طبقا
لتصريحات د. الخثلان فان الجمعية الوطنية لحقوق الانسان سوف تقوم بجولات تفتيش في
السجون ومراكز الامن للتاكد من تمتع الموقوفين بحقوقهم الطبيعية والدستورية. ومع
هذه الخطوة الهامة فاني اقترح على اللجنة ان تصدر تقارير علنية عن نتائج تلك
الزيارات . ثمة انطباع سائد في عالم اليوم بان العلنية او الشفافية هي اقصر الطرق
واقلها كلفة لمعالجة المشكلات. بل ان هذا النوع من العلاج قد اخذ طريقه الى الطب
النفسي فثمة عيادات كثيرة في العالم تعالج مرضاها من خلال الجلسات الجماعية التي
يبوح فيها كل مريض لحضور الجلسة الاخرين بما يعانيه .
على
المستوى العام، الاداري او السياسي، تقوم
فكرة الشفافية على فرضيتين: الاولى : ان العيوب الادارية والمشكلات منفصلة موضوعيا
عن المتسببين فيها او المسؤلين عنهم ، وبالتالي فانه يمكن التعاطي معها دون
تحميلهم المسؤولية بمفردهم او الاساءة الى اشخاصهم. ثانيا : ان المشكلات والعيوب في الادارة او العلاقات
بين الادارة والجمهور هي اعراض لعيوب جذرية خفية ، ولهذا فان الاعلان عن وجود
المشكلة وطرحها للنقاش العام يؤدي بالضرورة الى زيادة الوعي بعناصرها الاخرى
واسبابها الجذرية وبالتالي فانه يساعد الاخرين الذي يواجهون المشكلة نفسها او
سيواجهونها في المستقبل على معالجتها مبكرا حتى لو لم تظهر اعراضها بصورة كاملة او
جلية.
واضح
ايضا ان العلنية تجبر المسؤلين في الادارات العامة على تحمل المسؤلية عن اعمالهم .
في مثل مجتمعنا يميل الاداريون الى ربط متكلف بين اشخاصهم وما يقومون به من عمل ،
فاذا نجح عمل ما ، اعتبروه انجازا شخصيا واذا فشل او تعطل ، سكتوا عنه كأن لم يكن
. ولهذا لا يحصل عادة ان يخرج احد المسؤولين ليقول ان مشروعا معينا او مهمة كلف
بها قد فشلت او انها نجحت ولكن دون المستوى المطلوب. العلنية في هذه الحالة تعني
بالتحديد جعل المعلومات المتعلقة بكل عمل متاحة لعامة الناس: المشروع المقرر
والاموال التي رصدت له ، والوقت المحدد لتنفيذه ونسبة الانجاز او اسباب الاخفاق.
الاساس الذي تقوم عليه هذه الفكرة هو ان المشروع العام لا يرتبط بالشخص القائم
عليه ، فهو ملك للمجتمع ككل ، ومن حق المجتمع ان يعرف كيف تدار امواله واعماله.
الموظف المسؤول ، مسؤول امام المجتمع ، وينبغي ان يكون صادقا حين يفشل عمله وحين
ينجح.
الكل
يعلم ان السجون ومقرات الامن ليست اماكن نزهة ، ولهذا لا يتوقع ان يسأل مفتشو حقوق
الانسان عن نوع الايسكريم الذي يقدم للنزلاء ، بل عما اذا كانوا يعاملون باحترام
يليق بالمواطن والانسان ، وتحفظ كرامتهم وحقوقهم . وابرز تلك الحقوق هي تمكين
المتهم او الموقوف من اثبات براءته او تخفيف عقوبته ، اضافة الى تمكينه من
المحافظة على مصالحه الجارية وراء الاسوار ، كي لا يكون التوقيف بداية النهاية لحياته
الاعتيادية التي يفترض ان يعود اليها يوما ما .
في
المجتمعات التقليدية ينظر الى الموقوف كمذنب حتى يثبت العكس ، ولهذا قيل في بعض
البلدان ان الداخل الى دوائر الامن مفقود والخارج منها مولود . نسأل الله ان لا
يبتلينا وبلادنا بهذا الحال المؤلم . وفي العالم كله فان اكثر انتهاكات حقوق
الانسان تجري في دوائر الامن ، ليس في المجتمعات التي تخضع لحكم الحديد والنار ،
بل حتى في المجتمعات الديمقراطية التي تتوفر فيها ادوات قانونية وسياسية للدفاع عن
المتهمين والموقوفين . والسبب في ذلك هو تفاوت القوة – على المستوى الشخصي - بين
السجان والسجين ، وغلبة الجانب الوظيفي على العلاقة بين الاثنين مقابل ضمور الجانب
الانساني. ولهذا السبب فان انتهاكات حقوق
السجناء والموقوفين متوقعة دائما. لكن ما ينبغي الاهتمام به هو حجم هذه الانتهاكات
، ودرجة استمراريتها . بكلمة اخرى فان نجاح جمعية حقوق الانسان في مسعاها الجديد
مرهون بقدرتها على تخفيض حجم الانتهاكات المكتشفة من ظاهرة عامة روتينية الى حالات
فردية يمكن ادانتها وتحديد المسؤولية عنها .
يبدو
ان الوقت لا زال مبكرا لمطالبة الجمعية بتقرير (فني) بالاسماء والتواريخ عن
الحالات التي بحثتها ، لكننا نتوقع على الاقل تقريرا اجماليا يخبرنا انها زارت
المقر الفلاني ووجدت فيه ، او لم تجد ، ما كانت تبحث عنه ، ويخبرنا ايضا عما اذا
كانت ترى نفسها قادرة على معالجة المشكلة المطروحة ام لا . في ظني ان مجرد الاعلان
عن انتهاكات محتملة للحقوق الانسانية في اي دائرة ، سوف يؤدي فورا الى اطلاق عملية
تصحيح فيها وفي نظائرها . ولهذا اعود الى التاكيد بان العلنية بذاتها علاج ، لانها
ببساطة تجعل المسؤولين وعامة الناس طرفا في التصحيح ، وهذا ما نسميه استنهاض
المجتمع لابداع الحلول الضرورية لمشكلاته.
عكاظ
السبت - 4/8/1425هـ ) الموافق 18 /
سبتمبر/ 2004 - العدد 1189
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق