بعد انتهاء مهمته سفيرا للباكستان في طوكيو ، كتب
نجم الثاقب خان خلاصة تأملاته في التجربة اليابانية ، وقدمها فيما يشبه التوصية
للعالم الاسلامي. في 1993 نشر الكتاب باللغة العربية تحت عنوان "دروس من اليابان للشرق الاوسط". يقدم هذا الكتاب اجوبة بسيطة ، واقعية ، لكنها مبنية
على ارضية علمية متينة ، تكشف عن عمق ادراك الكاتب وسعة ثقافته.
تناول نجم الثاقب "اشكالية الهوية" ،
ولاحظ اعتزاز الياباني ، المبالغ فيه احيانا ، بقوميته ودينه وتاريخه. ولعل بعض القراء
مطلع على قصص انتحار تجار وسياسيين وقادة عسكريين ، بعدما شعروا بانهم قصروا في حق
وطنهم او فشلوا.
لكن اليابان نجحت في الخروج من قفص التاريخ
وتحررت من اسر الهوية ، دون ان تخسر ايا منهما. يشرح نجم الثاقب هذه المفارقة
بعبارات بسيطة. يقول: فسرت لي التجربة اليابانية كيف ان الهوية "القومية/الدينية/الوطنية
الخ.." اذا فسرت بصوة ايجابية ، واستخدمت على نحو سليم ، قادرة على تشكيل
تحالف ملائم مع عملية التحديث. الهوية فرس جموح ، اذا وضع امام عربة التحديث ، فقد
يقودها بقوة الى اعلى الجبل ، واذا اعترضها ، فقد يقلبها ويعطلها.
ربما نحتاج للتامل بعمق في هذا التفسير البسيط.
فهو يحكي تجربة شعب مر بظرف شبيه لظرفنا الراهن. وضع الدين في مقابل الحداثة ، سوف
يضطر الناس الى الخيار الحرج بين الحفاظ على دينهم وهويتهم ، وبين الارتقاء في
مدارج العلم والمدنية.
افترض ان
معظم الناس مدرك لعبثية هذا الخيار ، واعلم ان المعادين للحداثة يقترحون تسوية
نظرية او تكتيتكية/عملية بين الطرفين. لكن تسوية كهذه ليست سوى حيلة شبيهة بالحيل
التي يقترحها بعضهم لحل مشكلة الربا في القروض البنكية.
هذه تسويات لا تنفع ولا تحل مشكلة ، وان ارضت
النفوس القلقة. نحن بحاجة الى جواب على السؤال الذي طرحه الامير شكيب ارسلان قبل
قرن من الزمن ، سؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم".
قرأت حديثا مقالات كتبها محمد سرور زين العابدين في 2002 ، تحت عنوان
"السعودية على مفترق طرق" ، تحكي بوضوح المشكلة التي نتحدث عنها ، فهي
تصور مسارات التحديث في مجتمع المملكة باعتبارها مسارات "علمنة" يحركها
متآمرون على الهوية الاسلامية. هذه الفكرة المتشائمة تشكل ارضية لجانب كبير من
التداول الثقافي في الوسط الديني السعودي. واخشى ان الكثير من الناس مقتنع بعمق
بفكرة الخيار الحرج او التسوية الشكلية/التكتيكية.
تطوير مفهوم جديد للتدين ، قادر على استيعاب مسار
التحديث ، هو حاجة لنا كمسلمين وكسعوديين ، وهو حاجة للدين ايضا. لو واصلنا قسر
الناس على الخيار الحرج ، فقد نشهد انحسار مكانة الدين كموجه لحركة المجتمع وناظم
للسلوك. ولا اظن احدا يود ان يرى هذه النهاية المؤلمة.
مقالات ذات علاقة
http://www.aleqt.com/2013/11/05/article_797717.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق