‏إظهار الرسائل ذات التسميات مجتمع النحل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مجتمع النحل. إظهار كافة الرسائل

29/12/2021

لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين

 

ذكرت في مقال سابق ان فقهاء الشريعة ، تختلف آراؤهم في الموضوع الواحد ، كما تختلف احكام القضاة في القضية الواحدة. وهكذا الأمر عند مفسري القرآن وعلماء الطبيعيات والهندسة ، بل كل علم يعرفه الانسان.

لولا الخلاف في المواقف لسادت الأحادية ، وتحول المجتمع البشري الى ما يشبه مجتمع النحل. ولولا تقبل العقلاء للاختلاف في الرأي والاجتهاد ، لانجبر الناس في طريق واحد ، ومات العلم. الخلاف والاختلاف هو الماء الذي تحيا به شجرة العلم.

حلقات الدرس في المسجد الهندي-النجف

هل ينطبق هذا المبدأ على علوم الدين أيضا؟.

نعم بطبيعة الحال. لكن لماذا هذا السؤال؟.

السبب الأول للسؤال هو الاختلاط المشهود بين ما هو علمي بحت وما هو مقدس ، الأمر الذي يجعل البحث العلمي المحايد في غاية العسر. ولهذا يواجه دعاة الاصلاح والتفكير الديني الجديد عنتا شديدا ، حين يحاولون استعمال المناهج الجديدة في البحث العلمي ، وهي مناهج تتعامل مع قضايا العلم وأدلتها من زاوية تقنية او وظيفية بحتة ، ولا تعبأ بالجانب المقدس في موضوع البحث. من عوامل التأخر في علوم الشريعة ، الخوف من خرق المقدسات. وهو قد يكون خوفا صحيحا ، او ربما مجرد وهم.

أما السبب الثاني  فهو اعتقاد كثير من عامة الناس ، بأن ما يسمعونه من الخطيب او الفقيه ، وما يقرأونه في كتب الفقه ، هو نفس ما قاله النبي او صحابته الذين سمعوا منه. وإذا كان ثمة اختلاف ، فهو قصر على الشرح والتوضيح ، ولا يخالف الأصل في كثير ولا قليل. وهذا غير صحيح طبعا.

ما يقوله الخطيب او الفقيه هو اجتهاده الخاص ، او اجتهاد من يرجع اليه. بديهي انه ليس كل حافظ للقرآن والحديث ، قادر على الاستدلال واستخراج الحكم الشرعي. ولو كان الاستدلال بهذا اليسر لما احتجنا الى متخصصين في علوم الشريعة ، ولاكتفينا بكتب النصوص المعتمدة والتي تتوفر لكل من يطلبها ، مع شروحها وتفاسيرها.

لكنا نعلم ان الاستدلال عملية مغايرة لقراءة النص وشروحه. الفرق هنا يماثل الفرق بين عالم الميكانيكا ، وبين شخص قرأ دليل الاستعمال او ربما اخذ دورة في صيانة المحركات. فالأول محيط بالقواعد العلمية التي تحكم عمل المحرك والتقنيات المستخدمة فيه ، وبالتالي فهو مؤهل لتعديل المحرك ان اقتضى الأمر. أما الثاني فحده الأقصى هو تنظيف المحرك او ربما إصلاح بعض اعطاله ، بمعنى المحافظة عليه كما هو.

حسنا.. لماذا لا يتكل طلبة العلم الشرعي على اجتهادات من سبقوهم ، بدل ان يعيدوا النظر فيها ويطرحوا آراء جديدة ، غير التي اعتاد عليها الناس؟.

الجواب بسيط: تخيل لو بقي الناس على الرأي القديم القائل بحرمة التصوير ، او حرمة المطبعة أو السفر الى البلاد الاجنبية او تعلم الجغرافيا والفلسفة واللغات الاجنبية وحرمة التعامل مع البنوك.. الخ .. كيف سيكون حال الناس وحال دينهم؟.

لولا الاجتهادات الجديدة ، لكان الناس في حرج شديد ، بل ربما تخلوا عن دينهم من اجل ضرورات الحياة. هذه امثلة بسيطة تظهر ان الاجتهاد ، اي نقد الآراء السائدة والبحث عن بدائل ، هو الطريق الوحيد لتمكين الناس من الجمع بين متطلبات دينهم وضرورات دنياهم.

أظن ان هذا يوضح بما يكفي الحقيقة التي يعرفها كل العقلاء ، وهي ضرورة المراجعة المستمرة للخطاب الشرعي ، من اجل تكييفه مع ضرورات الحياة الجديدة ، كي لا يقع الناس في الحرج. هذه الضرورة هي التي تملي علينا قبول الاختلاف والمخالفة ، حتى لو تعلقت بما نعتقد انه من الاساسيات والثوابت.

الشرق الأوسط الأربعاء - 25 جمادى الأولى 1443 هـ - 29 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15737]

https://aawsat.com/node/3383581

مقالات ذات صلة

 "أحدث من سقراط"

الاسلام في ساحة السياسة: متطلبات العرض والتطبيق

تأملات في حدود الديني والعرفي

التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

رأي الفقيه ليس حكم الله

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

في علاقة الزمن بالفكرة

نقد التجربة الدينية

نموذج مجتمع النحل

الوحدة الاوربية "آية" من آيات الله

13/10/2021

نموذج مجتمع النحل

 

اظن ان مفهوم "بناء الدولة" مألوف لدى غالبية دارسي العلوم السياسية ، وربما غيرهم ايضا. وفيما مضى كنت أحسب أن محور هذه الفكرة ، هو اقامة جهاز اداري متماسك وفعال ، كي يستثمر مصادر قوة الدولة او يعيد تأهيلها او يخلق مصادر جديدة.

