‏إظهار الرسائل ذات التسميات الهوية الوطنية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الهوية الوطنية. إظهار كافة الرسائل

14/09/2022

كيف تشكلت الهوية الوطنية


حين نشر بنديكت اندرسون كتابه المسمى "مجتمعات متخيلة Imagined Communities" أثار موجا من الأسئلة ، التي تراوحت بين السخرية والتعبير عن الاعجاب والدهشة. ومنذ طبعته الأولى في 1983 واصل الكتاب انتشاره ، وترجم الى لغات عديدة ، بينها العربية ، وتحول الى واحد من أبرز المراجع المتعلقة بالقومية وفكرة الأمة.



اعانني هذا الكتاب على فهم نقاط غامضة في بحث الدولة القومية وبناء الأمة. كما أجاب على بعض الأسئلة المحيرة. أذكر مثلا سؤال المفكر المعروف د. محمد الرميحي عن سر تفاقم التعصب القبلي والديني ، رغم انتشار التعليم في مجتمعات الخليج. بينما كانت دراسات التنمية في المجتمعات التقليدية ، تتوقع تراجع الهويات الفرعية ، كلما تحسن مستوى المعيشة وانتشر التعليم والاعلام. وقد سمعت هذا السؤال نفسه من باحث امريكي ، بعدما لاحظ انتشار مواقع الانترنت والمنتديات الالكترونية الخاصة بالقبائل ، في أوائل القرن الجديد.

مسألة التعصب والتسامح لم تكن موضع اهتمام اندرسون. فالهدف المحوري لنظريته هو تفسير ظهور الأيديولوجيا القومية. إلا ان ملاحظاته العميقة القت ضوء كاشفا على العديد من الأسئلة المتصلة بالموضوع ، مثل دور الثقافة المكتوبة في توحيد الصورة الذهنية لتاريخ المجتمع (التاريخ الواقعي او المتخيل).

قدم اندرسون تفسيرا معقولا لظهور الهوية الوطنية في الدول الجديدة ، ومبررات تمايزها عن الشعوب/الدول التي تشاركها في الثقافة او التاريخ. أسئلة كهذه تعين على فهم المجتمعات العربية في الشرق الأوسط ، التي كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية ، ثم استقلت وبات كل منها أمة منفردة او شعبا قائما بذاته.

يعتقد اندرسون ان المجتمعات الحديثة قررت ، في وقت ما ، ان تتحول الى أمم. في الماضى كان الرابط بين الناس هو الدين او اللغة او الجغرافيا. اما اليوم فان الرابط الواقعي الوحيد ، هو اسم الدولة والحدود الإقليمية التي يعترف بها العالم. ربما ينتمي هؤلاء الذين داخل الحدود الى دين واحد او اديان متعددة  ، ربما يتحدثون لغة واحدة او لغات مختلفة. ما هو مهم هو رغبتهم في تكوين جماعة سياسية وقانونية واحدة ، أي ما نسميه اليوم بالشعب او الامة. في بعض الأحيان تبدأ العملية باتفاق بين غالبية الناس ، وفي أحيان أخرى تبدأ بقرار من النخبة الحاكمة.

الهوية الوطنية ليست موجودا أزليا ، بل كائن يصنعه أصحابه من خلال تطوير فهم مشترك للذات والتاريخ. هذا الشرح يجيب اذن على سؤال: حين نقول اننا شعب
او أمة.. فما الذي جعل هذا الجمع من الناس شعبا او أمة واحدة. بعبارة أخرى: كيف تصنع الأمة نفسها ، كيف تربط بين الاف الناس الذين لا يعرفون بعضهم ولا يربطهم نسب واحد ، فتحولهم الى شعب واحد او امة واحدة؟.

وفقا لاندرسون فان كل أمة تصنع "اسطورة تاريخية" أي لقطات منتقاة من التاريخ ، تعزز الاعتقاد باننا "كنا دائما على هذا النحو ، متفقين ومنتصرين". وهنا يأتي دور الثقافة الموحدة (التي تلقن لتلاميذ المدارس مثلا) والتي يجري انتاجها على ضوء تلك الفرضية ، ثم تنشر عبر البلاد ، كي تؤسس فهما مشتركا للذات والمستقبل ، إضافة الى الموقف من المجتمعات الأخرى الواقعة خارج الحدود.

من النقاط التي أثارت اهتماما كبيرا ، قول اندرسون بان ظهور الطباعة التجارية قد ساهم في "صناعة" فهم مشترك وذهنية متقاربة ، كما وحد لغة التعبير عن الذات المشتركة ، أي اوجد شيئا يشبه ما نسميه اليوم "لغة الخطاب الرسمي". هذا يشير الى أهمية وجود جهة تخطط وتعمل لبناء هوية وطنية مشتركة ، فان لم توجد فسوف تتولى القبائل والجماعات الدينية صناعة هوياتها الخاصة. اظن ان شيئا من التأمل في آراء بنديكت اندرسون ، سيوضح اننا كنا نسير في الطريق الذي وصفه.

الشرق الاوسط الأربعاء - 18 صفر 1444 هـ - 14 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [15996]

https://aawsat.com/node/3872366

11/08/2021

الارضية النظرية لمفهوم المواطنة

 

في نقاشه لمقال الاسبوع الماضي ، شدد الاستاذ مجاهد عبد المتعالي على ضرورة تنسيج مفهومي الوطن والمواطنة في الثقافة المحلية (وتبعا الذهن العام) باعتبارهما تمهيدا ضروريا لبناء الاجماع الوطني والهوية الجامعة (الوطن 7 اغسطس 2021). أما الداعي لهذا فهو كونهما غريبين على الثقافة العربية ، فقد نقلناهما من الاطار المعرفي الغربي ، مع العديد من المفاهيم التي نتداولها في حياتنا اليومية ، كمفهوم الدولة والنظام السياسي الحديث ، وكذا المفاهيم الخاصة بالادارة والتجارة والاتصال والتقنية ، وغيرها.

عملية التنسيج المذكورة لن تكون سهلة على الاطلاق ، الا اذا استطعنا ازاحة منظومة ثقافية واسعة نسبيا ، واستبدلناها بمنظومة حديثة.

بيان ذلك: ان  "المواطنة" مفهوم يصف علاقة قانونية ذات طبيعة خاصة ، تجمع الفرد الى الدولة في جانب ، وتجمعه الى بقية سكان البلاد ، في جانب آخر. يتولد عن هذه العلاقة وضعية قانونية للفرد ، يتميز بها عن سائر الاشخاص الذين لايحملون جنسية البلد.

لم تعرف المجتمعات العربية فكرة المواطنة ، الا بعد انشاء دوائر الاحوال المدنية وصدور القوانين الخاصة بالجنسية ، اي بعد تحول الدولة من "سلطة شخصية" للحاكم ، الى نظام بيروقراطي يظهر فيه القانون كمسار مستقل عن شخص الحاكم. وقد وصف احد علماء السياسة المعاصرين هذا التحول قائلا "كان الحاكم يدير البلاد من ديوانه ، فأمسى يديرها بواسطة الديوان".

انتقال العالم العربي من الحكم الشخصي الى الادارة المؤسسية ، لم يرافقه تحول ثقافي يؤطر المرحلة  الجديدة ، ويرسخ مفاهيمها في نفوس الناس. ولهذا فان علاقة المواطنين ببعضهم ، وعلاقتهم بالدولة ، بقيت تدور في اطار المفاهيم القديمة.

سوف اعرض هنا ثلاثة مفاهيم تشكل – في رايي – الارضية القيمة لفكرة المواطنة. ولدت هذه المفاهيم في الاطار المعرفي الغربي ، ولم يكن لها وجود في ثقافتنا الا بمضمون ضعيف او سلبي. هذه المفاهيم هي:

أ‌)       الانسان الخير.

ب‌)   الفرد المحب لمصلحته الشخصية (شبه الأناني).

ت‌)   الفرد العقلاني.

نقصد بالمفهوم الاول ان الانسان الطبيعي ، لو توفر له خياران: عمل طيب او عمل رديء ، فانه على الأغلب سيختار العمل الطيب والاصلح ، لأن فطرته الاولية ميالة للخير والاحسان. ونقصد بالمفهوم الثاني ان الفرد مجبول على حب نفسه ومصلحته الشخصية ، وتفضيلها على مصالح الآخرين. فلو وجد امامه مصلحتان ، احداهما تخصه وحده والاخرى تخص غيره ، فانه على الاغلب سيختار الاولى.

