‏إظهار الرسائل ذات التسميات قلق الشباب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قلق الشباب. إظهار كافة الرسائل

02/12/2015

الحداثة كمحرك للتشدد الديني


أغلب الباحثين الذين كتبوا عن تصاعد المشاعر الدينية في السنوات الأخيرة ، اعتبروه نوعا ‏من الهروب الى الماضي ، احتماء به من تحديات الحداثة المؤلمة. بعضهم لاحظ ان التحولات ‏الاقتصادية التي جاءت في اطار التحديث أوجدت حالة من الضياع وانعدام التوازن النفسي للأفراد ‏، الذين ارادوا حجز مكانهم في النظام الاجتماعي الجديد ، لكنهم وجدوه محاطا بذات الأسوار ‏السياسية التي عرفوها في مجتمع ما قبل الحداثة. إقبال الافراد على الانضمام الى المجال الديني ، ‏يشكل - في رأي هؤلاء الباحثين - محاولة للتمسك بقطار لازالت سكته ممتدة بين الماضي ‏والحاضر ، ولازالت ابوابه مفتوحة ترحب بأي قادم. ‏

قدم المفكر الفرنسي مارسيل غوشيه تفسيرا معاكسا. وهو – على خلاف المتوقع – أكثر ‏انسجاما مع المفهوم الكلي للتحديث وانعكاساته الثقافية. تحدث غوشيه في كتابه "الدين في ‏الديمقراطية" عن الميل المتفاقم للتدين بين الاجيال الجديدة ، كمؤشر على ان الحداثة قد شقت ‏طريقها فعلا في جميع الشرائح الاجتماعية. وهو يعتقد ان جوهر هذا التدين هو التعبير عن الذات ‏وتشكيل هوية فردية مستقلة. ‏

الفرد المتأثر بموجات الحداثة ما عاد يرى نفسه مجرد صورة عن الجماعة التي ينتمي اليها ، بل كائنا مستقلا يختار صورته وهويته. تطور التفكير في الذات على هذا النحو ، أدى الى انفصاله عن التدين الجمعي التقليدي. بمعنى انه تحول من التبعية المطلقة لتلك الصورة/الهوية الدينية ، الى امتلاك تدينه الخاص/هويته. ونتيجة لهذا اصبحت الهوية الدينية فردانية ، أي اكثر تصلبا وتسلطا مما كانت عليه يوم كان صاحبها تابعا لـ "دين الاباء". تحول الدين الى خيار فردي جعل حامله مهموما بالعمل على فرض تصوره/هويته كحقيقة وحيدة في العالم. انها – في هذا المعنى – وسيلة لتحقيق الذات في عالم متصارع.

هذا الرأي يقدم – من زاوية واحدة على الأقل – تفسيرا للتباين الذي يشار إليه أحيانا ، بين التدين القديم ، اي ما يسميه غوشيه "دين الآباء" والتدين الجديد ، أو دين الأبناء. لم يتنازع الآباء في أغلب الأحيان ، لان تدينهم كان تعبيرا عن ارتباط راسخ مع الجماعة ، اي هوية مستقرة. بينما يمثل تدين الأبناء هوية لازالت في طور التشكل. وهي متفارقة ، أو على الأقل مستقلة عن أي جماعة. صحيح ان كثيرا من أفراد الجيل الجديد منتمون الى جماعات منظمة او تيارات نشطة ، الا انه انتماء مختلف في المضمون والاغراض عن انتماء الاباء الى الجماعة او التيار العام.

 ينتمي الشاب الى الجماعة الدينية وفي ذهنه فكرة اكتشاف ذاته ثم تحقيق ذاته. وفي ظروف قلقة ومتحولة كالتي تمر بها المجتمعات العربية ، فان صناعة النفوذ الشخصي تتحول الى دينامو تحقيق الذات. الميل الى تلبس دور الداعية هو التمظهر المعتدل لهذا التوجه ، لكنه في حالات أخرى ، وان كانت قليلة ، يظهر في صورة ميل الى السلاح ، تدربا وامتلاكا واستعمالا.

التوتر الذي أصبح سمة عامة في التيار الديني قد يعطي دليلا على المضمون الهوياتي للتدين الحديث. وهو توتر ينعكس أحيانا في صورة تنازع بين التيار وخارجه ، كما يتجسد في ميل شبه دائم الى الانشقاق في داخل التيار نفسه ، اي توترا بين الاطياف المتعددة داخل نفس التيار ، فضلا عن التوتر الذي يسم السلوك الشخصي للاعضاء. وهو ما يتجسد في الخشونة النسبية لطروحاتهم وفي ميلهم الى فرض مراداتهم على الغير.

الشرق الاوسط 2 ديسمبر 2015

11/09/2004

مؤشر السوق ومؤشر القلق

 قد لا يختلف اثنان على ان القلق اصبح ظاهرة ملموسة في مجتمعنا خلال السنوات الاخيرة . الاوضاع الاقتصادية والازمات في المحيط الاقليمي والشعور المتفاقم بالغموض حيال المستقبل ، كلها تمثل مصادر لهذا القلق الذي قد ترتفع مؤشراته في ظروف الازمات كما تتراجع في ظروف الرخاء . من المؤسف انني عاجز عن تقديم ارقام محددة رغم محاولتي الحصول على اية مؤشرات جديرة بالثقة . لكن اذا اخذنا صور التعبير المختلفة واحاديث الناس عن انفسهم كمؤشرات اجمالية ، اضافة الى المقارنة مع الدراسات الميدانية في مجتمعات مماثلة ، فانه يمكن القول اننا بحاجة الى اخذ المسألة بقدر كبير من الاهتمام قبل ان تتحول الى علة عسيرة العلاج .
قبل عدة اعوام شدد د. الببلاوي في دراسة له على فاعلية الحراك الاقتصادي في امتصاص الميل للمنازعة في نفوس الافراد ، واستخدم المؤشرات المسجلة عن ثورة الشباب في فرنسا (1968) لوضع مقارنة بين العوامل المختلفة التي تقوي الميل للمنازعة او تضعفه . لكن منذ ذلك الوقت فان البحث عن عوامل التذمر الفردي والاجتماعي مال الى التركيز على مسالة الهوية باعتبارها صلب الموضوع . على المستوى الفلسفي فان المشكلة نفسها تعالج كطرف من قلق الوجود ، او افتقاد الانسان للقدرة على تحديد مكانه او السيطرة على مصيره في هذا المحيط الكوني الهائل والمذهل.

وجود القلق في مجتمعنا هو امر طبيعي تماما اذ يستحيل ان يخلو منه اي مجتمع على الاطلاق . الذين تخلصوا من القلق هم اولئك الذين انقطعت صلتهم بالعالم الذي حولهم وما فيه من الناس والاشياء. ايا كان تعريفنا لمشكلة القلق او جذورها ، فان ما يهمنا هو فهم المشكل ثم احتواؤه ضمن الحدود الطبيعية بحيث يستطيع الفرد ضبط انعكاساته بنفسه او بمساعدة الاليات الاجتماعية المتوفرة. تحول القلق الى ميل للتمرد والمنازعة هو الجانب الخطر في المشكلة. وتزيد احتمالات هذا التحول في ظروف اختلال التوازن على المستوى الاجتماعي او السياسي ضمن المحيط الذي يتفاعل معه الفرد.

في مثل هذه الاحوال فان واضعي السياسات واصحاب القرار عموما بحاجة الى الاخذ بعين الاعتبار الانعكاسات المحتملة لقراراتهم على نفوس الناس ، بكلمة اخرى عليهم ان يدرسوا ما اذا كان تطبيق تلك القرارات سيثير الارتياح في نفوس الشريحة الاوسع من الجمهور ام انه سيثير ضيقهم .  الضيق هو العامل الرئيس في تحويل القلق الطبيعي الى ميل للمنازعة في نفوس الافراد . نحن نسمع في نهاية كل شهر عن مؤشر ثقة المستهلكين في اسواق الدول الصناعية كدلالة على اتجاهات الاقتصاد . وثمة مؤشرات مماثلة للرضى تعكس في العادة انطباع الجمهور عن الوضع السياسي والاجتماعي . هذه المؤشرات التي توضع على اسس علمية تساعد كثيرا من تحسين القدرة على اتخاذ القرار ، بنفس الدرجة التي يساعدنا بها مؤشر سوق الاسهم في اتخاذ قرارات الاستثمار.
الامر المؤكد ان كفاءة القرار في المجال العام تعتمد جوهريا على فلسفة العمل التي يتبعها اصحاب القرار. حينما يكون رضى الجمهور هدفا محوريا فان الانعكاسات المحتملة للقرار على نفوس الناس سوف تكون عاملا منظورا في اتخاذ القرارات ، والعكس بالعكس. وأظن اننا في هذه الظروف بحاجة الى التخلص من تلك السياسات والاجراءات التنفيذية المثيرة للضيق والتي لا يرغب فيها الا اقلية من الناس . ثمة قائمة طويلة جدا من الاجراءات التي يمكن تصنيفها ضمن هذا الاطار .

شكوى الناس من الروتين ومن المعاملات المعقدة ، ومن سوء معاملة الموظفين ، هي في حقيقتها احتجاج على هذا النوع من الاجراءات التي وضعت لغرض محدد لكنها تحولت مع مرور الزمن الى ما يشبه العقوبة الجماعية . واظن ان المسؤولين في الدوائر الرسمية بحاجة الى استعرض كافة القرارات المتخذة والاجراءات التنفيذية التي ترجع اليها ومساءلة انفسهم : ما هي ضرورة كل من هذه الاجراءات؟ . كم من الناس سينتفع من ورائها وكم سيتضرر؟ . كم من الناس سيرتاح وكم منهم سيضيق ؟. مثل هذه المراجعة ضرورية كي لا يتحول القرار الى مولد للتذمر بدل ان يكون حلالا للمشكلات.

( السبت - 26/7/1425هـ ) الموافق  11 / سبتمبر/ 2004 



اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...