‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو مصعب الزرقاوي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ابو مصعب الزرقاوي. إظهار كافة الرسائل

27/05/2015

اليوم التالي للمذبحة


تفجير المصلين في مسجد الامام علي بالقديح قد يكون مجرد مبادرة جنونية معزولة ، وقد يكون جزء من مخطط واسع النطاق. ثمة كلام كثير يشير الى الاحتمال الثاني ، لكن ليس لدينا معطيات مادية تؤكده. في الوقت ذاته يصعب تخيل ان هذ الجريمة فورة غضب محدودة او منفصلة.
اكتشاف حقيقة الهجوم ومغزاه الفوري مهم دون شك. لكن الاكثر أهمية هو التفكير في انعكاساته الموضوعية ، اي تلك الآثار التي تترتب بشكل طبيعي على مثل هذا العمل ، سواء كانت مقصودة بذاتها او غير مقصودة. يقولون عادة ان الحرب تستخرج اسوأ ما في الانسان. ذلك انها – على خلاف الصراعات السلمية المعتادة – تثير الخوف الغريزي على الوجود. وليس في الغرائز ما هو اقوى من غريزة البقاء ، عند البشر والحيوان على السواء. اذا شعر الانسان بان وجوده مهدد فسوف يفعل أي شيء لمقاومة هذا التهديد ، ولن يفرق آنذاك بين الافعال العاقلة وتلك الجاهلة التي لا تليق بالانسان.
الخوف على الوجود يبدأ كحالة شعورية ، فاذا صادف تمثيلات واقعية لذلك التهديد فان الشعور يتحول الى انشغال ذهني وروحي بالبحث عن وسائل الدفاع عن الذات وانشغال مواز بالانفصال عن جهة التهديد المفترضة. تبدأ الصراعات على هذا النحو ، ثم تتطور وفق ديناميات جديدة ، قد لا تكون ذات علاقة بالدافع الاول.
خلال السنوات الثمان الماضية ، وبالتحديد منذ العام 2006 كشفت وثائق لتنظيم "القاعدة" تتحدث صراحة عن مثل هذا السيناريو باعتباره استراتيجية يمكن ان تختصر الطريق الى الهدف المركزي للتنظيم ، اي اقامة "الدولة الاسلامية". ثمة رسالة لزعيم القاعدة السابق في العراق ابو مصعب الزرقاوي ، يتحدث عن خطة محددة ، غرضها الفوري هو دفع الناس للتفكير في اقامة منظومة للامن الذاتي. وهو يفترض انها ستكون تحت هيمنة رجاله.
الخطوة الاولى اذن هي افشال الدولة وفصلها عن الجمهور ، من خلال اقناعهم بأن عليهم ان يحموا انفسهم بانفسهم وليس بقوة الدولة وقانونها. المرحلة الثانية تأتي بشكل طبيعي. من يفكر في امتلاك قوة خاصة فلا بد ان يحدد في الوقت ذاته العدو المفترض الذي سيكون هدفا لهذه القوة. هذا الهدف يجب ان يكون واحدا من ثلاثة: اما الدولة الوطنية او دولة اجنبية او طيفا آخر من المجتمع يصنف كعدو.
بالعودة الى المذبحة التي نفذتها داعش في مسجد الامام علي في القديح. فقد يكون الهجوم من تدبير مجموعة مجنونة ، تصرفت ربما بدافع الكراهية الطائفية ، او بدافع الانتقام من الدولة ، او بغرض اثبات الوجود والقدرة على الضرب في كل مكان. ايا كان الدافع ، فما يهمنا هو الفعل نفسه والانعكاسات التي يمكن ان تترتب عليه ، والتي قد تكون اشد خطرا منه. يوم الاحد قال بسام عطية ، العميد بوزراة الداخلية ان داعش تتبني فعليا استراتيجية لتقسيم المملكة الى خمسة اجزاء ، وان هجوم القديح جزء من هذه الاستراتيجية.
هذا يؤكد ان الامر لم يعد في نطاق الاحتمالات ، او على الاقل ان جهاز الامن الوطني يتعامل معه كخطة قيد التنفيذ وليس كاحتمال. نحن اذن امام تحول جوهري في اتجاه الارهاب الموجه للمملكة. فيما مضى كنا نتعامل مع جرائم الارهاب باعتبارها محاولات ازعاج غرضها الضغط على الحكومة ، او اثبات الوجود ، او حتى الانتقام ، وفي احيان اخرى كنا ننظر اليها كانعكاس للتوترات الخارجية. اما اليوم فالامر يتعلق بمخطط له اهداف سياسية محددة ، ابرزها تقسيم البلد. هذه قضية مختلفة تماما ، تتطلب استراتيجية عمل هدفها على وجه التحديد هو معالجة البنى الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية التي تشكل ارضية او بنية مناسبة لانجاح المخطط التقسيمي.
كنت قد تحدثت تكرارا عن الحاجة لقانون واستراتيجية عمل لصيانة الوحدة الوطنية وتجريم اثارة الكراهية. واجد اليوم ان المسألة ما عادت تحتمل الانتظار ، لأن أعداء الوحدة الوطنية قد بدأوا فعلا بتنفيذ مشروعهم. نحن بحاجة الى تفكير جديد وارادة جديدة لافشال هذا المشروع الخطر ، كي لا نذهب الى مستقبل كارثي.
الشرق الاوسط  8 شعبان 1436 هـ - 27 مايو 2015 مـ رقم العدد [13329]
 http://bit.ly/1MUUUf3

16/11/2005

خديعة الثقافة وحفلات الموت


سوف نخدع انفسنا اذا ظننا ان تشجيع العنف ياتي بالسلام. الشارع الاردني كان مصدوما هذا الاسبوع بالمجزرة التي حدثت في فنادق عمان. في الشتاء الماضي وجدت صحافة عمان مستمتعة باخبار القتل الجماعي في العراق. كأن السادة نسوا الحكمة العربية القديمة: من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته.
لعل مسؤولية الذي حمل القنبلة لا تزيد كثيرا عن مسؤولية السياسي والكاتب والمتفرج ما يجمع هؤلاء هو الثقافة العمياء التي نتكر الحياة بينما تفرح للقتل وتمجد القاتل
تأملت صورة الطفلة تولين التي اصبحت يتيمة في شهرها الثالث. لحسن الحظ فقد حصلت على رضعة مختصرة وودعت امها الوداع الاخير. من قتل ام تولين؟: الابوات الثلاثة الذين ارسلهم ابو مصعب الزرقاوي، ام الزرقاوي نفسه، ام اسامة بن لادن الذين عينه اميرا للقتلة، ام الكتاب والخطباء الذين برروا حفلات القتل اليومي، ام السياسيون الذين استثمروا قنابل القتلة ودماء القتلى، ام عامة العرب الذين استمتعوا باخبار القتل مثلما يستمتع المضاربون بمؤشر البورصة. كلهم مسؤولون بقدر او بآخر، ولعل مسؤولية الذي حمل القنبلة لا تزيد كثيرا عن مسؤولية السياسي والكاتب والمتفرج ما يجمع هؤلاء هو الثقافة العمياء التي نتكر الحياة بينما تفرح للقتل وتمجد القاتل.
يجب ان لا نخدع انفسنا فنبرئها من هذا العيب تنظيم القاعدة لم يخترع ثقافة الموت. ففي اوائل التسعينات، قبل ولادة القاعدة قتل المتطرفون ما يزيد عن مئة الف مدني في الجزائر، وفي السبعينات حصدت الحرب الاهلية اللبنانية ما يزيد عن هذا الرقم. انكار الحياة وتمجيد الموت هو ثقافة راسخة في تراثنا وتقاليدنا. وخلال القرون الماضية قتل الملايين منا وضاعت اسماء معظمهم، وسيقتل مثلهم في المستقبل، لأن ثقافة الموت هذه كانت ولا تزال حية نشطة، وهي تجد دائما من يعيد تجديدها وينفض عنها غبار السنين.
 كتب الدكتور محمد جابر الانصاري مرة ان المواطن العربي مستعد للخروج من بيته ملبيا نداء القتال لكنه غير مستعد لتنظيف الرصيف امام بيته هذا المواطن قد يكون انا او انت او اي شخص آخر. هذا المواطن قد يتحول الى صدام حسين لو وصل الى السلطة، او ابو مصعب الزرقاوي لو اصبح اميرا لكتيبة الذبح. لان الثقافة التي صنعت هذين الرجلين هي الثقافة التي نحملها جميعا.
من اين اتتنا هذه الثقافة؟.. هل هي رد فعل على سقوط حضارتنا القديمة، ام هي تجسيد لحيرتنا ازاء الحضارة المعاصرة، ام هي ثمرة التفسير الاعوج لتعاليم ديننا، ام هي نتاج انفعالنا بثقافة الصحراء التي ملكت البر والبحر من حولنا، ام هو العجز عن استنباط تجسيدات مدنية وحضارية للقوة والفخر والاعتزاز بالذات؟.
