‏إظهار الرسائل ذات التسميات السعودية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السعودية. إظهار كافة الرسائل

21/09/2022

في يوم الوطن.. تأمل في الخطوة التالية


نحتفل هذا الأسبوع باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية ، ذكرى مرور 90 عاما على توحيد البلاد ، التي كانت بقاعا مشتتة وامارات متنازعة ، فانعم الله على أهلها بالسلام والأمان والألفة. في مناسبة كهذه يستذكر الناس محاسن بلادهم ، كما يتأملون الطريق الى مستقبلهم. ولحسن الحظ فان بلادنا حزمت أمرها – بعد مكابدة طويلة - فانضمت الى ركب الحداثة. ورأينا ثمار هذه  الشجرة الطيبة ، ونأمل مزيدا منها في قادم الايام.

نعلم ان التحولات الكبرى تحمل في طياتها تحديات جديدة ، كما تكشف عيوبا مستورة. وقد شهدنا بعضها ، خلال السنوات القليلة الماضية. لكن الانصاف يقتضي القول انها مرت بسلام ، حتى ليظن الناظر من بعد أن الأمور  كانت هكذا على الدوام.

يهمنا ونحن نحتفي بالحاضر ، ان نلقي نظرة على المرحلة التالية والطريق اليها ، وما تقتضيه من مهمات ، أبرزها في رأيي الحريات الشخصية والمدنية وضمانها بالقانون. بديهي ان هذه لا ترتبط بالمناسبة لذاتها. لكنها جديرة بان تطرح في كل وقت ، وفي هذه المناسبة خصوصا ، لان إقرار الحريات العامة هو الجزء الجوهري في عملية التحديث. ان اختيارنا للحداثة يعني أن المجتمع والدولة يريدان الالتحاق بصف الدول الحديثة ، التي ابرز سماتها انها دولة الامة. دولة الأمة تعني ببساطة ان الإدارة الحكومية وما يتبعها من مؤسسات ، أي كل ما يندرج تحت مسمى "القطاع العام" قائم لخدمة المواطنين وليس للسيطرة عليهم.

في الدولة الحديثة ، الشعب هو محور عمل الدولة وهو غايتها وهو أداتها أيضا. المواطن في الدولة الحديثة شريك في ملكية تراب الوطن ، ولذا فهو مسؤول عن هذا التراب ، مكلف بعمرانه وكف الأذى عنه وعن ساكنيه. ملكية التراب الوطني هي مصدر الحقوق الثابتة للمواطن. ونعلم بطبيعة الحال ان كل حق يترتب عليه واجب. لا توجد حقوق لا تقابلها واجبات وتكاليف. لكن يجب التأكيد على ان الحقوق سابقة للواجبات في عالم السياسة والقانون.

نفهم ان إقرار الحريات المدنية والفردية ، قد يثير تعارضات في المجتمع. لاننا عشنا سنوات طويلة ضمن نسق ثقافي/مجتمعي لا يرى الفرد الا تابعا للجماعة وامتدادا لقناعاتها ، ولا يفهم الجماعة الا كامتداد لسلفها ، وتأكيد على حضورهم الثقافي والرمزي في كل العصور. ولهذا وجدنا المجتمع قلقا من كل جديد ، في الاقتصاد وفي العلم والتكنولوجيا والتعليم ، بل في كل جانب. وهو قلق ينصرف دائما الى تقييد الحريات الفردية. ربما يذكر القراء الأعزاء المعلم الذي يحمل المقص ، ويفحص "طول شعر" الطلاب في طابور المدرسة  الصباحي ، لقمع موضات الشعر الطويل في تلك الأيام. لم يعد "مقص المعلم" حاضرا هذه الأيام ، لكن الضيق بالمختلف والمبتدع والمتمرد على التقاليد ، لازال حاضرا بصور وأشكال متنوعة ، كلها تقود – موضوعيا - الى نتيجة واحدة ، هي التدخل الاعتباطي في حياة الأفراد والتضييق على حرياتهم.

اعلم ان الخلاص من التدخل الاعتباطي في حياة الناس ، يحتاج الى علاج ثقافي في المقام الأول. لاننا لا نستطيع الدعوة الى قمع المجتمع ، بينما ندافع عن الحريات الفردية. وليس من المناسب تكميم افواه شريحة من الناس ، كي تتمتع الشريحة الأخرى بحريتها. مفهوم أيضا ان العلاج الثقافي يحتاج الى زمن. لكن الخطوة الأولى قانونية وسياسية ، خلاصتها تبني الدولة لقواعد قانونية تقر صراحة بالحرية الفردية والمدنية لكل مواطن ، وحقه في الاستمتاع بحياته على النحو الذي يريد.