هذه المفاهيم الثلاثة ، هي الارضية التي بنيت عليها فكرة المواطنة. ان المجتمع يتألف في معظمه من بشر أخيار يريدون التعاون فيما بينهم كي يجعلوا حياتهم افضل واكرم. لكن كلا منهم يريد خدمة نفسه اولا. هذا ليس من المعايب ، بل هو الوضع الطبيعي للانسان. ان اهتمام الانسان بمصلحته الخاصة ، لايعني ابدا رغبته في تخريب مصالح الاخرين. كما ان وجود مصالح متعددة لايعني قيام حالة تناقض وتصارع بينها. لكن تزاحم المصالح وتعارضها امر محتمل على اي حال. وهنا يأتي المفهوم الثالث ، اي العقلانية التي تعني ببساطة قابلية البشر لاحتساب عواقب خياراتهم وافعالهم. ويظهر تاريخ البشرية ان الناس عموما ، مالوا لتنظيم علاقاتهم الجمعية على نحو يضمن تحقيق اكبر قدر ممكن من المصالح الخاصة ، حتى لو  كان الثمن احيانا هو التنازل عن بعض المصالح الصغرى من اجل مصلحة اكبر.

اعود الى رؤية الصديق مجاهد عبد المتعالي ، فأقول ان ترسيخ فكرة المواطنة ، ينبغي أن يبدأ في اعتقادي بتنسيج هذه المفاهيم الثلاثة في ثقافتنا المحلية ، لانها الارضية التي لا بد من تمهيدها كي نقيم فوقها مفهوم المواطنة والقيم الناظمة لعلاقات المواطنين مع بعضهم البعض.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 2 محرم 1443 هـ - 11 أغسطس 2021 مـ رقم العدد [15597]

https://aawsat.com/home/article/3125686

 

28/07/2021

حول الاجماع الوطني

 جادلت في مقال الأسبوع الماضي ، بان معظم النزاعات الدائرة في محيطنا ، نتاج لأمراض في البنية الاجتماعية والسياسية ، فتحت الباب للايادي الاجنبية للتاثير في الشأن الوطني.

يهمني الإشارة أولا إلى ان المجتمعات والاوطان ، ليست كائنات مادية بحتة ، بل هي في المقام الأول كائنات اعتبارية ، بمعنى ان ما يعطيها صفة المجتمع او الوطن ليس الأرض او المباني ، بل اقرار البشر الذين يسكنونها بانها تحمل هذا الاسم وتنتمي لهذه الجماعة ، وان سكانها يعيشون معا في اطار اتفاق (ضمني او مكتوب) تضمن  استمراره ثقة متبادلة ، محورها ان جميع الاطراف يسعون لخيرهم المشترك ، ويلتزمون بالمسؤوليات التي يولدها ذلك الاتفاق.

ولعل القراء الأعزاء يذكرون الصور التي تنشرها الصحف أحيانا ، عن قرى يقسمها خط الحدود بين دولتين ، نظير قرية بارلي ناسو التي يقع نصفها في هولندا والنصف الاخر في بلجيكا ، ومثلها قرية لاكيور التي تقتسمها فرنسا وسويسرا. فهذه القرى وأمثالها تسكنها عائلات متقاربة في النسب وطريقة العيش ، لكن بعضها يتبع هذه الدولة ، والآخر يتبع الدولة الثانية. بل قد تجد في بعض بيوتها أخوة يحمل أحدهم جنسية هذا البلد تبعا لامه ، ويحمل الثاني جنسية البلد الآخر تبعا لابيه. فهذا المثال ونظائره يوضح بان المجتمعات والاوطان ، بل كل اجتماع بشري ، روابط اعتبارية (أي انها موجودة وثابتة بقدر ما يعتبرها الناس كذلك). ومن هنا فان قوة تلك الروابط وضعفها ، مشروطان بمدى ترسخ الثقة والايمان بالعلاقة الجامعة في نفوس أعضاء المجتمع او سكان البلد.

الايمان بالجماعة الوطنية والثقة في النظام الذي يربط الجميع ، هو ارضية ما اسميناه الاجماع الوطني ، الذي يتناول موضوعين رئيسيين: أ) القانون - او العرف - الذي يحدد ويضبط العلاقة بين كل طرف والآخر. ب) الطريقة المتفق عليها لحل الخلافات المحتملة بين الشركاء ، والتي يلتزم الجميع بالقبول المسبق لنتائجها.

لا يمكن ان يتعايش اناس مختلفون دون توافق على المصالح المشتر كة والحقوق المتقابلة ، التي اوجبت اجتماعهم ، واتفاق مواز على طريقة لعلاج خلافاتهم ، لتلافي الانشقاق والتنازع. هذا ببساطة هو جوهر "الاجماع الوطني".

