‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد الانتاجي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاقتصاد الانتاجي. إظهار كافة الرسائل

29/07/2015

لا بد من تغيير المسار



توقع صندوق النقد الدولي ان تسجل ميزانية المملكة في هذه السنة (2015) عجزا في حدود 488 مليار ريال. وتم تاكيد سحب 244 مليارا من الاحتياطي العام حتى الان. محللون توقعوا ان يتكرر العجز في ميزانية العام القادم ، الا اذا خفضت بشكل كبير بحيث تقتصر على المصروفات الجارية والقليل فقط من المشاريع العمرانية.
هذا يعيد الى طاولة النقاش جدلا قديما حول حاجة المملكة للتحرر من الارتهان شبه الكلي لمبيعات البترول الخام. يتحدث الجميع تقريبا عن ضرورة التوسع في الصناعة ، حتى تصبح منافسا للبترول في توليد الدخل القومي.
 اعلم ان كثيرا من الناس ، وبعضهم في مواقع القرار ، غير متفائل بقدرتنا على التحول الى اقتصاد صناعي خلال وقت معقول. بعض الكتاب يشكك في قدرة العالم على الاستغناء عن البترول كمصدر رئيس للطاقة. احد المصرفيين كتب يوما ان الصناعة ليست ضرورية طالما كان لدينا المال. كل ما تحتاجه معروض في السوق ، في هذا البلد او ذاك. احدهم قال لي يوما "سمعنا الكلام عن الصناعة والتحذير من الارتهان لاسواق البترول منذ السبعينات ، لكننا – بعد اربعين عاما – ما زلنا اغنى واقوى من الذين حذرونا". هذا وذاك كلام صحيح ، لكنه يكشف نصف الحقيقة فقط. المشكلة اننا لن نستطيع رؤية النصف الثاني الا اذا وقعنا فيه. في الفترة بين 1983-1990 واجهنا نموذجا مصغرا لظرف من هذا النوع. والمؤسف اننا لم ندرس الانعكاسات الكارثية لما حدث في تلك الفترة القصيرة نسبيا. واعني بها الانعكاسات الثقافية والسياسية ، فضلا عن الاقتصادية ، لانخفاض عائدات البترول يومذاك. ولهذا لم نعتبر بما جرى.
لكن الصناعة ليست مسألة اقتصادية فحسب. ثمة جوانب ثقافية وعلمية وسياسية لا تقل أهمية عن جانبها الاقتصادي. كنت قد اشرت في مقال سابق الى دورها في تعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بالوطن. كلنا نعرف ان التطور الصناعي ينعكس على شكل فخر بالوطن والجماعة الوطنية وشعور بالاكتفاء الروحي والثقافي. وهذا يقود الى تعميق الاحساس الداخلي بالانتماء.
كما ان التحول الى اقتصاد صناعي سيوفر ارضية واقعية لانتاج العلم وتطوير التقنيات التي نحتاجها. نحن اليوم ننفق مئات الملايين لتعليم ابنائنا في مختلف الفنون. لكن ظهور مجتمع علمي ، اي توطين العلم والتقنية ، ليس ممكنا دون تحول العلم والتقنية الى مصدر معيشة قائم بذاته. في الوقت الحاضر يستهلك ابناؤنا المتعلمون حياتهم في تطبيق تقنيات طورها غيرهم. مع التحول الى اقتصاد صناعي سيشاركون هم في تطوير التقنيات التي يحتاجونها ، وبهذا يتحول العلم الذي تلقوه في جامعاتهم الى راسمال قابل للاستثمار ومصدر معيشة مستقل.
ثمة من يقدم رؤية متشائمة ، مبنية على قلة كفاءة مجتمعنا وصعوبة انعتاقه من تقاليده. يخبرنا بعضهم ان المجتمع الذي اعتاد الرفاهية السهلة وآمن بالاساطير والتقاليد الخرافية لا يستطيع التحول الى مجتمع صناعي.
وهذا الكلام مثل سابقه ، اقرب الى الهندسة العكسية. في حقيقة الامر هو يرى واقع الحال ،  ويفترض انه قائم بذاته او انه سبب لذاته. لو تأملنا بعمق لوجدناه نتيجة لما فعلنا خلال نصف القرن الماضي. لقد شارك اباؤنا في اقامة مؤسسة متقدمة مثل ارامكو ولم يعجزوا عن التعلم حينما اتيحت لهم الفرصة. اما اليوم فأمامنا فرص اكثر. اطفالنا الذين لا زالوا في على مقاعد الثانوية يملكون من المعلومات اضعاف ما عرفناه يوم كنا في اعمارهم ، وهم منفتحون على التكنولوجيا والتيارات العلمية بما يزيد على حصيلة معظمنا ، رغم فارق السن بيننا وبينهم.
صحيح اننا مجتمع استهلاكي ومتساهل. لكن هذا هو الحال الذي اوصلتنا اليه مقدمات سابقة. وهو قابل للتغيير ، سيما مع اجيالنا الجديدة ، اذا قررنا تغيير المسار.
اعلم ان تغيير المسار ، ليس قرارا سهلا. اعلم ان له تبعات كبيرة ، على الاقتصاد الكلي وعلى معيشة كثير منا. لكني اعلم ايضا ان هذا هو الخيار الوحيد لمستقبل آمن ، ليس فقط في مجال المعيشة ، بل ايضا كي نشعر باننا قدمنا شيئا للاجيال التالية ، قدمنا وطنا يستحقونه ويستحق الفخر به.
الشرق الاوسط  12 شوال 1436 هـ - 29 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13392]
http://goo.gl/mCPOVW