اعتقد ان اعظم انجاز لأي مجتمع سياسي ، سيكون في تعظيم مكانة الفرد ، أي حماية حقه في اختيار نمط الحياة الذي يريد.

الشرق الأوسط الأربعاء - 25 صفر 1444 هـ - 21 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [16003]

https://aawsat.com/node/3885876

31/08/2022

جدل الهوية الفردية وتأزماتها

لاحظت في هذه الأيام انبعاثا مستجدا للنقاش حول الهوية. وقد وصلتني أسئلة من أصدقاء ، أثار اهتمامهم ما كتبه الروائي المعروف عبد الله بن بخيت ، حول الفردانية والاستقلال والهوية الفردية ، وقابليتها للتمييز عن الهويات الأخرى ذات البعد الجمعي.

عبد الله بن بخيت
وقد لقي مقال الأستاذ بخيت المنشور بجريدة "عكاظ" يوم الاحد الماضي ، اهتماما استثنائيا بين القراء ، واحسب انه طرق بشدة على وتر حساس ، في نقاشات يريد الخليجيون ، ان يجدوا لها نهاية مريحة. لكن غالبيتهم يواجهون خيارات صعبة ، نظرا لارتباط المسألة بما يعتبر تحولا في مفهوم التدين او حدوده. ليس سرا ان هذا الجانب هو الجزء الأكثر إثارة ، في جدل الهوية في مجتمعات الشرق الأوسط. ان محرك هذا الجدل ، هو ميل قطاع معتبر من الجيل الجديد ، لتعريف انفسهم كأفراد مستقلين ، يختارون شروط تدينهم ومقدار تأثيره على حياتهم اليومية.

هذه الرغبة تبدو بسيطة واعتيادية في أيامنا هذه ، ولا سيما بالنسبة للطبقة الوسطى التي تلقت تعليما حديثا. لكنها مع ذلك تثير قلقا كبيرا ، وربما أثارت نزاعات عائلية واجتماعية. السبب معروف لدى معظم الناس ، وخلاصته ان المنطقة شهدت طيلة العقود الخمسة الماضية ، تشديدا على أولوية الهوية الدينية ، وكونها مزاحمة للهويات الموازية ، الفردية والجمعية. وقد تعمق هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، واستخدمت فيه الموارد العامة ، فتحول الى نوع من القسر الثقافي والاجتماعي ، الذي لا يترك مجالا لأي تعبيرات موازية او بديلة.

وفي هذا السياق ، بات كل مواطن مطالبا بأن يحدد موقفه الثقافي/الديني وموقعه الاجتماعي ، مع التيار الديني القوي النفوذ او ضده. والضد يشمل بطبيعة الحال اتباع الأديان الاخرى ، والمنتمين لتيارات ثقافية او اجتماعية صنفت معادية ، مثل انصار الحداثة في الادب والحركة النسوية ، فضلا عن اتباع المذاهب الإسلامية التي صنفت كمبتدعة.

مسألة حقوق النساء هي المثال الأكثر بروزا في الصراع حول الهوية الفردية. فخلال الفترة المذكورة أعلاه ، جرى تحديد اطار ضيق نسبيا لحياة النساء ، يتضمن اعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية ، وإقناع المجتمع كله بان المشاركة الاقتصادية والاجتماعية للمرأة ، تعني انخراطها في مؤامرة عالمية يتزعمها مركز الأبحاث الأمريكي "راند" ، وهدفها القضاء على دين الله.

فيما يخص التمايز الاجتماعي ، يقول بن بخيت انه عايش كثيرا من زملاء العمل الشيعة ، لكنه نادرا ما تنبه للفارق المذهبي. أما في الفترة المشار اليها أعلاه (والتي يطلق عليها اجمالا اسم الصحوة) فقد بدأ يتحسس ويتعرف على نقاط الفرق ، في الكلام العابر وفي الأسماء والملابس والاهتمامات ، بدأ يشعر انه واياهم لا يشكلون مجتمعا واحدا ، كما تخيل في الماضي. يرجع السبب الى كثافة التوجيه الديني ، الذي يؤكد على الفوارق والحدود ويحذر من التماهي والاندماج.

