‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنمية السياسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنمية السياسية. إظهار كافة الرسائل

20/02/2019

جمهور على الهامش


كتاب تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسطفي الوقت الحاضر يتبنى معظم دارسي التنمية مفهوم التنمية الشاملة (وتسمى احيانا بالمستدامة) بعدما أظهرت تجربة النمو في العالم الثالث ، ان التعويل على النمو الاقتصادي كخيار وحيد للتقدم ، قد زاد من حدة الانقسامات والتفاوت الطبقي ، وأدى لاتساع الطبقات المهمشة ، التي تصفها الأدبيات الماركسية بالبروليتاريا الرثة ، اي الجموع الفقيرة التي لا تقيم وزنا للسياسة ، لكنها في الوقت نفسه جاهزة للجري وراء كل مدع ومخادع ، يداعب أحلامها بمعسول الكلام والوعود الذهبية. وقد لوحظ في تجربة امريكا اللاتينية وافريقيا ، ان تلك الشرائح هي التي شكلت الداعم الشعبي الرئيس للعسكر والتنظيمات المسلحة على حد سواء.
من الانصاف القول ان تجارب النمو الاقتصادي المحدود ، لم تفشل كليا. لكنها أخفقت في بلوغ غاياتها الكبرى ، ولاسيما القضاء على الفقر والعنف. كانت البرازيل بين أوائل الدول التي ظهرت فيها نتائج التجربة. فقد عاشت خلال ستينات القرن العشرين في بحبوحة ، لكن اقتصادها ما لبث ان تعثر ، وكشف عن عجز تام في التعامل مع تحديات "مابعد الطفرة" لاسيما توزيع ثمرات النمو الاقتصادي ، على نحو عادل في جميع اقاليم البلاد. تجربة تشيلي والارجنتين لم تختلف كثيرا. وحسب تعبير احد الباحثين ، فان تلك البرامج التنموية جعلت الحكومات قوية جدا ، والمدن مزدهرة جدا. لكنها أيضا جعلت عدد الفقراء كبيرا جدا.
التأمل في تجربة بلدان الشرق الأوسط ، تشجع الاعتقاد بان اتساع الطبقات المهمشة ، لا يرجع لعوامل اقتصادية بحتة في المقام الاول. لنقل على سبيل التحفظ ان العامل الاقتصادي كان السبب المباشر لبروز الظاهرة واتساعها. لكنا نعلم ان تحولات كهذه ، تأتي تبعا لسياسات رسمية غير متبصرة. وأشير خصوصا الى اتجاه عام في الدول النامية خلال معظم النصف الثاني من القرن العشرين ، يشجع تمركز الدولة وهيمنة مؤسساتها على مفاصل الحياة الاجتماعية ، على النحو الذي وصفه نزيه الايوبي في كتابه "تضخيم الدولة العربية".
اتجاه الدولة للتضخم والتمركز يقيم كيانا بالغ القوة. لكنه يؤدي – بقصد او كناتج ثانوي - الى تفكيك المنظومات الاجتماعية التقليدية (القبيلة مثلا) دون ان يسمح لبدائلها الحديثة (النقابات المهنية والاحزاب مثلا) بأخذ الدور التي كانت تلعبه في استيعاب الافراد وتسكين التوترات الاجتماعية.
ربما نطلق على هذا التحول إسم "تذرية المجتمع" اي تفكك المنظومات الاجتماعية ، وتحول الأفراد الى ذرات منفردة ، اطلقت هانا ارندت على مجموعها اسم الجماهير ، اي حشود الناس التي يجمعها المكان ، لكنها تفتقر الى الروابط والتفاهمات ، التي تجعل منها كتلة متفاهمة او قادرة على العمل المشترك.
تشكل الطبقات المهمشة عائقا جديا لسياسات الاصلاح. فهي تميل الى تحميل الدولة المسؤولية عن كل شيء يتعلق بحياتها ، من المهد الى اللحد ، كما يقال. كما انها كما توفر وقودا محتملا للفوضى والانشقاق.
استيعاب الطبقات المهمشة يحتاج الى سياسة عامة ، تستهدف – بشكل واع – توسيع الاطارات القانونية التي تسمح لكل فرد بالمشاركة في التفكير والعمل ، والتعاون الفعال في معالجة المسائل التي تشكل هموما عامة للمجتمع.  هذه المشاركة ستمهد لتفاهم بين الدولة ومختلف الطبقات ، على الأولويات وتوزيع الكلف والمسؤولية عن تحقيق الأهداف.
المشاركة العامة في مناقشة الخطط وتنفيذها ، تعزز التلاحم بين المجتمع ، وتحول النشاط الاقتصادي الى مولد للابداع والفاعلية ، ليس فقط في مجال الاقتصاد ، بل وأيضا في مجالات العلم والخدمة الاجتماعية والثقافة العامة.
الأربعاء - 14 جمادى الآخرة 1440 هـ - 20 فبراير 2019 مـ رقم العدد [14694]

