‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسرائيليات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسرائيليات. إظهار كافة الرسائل

04/12/2025

قصة أبينا آدم

في يناير 1998 نشر الدكتور عبد الصبور شاهين كتابه "أبي آدم.. قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة" فأثار ضجة واسعة بين الملتزمين بالرؤية التقليدية للخلق. ورفعت دعاوى عديدة أمام المحاكم ، طالب بعضها بمنع الكتاب ومصادرته ، وطالبت أخرى بالحكم على المؤلف بالردة أو الاستتابة من الكفر. ونقل شاهين طرفا من هذا الجدل في الطبعات التالية للكتاب.

لم يكن شاهين متخصصا في البيولوجيا أو الوراثة أو تاريخ الانسان. ولذا يصعب اعتبار عمله علميا ، من هذه الزاوية. لكنه خبير في اللغويات والتراث الإسلامي. وقد استثمر خبرته في إعادة تفسير القرآن والسنة النبوية ، للتدليل على رؤيته المعارضة للفهم الموروث لقصة الخلق الأول. وهو يرجع اهتمامه بهذا الموضوع ، الى رغبته في تنظيف التراث مما أسماه التفسيرات المتأثرة بالاسرائيليات والخرافة ، بالاعتماد على قراءة جديدة لمصادر الدين نفسه. يقول في مقدمته للطبعة الثانية:

"أردت أن أدق رأس الأفعى الإسرائيلية اللابدة في الثقافة الإسلامية القديمة ، ممثلة في ما سمي بالإسرائيليات ، وهي لا تعدو أن تكون أساطير خرافية ، تسللت إلى الفكر الإسلامي ، وإلى عقل الإنسان المسلم ، فاعتمدها أئمة من أهل التفسير. ومن خلال تلك التفاسير ، سكنت في منطقة المسلمات من العقل المسلم ، وهي في الواقع أفعى إسرائيلية ، اعتنقها كثير من الرجال ممن لم يعملوا عقولهم في تحليل نصوص القرآن".

الفرضية المحورية للكتاب ، هي التمييز بين البشر كجنس قديم ، والانسان كجنس حديث. وقال ان آدم ابن لرجل وامرأة من البشر ، وهو أبو الانسان وليس أبا البشر ، ويتميز الانسان عن سلفه البشري بما ذكره القرآن ، من أوصاف كالعقل وحسن التقويم واحتوائه نفحة من روح الله ، وهذه كانت مفقودة في البشر السابق له.

نصر حامد ابو زيد

حديث الدكتور شاهين هذا ليس الأول من نوعه. لكنها على الارجح ، المرة الأولى التي نشهد فيها عالما مسلما ، يعارض علنا التفسير المتوارث لقصة الخلق ، مستندا إلى النص الديني نفسه. وهو في هذا يواجه كافة المفسرين والمؤرخين المسلمين.

ويبدو ان شاهين لم يتوقع رد الفعل العنيف الذي قوبل به ، فهو أكاديمي عريق وكان اماما لمسجد شهير في القاهرة. ولهذه المناسبة قالت الصحف المصرية انه شرب من ذات الكأس التي سقاها زميله د. نصر حامد أبو زيد ، الذي كان قد اقترح قراءة جديدة للنص القرآني ، على ضوء "الأفق التاريخي للمتلقي" وهو المنهج المعروف بالهرمنيوتيك الفلسفي ، الذي يركز على مبدأ التواصل بين النص والقاريء ، وإمكانية العبور من اللفظ الظاهر الى الرسالة الداخلية التي يختزنها النص. المضمون الداخلي – وفقا لهذه الرؤية - متعدد المستويات ، ويتأثر فهمه بالظرف الخاص للقاريء ، أي ظرفه الزماني والاجتماعي والتحديات التي يواجهها ، فضلا عما يتوقعه من وراء القراءة وعلاقته بصاحب النص.

تفجرت قضية أبو زيد حينما قدم طلبا للترقية الى رتبة أستاذ في جامعة القاهرة. فقرأ شاهين ابحاثه ، وقرر انها تنتهك قواعد التفسير والكلام الديني ، وتساوي بين كلام الله وكلام خلقه وتسمح بنقد القرآن. وقيل انه سرب هذه الاتهامات الى الصحافة ، التي حولت أبو زيد الى مرتد ومناويء للدين في نظر عامة الناس. ثم رفع احد المحامين دعوى امام المحكمة ، تطلب إعلان ردته وفسخ زواجه ومصادرة أمواله ، مما اضطر أبو زيد لهجران بلده الى هولندا ، حتى وفاته قبل شهرين من وفاة غريمه.

قبل كتابه "أبي آدم" التزم عبد الصبور شاهين بأعراف التيار الديني التقليدي. ولم يظهر ميلا واضحا لمراجعة التراث الإسلامي او نقد الافهام الموروثة. في شبابه المبكر ترجم كتابين لمالك بن نبي ، يتضمنان رؤية نقدية للثقافة السائدة. لكنه سرعان ما اختلف معه. ولذا يمكن القول ان "ابي آدم" كان استثناء في المسار العام لمنهجه الفكري ، وخصوصا دعوته للتحرر من تقاليد قدامى المفسرين. هذه الدعوة تقارب رؤية نصر حامد أبو زيد. فهل كانت معركته معه مدخلا لتغيير رؤيته لمنهج التفسير بشكل عام؟.

 

الخميس - 13 جمادى الآخرة 1447 هـ - 4 ديسمبر 2025 م

https://aawsat.com/node/5215773

قصة أبينا آدم

في يناير 1998 نشر الدكتور عبد الصبور شاهين كتابه " أبي آدم.. قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة " فأثار ضجة واسعة بين الملتزمين ب...