تتسبب الازمات الكبرى في نشوء ارتياب متبادل ، بين الكتل التي يتألف منها المجتمع الوطني. وعندئذ تتلاشى القوة الجمعية التي تسند البناء السياسي والأمني والقانوني للبلاد ، أعني بها القوة التي تتجسد في الثقة المتبادلة التي ذكرناها ، وفي توافق كافة المواطنين على أن يعيشوا معا في ظل نظام قانوني واحد ، أسمه الوطن ، وانهم جميعا يتحملون المسؤولية عن صيانته.

انظر الى مثال أفغانستان أو ليبيا في الوقت الحاضر. سوف تجد ان المشكلة في كلتا الحالتين هي انعدام الثقة  المتبادلة بين اطراف النزاع. انعدام الثقة يعني - حسب تعبير البروفسور ديفيد ميلر - ان كل طرف يشعر في داخله بانه لو تخلى عن مصادر قوته الخاصة او تنازل للطرف الثاني ، فمن يضمن له ان يحصل على حقوقه المتفق عليها في القانون؟.

لا يوجد حل طويل الامد للمشكلات ، ولا سد يحمي البلد من تاثير القوى الاجنبية سوى بناء الثقة وتجديد الثقة باستمرار ، وهي مهمة سهلة بشرطين ، اولاهما ان لا ينظر للسلطة كغنيمة ، بل كوظيفة مؤقتة ، وثانيهما ان يكون كل طرف مستعدا لتقديم تنازلات ، تتناسب حجما وموضوعا مع الغاية المستهدفة ، حتى لو كانت مؤلمة.  

الشرق الاوسط الأربعاء - 18 ذو الحجة 1442 هـ - 28 يوليو 2021 مـ رقم العدد [15583]

https://aawsat.com/node/3102256/

 

مقالات ذات علاقة

 

احتواء التحدي وتحييده

استنهاض روح الجماعة

اعادة بناء الاجماع الوطني

انهيار الاجماع القديم

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

العراق: المهمة الكبرى بعد الموصل

كي نتحاشى امارات الطوائف

 من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

24/04/2020

السيف لـ عكاظ: أدباء وعلماء الأمس منفصلون عن هذا الزمان


الجمعة 24 أبريل 2020 أروى المهنا (الرياض) arwa_almohanna@

من أكثر المفكرين والباحثين السعوديين إثارة للجدل، شخصية لاتقبل القوالب الجاهزة، ولا الأقواس التي تشكل عائقاً أمام ‏يقظة الفكر المتحفز لتفسير وإعادة فهم الكثير من المنهجيات وزعزعة الكثير من القناعات. يؤمن الدكتور الباحث والمفكر ‏توفيق السيف بأن أجمل ما في الحرية احترام الاختلاف، إذ إن لاختلافه بصمة واضحة ترسخ ضرورة الخروج عن السائد في ‏الخطاب الديني تحديداً، وتسهم في تخفيف موجة التعصب والأفكار الرجعية من خلال قراءات معاصرة ترتكز على إعمال العقل ‏والنقد‎.

السيف الذي أوضح في حواره مع «عكاظ» أن أدباء وعلماء الأمس منفصلون عن هذا الزمان، قال إن المجتمع في زمن ‏سابق كان أسيرا لأسئلة زائفة، لكننا الآن أصبحنا أكثر قدرة، على الشعور بذاتنا الوطنية الواحدة، أي كوننا سعوديين أولا. ‏وكشف أنه يعمل هذه الأيام على إكمال البحث المتعلق بموضوع «المساواة» وهو الموضوع الذي يعمل عليه منذ عامين.