02/08/2017

حول التفسخ السياسي

||يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت||
رغم سمعته السيئة بين العرب ، فان صمويل هنتينجتون يعتبر واحدا من أهم علماء السياسة الامريكان. وله مساهمات مؤثرة في بحوث التنمية. وأشير مثلا الى دراسته الهامة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي" التي تعد الآن نظرية قائمة بذاتها. نشرت هذه المقالة في 1965 ، وأثارت اهتماما كبيرا يومئذ. ثم تجدد الاهتمام بها في السنوات الاخيرة ، بعدما ناقشها بالتفصيل المفكر المعروف فرانسيس فوكوياما ، في كتابه المسمى "النظام السياسي والتفسخ السياسي". وفوكوياما تلميذ سابق لهنتينجتون.
نتيجة بحث الصور عن ‪SAMUEL hUNTINGTON‬‏
تنطلق نظرية هنتينجتون من فرضية محورية ، فحواها ان التحديث والتنمية ، سواء ركزت على المجال السياسي او الاقتصادي ، تولد بالضرورة تسارعا في الحراك الاجتماعي ، وزيادة مفرطة في اهتمام الاجيال الجديدة بالمجال العام ، وما يدور فيه من اسئلة ومشكلات. بعبارة أخرى فان قضايا الدين والسياسة والاقتصاد ، التي كانت حكرا على نخبة المجتمع ، تتحول الان الى موضوع اهتمام لعامة الناس ، سيما الشباب المتعلم الذي يشكل اكثرية نشطة في المجتمعات النامية.
يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت. وأن كل مطالبه قابلة للتنفيذ لو استمعوا اليه. لكن هذا تصور غير واقعي. حين تجمع ما يريده الناس وما يتوقعونه ، فسوف ترى مجموعة مستحيلة الانجاز في أي ظرف. لكن كل فرد ينظر من زاويته الخاصة ، فيرى تطلعاته سهلة التنفيذ.
انفجار التطلعات والتوقعات المتفائلة ، يولد ضغطا منهكا على الادارة الحكومية ، التي – تبعا لقانون الندرة - لا تستطيع سوى تلبية القليل. وهذا بدوره يولد الاحباط بين الشباب ، ويوسع الهوة بينهم وبين الدولة ، ويفتح الباب امام انكسارات أمنية واجتماعية.
ان تأخر الدولة في استيعاب الحراك الاجتماعي الجديد ، سيقود الى ما أسماه هنتينجتون بالتفسخ السياسي ، اي تراخي الشعور بالمسؤولية ، وطغيان الاحاسيس السلبية والاحباط وعدم الفعالية على المجتمع الوطني ككل.
يعتقد هنتينجتون ان جميع المجتمعات النامية ستمر بهذا السيناريو في وقت ما. ولذا فهو يدعو الى علاج من ثلاثة أجزاء:
 أولها الاهتمام بتعزيز قوة الدولة وكفاءتها. انفجار التطلعات في ظل حكومات ضعيفة ، يولد بالضرورة فراغا سياسيا أو أمنيا ، ربما يطيح بالسلم الاجتماعي. مفهوم الدولة القوية الذي نتحدث عنه هنا ، يعني بالتحديد الفعالية والكفاءة والالتزام بفرض القانون ، وليس القهر والتسلط. الدولة القوية تدير عملها باتزان ، وهي في الوقت نفسه فعالة وسريعة الاستجابة للجمهور.
 الجزء الثاني هو تعزيز النظام المؤسسي ، وتطوير القانون والادارات التي تتعامل مباشرة مع الجمهور ، أو تلك التي يؤثر عملها على حياة الجمهور ، على نحو يجعلها أكثر مرونة واستجابة للمطالب والحاجات المتغيرة.
اما الجزء الثالث فهو تشجيع الاجيال الجديدة على "عقلنة" مطالبها وتطلعاتها ، من خلال إدماج المطالب الفردية المتعددة في مطلب عام ، والنضال لتحقيقها من خلال مجهوداتهم التعاونية ، أو من خلال المنظومات القانونية القائمة. ومفتاح هذا الجزء هو منظمات المجتمع المدني التي تستوعب المطالب الفردية وتدمجها ، كما تساعد على اكتشاف المسارات التي تمكن من تحقيقها في إطار القانون العام والموارد المتاحة ، أو تذهب بها الى المرحلة التالية ، اي اتخاذها مبررا لاستحداث موارد جديدة ، او مسارات قانونية جديدة ، تستوعب الحاجات التي لم تلحظ من قبل.
الشرق الاوسط 2 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/988616
مقالات ذات علاقة



24/02/2016

رأي الجمهور



الشورى العامة ليست عملا ترفيهيا او تجميليا ، وليست اجراء اضافيا. بل هي جوهر مفهوم "القيام بالعدل" في الحياة السياسية.

عام 1995 طرح وزير الداخلية البريطاني اقتراحا بالزام المواطنين بحمل بطاقة هوية. لكنه سرعان ما تخلى عنه بعدما اثار اعتراضات واسعة. وليس في بريطانيا حتى الآن قانون يلزم المواطن بحمل هوية شخصية. وعند الضرورة فان اي وثيقة رسمية مع صورة تكفي لاثبات الشخصية.
تكررت المحاولة بعد الهجوم الشهير على نيويورك في سبتمبر 2001. وطرح الوزير يومها مشروعا متكاملا يحوي تفصيلا للاجراءات التي ستتخذ لتنفيذ القانون ، والنفقات المتوقعة ونوعية المعلومات الشخصية التي سيسمح للحكومة بتخزينها ، والجهات التي سيمكنها الاطلاع على تلك المعلومات ، وحقوق الافراد الذين تخزن معلوماتهم الشخصية ، والاجراءات الادارية والقضائية التي يمكنهم اتباعها في حال تضرروا من تطبيق القانون عليهم.
طرح مشروع القانون للنقاش العام نحو ثلاث سنين. وخلال هذه المدة خضع للكثير من التعديلات حتى وافق عليه البرلمان في 2006. لكن كثيرا من القانونيين ومنظمات المجتمع المدني واصلوا اعتراضهم على القانون ، وجادلوا بان كمية المعلومات الشخصية التي تحتفظ بها الحكومة ، تمكن اجهزتها من مراقبة الافراد وربما التدخل في حياتهم ، على نحو يخرق استقلالهم وخصوصيتهم. وفي 2011 عاد البرلمان فاستبدل ذلك القانون بآخر مخففا ، يخلو من معظم البنود المثيرة للجدل.
قد يندهش القراء من سياسة كهذه. لانهم يفترضون ان حمل بطاقة شخصية واحتفاظ الحكومة بمعلومات كثيرة عن مواطنيها ، هي أمور طبيعية. أنا ايضا افترض انه طبيعي. لكن هذا ليس موضوعنا اليوم. موضع اهتمامنا هو "حق" المواطنين في مناقشة القوانين العامة والقرارات الحكومية قبل اعتمادها ، سيما تلك التي تؤثر على حياتهم او حقوقهم ، حتى لو كان القانون بديهيا مثل حمل بطاقة شخصية.
ثمة فرضية بسيطة وراء هذا المبدأ ، خلاصتها ان الحكومة ليست كونا مستقلا عن المجتمع ، بل هي جهاز خدمة عامة ، يعيش على رضا الناس وأموالهم ، وأن مهمتها الوحيدة هي احسان خدمة المجتمع ، وليس التسلط عليه. ومن هذا المنطلق فمن واجبها مشاورة المجتمع ، قبل تبني سياسات يراها كل الناس او بعضهم ، مضرة بأشخاصهم او مصالحهم او معاكسة لمراداتهم. الشورى العامة ليست عملا ترفيهيا او تجميليا ، وهي ليست اجراء اضافيا ، بل هي جزء جوهري من مفهوم "القيام بالعدل" في الحياة السياسية.
عرف تاريخ العالم حكاما متسلطين ، يقررون ما يشاؤون ويفعلون ما يريدون ، دون نقاش او مساءلة. اما في عالم اليوم ، فان معيار عدالة الدولة هو الانصاف ، اي الاقرار بحقوق جميع افراد المجتمع وضمانها بالقانون. نعلم طبعا انه يستحيل ارضاء كافة الافراد. لكنا نعلم ايضا ان الحكومة ستكون معذورة اذا طرحت سياساتها على الناس ، حتى يعلم كل فرد بما سيخسره او يربحه او يترتب عليه من وراء كل سياسة او قانون جديد ، كي يكيف نفسه وحياته بناء عليه. وهذا هو الحد الأدنى من الانصاف.
مثل هذا المبدأ يبدو أكثر لزوما في ظروف العسر ، كالازمات الاقتصادية والسياسية ، التي تدفع الحكومات لاتخاذ سياسات ضاغطة ، تؤثر في معظم الشرائح الاجتماعية.
تصدر القرارات عادة بعد مشاورة اهل الاختصاص. ولعل هذا يتخذ حجة لتجاوز رأي الجمهور. لكنها حجة باطلة ، لأن رضا العامة جزء من جوهر مبدأ "القيام بالعدل" وليس اجراء اضافيا. والتفريط فيه تفريط في المبدأ.
الشرق الاوسط 24 فبراير 2016
http://aawsat.com/node/576151