ايا كان مصدر هذه الثقافة العمياء فنحن المسؤولون اولا واخيرا عن افعالنا. مسؤولون عما يحدث اليوم وما سيحدث غدا. لقد طافت حفلات الموت في عواصم عديدة، وثمة اخرى على قائمة الانتظار. من بيروت الى الجزائر وبغداد والرياض واخيرا في عمان، ولا ندري من هي المدينة القادمة، لكن كل قادم قريب ما لم نتصد جميعا لكتيبة القتل الجوالة فقد نكون ضحاياها القادمين، وسوف تنظم اسماؤنا الى ملايين الاسماء التي ضاعت منذ ايام الحجاج بن يوسف حتى ايام ابو مصعب الزرقاوي.
نحن بحاجة الى اجماع جديد على ادانة كل شكل من اشكال العنف بدءا من عنف الدولة ولا سيما التعذيب والاهانة في دوائر الامن، مرورا بالخطب التي تمجد العنف.. وانتهاء بانظمة التربية المدرسية
سوف نسمع في هذا الاسبوع والاسابيع التالية اصواتا تندد بمجزرة عمان. وهي تنديدات غرضها في العادة رفع العتب. بل ان بعض الذين سيشجبون لن يخجلوا من القول مثلا: لا تذبحوا الناس هنا.. ركزوا جهدكم هناك.. الاردن ليست ارض جهاد، ارض الجهاد هي الحلة او كربلاء او كابل او غروزني او ربما صعدة او نيودلهي... «اللهم حوالينا ولا علينا». هؤلاء الذين يدعون بمثل هذا - صراحة او مداورة - هم جزء من كتيبة القتل وان لم يقتلوا.
نستطيع وضع نهاية لحفلات القتل الجوالة تلك اذا وضعنا نهاية للثقافة التي تبررها. نحن بحاجة الى اجماع جديد على ادانة كل شكل من اشكال العنف بدءا من عنف الدولة ولا سيما التعذيب والاهانة في دوائر الامن، مرورا بالخطب التي تمجد العنف في المساجد والحسينيات والقنوات التلفزيونية والصحف، وانتهاء بانظمة التربية المدرسية التي تخلق شخصيات عاجزة عن التكيف مع المختلفين والمخالفين، ولا ننسى مناهج التربية الحزبية التي تربط بين المجد والبندقية
يجب ايضا ان ندين وباصرح الالفاظ تلك المراحل من تاريخنا التي سادت فيها لغة السيف والدم، ندينها كي نتحرر من ثقلها المعنوي ومن هيمنة قيمها الحمقاء على رؤيتنا لانفسنا وعالمنا. نحن بحاجة الى اعادة النظر في علاقتنا مع بعضنا: هل نريد علاقة على اساس الشراكة في الارض فيكون لكل منا حق متساو مع الاخر في فعل ما يريد في حياته، في الاعتقاد بما يريد، في الطموح الى ما يريد، ام علاقة تقوم على تحكم شخص او فئة في مصير البقية، في حياتهم وموتهم.
نداء الحياة هو نداء للجميع اذا اردنا ان نعيش في سلام فيجب ان نلغي ذلك الجانب من ثقافتنا الذي يصنف الناس الى الى درجات، والذي يسمح لنا بالاستهانة بقيمة الغير لمجرد انه لا ينتمي الى قومنا او لا يصدق بمعتقدنا او لا يقبل بجميع افكارنا. لا يكفينا ان نقول - في معرض السجال كالعادة - اننا اهل تسامح وحوار، بينما نشكك في مجالسنا الخاصة في قيمة الاخرين وكونهم امثالا اكفاء لنا، لهم مثل حقوقنا وعليهم مثل ما علينا. ثقافة الموت تبدأ بتصنيف الناس الى درجات، وثقافة الحياة تبدأ بالايمان الكامل وغير المشروط بان الناس سواء. كي نستعيد السيطرة على مصيرنا، فلابد ان نسيطر على الثقافة التي تحتويها انفسنا، نحن بحاجة الى التخلص من ثقافة الموت قبل ان تجرفنا حفلات الموت في غفلة.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...