اظن ان سفيرنا في اسلام اباد
كان اشد الناس قلقا وهو يتابع بيانات الجيش الباكستاني عن عملياته حول المسجد الاحمر. في العاصمة اسلام اباد. ربما لم نصرف قرشا على هذا المسجد او المدرسة الملحقة به، وربما لم نعرف
احدا من القائمين عليه او الدارسين فيه. لكن ايدينا كانت على قلوبنا حين سمعنا
بانفجار الصراع. وكذلك الحال كلما حدث تمرد في شرق الارض او غربها، خوفا من ظهور
«العامل السعودي».
المسجد الاحمر-لال مسجد |
اظن ان كثيرين منا تابعوا الصراع على المسجد الاحمر، ليس اشفاقا
على من فيه، بل خشية ان يظهر بينهم احد منا. بل ان بعض القنوات الاعلامية قد تبرع
ابتداء بالقول ان «العامل السعودي» موجود، ظاهرا او خفيا في هذه المسألة، مثل كل
مسألة اخرى مماثلة، من الفلبين الى افغانستان وكينيا والعراق الى اوروبا وامريكا
مرورا بلبنان والاردن وغيرها.
فيما مضى من السنين كنا نأمل
ان تكون المشكلة فردية : عشرة او عشرين رجلا سئموا الحياة هنا فبحثوا عن مغامرة
يعيدون من خلالها اكتشاف ذواتهم وقدراتهم. لكن الحدث تكرر مرات ورأينا دماء شبابنا
تسيل في بلاد لم نعرفها، لقضايا لم نسمع بها من قبل. في اواخر القرن الثامن عشر شهدت
مجتمعات اوروبية شيئا قريبا من هذا: شعر مئات من الشباب بضيق الحياة في بلادهم
وقرروا الهجرة لاكتشاف العالم. وقد اثمرت تلك الهجرات الفردية عن معظم ما يعرفه العالم اليوم عن البلاد
البعيدة، من غابات الامازون الى مجاهل اسيا الشرقية، فضلا عن الصحارى العربية وغيرها.
وفي الربع الاخير من القرن العشرين ذهب عشرات من الشباب العرب، ومنهم سعوديون
وخليجيون الى دول افريقيا الفقيرة يحفرون آبار المياه ويقيمون المدارس ويقدمون
المساعدة، معتقدين أنهم –بهذا الاسلوب– ينشرون الدين الحنيف او يحققون اغراضه
النبيلة.
نعرف من هذه التجارب وغيرها ان الضيق بالاهل والوطن ليس شيئا غريبا. وان
البحث عن الذات والبحث عن المكانة ليس معيبا. فكثير من الناس لا يحتمل مسارات
المجتمع ونظام علاقاته ونظام القيم السائد فيه. وبعضهم لا يشعر بالقدرة على ان
يكون شيئا ذا بال في ظل هذه المسارات والمعادلات، والشجاع منهم هو الذي يقرر
التخفف من كل هذه القيود والسدود.
لكن ما الذي حدث حتى تركزت
هجرات شبابنا على الحرب ولم يعد احدهم يرضى بغير ان يثير حربا او يكون وقودا في
حروب الآخرين؟. معظم الذين كتبوا خلال الايام الماضية عن «العامل السعودي» في معركة نهر البارد بشمال لبنان، والذين علقوا على ما قاله عسكري امريكي عن «عدة
آلاف» من السعوديين في العراق، اشاروا باصبع الاتهام الى مناهج التعليم في المملكة
كسبب اول للمشكلة. واظن ان معظم الكتاب لديهم اسباب اخرى لكنهم ربما ترددوا في
التصريح عنها. السنوات الطويلة التي مضت منذ اتضاح هذه الظاهرة، كشفت عن مكونات
جديدة في البيئة التي تفرخ التشدد والارهاب، وكل منها جدير بالنقاش.
خلال الاسابيع الماضية سمعت
تحليلات مثيرة للانتباه، لكنها للاسف لا تظهر في الصحافة. ضيق النظام الاجتماعي
الذي يدفع بالافراد خارجه، ليس بذاته سببا بل هو خلاصة مكثفة لاسباب اخرى، لعل من
ابرزها عدم اتضاح الهوية الفردية للمواطن السعودي كمقابل لهويته الاجتماعية. وربما
يكون من اسبابها الخلط السائد في مفهوم العدالة الاجتماعية وتطبيقاته. ويجب ان لا
ننسى بطبيعة الحال ضآلة اطارات النشاط العام التي تسمح للفرد بالتعبير عن همومه
وتطلعاته بشكل فعال لكن ضمن اطار القانون.
استطيع القول من دون تردد ان المشكلة اكبر من
الحلول الامنية، واكبر من التنظيرات الفردية والاحكام المسبقة. صحيح اننا نراها
على فترات متباعدة، وقد ننساها او نتغافل عنها فور ان ينشغل الاعلام بغيرها، وهو
ما حدث حتى الان للاسف. لكن المشكلة موجودة في بيئتنا، وهي ربما تتفاقم من دون ان
نشعر. ولهذا فاننا بحاجة الى رفع القيود الواقعية او الافتراضية على النقاش في
مشكلة العنف وتفريخ العنف. ونحن بحاجة الى تشجيع هؤلاء الشباب على الكلام بصراحة
وفي العلن، لعلنا نستطيع استنباط بدائل او حلول. ربما نستطيع تحويل «العامل
السعودي» الى مسار اكثر ايجابية، مسار بناء في بلادنا وفي العالم، بدل ان يبقى
مقترنا بتصدير العنف او تحريك العنف او المشاركة في العنف كما هو الحال اليوم.
عكاظ 18 يوليو 2007
العدد : 2222 http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070718/Con20070718125906.htm
لمعلومات عن احداث المسجد الاحمر في يوليو 2007، انظر الجزيرة.نت
http://www.aljazeera.net/home/Getpage/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/f1b9bf1c-a2a1-4459-8ac9-2c869f2b4ef2