خلال السنوات الأخيرة ، باتت الدعوة لانهاء تلك الحقبة وما جاء في سياقها ، فكرة ثابتة في أعمال المثقفين والكتاب الخليجيين. كما ان تسارع التحول الى الحداثة في السنوات الأخيرة ، وعودة نحو ربع مليون مبتعث للجامعات الأجنبية ، ساهم في تعميق هذا الاتجاه.

لكنه – كأي تحول اجتماعي – يلقى مقاومة من جانب شريحة مستفيدة من الحال السابق ، وأخرى قلقة من ان يؤدي هذا التحول ، الى الاضرار بالصبغة المحافظة للمجتمع.

يبدو لي ان الانتقال الى الحداثة غدا قدرا لا مفر منه ، وان التحول الاجتماعي يتسع ويتعمق يوما بعد يوم. لكن – كما اسلفت – سيكون ثمة كبوات واثمان ، وهذي من طبائع الأمور.

الشرق الأوسط الأربعاء - 4 صفر 1444 هـ - 31 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15982]

https://aawsat.com/node/3846461

 مقالات ذات علاقة 

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

الخروج من قفص التاريخ

سجناء التاريخ

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الدين والهوية ، خيار التواصل والافتراق

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حول الانقسام الاجتماعي

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

كيف تولد الجماعة

من القطيعة الى العيش المشترك

الهوية المتأزمة

06/04/2022

الذات الجمعية وعقلية القطيع

 

ذكرت في الاسبوع الماضي ان اول مقدسات التغيير هو تعزيز الايمان بالذات الجمعية ، وخلاصتها اننا – كمجموع – قادرون على النهوض وصناعة مستقبل مختلف. وقد أشكل الصديق سامي الخزاعي على هذه الفكرة ، بأنها قد تنتهي الى تسويد عقلية القطيع ، وقتل الروح الفردانية الضرورية للنهضة.

وقد وجدت الخزاعي محقا في قلقه. لدينا تجارب عديدة تشير لانقلاب الحراك النهضوي الى حالة شعبوية ، تخدم مصالح خاصة لطبقة او فئة حزبية ، او ربما تخضع لقناعات شخصية ، يصعب القطع بكونها مطابقة لمصالح المجتمع العليا.

مصنع مدرعات في المانيا النازية

أمامي أمثلة عديدة ، أبرزها تجربة الحزب النازي الذي نجح خلال فترة وجيزة في انهاء الفوضى العارمة التي أغرقت ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى ، وحولها الى دولة صناعية في غاية القوة والانضباط. لقد انضم غالبية الألمان الى مشروع النهضة هذا ، إيمانا بشعاره المحوري "ألمانيا فوق الجميع" ، الذي شكل صلة الوصل بين مشروع النهضة والمجتمع الألماني. لكننا نعلم ان هذا المشروع العظيم ، انقلب الى مبرر للقضاء على كل راي مخالف ، وقمع كل مختلف أو معارض للأيديولوجيا الرسمية.

وجدنا حالة قريبة من هذه في مصر الناصرية ، التي سعت لحشد المجتمع وراء فكرة التحرير والنصر على اسرائيل. ونعرف ان مصر قد تأخرت بمسافة شاسعة عن أقرب منافسيها ، بسبب هيمنة العسكر والمصفقين ، وانكفاء اصحاب الرأي والخبرة او اقصائهم. واسمع عن حالة قريبة من هذه في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله في لبنان ، حيث لا يسمح بأي صوت يتعارض مع شعارات الحزب ومتبنياته الايديولوجية والسياسية ، وكل ذلك تحت عباءة المقاومة والتصدي لما يسمونه المؤامرة الدولية.

ورأيت بعيني تطبيقا لنفس الفكرة في ليبيا في عهد العقيد القذافي ، الذي نجح في جعل أساتذة الجامعات واهل الرأي ، يرتجفون رعبا أمام موظف حصل بالكاد على الشهادة الثانوية ، لا لشيء الا لأنه حفظ مقولات "الكتاب الأخضر" واقاصيص الزعيم الملهم.

هذه اذن مشروعات ، بدأت – ربما - بحسن نية ، وساندها جمهور الناس عن قناعة بأن الحركة – ولو كانت خاطئة – خير من الجمود. لكنها انقلبت الى حركات شعبوية ، تحول الناس من فاعلين في الحياة او صانعين للحياة ، الى كومبارس في فرقة موسيقية ، دورهم الوحيد هو ترديد ما يقوله الرئيس/المايسترو.

لا ينبغي الظن بأن هذا مصير كل حركة نهضوية. فلدينا تاريخ البشرية كله ، شاهد على أن غالبية التجارب النهضوية ، انتجت حضارات او شاركت في انتاج مسارات حضارية. ولولا ان معظمها نجح وأفلح ، لما كنا نستمتع اليوم بعالم متطور تكنولوجيا ومتطور قانونيا وانسانيا. في تجربة الهند واليابان والولايات المتحدة وغيرها ، أمثلة ناصعة على قابلية المجتمع لتوليف حراك جمعي ، رغم كثرة الاختلاف بين اطيافه ، وفيها أيضا دليل على قابلية المجتمع الناهض ، للحفاظ على التوازن الضروري بين بروز الذات الجمعية من جهة ، واحترام استقلال الأفراد من جهة ثانية.

زبدة القول انه ليس مستبعدا ، ان يتحول النهوض الاجتماعي الى محرقة للحريات العامة وحقوق الانسان. لكن تجربة الانسانية التي كشفت لنا عن هذه الامكانية ، أكدت لنا ايضا ان معظم التجارب انتهت الى نتائج سعيدة للانسان وعالمه.

أبرز ما نستخلصه من تلك التجارب ، هو الترتيب الموضوعي بين المقصد الاساس ، اي النهضة ، وبين النواتج الجانبية المحتملة ، مثل الاستبداد وقمع الحريات العامة. لا ينبغي بطبيعة الحال التهوين من خطورة هذا الناتج. لكن علينا ان لا نغفل ايضا حقيقة انه يأتي في المرتبة الثانية ، فلا يصح التردد في المشروع النهضوي خوفا من الاحتمالات السلبية المصاحبة له.

الشرق الأوسط الأربعاء - 5 شهر رمضان 1443 هـ - 06 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15835]

https://aawsat.com/node/3574801

 

مقالات ذات علاقة

احتواء التحدي وتحييده

اخلاق المدينة وحدودها

استنهاض روح الجماعة

اعادة بناء الاجماع الوطني

انهيار الاجماع القديم

حول الاجماع الوطني

مقدسات التغيير

مقدسات التغيير: مراجعة أولى

من الكويت الى نيوزيلندا: "هذولا عيالي..."

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

30/03/2022

مقدسات التغيير: مراجعة أولى


ولدت هذه الفكرة بعدما قرأت عتابا للصديق عبد العزيز بن حمد ، على "تويتر" ، منصة التدوين القصير المشهورة. وفحوى ذلك العتاب ان كاتب هذه السطور وعد تكرارا بالعودة لاستكمال فكرة ناقصة ، في مقال آخر ، لكنه لم يفعل. ومن أبرز ما حضرني اثناء قراءة هذا العتاب ، مقالة نشرتها في صحيفة الاقتصادية قبل 8 سنين ، وهي مستوحاة من رؤية المؤرخ المعروف أرنولد توينبي ، حول قابلية المجتمع لمواجهة التحديات الكبرى. وقلت يومها اننا بحاجة لتبني ثلاثة مبادئ ، بل رفعها الى مرتبة القداسة ، كي تكون دليلا لحركتنا نحو المستقبل. ووعدت في نهاية المقالة المختصرة بالعودة الى شرح الأفكار ، لكني – للانصاف – لم أرجع لها الا لماما أو عابرا.

سوف اخصص هذه المساحة للتذكير بالمبدأ الأول من مقدسات التغيير ، وهو  تعزيز الايمان بالذات الجمعية. وخلاصته اننا – كمجموع – قادرون على حل مشكلاتنا بأنفسنا ، قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم. بل نحن قادرون أيضا على منافسة الآخرين الذين تقدموا علينا ، في بعض الجوانب على الأقل ، بما يقيم نوعا من التوازن النفسي ويعزز الثقة في الذات.

لا أظن أحدا يخالف هذه الفكرة. فنحن نسمعها من عشرات المتحدثين ، بين حين وآخر. لكننا مع ذلك لا نشعر اننا نسير حثيثا في طريق التقدم. هذا على الأقل ما تلمسه من مقالات الصحافة المحلية ، ومن تعليقات الناس في منصات التواصل الاجتماعي.