لكن استاذي البروفسور جون كين ، كان مرتابا جدا في هذه الفكرة. وهو يقول ان النظام الاجتماعي الذي يقام على هذا الاساس ، أقرب الى هرم مقلوب ، يعتمد ثباته على القوة الشخصية للزعيم. خذ مثلا جوزف ستالين (1878-1953) الذي اعاد بناء الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية ، وحوله الى دولة عظمى. خذ أيضا مثال ماوتسي تونغ (1893-1976) الذي حول الصين من بلد يموت مئات الالاف من سكانه بسبب الجوع في كل عام ، الى بلد هو الاسرع نموا في العالم. ويمكن ان نضرب مثلا بادولف هتلر ، والعديد من الزعماء الأقوياء الذين نجحوا في احداث تحولات عميقة جدا في بلدانهم ، خلال فترة قصيرة.

جوزف ستالين

يعتقد البروفسور كين ان هذا النموذج الباهر ، قصير الأمد. البناء الذي أقامه ستالين تفكك وانهار خلال خمسة عقود. ونموذج ماوتسي تونغ نجح اقتصاديا ، لكنه حول المجتمع الصيني الى شبه معسكر مترامي الأطراف. ولذا سرعان ما تنكر له خلفاؤه.

مشكلة هذه النماذج تكمن في ايمانها بمثال "مجتمع النحل" حيث يسود النظام الكامل الشامل ، الذي لا يتخلف عنه أحد. واقع الامر انه لا يمكن تنظيم الحياة الاجتماعية ، استنادا الى مثال مجتمع النحل ، ولا وفق "كاتالوج" او دليل الاستعمال ، كالذي يأتي عادة مع المكائن. هذا وهم كبير ، سبق ان تحدث عنه دعاة اليوتوبيا ، لكنه مستحيل التحقيق ، حتى في حده الأدنى.

تعمل المكائن بطريقة ميكانيكية ، فحركتها مشروطة بعامل خارجي ، وحدود انفعالها ثابتة لا تتغير. السيارة مثلا ، سرعتها محددة ب 200 كم في الساعة ، وهذا لن يتغير لو ضاعفت كمية الوقود او  غيرت السائق او الطريق. بخلاف البشر الذين يعملون بطريقة ديناميكية ، أي ان جانبا كبيرا من تفاعلهم يحدث في داخلهم ، على نحو يتجاوز تاثير العامل الخارجي.  ولهذا فان غالب المخترعين لم يتعلموا عند مخترعين مثلهم ، بل هم الذين ابدعوا ، لانهم اتخذوا ما تعلموه منصة للقفز في عوالم جديدة ، ولم يقفوا عند حدود ما تعلموه.

  كافة القادة الكبار تحدثوا عن "بناء الانسان" باعتباره رهانا اصيلا وأوليا لنجاح التنمية وتحقيق النهضة الشاملة. لكنهم في التطبيق انصرفوا الى التعامل مع الانسان كاداة انتاج. لهذا تراهم يتحدثون غالبا عن "واجبات" المواطن ومسؤولياته ، وليس حقوقه الأولية والمنفصلة عن انتاجه.

ليس ممكنا ان نحول البشر الى مكائن انتاج. وحتى لو افترضنا حصوله ، فكم من الناس يتحملون التحول الى آلات ، وكم من الوقت سيتحملون هذا الدور ، وما هو الثمن الذي يطلبونه في المقابل؟.

هذا نموذج مكتوب عليه الاخفاق. وقد جربه اليابانيون في الفترة بين الحربين ، وجربه الروس أيضا بعد الحرب الكونية الثانية. لكن فشله حتمي. ان السبيل الوحيد الذي جربه العالم وثبت نجاحه هو نموذج المواطنة الطبيعية المتساوية ، حيث يعطي الناس بقدر ما يأخذون ، من دون ان تفرض عليهم اية أوهام ايديولوجية او غيرها. في حالة كهذه سيأخذ الناس حقوقهم ويؤدون واجباتهم بصورة تلقائية. ان التلقائية في الحياة هي النتاج الطبيعي للشعور بالامان والثقة في المستقبل وفي المحيط الاجتماعي. ونعلم ان هذا هو الظرف الذي يتولد فيه الابتكار والابداع الضروري لنهوض الوطن.

الشرق الاوسط الأربعاء - 7 شهر ربيع الأول 1443 هـ - 13 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15660]

https://aawsat.com/node/3242776/

مقالات ذات علاقة

«21» الفردانية في التراث الديني

«22» الهوية الفردانية

أن نفهم الآخرين كما هم لا كما نتصورهم

الانسان الذئب

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

تلاميذ ارسطو

الحق أولا

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

عن العالم المحبوب

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كيف تولد الجماعة

المسألة القومية واستقلال الفرد

مكانة "العامة" في التفكير الديني

 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...