‏إظهار الرسائل ذات التسميات حرب الخليج. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حرب الخليج. إظهار كافة الرسائل

22/04/2015

اسطورة الحرب النظيفة


لا اعرف اسم الذي ابتكر مصطلح "الحرب النظيفة". لكن الشركات المنتجة لما يسمى بالقنابل الذكية والصواريخ الموجهة ، بذلت جهدا كبيرا لترويج الفكرة في العقد الاخير من القرن المنصرم. كان صامويل كوهين مخترع القنبلة النيوترونية قد اطلق عليها اسم "القنبلة النظيفة" فهي لا تدمر جسرا ولا سيارة بل تكتفي بقتل البشر والحيوانات والشجر وكل كائن حي يتعرض لشعاعها. انها ببساطة تخلص الدنيا من الاحياء (ربما كان كوهين يعتبرهم قذرين او سببا لقذارة العالم).
كانت حرب الخليج الثانية (1991) اول حرب حقيقية تشهد استعمالا فعليا للقنابل الذكية. ثم ظهرت كسلاح رئيسي لدى القوات الامريكية في اجتياحها للعراق عام 2003. وقد اجتهد صناعها يومئذ في الترويج لفكرة انها نظيفة بمعنى انها تصيب الاهداف المحددة على نحو دقيق يحول دون اصابة المدنيين والمنشآت غير المستهدفة سلفا. كان هذا الاسم ردا على الصحفيين وناشطي المجتمع المدني الذين حاولوا ثني البيت الابيض عن تكرار ما جرى في حرب فيتنام من تدمير كارثي للغابات والمدن فضلا عن المباني الحكومية.
لكني اظن ان مصطلحات مثل قنبلة ذكية وحرب نظيفة تحمل من السخرية اكثر مما توحي بأساطير القوة وعظمة التكنولوجيا. لا توجد حرب نظيفة في واقع الامر. السلاح الاكثر ذكاء هو السلاح الاكثر تدميرا. ربما يكون نظيفا بمعنى انه لا يؤذي مستعمله او لا يستتبع اعباء اخلاقية فيما لو انحرف عن هدفه. لكن الحرب هي الحرب ، يكفي ذكر اسمها عن وصفها او شرح ما تحمله في طياتها من مآس وآلام.
قد يكون هذا الكلام مفيدا قبل ان تبدأ الحرب. أما وقد اشتعل اوارها ، فهو انشاء غير ضروري ولا يستحق التوقف.  ما يهم فعلا في ظرف الحرب هو التأمل في نهايتها. ربما كان وينستون تشرشل ، الزعيم البريطاني ، هو الذي قال يوما ان الحرب اداة للتفاوض مع الخصم ، وليست هدفا بذاتها. هذه الفكرة اصبحت اليوم من بديهيات السياسة. فالحكومات تحارب كي تعيد تشكيل المشهد السياسي في البلد المستهدف ، او كي تفرض على خصومها تعديل مواقفهم على النحو الذي ينسجم مع خطة سلام جرى اعدادها سلفا.
المسألة المهمة اذن تتعلق بالغايات المستهدفة من وراء الحرب. فيما يخص عاصفة الحزم ، فالواضح الآن انها قد انجزت هدفها الابرز ، الذي افترض انه تعديل موازين القوى على الساحة اليمنية ، على نحو يسمح باطلاق حوار سياسي متكافيء بين الاطراف المتصارعة على السلطة هناك.
صحيح ان السلطة الرسمية لم تستطع حتى الان استعادة موقعها في الميدان. لكن الأطراف الاخرى ، واعني خصوصا الحوثيين وحزب المؤتمر والحراك الجنوبي استوعبت على نحو واضح الحدود القصوى لقوتها الميدانية وما يمكن ان تنتجه من وقائع سياسية او مكاسب سياسية. فكرة "حدود القوة" هي احدى التعبيرات المشهورة التي تساعد في تفسير العلاقة بين الوزن الميداني والوزن السياسي لكل طرف. وفحواها ان ما يهم في نهاية المطاف ليس عدد الجنود الذين تحركهم ، وليس مساحة الارض التي تسيطر عليها ، بل اعتراف الاطراف الاخرى المنافسة بحقك في استعمال هذه العناصر كخلفية ومبرر لمطالبك السياسية. ما لم يعترف الاخرون بان هذه مبررات مقبولة فانها لا تنتج اية مفاعيل سياسية.
المفاوضات هي الطريق الوحيد لترجمة المكاسب الميدانية الى مكاسب سياسية ، اي حصة في سلطة يعترف بها الاخرون. نعلم ان تحالف عاصفة الحزم لا ينوي حكم اليمن ، وهو لا يستطيع ذلك على اي حال. ان الغرض الوحيد الذي يبدو معقولا هو اعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو متوازن ، يسهم في تحييد المخاطر التي يمكن ان تنجم عن انفراد طرف معين بمصادر القوة والقرار ، المخاطر على البلد نفسه وعلى الامن الاقليمي.
من هنا فان التحالف مطالب باطلاق خطة تحول سياسي ، تستثمر منجزات الحرب في اعادة بناء يمن جديد اكثر استقرارا وقدرة على النمو ، وحكومة قادرة على التحكم في مجريات الاوضاع على ارضها. هذا يعني على وجه التحديد مشروعا تأسيسيا تتفاوض عليه اطراف الصراع كي تنتقل الى مرحلة السلم واعادة البناء.
من المهم ان يبادر التحالف الى طرح خطة من هذا النوع ، لأن الظرف مناسب لاستقطاب الدعم الدولي. لو تأخر الامر فربما تطرح مشروعات موزاية من جانب قوى اقليمية او دولية ، قد لا تلبي بالضرورة الحاجات التي تسببت في اطلاق الحرب.
ربما نتحدث عن "الحرب النظيفة" في معنى اختصار المسافة بين بداية الحرب وبداية المفاوضات. اي في معنى اختصار الخسائر المادية والبشرية ، والتعجيل في ترجمة المنجز الميداني الى مساومة سياسية ، تعيد السلم الاهلي والاستقرار الاقليمي. هذا لا يجعل الحرب نظيفة تماما ، لكنه – على اقل التقادير – يخفف من أكلافها الانسانية.
الشرق الاوسط 22 ابريل 2015
http://goo.gl/xcz5XH