21/10/2015

كي لا يمسي الخيال دليلا في السياسة

 

تدور مشكلات السياسة كلها تقريبا حول عامل "الندرة". هناك على الدوام مطالب وحاجات متزايدة ، في مقابل امكانات محدودة كما ونوعا. ولا يمكن للمحدود ان يستوعب اللامحدود. بل ليس من المتوقع ان يصل البشر الى يوم يشعرون فيه بالاكتفاء وعدم الحاجة. منطق الحياة يقول ان كل حل يكشف عن مشكلة جديدة ، لم تكن منظورة قبله. ولهذا فان عمل الحكومة لا يدور حول تلبية الحاجات جميعا ، بل عقلنة التبادل بين الحاجات الراهنة والامكانات المتاحة او القابلة للاستنباط في المدى المنظور.

صمويل هنتينجتون

عقلنة التبادل تعني ببساطة ايجاج نظام توافقي ، اي مقنع للجمهور ، بأن مصالحهم تدار بشكل منصف ، وان ما يحصلون عليه ، ولو كان اقل من مطالبهم ، فهو متناسب مع الامكانات المتاحة ، وأن أحدا لا يستأثر بنصيب الاسد ويرمي اليهم الفتات. هذا يتطلب ان يكون الجمهور جزء من النظام وليس مجرد مستمع سلبي لما تقرره النخبة السياسية. نحن إذن نتحدث عن  نظام مؤسسي لادارة المصالح العامة يضمن تفاعل الجمهور ، ويعزز الثقة المتبادلة بينه وبين الدولة ومساهمته في حل مشكلات البلد.

