‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنوع الاجتماعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التنوع الاجتماعي. إظهار كافة الرسائل

20/01/2021

في ان "الامة" مخلوق حديث

 أميل للظن بان كافة المجتمعات العربية ، قد شهدت في نصف القرن الأخير ، جدلا حول المسافة بين الدولة القومية (او القطرية كما يصفها القوميون العرب) وبين الامة العربية (او الإسلامية كما يرى الحركيون الإسلاميون). 

ويحب الإسلاميون الاستدلال بآيات القرآن التي تخبرنا أن "المسلمين أمة" وانهم خير الأمم. كما يؤكد القوميون العرب (ومعهم بعض رجال الدين التقليديين) على خصوصية العرب ضمن الأمة الإسلامية ، وان الله فضلهم على سائر الأقوام. ويستشهدون أحيانابروايات تنسب للنبي (ص) في تأكيد هذا المعنى.

ولايخفى ان مفهوم "الأمة" الذي نتداوله اليوم ، غير الذي عرفته الازمان السابقة. حين تذكر عبارة "الأمة العربية" يستذكر الانسان صورة الخريطة التي تبدأ بالعراق شرقا حتى موريتانيا في اقصى الغرب. وحين تذكر عبارة "الامة الإسلامية" فسوف تستذكر عبارة المرحوم مالك بن نبي "من طنجة الى جاكرتا". أي ان المعنى المتولد من كلمة "امة" هو جمع ضخم من البشر ، الذين يربطهم عامل مشترك ، كاللغة او الثقافة أو الدين او التاريخ الواحد.

وما هو مهم في هذا المعنى هو ان عوامل الاشتراك تلك ، تولد الزامات من نوع ما ، على كل فرد تجاه الآخرين. أي ان اشتراك الناس في عرق واحد او لغة واحدة (العرب مثلا) ينشيء بذاته قيمة جديدة ، تترتب عليها حقوق او واجبات. فمن ذلك مثلا قول الإسلاميين بأن ولاء الفرد لأمة الإسلام ، مقدم على ولائه لبلده ، وقول القوميين العرب بان كل عربي عليه واجب السعي للوحدة العربية ، او بعض تمثلاتها او تمهيداتها. بمعنى ان اكتشاف الفرد للعامل المشترك بينه وبين الاخرين ، يكشف في الوقت عينه عن واجبات او حقوق ، لم تكن قائمة قبل هذا الكشف.

 لكن تلك المعاني لم تكن معروفة في زمن النص. ولو تأملت في آيات القرآن ، لما رأيت أي دلالة على التطابق بين لفظة الامة وبين القيم المدعاة. وحتى النصوص التي تدعو للتكافل والتراحم ، من قبيل الحديث المشهور " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد.." فالقدر المتيقن من معناها ، متحقق في الإشارة للمجتمع الصغير المحيط بالإنسان ، مثل جيرانه واهل قريته ، وليس أناسا يبعدون عنه الاف الأميال. أما لفظ الأمة الوارد في القرآن ، فهو ينصرف الى تصنيفات عديدة ، لايجمع بينها غير اشارتها الى الجمع (قليلا او كثيرا) وليس ثمة إشارة الى رابط ثقافي او ديني او غيره. بل لقد عبر القرآن عن الحيوان بلفظ "أمم أمثالكم" مما يستبعد ضرورة الرابط الثقافي.

لقد "اكتشفنا" أمة الإسلام يوم قرأنا الجغرافيا ، واكتشفنا "امة العرب" بعد اختراع الراديو والطباعة. لقد ساعدت الطباعة التجارية -كما راى بنديكت اندرسون- في اكتشاف عناصر الاشتراك بين الشعوب ، ومن ثم تقريبها الى درجة التوحد. وبذلك تخلقت "أمة واحدة" هنا ، وامة أخرى هناك. انسان العصور الحديثة هو الذي خلق الامة: الامة العربية والأمة الإسلامية ، وكافة الأمم الأخرى.

اعود للتذكير مرة أخرى باننا نتحدث عن هذا الاطار البشري الكبير جدا ، الذي يفترض "الدعاة الامميون" ان مجرد وجوده ، ووجود عناصر التماثل بين أعضائه ، ينشيء قيما جديدة ، وتتولد على ضوئها او بسببها واجبات وحقوق جديدة.  اذكر بهذا كي أقول ان هذه الفرضية تنطوي على تكلف لا ضرورة له. التماثل في الدين او الثقافة او السمات او العرق ، يشير الى حالة ثقافية ، وربما يولد موضوعا للوصف والتفكير ، لكنه لا يصلح – بذاته – كأساس لتوليد الزامات على أعضائه او على غيرهم.