والذي أظن ان الفكرة السابقة ككل ، غير واضحة في أذهان غالبية الناس. فهناك أولا اختلاط هدف التقدم ، باعتباره الغاية الأسمى للنظام الاجتماعي ، مع الأهداف الصغيرة او الآنية ، مثل عدم توفر وظائف للجميع ، غلاء المعيشة ، ضعف مستوى الخدمات البلدية.. الخ. ان انشغال الناس بأمثال هذه المشكلات يحملهم على الاعتقاد بان التقدم الذي يذكرونه ، ليس له معنى غير علاج تلك المشكلات. واضافة الى هذا ، فهناك من يلخص فكرة التقدم في الرفاهية ، التي تعني مزيدا من المال والاستهلاك وتجميل مرافق العيش.

لعل اقرب نموذج عملي لفكرة التقدم (في التجربة السعودية على الأقل) هي "رؤية 2030" والبرامج العملية المساندة لها.  وهي مخطط ضخم جدا ، اعتقد أنه سيغير وجه الحياة في المملكة ، حتى لو انجز نصف المشروعات المخططة في إطاره فقط.

وضعت "رؤية 2030" على ضوء نظرية التنمية الكلاسيكية ، التي تربط النمو الاجتماعي المتعدد الجوانب بالمحرك الاقتصادي. ومن هنا فان غالب مشروعاتها تندرج ضمن نسق تحديث الاقتصاد ، وهو ايضا المبرر الرئيس للدور المحدود - نسبيا – للمجتمع الأهلي في سياسات "الرؤية" ومشروعاتها.

خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة ، لاحظت اهتماما أكبر بدور المجتمع الأهلي ، ولا سيما في مساندة التحولات الثقافية المرافقة لتطور مشروعات "الرؤية". لكن المسافة لازالت شاسعة بين الواقع الراهن والدور الذي ينبغي للمجتمع ان يؤديه في دعم الرؤية وحمايتها.

في اعتقادي ان انفعال المجتمع بهدف "التقدم" ، وتبنيه لعناصره ومفاهيمه ، هو السبيل الوحيد كي يتحول المجتمع من متفرج على برامج الانماء ، الى شريك فاعل في انشائها وحمايتها وتطويرها. المجتمع الذي نتحدث عنه هو الجماعة الوطنية ، اي كافة المواطنين باعتبارهم أمة واحدة ، هذا يفهم وفقا للقول المشهور "التعدد في اطار الوحدة الوطنية" اي هوية جامعة تحتضن بين جناحيها هويات قومية ومذهبية ودينية وثقافية متباينة ، تتفاعل ولا تتزاحم.

الشرق الأوسط الأربعاء - 27 شعبان 1443 هـ - 30 مارس 2022 مـ رقم العدد [15828]

https://aawsat.com/node/3561826/

 

مقالات ذات صلة

 اختيار التقدم

استنهاض روح الجماعة

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بقية من ظلال الماضين

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

حول برنامج التحول الوطني

خطباء وعلماء وحدادون

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

الطريق الى 2030

عجلة التنمية المتعثرة

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

06/10/2021

من جيل الى جيل

لفت انتباهي هذا الأسبوع حديث د. نورة الصويان (سبق 03-اكتوبر-2021) ، حول انعكاس التحولات التي تمر بها المملكة ، على سلوكيات الشباب وأوضاعهم النفسية ، ومن ثم تحولات العلاقة داخل العائلة وبين الجيران. وتقول الدكتورة الصويان ، وهي أستاذة جامعية بارزة واستشارية في مشكلات العائلة والزواج ، ان تسارع التحولات في المجتمع تؤدي بالضرورة الى تحولات موازية في شعور الافراد بذواتهم وتصورهم للعلاقة مع الاخرين في محيطهم.


 لكن الأمر لا يجري على نحو سلس أو متوائم  في غالب الأحيان. من ذلك مثلا أن تغير المكانة الاقتصادية والقانونية للنساء خلال السنوات العشر الأخيرة ، قد اثمر حسبما لاحظت الدكتورة الصويان ، عن تراجع التأزمات النفسية عند المرأة ، لكنه ولد عناصر تأزم إضافية عند الأزواج والشباب المقبلين على الزواج.