استأثرت هذه المسألة بنصيب كبير جدا من نقاشات علم السياسة. وسوف أعرض هنا رؤية صمويل هنتينجتون ، المفكر الامريكي البارز ، الذي عرفه العرب من خلال مقالته المشهورة حول صراع الحضارات )1993). لكنه قبل ذلك وبعده يعد واحدا من اهم منظري التنمية السياسية ، وله تنظيرات عميقة حول عملية التحديث في الدول النامية ، أثارت الكثير من الجدل ، لكنها تعتبر اليوم من النظريات المرجعية في بابها.

انشغل هنتينجتون بموضوع محدد هو انعكاس التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى على بنية النظام الاجتماعي ورؤية المجتمع للدولة. ورأى ان تلك التحولات تطلق دائما امواجا من التطلعات والتوقعات المتفائلة ، التي لا يمكن تحقيقها في مدى زمني معقول. فشل الدولة في تحقيق تلك التطلعات ، سوف يؤدي الى هيمنة الاحباط والقنوط على نفوس الناس ، الأمر الذي يوجد أرضية للدعوات المتطرفة والدوغمائية التي تعد الشعب بحلول سحرية أو غيبية.

وأستذكر لهذه المناسبة حديثا اجريته مع عدد من الشباب بعد محاضرة طويلة لأحد العلماء حول "حكومة الامام علي بن أبي طالب". سألت اربعة منهم عما إذا كانت الأساليب التي اتبعها الامام في زمنه كافية لحل مشكلاتنا الحاضرة ، فأجابوا جميعا بالموافقة. ثم سألت المحاضر نفسه فأجاب بالنفي ، موضحا ان لكل زمن مشكلاته والحلول المناسبة لظرف المشكلة. وأظن ان جواب الشبان الاربعة يمثل رأي شريحة واسعة جدا من الجمهور العربي ، الذي يشعر بالاحباط ازاء تراكم المشكلات وتطاول الزمن عليها ، الأمر الذي يدفعهم للبحث عن حلول مستندة الى ذاكرة تخيلية ، تقدم لهم احداث الماضي معزولة عن ظرفها الخاص.

زبدة القول ان فشل الادارة في تحقيق تطلعات الجمهور ، قد يؤدي مع مرور الوقت ، الى انتشار النزعات المتطرفة التي تتخيل حلولا سحرية او حاسمة ، مستندة الى مخزون تراثي يقدم صورة متخيلة عما جرى في ماضي الزمان.

يقترح هنتينجتون اربعة معايير لتحديث الادارة العامة ، على نحو يمكنها من اقامة علاقة تفاعلية وبناءة بين المجتمع والدولة. المعيار الاول هو عقلنة الادارة بمعنى اخضاع جميع اعمالها لقانون واحد ، وتحديد مقاييس ثابتة لقياس الانتاجية وكفاءة الاداء. المعيار الثاني هو استهداف تعزيز مبدأ المواطنة ، اي الغاء التمايزات القائمة على اي أساس غير المواطنة المتساوية ، وصولا الى التحقق الكامل لمبدأ الدولة الوطنية ، الهدف النهائي للتنمية. المعيار الثالث هو توسيع الممارسة الديمقراطية ، بمعنى ان يكون القرار الرسمي انعكاسا لارادة الجمهور. المعيار الاخير هو تعزيز حركية المجتمع وميله للمشاركة في الشأن العام والتنافس على الفرص المتاحة في المجال العام ، بما يعزز دور المجتمع كصانع لحياته ومستقبله وليس مجرد منفعل بسياسات الدولة.

الشرق الاوسط 21-10-2015

http://aawsat.com/node/479216

مقالات ذات علاقة

نبدأ حيث نحتاج

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

كي لا يمسي الخيال دليلا في السياسة

المطالب الشعبية والنظام العام

شبكة الحماية الاجتماعية

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

 أم عمرو وحمار أم عمرو

 العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

 

18/02/2015

عباءة السلطان

زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.

علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي. او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.

لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول. ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.

تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم والصحة والسكن والعمل.

لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.

السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.

نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.

ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا. ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.

تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب. والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.

الشرق الاوسط  18 فبراير 2015

http://aawsat.com/node/292156

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...