09/10/2008

ماذا تفعل لو كنت غنيا ؟



قبل عقدين من الزمن حذر باحثون من افراط دول الخليج في ربط حياة سكانها واقتصادياتها بتصدير البترول الخام . وظهرت في هذا السياق دراسات كثيرة تدعو الى تنويع مصادر الدخل القومي ، توسيع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني ، والاهتمام بتطوير القدرات البشرية. اواخر الثمانينات من القرن المنصرم تدهورت اسواق البترول ، فانخفضت اسعاره ومعها الدخل القومي في دول الخليج .
ونتيجة لذلك فقد شهدت جميع هذه الدول هزات اقتصادية اظهرت ان التحذيرات السابقة لم تكن كوابيس متشائمة ، بل رؤيا صادقة مستمدة من دراسات محايدة وتجارب فعلية . فقد بدأنا نسمع عن ازمة بطالة لا تستطيع الحكومات علاجها حتى في اقل الدول سكانا واكثرها ثروة . بطبيعة الحال فقد سالت انهار من الحبر في رثاء مرحلة الطفرة والدعوة للترشيد وحماية المال العام وما اشبه . لكن احدا من السياسيين والمخططين لم يخرج الى العلن ليقول انه قد اخطأ في حساباته القديمة وانه كان بحاجة الى توجيه معظم الاموال التي كانت متوفرة بكثرة الى الاستثمار المحلي ، ولا سيما في ايجاد مصادر جديدة للدخل القومي الى جانب البترول.

 لا نتوقع من الحكومات العربية الاعتراف بالخطأ ، فهذه ليست عادة عربية. لكننا ايضا لم نسمع عن دراسة لنقاط الضعف التي شابت السياسات الاقتصادية السابقة ، ولم نسمع عن استراتيجيات بديلة ، واقعية او افتراضية ، لتعويض ما فات . استراتيجيات تجيب على سؤال : ماذا سنفعل لو عاد زمن الطفرة النفطية وتوفر لنا نفس القدر من المال الذي غفلنا عن استثماره في عقد السبعينات؟.