في العادة ينسب  هذا النوع من التحولات الى تغير ميزان القوى بين الجنسين. المرأة التي كانت تصنف اجتماعيا وقانونيا ك "تابع" باتت اليوم مستقلة الى حد كبير. ومع انه لا زال امامها مسافة قبل المساواة الكاملة ، الا ان ما حصل حتى اليوم يعتبر تحولا جذريا  ، حتى بالقياس الى ما كان عليه الحال في 2018 فضلا عما قبلها.

اني أميل الى مراقبة هذا النوع من التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، من خلال انعكاسها على ذهنية الفرد ، أي مجموع العناصر التي تسهم في تشكيل سلوكه العفوي ورؤيته لذاته والمحيط. هذه التحولات تعيد تشكيل الهوية الفردية ، على نحو يتناسب مع توجهات الفرد نفسه ، حتى لو جاء على خلاف ما تربى عليه ، او ما ورثه من ثقافة. في الحقيقة فان هذا هو الذي يحدث في أغلب الأحيان. ان ذهنية الفرد في مرحلة الطفولة (ومن ثم هويته) تتشكل بتأثير العائلة والمحيط الاجتماعي والمدرسة. لكن كثيرا من مكونات الهوية يعاد تشكيلها في مرحلة النضج ، ولا سيما بعد انضمامه الى سوق العمل ، تحت تاثير المحيط الأوسع.

ان الانفتاح على خارج المحيط الاجتماعي ، إضافة الى تغير نمط العيش او مصادره ، يشكلان العامل الأكثر تأثيرا في تشكيل هوية الفرد الجديدة. ولهذا السبب تحديدا ، فان علينا التأمل في النطاق الذي يتعامل معه الفرد ، في كل مرحلة من حياته. ان انفتاح الأطفال والمراهقين على العالم من خلال الانترنت ، يسمح بإعادة تشكيل ذهنيتهم وهويتهم في تلك المرحلة المبكرة. وبالتالي فان مفارقة الثقافة الموروثة ، وما فيها من تقاليد وأعراف وعلاقات ، ستبدأ في مرحلة مبكرة.

جوهر التغيير الذي يحصل في هذه المرحلة يتناول تقدير الفرد لنفسه ، حيث يشتد الميل الى مركزية الذات في مقابل الجماعة. ان رد الفعل العائلي والاجتماعي ، هو الذي يقرر ميل الفرد للانسجام او المنازعة او الانكفاء والخنوع. الافراد الذين يلقون تفهما وترحيبا من قبل العائلة والمدرسة ، سوف يحاولون التعبير عن ذواتهم المستقلة في إطار الجماعة. أما الذين يواجهون تثبيطا او مناكفة ، فهم على الأرجح سيركبون قطار التمرد ، اللين او الخشن.

مرحلة الانفتاح وامتداداتها هي التي تقرر الى حد بعيد ، مستقبل البلد ككل. اذا اردنا صناعة مستقبل مزدهر ، فعلينا ان نستوعب الشباب في لحظة انفتاحهم وما بعدها ، ان نتحمل نزوعهم القوي للاستقلال والتفرد ، وان خالف قناعاتنا المستقرة. اما اذا واجهناهم بالانكار ، فسوف ننتج جيلا فوضويا ، بعضه يحترف المناكفة وبعضه منكفيء على ذاته.

الأربعاء - 29 صفر 1443 هـ - 06 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15653]

https://aawsat.com/home/article/3229136/

 

مقالات ذات صلة

 استمعوا لصوت التغيير

تكون الهوية الفردية

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

شغب الشباب في اليوم الوطني   

  غلو .. ام بحث عن هوية

الفقر والإحباط والغضب

من المناكفة الى النهضة

النسوية والأقليات الثقافية

النسوية والأقليات الثقافية

24/02/2021

حرية الاختيار وجودة الحياة

 "برنامج جودة الحياة 2020" واحد من 12 مسارا استراتيجيا لتنفيذ رؤية المملكة 2030. وهو يستهدف – كما في وثيقته الرئيسية - جعل المملكة "مكانا افضل للعيش" من خلال تطوير الخدمات العامة الاساسية ، والمرافق الترفيهية والثقافية ، على نحو يزيد من رضا السكان عن حياتهم وصولا الى تحقيق السعادة.

اقترح على القراء الاعزاء مراجعة وثيقة البرنامج المتاحة على الموقع الالكتروني لرؤية المملكة ، فهي تحوي الكثير مما يجدر معرفته ومناقشته. وقد خصصت هذه المقالة لجانب اظنه يشكل خلفية مهمة للتفكير في البرنامج وتطبيقاته.

غرض البرنامج هو تحقيق "رضا العامة" من خلال تمكين الأفراد من اختيار نمط العيش الذي يلائمهم. هذا يعني بالضرورة توفر خيارات معيشية متعددة ، والضمان القانوني لحرية الفرد في اختيار ما يراه طريقا لتحقيق سعادته.

يذكرنا هذا بجدل قديم جدا ، لكنه يتجدد باستمرار ، جدل يتناول مفهوم السعادة والرضا. وأبدأ هنا بقول مشهور ينسب للامام الشافعي: "رضا الناس غاية لاتدرك". ومضمونه راسخ في ثقافتنا العامة ، بل هو أقرب الى المسلمات التي لا يجادل في صحتها أحد (مع انه في اعتقادي رأي ضعيف). وقد وجدت ان التسليم بهذا القول قاد الى  التباس شديد بين مفهومين للرضا ، أحدهما مطلب نسبي وهو رضا الجمهور عن الحاكم او عن شخص بعينه ، والثاني مطلب معياري هو رضا الناس عن حياتهم. وبسبب هذا الالتباس ، وبالنظر لرسوخ تلك المقولة ، فقد تحولت الى مبرر عند اهل الحكم في الكثير من بلدان العرب ، لعدم الاكتراث برأي الناس (لان رضاهم مستحيل).

إن اتفاق كافة الناس على الحكومة غير مطلوب ، وهذا معروف في كل المجتمعات. ولهذا توصلوا الى التصويت والانتخاب ، واعتمدوا موقف الأكثرية معيارا لحسم الخلاف والاختلاف.

لكن – وكما اسلفت – فان الرضا المقصود في "برنامج جودة الحياة" مختلف عن هذا. فالمقصود هنا هو رضا الناس عن حياتهم ، وهذا ناتج عن الأمان المادي والاطمئنان للمستقبل.

ويهمني إضافة عنصر "الأمان النفسي" الذي أراه ضروريا لربط الأمان المادي بمفهوم السعادة ، الذي يصنف عند الفلاسفة كهدف أسمى لكل نظام اجتماعي.

يتولد الأمان النفسي (ومن ثم الشعور بالسعادة) كنتيجة لقناعة الفرد بتوفر إمكانية فعلية لتحقيق ذاته. أي اعتقاده بأن البنية الاجتماعية والنظام القانوني يساعدانه ، او على الأقل يسمحان له بالسعي الى نموذج السعادة الذي يلائمه ، او نموذج العيش الذي يعتبره قرينا للسعادة ، وهذا ما نسميه بحرية الاختيار.

كان المفكر الإيطالي المعروف نيكولو مكيافيلي ، قد اقترح مفهوما فريدا للحرية ، خلاصته ان "الناس يريدون الحرية لانها تمنحهم الأمان". الحرية هنا تعني ببساطة ان يكون القانون في صفك ،  حين يتدخل الناس في حياتك او يستخدمون قوتهم المالية او نفوذهم الاجتماعي او مناصبهم ، في منعك من العيش حسب اختيارك. أنت إذن آمن من مزاحمة الآخرين ، لأن القانون يحمي حريتك في الاختيار.

في اعتقادي ان مجتمعنا (والمجتمع العربي ككل) مطالب بترسيخ قيمة الحرية في هذا المعنى على وجه الخصوص ، أعني حرية كل فرد في اختيار هدف حياته ونمط العيش الذي يحقق سعادته ، وان يعتبر هذا حقا للفرد يحميه القانون.

لا يتوجب على الحكومة ان تضمن السعادة للناس. لكن يجب عليها توفير الظرف القانوني والمؤسسي الذي يسمح للناس بالسعي نحو سعادتهم الخاصة ، التي قد تكون مختلفة عن تلك التي يسعى اليها الشيخ او القاضي او الوزير.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 رجب 1442 هـ - 24 فبراير 2021 مـ رقم العدد [15429]

https://aawsat.com/node/2824361/


مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

سيادة القانون ورضا العامة

صيانة الوطن في سيادة القانون

الطريق الى 2030

القانون للصالحين من عباد الله

نبدأ حيث نحتاج

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

 عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

الليبرالية في نسخة جديدة: رؤية جون رولز

 

06/11/2019

في معنى الردع وعلاقته بالطبع الاولى للبشر

مقال الاسبوع الماضي الذي تعرض للاختلاف التاريخي حول الطبع الاولي للانسان ، أثار جدلا غير قليل. ثمة قراء رأوا أن الخير هو الطبع الأصلي للانسان ، وثمة من قال بالرأي المعاكس. هذا الجدل لفت انتباهي الى مسألة متصلة بنقاش آخر يدور في بلدنا ، منذ صدور "لائحة الذوق العام" اواخر الشهر الماضي. وتضمنت اللائحة عقوبات مالية على سلوكيات غير لائقة عرفيا ، لكنها لم تصنف في الماضي كجنح او جنايات.
"Everything was fine until you insisted on accountability."

بيان المسألة على النحو الآتي: نفترض ان العقوبات التي يضعها القانون – أي قانون ، واي عقوبة – غرضها ردع الافراد عن القيام بالفعل المحظور. يهمني الاشارة هنا الى ان بعض العقوبات في التاريخ القديم كانت تستهدف الانتقام من الجاني ، كما ان البعض الآخر استهدف تمويل خزينة الحاكم. لكن هذه العقوبات لم تعد قائمة في عصرنا الحاضر.
خلاصة القول ان العقوبات التي يعرفها عالم اليوم ، غرضها (في الاعم الاغلب) هو الردع ، وفي نهاية المطاف تقليص الخروج على القانون او العرف الى أدنى مستوى ممكن.
حسنا.. ماهو معنى "الردع"؟ اي ما هي طبيعة الانعكاس الي تحدثه العقوبة في نفس الانسان ، بحيث يمتنع عن الفعل المحدد؟.
 اعلم ان بعض القراء سيقولون في انفسهم: هذا كلام زائد لا خير فيه ، لاننا في نهاية المطاف نتحدث عن "امتناع الفرد عن فعل بعينه" وهذا ما يحدثه الاعلان عن عقوبة ما.
اني أدعو هؤلاء السادة للصبر قليلا. لأن فهم المسألة قد يفتح أذهاننا على بدائل العقاب ، بل بدائل الردع بشكل عام. من المعلوم ان الردع ينطوي - بالضرورة - على نوع من القسر الخشن ، وربما المذل. والانسان يكره المخاشنة والاذلال ، ويفضل عليها المحاسنة والملاينة.
أقول هذا تشجيعا للقاريء العزيز على النظر في الشرح التالي من هذه الزاوية ، اي امكانية العثور على وسائل لمنع الافعال الخاطئة بالتوجيه اللطيف بدل القسر المذل.
لقد كنت افكر في هذه النقطة حين التقطت أذني جانبا من حديث لمفكر معاصر ، يشير فيه الى الفارق الواسع بين المحاسبة accountability والمسؤولية responsibility. الانسان محاسب على افعاله ، كما انه مسؤول عنها.
ترتبط المحاسبة بعقلانية الانسان. الانسان كائن عاقل بمعنى انه يحسب العواقب المترتبة على افعاله ، فيختار الفعل الذي ينتهي الى عواقب حسنة ، ويتجنب الفعل الذي ينتهي الى عواقب سيئة. والافعال الحسنة والسيئة هنا ، هي ما تقبله المجتمع كفعل حسن ، وما رفضه كفعل قبيح. كما ان العقاب قد يكون جسديا او ماليا ، وقد يكون مقتصرا على القطيعة والانكار. تتمظهر العقلانية اذن حين يكون الانسان عضوا في مجتمع او مدينة ، والافعال المعنية هي تلك التي تؤثر على اعضاء آخرين او على املاك مشتركة لاعضاء المجتمع.
أما  المسؤولية فترتبط بحقيقة ان الانسان كائن اخلاقي. اخلاقي بمعنى انه يمتنع – من تلقاء نفسه – عن الافعال التي يراها ضارة بالغير ، او غير لائقة او مقبولة ، حتى لو لم تكن ضارة بشخص معين. ويقدم على الافعال التي تفيد الناس حتى لو لم يستفد منها هو ذاته.
دعني اقول كخلاصة: ان من يرى الشر طبعا اوليا للبشر ، ينظر للردع كمحرك لعقلانية الانسان. ومن يرى الخير طبعا أوليا للانسان فهو ينظر للردع كعامل استثارة لاخلاقية الانسان.
ولازال في الحديث بقية نعود اليها في وقت آخر ان شاء الله.
 الشرق الاوسط الأربعاء - 9 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 06 نوفمبر 2019 مـ رقم العدد [14953]

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...