‏إظهار الرسائل ذات التسميات بشار الاسد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بشار الاسد. إظهار كافة الرسائل

15/05/2025

تجربة حزب البعث

 مع انهيار النظام السياسي في سوريا ، انتهى تقريبا "حزب البعث" الذي حكم بلدين عربيين مدة تزيد عن أربعين عاما.

تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في 1947 ، وشارك في الحكومة السورية منذ 1952 ، ثم انفرد بالحكم في 1963.  كذلك الامر في العراق منذ 1963 ثم انفرد بالسلطة في 1968 حتى الإطاحة به في 2003.

هذه تجربة سياسية عريضة ، لم يحظ بها حزب عربي آخر. مع ذلك فان تأثيره الثقافي والسياسي في المجتمع العربي ضئيل ، ونادرا ما لوحظ له وجود عميق أو مؤثر ، خارج البلدان التي حكمها او شارك في حكمها. حتى أنه بالكاد يذكر في العراق اليوم. ولم يكن السبب هو القمع او عداوة الحكومات المحلية في مختلف الأقطار. فهذا ظاهر حتى في البلدان التي سمحت له بالعمل العلني ، كما هو الحال في لبنان واليمن ، حيث اقتصرت عضويته على مجموعة صغيرة ، معظم اعضائها من كبار السن ، رغم سخونة المشهد السياسي في البلدين.

ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث (1910-1989)

منذ سنوات طويلة ، دار سؤال جدي حول التأثير المحتمل لممارسة السلطة ، على كفاءة الحزب في التعامل مع التحولات الثقافية والاجتماعية ، وانعكاسها على موقف الجمهور من أي حزب سياسي. وقرأت لاعضاء سابقين نقاشا فحواه ان انفراد البعث بالحكم في سوريا والعراق ، جعله رهينة للسياسات الجارية في البلدين ، والتي لم تكن في غالب الأحيان مواتية او مريحة لعامة الناس. عدا هذا ، فثمة انطباع عام بين الباحثين ، خلاصته ان مشاركة أي حزب في السلطة ، سوف تحمله – بشكل شبه آلي – مسؤولية اخفاقاتها ، بنفس القدر الذي تجعله يجني ثمار نجاحاتها.

وأميل الى الاعتقاد – بناء على مراقبة تجارب – ان تمتع الحزب بالسلطة المادية ، قد عزز قناعة الأعضاء بعدم الحاجة الى مراجعة مبانيه الفكرية او مستهدفاته ، رغم التحولات العميقة التي عرفها المجتمع العربي ، خلال الحقبة الطويلة الفاصلة بين ظرف تأسيسه عقيب الحرب العالمية الثانية ، ونهايات القرن العشرين. المراجعة تعني نقد الذات او الإشارة الى أخطاء فكرية او عملية ، وهذه تتطلب استعدادا لتحمل مسؤولية الخطأ. فأين تجد الشجاع الراغب في تقديم نفسه قربانا للآخرين؟.

تمحور الخطاب السياسي البعثي حول ثلاثة اهداف كبرى ، وهي الوحدة العربية والحرية والاشتراكية. ونعلم ان الحزب لم يعمل بشكل جاد لتحقيق اي من هذه الأهداف. بل انه اخفق حتى في انشاء علاقة مودة بين دمشق وبغداد ، خلال حكمه فيهما. واخفق في احترام شعار الوحدة العربية في علاقته بمصر الناصرية ، ثم في علاقة دمشق مع بيروت وعلاقة بغداد بالكويت.

الشعار الثاني ، أي الحرية ، لم يكن احسن حالا ، فالحزب لم يتردد أبدا في قمع معارضي قيادته ، حتى لو كانوا من المناضلين والقادة المؤسسين ، فضلا عن غيرهم. وعلى أي حال فان الضيق بالرأي المختلف سمة ظاهرة عند العرب والمسلمين ، لذا لا نستبعد القول بان الحزب كان مرآة للمجتمع الذي أنتجه.

لا أظننا بحاجة للحديث عن الهدف الثالث للحزب ، أي الاشتراكية ، لأن كل ما عرفه العراق وسوريا من الاشتراكية هو هيمنة الدولة على مفاصل الإنتاج الوطني ، وتحويل جانب من القوات المسلحة والعديد من الدوائر الرسمية الى متاجر او منصات تجارية ، تنافس القطاع الخاص ، وتستعين عليه بقوة الدولة.

نعرف ان هذا التوجه قد ضيق مسارات الاستثمار المحلي ، كما اغلق الباب امام الاستثمار الأجنبي. وكانت النتيجة ان الاقتصاد في كلا البلدين بات هزيلا ومعتمدا تماما على النفقات الحكومية الجارية ، رغم الدعاية الواسعة عن المصانع والمزارع الضخمة وغيرها.

تجربة حزب البعث الطويلة ، جديرة بأن تقرأ نقديا ، كي نتفادى الوقوع في أحلام مماثلة ، لا نضمن نهاياتها. استطيع التأكيد ان عودة البعث الى السلطة احتمال مستحيل ، لكن القراءة النقدية تعيننا على معرفة الطريق نفسه ، بغض النظر عمن يحمل الاسم والشعار.