خلال السنوات الخمس الماضية ، واصلت اسعار البترول ارتفاعها وحققت مستويات غير مسبوقة . واثمر هذا عن حل الكثير من المشكلات المؤرقة مثل مشكلة البطالة والسكن وانخفاض الاستثمار في الخدمات العامة. لكن يبدو اننا لا نتعلم من تجاربنا الخاصة فضلا عن تجارب غيرنا . خلال هذه الفترة تضاعف الدخل القومي في الخليج عدة مرات وحققنا للمرة الاولى منذ عقدين فوائض هائلة . لكن الاهتمام بتنويع مصادر الدخل القومي لا زال فاترا .

 نجد ان قطاع التطوير العقاري قد استحوذ على حصة الاسد من مجمل الاستثمار الاهلي والحكومي خلال هذه الفترة . نعرف طبعا ان هذا القطاع هو الاقرب الى قلوب الناس ، لان الثقافة التقليدية السائدة في الخليج تقول عادة "ان العقار يمرض لكنه لا يموت". بعبارة اخرى فان المخاطرة في هذا القطاع شبه معدومة. بخلاف الاستثمار في الصناعة والتقنية الذي يعتبر عندنا خطيرا بسبب احتياجه الى رساميل كبيرة وكفاءة تشغيل وادارة عالية.

لا يستطيع احد ان يلوم القطاع الخاص اذا ابتعد عن المغامرة ، لكننا بالطبع نلوم الحكومات اذا تبنت نفس هذا المنظور الكسيح. في كل دول العالم ، الراسمالية فضلا عن غيرها ، تتحمل الحكومات عبء المغامرة في القطاعات التي يعرض عنها بقية الناس . ولا سيما تلك القطاعات الضرورية للحفاظ على الثروة الوطنية او تطوير مستوى الحياة ، ومن بينها بطبيعة الحال الاستثمارات الضرورية لتنويع مصادر الدخل القومي وتعزيز الدورة المحلية لرؤوس الاموال.
كما نلوم الحكومات اذا وجدنا القطاع الخاص خائفا او مترددا . الخوف من المخاطرة الاستثمارية ليس صفة ثابتة او نهائية ، فهي تتناسب مع تقدير المستثمر للعناصر التي تشكل البيئة الاستثمارية في بلده. خلق البيئة الاستثمارية الجاذبة ليس مسؤولية المستثمرين بل مسؤولية الدولة. الدولة وحدها تستطيع اقناع الناس بان القانون سيد وحاكم ، وان الجميع يحصل على نفس الامتيازات ويتحمل نفس المسؤوليات. الدولة وحدها تستطيع اقناع المستثمرين بان السياسات توضع لتسهيل الاعمال لا لتعقيدها ، وانها مرنة في معالجة الاشكالات والعوائق التي تظهر بين حين واخر.
 اذا وجدت البيئة الاستثمارية المناسبة ، فسيقبل المستثمرون – بعضهم على الاقل – على العمل في بلدهم. لكنهم سيبحثون عن الفرص المتاحة خارجها اذا وجدوا الابواب مغلقة والاذان صماء.

رغم ان اسعار البترول لا زالت اعلى من اي وقت في السنوات الماضية ، الا ان الفوضى العارمة في اسواق العالم المالية تلقي بظلال سوداء على النشاط الاقتصادي في الدول المستهلكة للبترول . واذا حصل ذلك فسوف نشهد بالتاكيد تراجعا منتظما في اسعاره ، ربما تعيدنا الى الظروف التي عرفناها في الثمانينات ولم نتعظ بدروسها. قد لا يحدث الاسوأ ، لكن من يضمن ذلك؟. من كان يعرف ان اسعار البترول التي بلغت 45 دولارا في اواخر السبعينات ستعود الى 15 دولارا في منتصف الثمانينات ؟. من كان يعرف ان مئات المليارات من الفوائض التي تراكمت في تلك الحقبة سوف تتبخر مثل قطعة ثلج في عز الصيف ؟.

دعونا نقف الان لنفكر في الاجابة على ذات السؤال الذي سكتنا عنه خلال الازمة السابقة : ما هو العيوب التي ظهرت في نظامنا الاقتصادي ، وماذا كنا سنفعل لو توفر لدينا المال الكافي ؟.
الايام 9-10-2008

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...