29/10/2013

نهاية عصر الحركة الاسلامية

سوف يمر عامان او ثلاثة ، قبل ان تظهر التجليات الواقعية للجدلية التي تطرحها هذه المقالة. فهي تعرض ما يظنه الكاتب ظاهرة لاتزال جنينية ، يصعب اثبات معناها ومبرراتها على نحو قاطع. الظاهرة المقصودة هي نهاية الحركة الاسلامية ، بالمفهوم الذي عرفناه خلال العقود الاربعة الماضية ، وتبلور مفهوم جديد ، في شكل جديد ، لا يميزها كثيرا عن معظم الجماعات النشطة في الحياة العامة ، في العالم العربي. لا اتحدث هنا عن انكسار او تراجع ، بل عن عملية تكيف مع التحول الجاري في البيئة الاجتماعية. نعلم ان اولويات الحركيين وطريقة تعبيرهم عنها ، هي انعكاس  لتفاعلهم مع الشريحة الاجتماعية التي تمدهم بمصادر القوة. انها اشبه بالعلاقة بين المنتج والمستهلك ، فكلاهما يؤثر في الآخر ويسهم في تحديد مساراته ، وطبيعة المنتجات التي تشكل وسيط العلاقة بينهما.
تمكين المراة واتساع الانفتاح على الغرب ساهم في تراجع القلق على الهوية والميل للتشدد 
تنقسم الجماعات النشطة في الحقل الديني – وظيفيا - الى ثلاثة انواع: جماعات دعوية بحتة ، منشغلة بالعبادات والسلوكيات الدينية ، وجماعات منشغلة بمسألة الهوية ، نجدها عادة في ميادين الصراع ضد ما يسمى التغريب ، وكانت فيما مضى منشغلة بالصراع ضد الدعوة القومية والاشتراكية ، واخيرا الجماعات التي تركز على قضايا العدالة الاجتماعية.
النوع الاول هو الصورة المكثفة للثقافة السائدة/الموروثة ، وتشكل - بالتالي - تيار الاكثرية. اما النوع الثالث فهو حديث الظهور نسبيا ، يتألف غالبا من شبان غير منسجمين مع رجال الدين.
النوع الثاني هو الصورة الشائعة لما يعرف حاليا بالحركة الاسلامية. هذا الفريق قليل الاهتمام بمسائل العبادات والسلوكيات ، منخرط في الصراع ضد المنافسين. الاخوان المسلمون والجماعات التي ظهرت الى جوارهم ، امثلة على هذا النوع. خلال نصف قرن ، صور هذا الفريق نفسه كمدافع عن الاسلام ، في حرب شنها منافسوه للقضاء على الهوية الدينية ، وفي هذا السياق انشغل احيانا بأسلمة الحياة ، ولو شكليا. فدعا لأدب اسلامي وطب اسلامي ومعمار اسلامي ومصرفية اسلامية.. الخ.. المسألة تتعلق دائما بالهوية الخارجية والعنوان ، وليس باختلاف في المضمون بين ما يحمل عنوان "الاسلامي" وغيره.
هذا الفريق بالتحديد هو الذي سوف يمر - كما أعتقد - بتحول جذري ، محركه الرئيس هو تراجع "قلق الهوية" في نفوس جمهوره. اظن ان تطورات الربيع العربي قد اثمرت عن تزايد ميل الجمهور لفهم مشكلاته كتمظهرات لانعدام العدالة الاجتماعية. كما يتزايد شعورهم بان الاسلام - كدين وخيار اجتماعي - لا يواجه تحديا جديا من جانب الغرب. وبالتالي فان دعوى المؤامرة التغريبية والجهاد لصيانة الهوية الاسلامية ، ما عادت تثير الحماسة كما كان الامر في اواخر القرن الماضي.
تبعا لجدلية العلاقة بين المنتج والمستهلك والسلعة ، فان هذا الفريق مضطر الى تغيير اولوياته ، باتجاه التركيز على مطالب الجمهور ، اي تبني قضايا العدالة الاجتماعية كموضوع رئيسي لعمله. في هذا الاطار لن تجد فرقا يذكر ، بين الحركة الاسلامية وبين اي جماعة نشاط يسارية او ليبرالية ، ولا بينها وبين منظمات المجتمع المدني التي لاتحمل هوية ايديولوجية.
http://www.aleqt.com/2013/10/29/article_796111.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...