‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانسحاب الامريكي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانسحاب الامريكي. إظهار كافة الرسائل

08/09/2021

الاسئلة التي تزيدنا جهلا


قبل تسعين عاما اصدر الامير شكيب ارسلان كتابه الشهير "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم". ويذكر في قصة الكتاب انه جاء استجابة لنقاشات دارت في تلك الايام ، على خلفية التحدي الاوروبي للعالم الاسلامي ، في مجال العلم والاختراع والقوة العسكرية والاقتصادية وغيرها.

خلال ربع القرن الأخير ولدت أسئلة جديدة ، وتبين ان سؤال الامير شكيب أقام سياقا ، هو بذاته مشكل.  ولهذا لم نستفد منه في اثارة نقاش جاد ، بل تحول الى وسيلة تنفيس عن القهر.

شكيب ارسلان

بيان ذلك: ان سياق النقاش افترض مسبقا ان التأخر والتقدم مرتبط بالدين ، تبعا للدعوة الاوروبية الى العلمانية. وقد ردت النخبة المسلمة على هذا الادعاء ، بتنزيه الاسلام عن التخلف او التسبب فيه. وقد بدا لي من دراسة تلك النقاشات ، ان موضوع الجدل يومئذ هو "الهوية" وليس "الدين" ، اي الاسلام باعتباره عنوان انتماء ورابطة بين اتباعه. لم يكن لمسألة التقدم كبير شأن في تلك النقاشات ، فقد انحصرت في الرد على دعاوى الغرب ومساعيه للنفوذ في العالم الاسلامي. وتبعا لذلك تحول موضوع التقدم الى عنوان للجدل في موضوع مختلف تماما هو علاقة المسلمين بالغرب.

أدى الاختلاط بين هذين النقاشين ، الى اهمال تام لمسألة التقدم كموضوع مستقل ، له شروطه وحاجاته وسياقه الخاص. واظن ان هذا كان من اعظم الرزايا التي ابتلي بها العرب والمسلمون ، في حاضرهم وماضيهم. فحين تهمل مسألة التقدم ، فانك ستنصرف – شئت ام ابيت – الى تقديس الماضي ، وسيتحول حاضرك الى امتداد للماضي ، فتبقى متخشبا في موقعك من التاريخ ، بينما يتحرك البشر الى الأمام.

واضيف الى هذه الرزية ، ان العلاقة مع الغرب قد تلبست رداء الدين ، وفسرت في سياق الصراع بين الأديان ، كما استدعي التصوير الوارد في النص الديني ، كوصف نهائي لهذه العلاقة.

يعلم العقلاء ان علاقات الامم (حتى المتعادية منها) تتغير بين زمن وآخر ، تبعا لتغير الظروف والمصالح وموازين القوة. لكننا – للسبب الوارد اعلاه – جمدنا هذه العلاقة في صورة واحدة هي العداوة ، حتى ان فقهاء المسلمين اتفقوا قولا واحدا على حرمة السفر الى تلك البلاد الا لحاجة ماسة ، وليس للتعارف والتسالم والتعلم وعمران الارض ، كما  هو حكم العقل ، فضلا عما نعرفه من مقاصد الرسالة المقدسة.

حين اتطلع اليوم الى العالم من حولي ، أجد الغرب محيطا بنا من كل جانب. ولهذا تعددت صور العلاقة معه. وبسبب الفهم الموروث الذي القى عليها رداء الدين ، فقد انشغلنا بتصور اشكال العدوان الغربي ومؤامرات الغرب وخيانة الغرب ، وغير ذلك من التصويرات والتشبيهات البليغة ، التي لا تخبرنا عن واقع ولاتكشف مخفيا ، بقدر ما تعزز اوهامنا القديمة ، وتكرس عزلتنا الروحية عن عصرنا وعالمنا.

من يتشكك في صدقية هذه الدعوى ، أدعوه لمراجعة ردود فعل المسلمين على الانسحاب الامريكي من افغانستان ، وكيف تحول من موضوع للنقاش الجاد (هل هو جيد ام سيء ، هل كنا نريده ام نرفضه ، هل احسن الامريكان الى الافغان ام اساؤوا ، هل ينطوي على فرص ام تحديات.. الخ) تحول موضوعا للتندر والسخرية ، وجمع المعايب والمبالغة في تصويرها ، واستخدامها في بيان قبح الغرب عموما وامريكا خصوصا.

اليس هذا هو ما تعلمناه طيلة قرن من الزمان؟.

ترى من الذي تضرر من هذا الفهم الاعوج.... نحن الذين تجمدنا في نقطة قصية من تاريخ البشرية ، ام الغرب الذي يتحرك الى الامام بسرعة الطائرة؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 30 محرم 1443 هـ - 08 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15625]

https://aawsat.com/home/article/3176371/

مقالات ذات علاقة

 

الاسئلة الباريسية

انقاذ النزعة الانسانية في الدين

تلميذ يتعلم وزبون يشتري

الحركة الاسلامية ، الغرب والسياسة -1

حول طبيعة السؤال الديني

 خلافة على منهاج نبوة

الديمقراطية والاسلام السياسي

ركاب الدرجة السياحية

الشيخ القرني في باريس

العولمة فرصة ام فخ ؟

قادة الغرب يقولون دمروا الاسلام ابيدوا اهله

كيف نتقدم.. سؤال المليون

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد المشروع طريق الى المعاصرة

وهم الصراع بين الحضارات

اليوم التالي لزوال الغرب

 


21/07/2021

البلاد بوصفها "مسرح العرائس"

 

اسهل الكلام هو اتهام الأفغان بانهم دمى تحركهم اياد اجنبية ، وان صراعاتهم كلها حروب بالوكالة. ومثله في السهولة اتهام السوريين والليبيين. اني لا انفي وجود اياد اجنبية في أي مكان. ولا أنفي انها تؤثر ، ولولا انها مؤثرة لما التفت اليها احد. لعل بعضنا يعرف ان القضاء الأمريكي لازال يحقق في "أياد روسية" حاولت التاثير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. فاذا وصل الامر الى واشنطن فان كابل ايسر مؤونة.

