا ما تعلموه منصة للقفز في عوالم جديدة ، ولم يقفوا عند حدود ما تعلموه.

  كافة القادة الكبار تحدثوا عن "بناء الانسان" باعتباره رهانا اصيلا وأوليا لنجاح التنمية وتحقيق النهضة الشاملة. لكنهم في التطبيق انصرفوا الى التعامل مع الانسان كاداة انتاج. لهذا تراهم يتحدثون غالبا عن "واجبات" المواطن ومسؤولياته ، وليس حقوقه الأولية والمنفصلة عن انتاجه.

ليس ممكنا ان نحول البشر الى مكائن انتاج. وحتى لو افترضنا حصوله ، فكم من الناس يتحملون التحول الى آلات ، وكم من الوقت سيتحملون هذا الدور ، وما هو الثمن الذي يطلبونه في المقابل؟.

هذا نموذج مكتوب عليه الاخفاق. وقد جربه اليابانيون في الفترة بين الحربين ، وجربه الروس أيضا بعد الحرب الكونية الثانية. لكن فشله حتمي. ان السبيل الوحيد الذي جربه العالم وثبت نجاحه هو نموذج المواطنة الطبيعية المتساوية ، حيث يعطي الناس بقدر ما يأخذون ، من دون ان تفرض عليهم اية أوهام ايديولوجية او غيرها. في حالة كهذه سيأخذ الناس حقوقهم ويؤدون واجباتهم بصورة تلقائية. ان التلقائية في الحياة هي النتاج الطبيعي للشعور بالامان والثقة في المستقبل وفي المحيط الاجتماعي. ونعلم ان هذا هو الظرف الذي يتولد فيه الابتكار والابداع الضروري لنهوض الوطن.

الشرق الاوسط الأربعاء - 7 شهر ربيع الأول 1443 هـ - 13 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15660]

https://aawsat.com/node/3242776/

مقالات ذات علاقة

«21» الفردانية في التراث الديني

«22» الهوية الفردانية

أن نفهم الآخرين كما هم لا كما نتصورهم

الانسان الذئب

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

تلاميذ ارسطو

الحق أولا

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

عن العالم المحبوب

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كيف تولد الجماعة

المسألة القومية واستقلال الفرد

مكانة "العامة" في التفكير الديني

 

19/12/2018

كلمة السر: كن مثلي والا..!


|| الذين يركزون على اللباس ويتحدثون عنه كرمز للالتزام السلوكي او القيمة الاخلاقية ، يحاربون – في الوقت نفسه – التعددية الثقافية والقيمية.||

 لسبب ما ، قفزت الى ذهني صورة كبيرة ملونة رايتها في مجلة "بناء الصين" حوالي العام 1974. تظهر الصورة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ في لباسه العسكري التقليدي ، يخاطب حشدا هائلا من الناس الذين ارتدوا زيا مماثلا لزيه ، بنفس اللون تماما ، واصطفوا في صفوف منتظمة ، بحيث يستحيل ان تميز احدهم عن الاخر.
تذكت تلك الصورة وأنا أقرأ تغريدة تنسب للدالاي لاما ، الزعيم الروحي للتبت ، مقولة حكيمة نصها ان "الدين موجود كي تسيطر على نفسك ، لا على الآخرين".
لا ادري ما الذي ربط هذا القول بتلك الصورة ، فأحيا ذكراها بعد عقود من النسيان. لكن الفكرة التي يعرضها الدالاي لاما ، تثير هما عميقا وتسلط الضوء على جوانب عديدة من سلوكياتنا وعلاقاتنا بالآخرين. لتوضيح الفكرة ، دعنا نبدأ من الصورة.
لا بد ان بعض القراء مطلع على أدبيات اليوتوبيا ، الكتابات التي تخيلت مدينة فاضلة ، خالية من النزاعات والفقر والجريمة. تشكل الفكرة محور كتاب "الجمهورية" للفيلسوف اليوناني افلاطون. كما انها حلم أثير لبعض الناشطين والكتاب ، رغم ادراكهم لاستحالتها بل وعبثيتها.

لاحظت ان الاعمال السينمائية التي بنيت على فكرة اليوتوبيا ، استعملت "اللباس الموحد" كرمز للانضباط العام والمساواة التامة. ولعل بعض القراء قد شاهد هذا التصوير في فيلم "اكويليبريوم = التعادل" مثلا. اما في الواقع فقد رأيناه في الصين خلال عهد ماوتسي تونغ ( 1945-1976) وفي كوريا الشمالية في عهد كيم ايل سونغ (1948-1994).

نعلم ان اللباس الموحد لايعكس غير المساواة الظاهرية. لكن التطلع الى التماثل السلوكي وجبر الناس عليه ، يعكس ميلا عميقا ، غامضا احيانا ، عند بعض البشر ، فحواه ان المجتمع الامثل هو ذلك الذي يكون فيه الناس نسخة واحدة مكررة او متماثلة في كل شيء.
هذا التصور المتطرف ، مستحيل التطبيق في الحياة الواقعية. ولذا فان اصحابه يصرفونه غالبا الى التماثل الظاهري ، الذي يرمز اليه اللباس الموحد او المتماثل. ونلاحظ مثلا ان الذين يركزون على اللباس ويتحدثون عنه كرمز للالتزام السلوكي او القيمة الاخلاقية ، يحاربون – في الوقت نفسه – التعددية الثقافية والقيمية.
هؤلاء يرون ان منظومة القيم واحدة مطلقة ، وانها مطابقة للقيم التي يتبعونها في حياتهم. بعبارة اخرى فهم يعتبرون ثقافتهم وتعبيراتهم وطريقتهم في الحياة ، تلخيصا كاملا للقيم الاخلاقية ، ويتمنون تحويل بقية الناس الى نسخ مكررة عنهم.
تأخذنا هذه النقطة الى مقولة الدالاي لاما. اي استخدام الدين كأداة للتحكم في حياة الآخرين. فهو يفترض – وهو محق تماما – ان جوهر التدين هو التحكم في الميول والغرائز الشخصية ، حتى يصبح فعل الانسان وتفاعله مع غيره ، تجسيدا للكمال الذاتي. لكن الأمر ينعكس الى الضد حين يتحول المتدين الى رقيب على الناس ، همه الاكبر جبرهم بالقول او بالفعل ، على مشابهته. جوهر هذا السلوك هو ارادة التحكم ، اي ممارسة نفوذ واقعي او افتراضي على من يظنهم أدنى منه قيمة.
ماوتسي تونغ وكيم ايل سونغ لم يكونا متدينين حين فرضا على الناس ان يكونوا نسخا مكررة عنهم. الدين في جوهره ليس أداة جبر ، لكنه قد يستخدم في التحكم ، مثلما تستخدم أي ايديولوجيا في تبريره. كلنا يود ان يدعو الناس الى طريقه. لكن علينا ان نسأل انفسنا دائما: الا يحتمل ان هذه الدعوة ، في الباطن ، مجرد محاولة لفرض النفوذ والتحكم في حياة الاخرين؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 11 شهر ربيع الثاني 1440 هـ - 19 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [14631]
https://aawsat.com/node/1510146

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...