·        لنبدأ من جائحة كورونا، كيف تقضي أوقاتك في فترة الحظر، وهل هناك مشروع جديد تعمل عليه؟

أولا أشكركِ أختي العزيزة أروى على هذه الفرصة الغالية، للحديث إلى قراء «عكاظ» الغراء، التي كانت إحدى أبرز محطاتي ‏الكتابية في العقد الماضي، ولي فيها أصدقاء وأحباب.
في ما يخص إدارة الوقت، ما زلت أستيقظ كما اعتدت عند الفجر وأبدأ العمل نحو السابعة والنصف بأعمال الشركة التي يمكن ‏القيام بها عن بعد، ثم القراءة‎.
أقرأ يوميا العديد من المقالات حول الانعكاسات المتوقعة لوباء كورونا على العالم في مختلف الجوانب. ثم أصرف ما بين أربع ‏إلى ست ساعات في البحث المتعلق بموضوع «المساواة»، وهو الموضوع الذي أعمل عليه منذ عامين، واحتمال أن أفرغ ‏من قسمه الأول خلال ثلاثة أشهر. وهكذا أبقي نفسي مشغولا إلى ما بعد المغرب بقليل.
أحيانا أشعر بالسأم لاحتباسي في البيت ثمانية أسابيع حتى الآن. أحاول مقاومة السأم بالعمل في الحديقة والتنظيف وإصلاح ‏الأشياء. لكن - بشكل عام - لا أشعر بالفراغ وليس لدي وقت فارغ. أفترض أن هذا سيتغير خلال رمضان، على الأرجح ‏وستتحول أشياء النهار إلى الليل وسيزيد وقت النوم.

·        في أحد مقالاتك دعوت الجميع للتفاؤل المطلق رغم هول ما يمر به العالم من تداعيات أزمة كورونا؟

أميل إلى التفاؤل بشكل عام، وإذا سيطرت علي حالة من التشاؤم، فإنني أتجنب الكتابة والحديث أو مقابلة الناس، كي لا أنقل ‏لهم عدوى التشاؤم. العالم مليء بالأشياء السيئة التي تولد الضيق في النفوس، فلماذا نزيدها سوءا.
وفي ما يخص وباء كورونا، فإنني أشعر أننا سنكون أقل قدرة على مقاومته إذا سيطر علينا التوتر. بل إن التوتر قد يدمر ‏الأشياء البسيطة والجميلة في الحياة. التشاؤم يولد التوتر النفسي أو يزيده، ونحن لا نحتاجه. طالما كان البشر قادرين على ‏الحياة رغم الوباء، فإن علينا أن نتعامل معه بشجاعة. التفاؤل يجعلنا أكثر قدرة على التفكير المنطقي واستثمار الإمكانات ‏المتاحة في الحياة، رغم هذه السحابة السوداء التي تنذر بالفناء.

·        كيف تقرأ محاولات بعض الجامعات السعودية في إيجاد لقاح لفايروس كورونا؟ وهل من الممكن حقاً أن نتعايش مع الوباء؟

منذ ظهور الفايروس في الصين، كنت أنتظر إعلانا يشير إلى جهد علمي في جامعاتنا، بل كنت أتمنى أن يتولى أحد الأقسام ‏الجامعية إدارة الحملة الوطنية لمكافحة كورونا.
سمعت مرتين عن أعمال بحثية تستهدف التوصل إلى لقاح للفايروس، أولها كان على لسان أحد الباحثين، والثاني على لسان ‏مدير جامعة الملك عبد العزيز. ثم سمعت خبرا في صحيفة عن «خطة» لتصنيع جهاز مساعدة للتنفس، لكن الخبر صيغ ‏بطريقة لا تسمح باعتباره جديا. لهذا السبب وذاك لا أرى في أي من هذه الإعلانات مؤشرات من النوع الذي نتطلع إليه، ولعل ‏قلة متابعتي هي السبب.
أما عن التعايش مع الوباء، فإنني أبسطه على النحو التالي: في الوقت الحاضر يعمل ما بين 20 - 25 % من السوق ‏والمجتمع، ويقع الباقي تحت الحظر. اقتراحي هو أن نعيد تعريف الفاعلية والحظر بحيث يتمكن نحو 50 - 60 % من الاقتصاد ‏والمجتمع من العمل، مع الإلزام المشدد بوسائل الوقاية. أعتقد أن هذا ممكن وأن العالم ككل يتجه إليه. التعايش لا يعني ‏التغافل عن حقيقة الوباء بل الحيلولة دون أن ندمر أسلوب معيشتنا خوفا منه.

