||هذا الكون يتحرك في
نظام ثابت ، هو "سنة الله". وهو مفهوم للبشر، ولذلك يستعملونه ويسخرون
أدواته لتحسين معيشتهم||
لو
لم يكن هذا الشيخ مشهورا
ومسموع الكلمة ، لما انتشر حديثه عبر العالم ، وما شاهده عشرات الألوف. ولولا ان
الكلام الذي قاله يحاكي قناعات عميقة في نفوس مستمعيه ، لما قوبل بالاستحسان
والتأييد. خلاصة كلام الشيخ ان وباء كورونا اختبار رباني للبشر جميعا ، غرضه اظهار
قدرة الباري سبحانه وتذكير البشر الآثمين بجبروته كي يتعظوا.
قال
الشيخ أيضا انه مندهش غاية الدهشة ، لأن مخلوقا في غاية الضعف والتفاهة ، صغيرا لا
يرى بالعين المجردة ، عطل حياة العالم من اقصاه الى أدناه: أوقف السيارات
والقطارات والطائرات ، وعطل المصانع والشركات والجامعات والحكومات ، وضرب الجيوش
والاجهزة الأمنية من داخلها ، بل لم ينج منه حتى رؤساء الدول وعائلاتهم.
لا
حاجة لذكر اسم القائل ، فقد تكرر على السن العديد من الدعاة المحترمين ، الذين
ظنوا ان كلاما كهذا ، سوف يذكر مستمعيهم
بما يتوجب عليهم من طاعة الله والتوجه اليه ، وقد يردعهم عن المعاصي ان كانوا من
أهل العصيان.
والحق
ان طريقة الوعظ هذه خطأ في ذاتها. فهي لا تقنع الا من كان مقتنعا سلفا ، اي من لا
يحتاج للموعظة. كونها خطأ تظهر في وجهين: الاول ان جبروت الله وقدرته ، لا تتجلى
في أمور يستطيع البشر التنبؤ بها ودفعها ، او اتقاءها وتقليل آثارها ، وهذا
لاينطبق على كورونا ولا الاوبئة المماثلة. اما الوجه الثاني فهو ان الأصل في دعوة
الناس الى الله ، هو البشرى وإثارة الأمل بالنجاح الدنيوي وليس التنفير.
الوجه
الأول يوضحه القرآن في آيات عديدة كقوله سبحانه "لاعاصم اليوم من أمر الله-هود
43" ، بينما نعلم ان العواصم من الاوبئة كثيرة ، وابسطها التباعد الاجتماعي.
اما الاوبئة التي ضربت العالم فيما مضى ، فقد طور العلماء امصالا تقي منها ، فما
عادت قابلة للتكرار على نطاقات واسعة ، مثل الملاريا والكوليرا والسل والطاعون والتراخوما
والايبولا والسارس وأمثالها. وحتى كورونا المستجد الذي ادهش فضيلة الشيخ ، فان
العلماء واثقون بامكانية التوصل الى مصل له بحلول نهاية العام الجاري. ثم ان ظهور
الفايروس كان مفاجئا ، أما طبيعته فليست مجهولة تماما. كما ان انتقاله للبلدان
الأخرى لم يكن مفاجئا ، ولا التحكم فيه والتقليل من آثاره مستحيلا.
بعبارة
اخرى فان المسار الذي رأيناه وتابعناه بشكل يومي ، لم يوح أبدا بعجز البشر عن كبح هذا
الوباء ، ولم يقل احد ان العالم اقترب من
نهايته ، او ان عواقب الكارثة ستكون بلا حدود. ومن هنا فان هذا الوباء لم يكن بالصورة
التي نتخيلها عن جبروت الله وقوته ، التي لا ترد ولا تقف عند حد.
القول
بان الله يعاقب البشر من خلال التدخل المباشر في النظام الكوني ، لا يخلو من مضمون
خرافي. هذا الكون يدور ويتحرك وفق نظام ثابت ، أسماه القرآن "سنة الله" و
"آيات الله" و "فطرة الله". ولو تأملت في هذا النظام لوجدته كله
، قواعده وتفصيلاته ، تسير وفق منطق دقيق ، منطق يفهمه البشر ويستوعبون تفصيلاته ،
ولذلك يستعملونه ويسخرون أدواته لتحسين معيشتهم ، وهذا بالتحديد مراد الخالق
سبحانه.
ادعو
المشايخ الكرام والدعاة الافاضل الى القراءة العقلانية والانسانية للدين ، القراءة
التي تنظر للعالم باعتباره مختبرا للعقل والفكر والرحمة ، لا ساحة للعذاب وانتقام القوي
من عباده الضعفاء.
الشرق الاوسط الأربعاء
- 6 شهر رمضان 1441 هـ - 29 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15128]
مقالات ذات علاقة