الخميس - 18 ذو القِعدة 1446 هـ - 15 مايو 2025 م   https://aawsat.com/node/5143198

مقالات ذات صلة

سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟
مباديء اهل السياسة ومصالحهم
مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني
من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

اليوم التالي: ماذا سيجري لو سقط النظام السوري غدا

03/07/2012

سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية


هذا شهر عصيب. سجل تاريخ العالم تحولات جذرية بدأت او اكتملت في شهر يوليو. تقول النكتة المتداولة في العراق ان دماغ الناس "يولع" بسبب شدة الحرارة في تموز (يوليو). تذكرت هذا وانا اتامل مسار الاحداث في سوريا الشقيقة.

خلال الشهور القليلة الماضية بدا ان النظام القائم لم يعد له موقع ضمن المنظومة الاقليمية. استمراره سيكون عبئا على المنطقة بمثل ما هو عبء على شعبه. علاقة سوريا بمحيطها تدهورت تماما. هذا لا يستثني حلفاء النظام السوري البارزين مثل روسيا والصين وايران والجزائر ، فهذه دول معنية – في نهاية المطاف – بمصالحها لا باشخاص الحاكمين.
 ما يقال عن علاقة "خاصة" بينها وبين شخص الرئيس او غيره من اهل الحكم في دمشق هو من نوع "سوالف المجالس" التي تقارن العلاقات بين الدول بالعلاقات بين الاشخاص. حقيقة الامر انه ليس في السياسة عواطف ، بقدر ما هي لعبة مصالح. كبار اللاعبين في الازمة السورية يعرفون ان اي حليف بحاجة الى تعويض كي يغير موقفه . اما ان يجبر على التضحية بمصلحته او يجدوا له تعويضا من نوع ما ، هنا او هناك.

هل نتوقع حلا نهائيا للازمة السورية في هذا الشهر العصيب؟

في اوائل العام الجاري كان الاعتقاد السائد ان سقوط النظام اصبح محتوما. لكن ثمة تبدل في مكونات المشهد تؤثر بشدة على مسار الصراع. اشير هنا الى اربعة عناصر:

1- تراجع الدور الكردي في الثورة ، ولهذا علاقة جوهرية بالموقف التركي وبالتواصل الممكن مع كردستان العراق كقاعدة خلفية للثورة.
 2- تراجع الدور السياسي العربي في ادارة الازمة لصالح الدور الاوربي – الامريكي. ولهذا علاقة بحل محتمل وفق نموذج اتفاق دايتون الذي انهى الحرب الاهلية في البوسنة.
 3- تفاقم العمليات المسلحة من جانب السلطة والمعارضة ، بما ينطوي عليه من امكانية بروز ما يشبه اقطاعيات مسلحة شبيهة بما كان عليه الوضع اللبناني قبل 1991.
 4- اخفاق المعارضة السورية في انشاء قيادة بديلة يمكن ان تقدم التزامات مقنعة في مرحلة انتقال السلطة مثلما حدث في ليبيا واليمن مثلا.
هذا لا يعني نهاية الثورة ، ولا يعني ان النظام اصبح اكثر قدرة على الاستمرار. لكنه يعني بالتاكيد ان السقوط الحتمي للنظام لم يعد احتمالا وحيدا او قريبا جدا.

اظن ان الساحة تشهد اليوم سباقا محموما بين خيارين:

  أ) تفاقم الخيار العسكري كوسيلة مرجحة على التظاهرات الشعبية السلمية ، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه امام حرب اهلية واسعة او محدودة. او
ب) قبول جزء مؤثر من المعارضة بتشكيل حكومة جديدة تشارك فيها بعض اطراف الحكم القائم اضافة الى القوى الصامتة. هذا يعني اعادة صوغ المشهد السياسي السوري ، بتصنيف القوى طبقا لانتماءاتها الرئيسية (عربي ، كردي ، مسلم ، مسيحي ، علوي ، درزي ، اسماعيلي ، تجار ، عسكر ، احزاب الخ) واشراكها جميعا في تشكيل سياسي يقيم ما يشبه حكومة توافقية وليس حكومة اكثرية.

بعبارة اخرى فان الامور قد تتجه الى حكومة يقودها ما يشبه "مجلس الحكم" الذي ادار العراق بعد الاحتلال ، او مجلس الرئاسة الذي ادار البوسنة بعد الحرب الاهلية. وفي كل الاحوال سيكون النظام الجديد تحت وصاية الامم المتحدة وبضمان الدول دائمة العضوية في مجلس الامن. اي ان الحل سيفرض من الخارج.

يبدو لي ان المبرر الرئيس لهذا الخيار هو تخوف جيران سوريا والدول الكبرى من انهيار تام للدولة يمهد الطريق لفوضى عارمة قد لا يمكن السيطرة عليها خلال وقت قصير.

لا ادري اي الخيارين سيقود المسار ، لكني اشعر ان شهر يوليو الجاري قد يشهد نقطة الحسم بين خيار دايتون او الحرب الاهلية.
الاقتصادية 3 يوليو 2012
http://www.aleqt.com/2012/07/03/article_671856.html

هل يمكن للذكاء الصناعي ان يكون بديلا عن عقل البشر؟

النقاش حول الذكاء الاصطناعي يدور غالبا حول التحديات التي يمثلها هذا الوافد الجديد ، لنا ولمفاهيمنا ونظم معيشتنا. هذا النقاش يتسم بتعبيرات مك...