رغم هذا فان اطلاق القول على هذا النحو مدعاة للسخرية. ولهذا يميز طلبة العلوم السياسية ، سيما الذين تدربوا على دراسة الحقل المشترك بين العلاقات الدولية وإدارة الازمات ، بين قيام الأجنبي ب"خلق ازمة" وقيام الأجنبي ب "استثمار أزمة ، نشطة او خاملة".

أعرف حالات قليلة جدا ، شهدت نجاح الايادي الأجنبية في خلق أزمات أدت الى صراع اهلي. لكن معظم حالات الصراع الأهلي تطور عن تأزمات داخلية ، فشل أطرافها في معالجتها على نحو سليم ، فنشأ فراغ أمني او فراغ سياسي ، مهد الطريق للتدخل الأجنبي.

ما الداعي لهذا الحديث اليوم؟

اعلم ان انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان ، والتوسع المفاجيء لحركة طالبان ، سوف يجتذب اهتمام القراء. ولابد أنه سيحرك الكثير من النقاشات. فأردت استثمار المناسبة لكشف ما اظنه عيبا جوهريا ، في الثقافة السياسية السائدة بين العرب المعاصرين وبعض جيرانهم المسلمين. هذا العيب هو ببساطة احتقار الذات ، الذي يتغطى بعباءة تفخيم الذات او تبرئة الذات.

حين تقول ان كل الأطراف المتصارعة تقاتل بالوكالة عن قوى اجنبية ، فانت تشير ضمنيا الى ان الأطراف المحلية ، عاجزة عن اتخاذ القرار في أمور بلدها ، وحتى في تحديد دورها الخاص ومستقبلها ضمن هذا البلد. اذا قلت هذا الكلام ، فسوف تجد من يلقي الكرة في ملعبك سائلا: وهل انت واحد من هؤلاء العاجزين.. وهل قبيلتك او اهل ديانتك او قريتك ممن تحركهم الايادي الخارجية ، كما يفعلون في مسرح العرائس؟.

 يعلم الانسان بانه سيواجه هذا السؤال ، ولهذا فهو يستبق الأمور بتفخيم الذات وتنزيهها ، من خلال رمي المشكلة على الغير (الذي يكون في غالب الأحيان غائبا ، او غير قادر على المجادلة والرد). كمثال على هذا: يقول الليبيون انه لم يكن لديهم أي مشكلة قبل ان يأتي أناس من الخارج ، نفس الشيء قاله بعض العراقيين والافغان وربما غيرهم. بعبارة أخرى فان المسالة تتدرج على مرحلتين: الأولى الادعاء بان اهل الداخل أدوات تحركها قوى اجنبية (المضمون ان شعبنا عاجز عن القرار والفعل) ، الثانية: التحليل: لان اهل الداخل عاجزين فهم لن يرتكبوا خطأ (المضمون: طالما لم تتسبب في المشكلة فلا لوم عليك ، حتى لو انخرطت فيها لاحقا).

هذا كلام ينطوي على استهانة بالذات وبالمحيط الاجتماعي ، وان تلبس عباءة البراءة وتنزيه الذات. لانه حتى لو افترضنا جدلا انه صحيح ، فسوف يعود السؤال: هل كنتم مجرد قطيع يسوقكم راع هبط عليكم فجأة ، فاطعتموه من دون ان تعرفونه... اما كان الالاف منكم قادرين على التوقف لحظة والتفكير فيما يجري واكتشاف "المؤامرة" المدعاة؟.

الواقع ان معظم النزاعات الاهلية التي نعرفها ، في محيطنا العربي والإسلامي وصولا الى بقية قارات العالم تفجرت لوجود علل وأمراض في البنية الاجتماعية او السياسية. ان وجود هذه العلل في الاصل مؤشر على تقصير اهل البلاد ، وكان يتوجب عليهم المبادرة في علاجها يوم اكتشفت ، قبل ان يمسي العلاج مستحيلا ويصبح التفكك خيارا وحيدا ، كما جرى في السودان وقبلها في يوغوسلافيا السابقة.

يتعلق الموضوع في الجوهر بمسألة "الاجماع الوطني". ولهذا حديث آخر نعود اليه قريبا ان شاء الله.

الشرق الاوسط الأربعاء - 11 ذو الحجة 1442 هـ - 21 يوليو 2021 مـ رقم العدد [15576]

https://aawsat.com/home/article/3090701/

 

مقالات ذات صلة

المؤامرة والسياسة

حكومة العالم الخفية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

الشيعة في زمن جديد

الحر كة الا سلامية ، الغرب والسيا سة ( 2 من 3 )

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...