·        بعيداً عن كورونا، هل ترى من الجيد أو الصحي أن نستمر بمناقشة خطاب الصحوة وأثره علينا كمجتمع سعودي أو أن نتجاوز ‏المرحلة؟

لن نستطيع التوقف عن مناقشة خطاب الصحوة، لأنها باتت جزءا من تاريخنا الثقافي والاجتماعي وتصورنا للدين، وهي ‏العناصر التي يدور حولها جانب كبير من الجدل بين الناس، أو هي - على الأقل - تشكل خلفية لهذا الجدل.
الصحوة ظاهرة اجتماعية تخضع للتحليل العلمي، مثل غيرها من الظواهر. أعلم أن ارتباط الوصف الديني بالصحوة قد يثير ‏التباسا وحرجا، ولهذا فإن الضرورة تقتضي التأكيد على الجانب العلمي في الموضوع، أي كونها ظاهرة اجتماعية وجزءا من ‏التجربة الثقافية للمجتمع، وهي تخضع للنقاش من هذه الزاوية، وليس من زاوية كونها حالة دينية.
من ناحية أخرى، فإن حداثة العهد - نسبيا - بالظاهرة، تعيق إلى حد ما الحكم المحايد على أشخاصها وحوادثها. أظن أن أي ‏مناقشة لها، لن تنجو من الخلط بين التفسير والتقييم، لذا فإن من الواجب اتخاذ أقصى ما يمكن من احتياطات لتجنب الانشغال ‏بالأشخاص والحوادث، لأن هذا سيقلل من قيمة البحث العلمي ويملؤه بالانفعالات، ما لم نركز على المناقشة العلمية، فإن ‏كتابتنا ستكون مجرد شتائم منمقة أو تكرار لكلام قيل مئات المرات، وسيضطر أبناؤنا وغيرهم لقراءة تاريخ بلادنا الذي يكتبه ‏الأجانب، بدل أن يقرأوا كتابتنا.

·        ساهمت لفترة طويلة في نشر ضرورة وعينا بتجديد الخطاب الديني بما يناسب العصر، هل وصل صوتك؟

في بلدنا ظاهرة عجيبة، مجتمعنا تقليدي يميل إلى نمط ديني أحادي، إلا أنه في الوقت نفسه يتعامل بلين نسبي مع الدعوات ‏الناقدة للتقاليد والداعية للتعدد الديني. لقد كنت أكتب حول هذا الأمر في الصحافة المحلية منذ 28 عاما بالتمام والكمال وبشكل ‏منتظم، وأسمع أحيانا أصواتا تتبرم بهذه الكتابات، بتعبيرات لينة حينا وخشنة في معظم الأحيان. لكن للإنصاف فإن هذا لم ‏يتجاوز الإنكار اللفظي، وهذا - في رأيي - من دلالات اللين في التعامل مع المختلف، وهو من الأمور المحمودة والفريدة في ‏بلادنا. هل وصل صوتي أم لا؟ لا أدري. لكني أظن أننا اليوم أكثر قدرة على التجدد واستيعاب الأفكار المعقدة والمختلفة.

·        هل لدينا كمجتمع سعودي هوية ثقافية واضحة، وهل نحن مدركون لمعنى الهوية حقاً؟

لا شك أننا أصبحنا الآن أكثر قدرة على الشعور بذاتنا الوطنية الواحدة، أي كوننا سعوديين أو لا. في زمن سابق كنا أسرى ‏لأسئلة زائفة مثل سؤال: هل أنا مسلم أولا، أم عربي أولا، أم سعودي أولا.
كنا ندفع دفعا لخيارات سخيفة - لكنها حاسمة ‏أحيانا - بين متعارضات موهومة، وكنا نتعرض لعقاب روحي إذا اخترنا ما تمليه علينا عقولنا. الحمد لله أننا تحررنا من كل ‏هذه التفاهات الآن، وبتنا قادرين على أن نتعرف على أنفسنا في إطارها الطبيعي، أي بيئتها الجغرافية والاجتماعية ‏والسياسية. بتنا نفهم حقيقة أن الهوية ليست دائرة واحدة، بل هي مجموعة دوائر متداخلة، وأن الإنسان الفرد يحمل في الوقت ‏نفسه هويات متعددة، ترتبط بانتمائه الاجتماعي والديني والثقافي وحرفته وطبقته الاجتماعية ولغته وانتمائه السياسي ‏وتأملاته المستقبلية وموقفه من قضايا الكون. لكن هذه كلها تعبر عن نفسها بصورة ثقافية - روحية، تحت المظلة المادية - ‏الثقافية التي اسمها الهوية الوطنية.
أعلم بطبيعة الحال أن هناك أناساً عاجزين عن استيعاب مفهوم الهويات المتعددة، وهم يرونها دليلا على ما يسمونه تلونا أو ‏مؤشرا على عدم الصفاء. هناك أيضا من يحاول اختصار هذا التنوع إلى اثنين أو ثلاثة «القبيلة أو المذهب أو الدين أو ‏القومية+الوطن» ويعتبر البقية ألوانا متباينة أو إضافات مشروطة. الحقيقة أن الهوية الوطنية هي الثابت الوحيد، وهي تتجلى ‏في الانتماء القانوني فقط، أما البقية، أي كون الإنسان مولودا على أرض المملكة، أو انتماؤه للإسلام أو لقبيلة بعينها أو ‏للعروبة، فهذه كلها ألوان مكملة، ولا تشكل شرطا ولا قيدا على الهوية الوطنية.