30/04/2013

حياتنا مليئة بالاسرار

 

سألني أحد الزملاء عن مصير المليارات التي حصلنا عليها في إطار تعويضات حرب الخليج. نعلم أن المملكة كانت بين أكثر الدول تضررا بهذه الحرب ، وأن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة التي تمثل الجانب السعودي في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات قد تسلَّمت 4.5 مليار ريال على الأقل.

بحثت في موقع المصلحة على الإنترنت ، وفي مواقع مشابهة عن المشروعات التي صرفت فيها هذه الأموال ، وعما إذا كان قد جرى تعويض الشركات والأفراد الذين تضرروا بالحرب ، أسوة بما حصل في دول أخرى. لكني لم أجد أي معلومات من هذا القبيل. كما أني لم أسمع بخطة مماثلة في بلدنا. ولا أعلم إن كان مثل هذا الموضوع قد وضع على طاولة النقاش أم لا.

وعلى أي حال ، فعدم معرفتي ليس دليلا على عدم وجود شيء. لكن الذي أثار دهشتي هو عدم وجود أي معلومات عن هذه المسألة المهمة في أي موقع حكومي عام.

فشلي في الحصول على تلك المعلومات حرّك فضولي لمطالعة مواقع رسمية أخرى. بدأت بموقع وزارة التربية باحثا عن مشروع ال 200 مدرسة التي كان مقررا افتتاحها بداية 2012. ونعلم أن الشركات الصينية التي التزمت بالمشروع ، تخلت عن العقد بعد ثلاث سنين من توق



يعه. كنت أبحث عن أي معلومات حول الموضوع في موقع الوزارة ، ولا سيما عن مصير الملياري ريال التي قيل إنها رصدت للمشروع. لكن لم أجد أي معلومات تشبع فضول الباحث.

قادني الفضول أيضا إلى موقع وزارة العمل ، فبحثت عن أي دراسة محكمة حول البطالة وتحولات سوق العمل السعودية الراهنة والمتوقعة. وبحثت عن أي دراسة حول الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لبرامج الوزارة المثيرة للجدل ، كبرنامج نطاقات وبرنامج حافز وأمثالهما. ولم تكن النتيجة خيرا من سابقتها.

لا أريد الإشارة إلى موقع هيئة الرقابة والتحقيق التي يرجع أحدث تقاريرها المنشورة على الموقع إلى عام 1430 (للتذكير نحن الآن في منتصف 1434هـ). وهذا التقرير ، مثل تقرير العام الذي سبقه يتألف من صفحتين (فقط) عن عمل سنة كاملة. ولا أريد الإشارة إلى موقع مصلحة الزكاة ، وعشرات المواقع الرسمية الأخرى ، التي يفترض أن توفر معلومات موثقة لعامة الناس حول أعمال أجهزة الدولة ، حول مشروعاتها القائمة والمقررة ، وإدارتها للمال العام الموكل إليها ، وحول إخفاقاتها ومبررات الإخفاق ، وحول خططها المستقبلية.

أشعر بعد تلك الجولة بأن حياتنا العامة مليئة بالأسرار. بعض هذه الأسرار مقصود لذاته. وبعضها غير مقصود ، لكن يبدو أن الإداريين يكرهون إشاعة المعلومات أو يخشون أن يأتي من يحاسبهم بناءً عليها. وأميل إلى الظن أن مجتمعنا كله ، عامة الناس ورجال الحكومة ، لم يألفوا فضيلة الكتابة والقراءة ، ولم يتعلموا قيمة التوثيق وحفظ المعلومات. هل سنبقى على هذه الحال؟.


الاقتصادية الثلاثاء 1434/6/20 هـ. الموافق 30 إبريل 2013 العدد 7141

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...