‏إظهار الرسائل ذات التسميات معجب الزهراني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معجب الزهراني. إظهار كافة الرسائل

05/10/2022

الحرية والشر


معظم الذين يرفضون الحرية ، يبالغون في تضخيم الاستثناءات ، حتى تنكمش القاعدة او تتلاشى. وعلى العكس من ذلك ، يركز دعاة الحرية والمؤمنون بها على حقيقة كونها الأصل والقاعدة ، وأن أي تقييد ينبغي ان يتفرع من الأصل ويأتي كاستثناء من القاعدة ، فلا يتضخم الى القدر الذي يجعل القاعدة معدومة الأثر ، او يجعل الأصل أضعف أثرا من الفرع.

لا بد – على أي حال - من التأكيد على أن منكري الحرية ، مثل دعاتها ، ينطلقون من موقف فكري او اجتماعي سابق على طرح الفكرة للنقاش. ولهم بالتأكيد مبررات ترضيهم ، وان لم يقبلها الفريق المقابل.

مهسا اميني (2000-2022)

وقد أشرت في مقال سابق الى أن الشرائح المحافظة في مختلف المجتمعات ، تنظر للحرية كحاجة ثانوية للمجتمع الإنساني ، لا انها ضرورية للتقدم كما يدعي الليبراليون. ونعلم مثلا ان الماركسية الكلاسيكية اعتبرت الحرية لعبة بورجوازية ، وأن حاجة المجتمع الحقيقية ، هي ضمان القواعد المادية الأساسية للعيش الكريم ، حتى تحقيق المساواة بين الناس. أما المجتمعات المتدينة (على اختلاف الأديان والمذاهب) فتعتبر الحرية أداة سخرها أنصار الشيطان للتغرير بالأجيال الجديدة ، كي يتمردوا على النظام الاجتماعي الفاضل. واحدث الأمثلة على هذا ، الحادث الذي انتهى بمقتل الشابة مهسا أميني على يد "دوريات الاخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران. وقد برر ما جرى بعد ذلك بأنه مؤامرة اجنبية ، بينما كان المؤمل أن تعتذر الحكومة عن هذا الخطأ الكارثي.

كتبت سابقا انك لن تجد بين السياسيين والمثقفين او الزعماء الدينيين من يعلن صراحة انه ضد الحرية. لكن الذي يحصل عادة ، هو التركيز على الاستثناءات والحواشي واكثار الكلام فيها ، حتى تتضاءل القاعدة الاصلية وتضيع في الزحمة. حين تتحدث عن الحرية او فوائدها ، ستأتيك عشرات الردود ، من كل طرف ، حتى ليخيل اليك انها دفاع منسق. الواقع انها ليست منسقة ، لكن المجتمعات المحافظة جاهزة دائما للتعبير عن رفضها للتغيير وكافة مداخله ومؤدياته ، بل كل ما يرتبط به من قيم وأفكار. ستجد مثلا:

أ‌-        ردود تقول ان الحرية طيبة ، لكنها مستحيلة. لا توجد حرية في العالم الواقعي. الرسالة الداخلية لهذا الموقف هي: الكلام عن الحرية عبث لا طائل تحته.

ب‌-  ردود تقول ان الحرية طيبة ، لكن تطبيقها مشروط ومحدد بالحدود التي يضعها المجتمع او الدين. فحوى هذا الموقف اننا لا نريد حرية تأتي بفكرة مختلفة او تدعو لعلاقات اجتماعية جديدة.

ت‌-  ردود تركز على مخاطر الحرية المطلقة ، فلو ترك الناس من دون ضابط لارتكبوا كبائر الآثام. فحوى هذا الموقف ان الانسان بطبعه فاسد ، وأن ما يمنعه عن الفساد هو خشية العقاب ، وان الحرية تحرره من هذا الخوف.

ث‌-  ردود تركز على تجارب البلدان التي قبلت بالحرية. لا سيما السلوكيات التي يعتبرها عامة الناس نموذجا لسقوط الأخلاق ، مثل اللباس غير المحتشم ، والعلاقات غير المتناسبة مع التقاليد التي نعرفها ، وتمرد الأبناء على الآباء.. الخ. فحوى هذا الموقف ان الانسان سيخسر ابناءه لو قبل بمبدأ الحرية.

كل من هذه المواقف تقول ببساطة: نحن نريد الحرية ، لكن الحرية لا تريدنا ، فهي لا تأتي دون ان ترافقها الشرور. الأفضل إذن التخلي عن هذه المغامرة المجهولة العواقب. هذا يوضح المخادعة التي يقوم بها العقل التقليدي ، حين يدفع الاستثناء كي يزيح القاعدة ، ويستولي الشرح على المتن ، "الاستحواذ على النص الأصلي المشع ، بعد تغطيته بنصوص الهامش المعتمة" حسب تعبير اخي د. معجب الزهراني

الشرق الأوسط - الأربعاء - 10 شهر ربيع الأول 1444 هـ - 05 أكتوبر 2022 مـ رقم العدد [16017]

https://aawsat.com/node/3912301

 

مقالات ذات صلة

 ان تكون عبدا لغيرك

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية ، دراسة في المفهوم والاشكاليات -دراسة موسعة 

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بوصفها مشكلة

الحرية بين مفهومين

الحرية عند أهل الفقه

الحرية والانفلات

 الحرية والنظام العام

الحرية وحدودها القانونية

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

الخبز الحافي والحرية المستحيلة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

العلاقة الجدلية بين الحرية ورضا العامة

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

في تمجيد الحرية

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

ملاحظات على حديث قصير – غريب

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

يحبون الحرية ويخشونها

 

 

 

 

18/12/2019

حين نخاف من بعضنا او نرتاب: بيئة التوحش


لفت انتباهي هذا الاسبوع حديث للدكتور معجب الزهراني عن "بيئة التوحش". والزهراني اكاديمي وناقد معروف ، يعمل مديرا لمعهد العالم العربي في باريس. وكنت قد صادفت هذا التعبير في بحوث حول استراتيجية "تنظيم القاعدة" وفروعه. ولعله راج بعد ظهور "ادارة التوحش" ، الكتاب الذي يشرح تلك الاستراتيجية.
اما "بيئة التوحش" التي يذكرها الزهراني فهي سياق تحليلي ، يفسر بعض التحولات الثقافية/السلوكية في المجتمع السعودي ، خلال حقبة "الصحوة" التي شغلت معظم الربع الأخير من القرن العشرين ، فهو اذن غير التعبير المرتبط بعمل التنظيم المذكور.
د. معجب الزهراني
لفت انتباهي هذا الوصف ، لما يختزنه من قابلية لتحليل مسارات مهمة في تاريخنا الحديث ، واعني بها خصوصا اختلال هيكل العلاقات الاجتماعية القديم ، ومايسنده من منظومات قيمية ، بسبب تغير مصادر المعيشة والانتاج اولا ، ثم بسبب التوجيه الايديولوجي/القيمي ، الذي قدم بديلا سلوكيا وعلائقيا يستوحي ثقافة الغزو والغنيمة ، لكنه يتغطى بعباءة العودة الى الدين الحنيف.
سأقول من دون تردد ان عقلاء العالم جميعا ، بمختلف اديانهم وثقافاتهم ، يريدون العيش في مجتمع "يأنس" فيه الافراد ببعضهم ، يتبادلون المنافع ويتشاركون الأعباء ويواسي بعضهم بعضا ، دون ان يحجزهم عن بعضهم اختلاف اللون ، او العرق او الدين او اللغة او الجنس او الجنسية او الايديولوجيا او الولاء السياسي او غيره. "الأنس" هو جوهر الانسانية كمعنى وكقيمة. ولولاه لكان الانسان وحشا او شبه وحش.
وقد لفت الاستاذ الزهراني نظري الى ان النقيض المباشر للانس ، اي التوحش ، قد لايكون حالة فردية متخارجة عن الحالة العامة للمجتمع الطبيعي. أقول هذا استيحاء من مقارنته بين الحال التي رآها حين عاد الى البلاد ، وتلك التي اعتاد ان يراها قبل رحيله للدراسة في الخارج. وفيها يشير الى ان نسبة معتبرة من المجتمع ، قد تخلت عن حالة "الانس" التي هي سمة المجتمع الطبيعي ، واتجهت الى حالة تنافر او تناكر ، ربما تكون التمهيد الأولي لحالة التوحش.
في هذه المرحلة التمهيدية تتبلور السمات الرئيسية لبيئة التوحش ، وابرزها في ظني هي تحول الريبة الى معيار حاكم على العلاقات بين الناس. تتبدى الريبة في اشكال شتى ، منها مثلا تحويل المنازل الشخصية الى قلاع عالية الاسوار ، خوف السراق احيانا وخوفا من نظر الجيران في أغلب الاحيان ، وكذا المبالغة في الفصل بين الرجال والنساء في الاماكن العامة ، حتى بين الأهل والأقارب. ومثله الميل الشديد الى "المفاصلة" في العلاقة مع الآخرين ، والذي يتجلى في الاهتمام بتصنيف كل شخص باعتباره "من الجماعة " او "آخر" والتركيز على خطوط التفارق ، مثل الدين والمذهب والقبيلة والمدينة الخ. وتترافق هذه النزعة مع تفاقم الخوف من المجهول ، الذي يظهر في انتشار الحكايات والروايات عن الجن والسحر والحسد والعوالم الخفية التي تتحكم في عالم الانسان.
ربما لم تكن هذه التحولات معضلة او شديدة التأثير ، لولا التوجيه الايديولوجي الذي البسها عباءة دينية. فتحولت الريبة وما ينتج عنها الى تمظهر للورع والتقوى ، وتحولت المفاصلة الى تعبير عن قوة الايمان والقوة فيه. العباءة الدينية هي التي جعلت نقد الحالة عسيرا ، وحملت معظم الناس على اعتبارها أمرا طبيعيا ، او ربما طيبا.
لكننا نعلم ان العلاقات القائمة على اساس الريبة ، ستقود بالضرورة الى تفكيك المجتمع وتحويله الى جزر منفصلة متناكرة. وهذي هي الصورة الأولى لبيئة التوحش.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 شهر ربيع الثاني 1441 هـ - 18 ديسمبر 2019 ـ  [14995]

مقالات ذات صلة

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

 تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

ثقافة الكراهية تجريم الكراهية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

الحق الواحد والحق المتعدد: هل تراه معقولا؟

حول أزمة الهوية

حول الانقسام الاجتماعي

سؤال التسامح الساذج: معنى التسامح

عن الهوية والمجتمع

في التسامح الحر والتسامح المشروط

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في بغض الكافر

في معنى التعصب

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

من الاجوبة الى النهايات المفتوحة

من القطيعة الى العيش المشترك

الهوية المتأزمة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...