·        كيف تصف علاقة المثقف السعودي بالمجتمع؟ وهل المثقف خلال الخمسين عاما الماضية قدم مشروعا حقيقيا للمجتمع ‏السعودي؟

لا أريد المبالغة في تصوير دور المثقف السعودي، لكني لا أريد أيضا التقليل من قيمته. السبب في ذلك أنني لا أرى ثقافة اليوم ‏متواصلة مع ثقافة الماضي. لقد مرت المملكة بفترة انتقالية عميقة التأثير جدا، حين عبرت من اقتصاد الكفاف إلى اقتصاد ‏النفط. وكانت - في تقديري - فاصلا سميكا بين الجيل الحاضر وجيل ما قبل خطة التنمية الأولى. الفاصل يعني أن النتاج السابق ‏لم يعد عاملا مؤثرا في تشكيل صورة الثقافة الحاضرة، وبالتالي فإننا لا نستطيع ادعاء التراكم الحضاري الذي تتسم به ‏المجتمعات التاريخية، أو لنقل إن التراكم الثقافي الذي لدينا لم يكن طبيعيا ولا متكاملا، بل هو متكلف ومفكك.
الثقافة السعودية اليوم منقطعة عن ثقافة الأمس، ولهذا فإن الباقين من أدباء وعلماء الأمس الذين ما زالوا يكتبون ‏وينشرون، يبدون منفصلين عن هذا الزمان، فكأنهم يلقون المعلقات السبع بين هواة الشعر النبطي، حيث الكل مستمتع بما ‏عنده، لكنه غير متواصل ولا متفاعل مع الآخر.
من هنا فإن عمر الثقافة السعودية الحاضرة قصير نوعا ما، وهو ينتمي إلى إطار خارجي أكثر مما ينتمي إلى بستان داخلي. ‏وللمناسبة فإن هذا لا يخص لونا من ألوان الثقافة دون الآخر.
ومع مرور الوقت ستنغرس هذه النبتات في الأرض، وستذهب أعمق وأعمق حتى تمتص الروح الكلية للبلد وتتبلور في كل ‏ألوانه. هذا بالطبع يحتاج إلى حرية واسعة للتعبير مضمونة بالقانون، كما يحتاج إلى الاحتفاء بالتعدد والتنوع في كل تجلياته.

·        ما هو الفاصل ما بين المعالم الثقافية والمعالم الدينية؟

مدخل الجواب إلى هذا السؤال، رهن بقناعة ميتافيزيقية مسبقة، موضوعها المساحة التي يغطيها الدين في حياة الناس. ‏القائلون إن الدين شامل، يقولون تبعا إنه لا توجد مساحة حياتية خارج الإطار الديني. والقائلون إن الدين كامل وليس شاملا ‏‏«وأنا من القائلين بهذا» يقولون تبعا إن معظم حياة البشر تقع خارج الدين، وهي تتوسع باستمرار، بينما تبقى الدائرة الدينية ‏ثابتة أو متناقصة.
بديهي أن كل ما يقع خارج الدائرة الدينية، يتأثر بعمل العقل البشري والعلم الذي ينتجه هذا العقل. وهو قد يكون ثقافة - ‏بالمعنى الفني - أو عملا عقليا بكل تعبيراته ومعانيه.
ليس هناك دليل حاسم على أن الدين شامل أو العكس. ليس عند هؤلاء ولا عند أولئك. ولذا فالمسألة تتعلق باعتقاد الإنسان ‏واختياره الخاص.
أحاديث مماثلة
توفيق السيف مع د. الهتلان في حديث الخليج حول الربيع العربي ومآلاته

10/10/2018

الدين والهوية ، خيار التواصل والافتراق




 اشرت في مقال الاسبوع الماضي الى ظاهرة واسعة الانتشار ، فحواها ان الناس أميل للانفتاح على المختلفين معهم ، بل  ومشاركتهم ، حين يتعلق الامر بمصالح دنيوية. بعكس العلاقات التي تنطوي على مضمون ديني. وشهدنا في حالات كثيرة ، تفككا للعلاقات الطيبة ، حين ذكر الدين أو المذهب. فتحول الصفاء الى ارتياب والمحبة الى خصام. وفي سنوات سابقة كنت ارى في الاماكن العامة لافتات صغيرة ، تطالب الحضور بتجنب النقاش في أمور الدين والسياسة. كما قرأت نصائح مماثلة في منشورات ارشادية ، تقدمها شركات اوربية لموظفيها العاملين في الشرق الاوسط. ولعل بعض القراء قد رأى هذا أيضا. 
من حيث المبدأ ، لا تنحصر التأزمات المرتبطة بالهوية في الدين أو السياسة. كل هوية متمايزة ، قابلة للتأزم في حالات معينة. بينما تبقى محايدة او عديمة التأثير في حالات أخرى. لا تتمظهر الهوية كعامل نشط ، الا في ظرف التواصل مع الآخرين. ومن هنا فان طبيعة هذا التواصل وهويات المشاركين فيه ، تعمل كمحدد وموجه لدور الهوية ، من حيث القوة او الضعف ، ومن حيث الاتجاه للتوافق او التناقض.
في المجتمع الامريكي مثلا ، تشكل الهوية العرقية عامل التأزم الرئيس. خطوط الانقسام الاجتماعي تدور حول لون البشرة (اسود ، أبيض ، ملون) وبقدر أقل حول الاصول القومية (نوردي ، هيسبانك ، صيني.. الخ). المثال الاخر من الحرب الاهلية في باكستان عام 1971 التي ادت لانفصال قسمها الشرقي وقيام جمهورية بنغلادش.  كانت الهوية القومية محور التأزم بين الطرفين. ولم تلعب الهوية الدينية دورا يذكر. ويقدم العراق المعاصر مثالا عن التأزم المتعدد الابعاد ، فالصراع في المنطقة الشمالية يدور حول الهوية ا لقومية. بينما صراعات الوسط والجنوب محورها الهوية المذهبية.
يقول الناس عادة ان السياسة هي محرك التأزمات جميعا. وهي تستثمر الهوية الدينية في مكان ، والهوية القومية في مكان آخر ، والاقليمية او القبلية او الجندرية في مكان ثالث.. وهكذا.
هذا وصف صحيح ، لكنه لا يصلح تفسيرا للمشكلة. لأن جوهر المشكلة يندرج في أحد سؤالين:
الأول: لماذا تكون بعض الهويات اكثر قابلية للتأزم من غيرها. بمعنى هل تنطوي بعض الهويات على عوامل تأزم ذاتي؟.
الثاني: ماهي الظروف التي تسمح بتحول التنوع في الهوية الى خطوط افتراق. وبالتالي يسهل استثمارها في توليد أو تأجيج التأزمات المرتبطة بعوامل أخرى ، مختلفة عنها؟.
اهمية النقاش في الموضوع ، ترجع الى موقع الدين في النظام الاجتماعي: متى يكون عامل تواصل بين خلق الله ، ومتى يكون مبررا للخصام. بديهي ان كل انسان يود ان يكون الدين محركا للتعارف والتفاهم بين خلق الله. لكن هذا يبقى مجرد أمل ، ما لم نفهم على نحو كامل وعميق ، الاسباب التي تحول دون قيام الدين بهذا الدور.
وهنا يهمني الاشارة الى ضرورة التمييز بين مقاربتين للمسألة: مقاربة تستهدف فهم العوامل التي تجعل الدين عامل جمع او عامل تفريق ، بغض النظر عن راينا في صحة هذا المسار او ذاك. ومقاربة تنطلق من حكم مسبق على النتائج بانها مرغوبة او مرفوضة.
انا ممن يرى امكانية تقديم قراءة للدين تدعم دور التجسير والتواصل. بل أرى ان التواصل جزء من جوهر الايمان. لكني اعلم أيضا ان بعض الناس ، يرى استحالة التدين الحق ، دون حدود واضحة تميزه عن مخالفيه.
الشرق الاوسط الأربعاء - 30 محرم 1440 هـ - 10 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14561]
https://aawsat.com/node/1421411

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...