الشرق الأوسط الأربعاء - 7 جمادى الآخرة 1442 هـ - 20 يناير 2021 مـ رقم العدد [15394]

https://aawsat.com/node/2752431/

مقالات ذات صلة

ان تنتمي الى قوم بعينهم

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

التنوع في اطار الوحدة

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة الترابكتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

المساواة والعدالة ديفيد ميلر

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنةمقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنةتفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

13/01/2021

ان تنتمي الى قوم بعينهم

 

اذا كنت قد زرت مدينة لوس انجلس غرب الولايات المتحدة الامريكية ، فلعلك سمعت بالحي الصيني (او المدينة الصينية كما تسمى هناك). واذا اتيح لك المكث برهة في العاصمة البريطانية ، فسوف تسمع عن احياء مثل ساوثهول او البرتون ، التي تسمى – تلطفا- "بومباي الصغرى". ولهذه الاحياء نظائر في معظم المدن الكبرى في اوربا الغربية. وهو ما يشير الى انجذاب البشر الى شركائهم في الثقافة او الهموم او أسلوب المعيشة.

لا نحتاج للتدليل على ان الانتماء الديني او القومي يؤلف رابطا بين اتباعه ، مهما اختلفت امصارهم وثقافاتهم. حين تكون في بلد اجنبي ، فيلفت نظرك اسم بعينه او لباس او مظهر شخصي ، فان ما لفت انتباهك في الحقيقة ، هو مقدار ما يشير اليه ذلك الاسم او اللباس من علاقة بقومك ، أي كونه منهم او كونه عدوا لهم. وهذا بذاته مؤشر على كون الانتماء الى قوم بعينهم ، واحدا من حقائق الحياة المحددة لمشاعر الانسان ورؤيته للعالم.

في وقت سابق تساءل باحثون: هل  في هذه الحقيقة دلالة على ان الشعور القومي طبيعي ، ام هو نتاج للتربية العائلية والاجتماعية؟. الفرق بين هذا وذاك ان الشعور الطبيعي يعني ان الانسان لايتدخل في انشائه او تحديد مستواه ، بل يجد نفسه جزء منه ، لايمكنه الانفكاك. بينما ينسبه الرأي الثاني الى تأثير البيئة المحيطة ، تماما مثل اللغة والمعارف والثقافة ، بحيث لو ان طفلا تربى في بلد مختلف او بين قوم مختلفين ، فسوف يشعر بالانتماء الى هؤلاء وليس الى قوم ابويه.

لو دققت في الفارق بين الرأيين ، لوجدت انهما يشيران في حقيقة الامر الى زمنين مختلفين. ينتمي الراي الأول الى  عصر ما قبل الحداثة ، حين كانت قيمة الفرد وهويته مجرد امتداد لقيمة الجماعة وهويتها: حين تولد لعائلة او قبيلة رفيعة الشأن ، سوف تكون رفيع الشأن ، وسوف تكون عاديا او مهملا ان ولدت في عائلة عادية او قبيلة ضعيفة.

المعلوم ان هذه الاعتبارات قد تضاءلت في عصر الحداثة ، وباتت قيمة الفرد ومكانته رهنا بانجازاته ، وبهذا لم يعد مستغربا ان ينتخب الامريكيون باراك أوباما رئيسا لبلدهم، مع انه ابن لأب فقير مهاجر. ان نسب الفرد وانتماءه العائلي والعرقي لم يعد محددا لقيمته ، كما في الماضي.

حسنا.. كيف يفهم كل منا انتماءه؟

هل نعتقد اننا وجدنا انفسنا في هذا الوسط الاجتماعي (الانتماء/القوم) وليس في يدنا ان نختاره او نختار غيره ، ام نرى ان في وسع الفرد ان يختار حياته ، ان يصنع أقداره ، ان يحدد من هو والى أي اطار ينتمي؟.

لعل بعضنا يتذكر الآن ان التوجيه الذي تلقاه أغلبنا في سنوات التعبئة الأيديولوجية المركزة ، كان يؤكد على ان الفرد "أسير" للاطار الاجتماعي الذي ينتمي اليه ، وانه لايملك الخيار في إصلاحه او تعديله او تركه  او اختيار بديل عنه. ويأتي هذا التوجيه في صيغ عديدة ، بعضها ترغيبي مثل القول بان العرب او المسلمين خيرة الله او الامة الناجية ، وبعضها ترهيبي مثل ا لقول بان الخارج منها متسافل/مرتد.. الخ ، كما تاتي أحيانا في صيغة مقارنة مع "الآخرين" الأكثر التزاما بقناعات قومهم مع انهم ادنى منا!.

الرسالة الضمنية لهذا التوجيه هي إلغاء فردانية الفرد وإبقاؤه ذائبا في جماعته ، أي منعه من الاستقلال او التمرد على القوالب المسبقة الصنع ، ومنعه من التواصل مع المختلفين الذين قد يعززون جانب التمرد في نفسه.

الشرق الأوسط. الأربعاء - 30 جمادى الأولى 1442 هـ - 13 يناير 2021 مـ رقم العدد [15387]

https://aawsat.com/node/2738151/

 

 مقالات ذات صلة

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

التنوع في اطار الوحدة

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة الترابكتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

المساواة والعدالة ديفيد ميلر

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنةمقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنةتفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

 

06/01/2021

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

 أقرا في هذه الأيام كتاب "حول الوطنية On Nationality" للمفكر البريطاني ديفيد ميلر. وهو قديم نسبيا ، فقد نشر في 1995. وتتوزع مواده على سبعة فصول ، في نحو 200 صفحة. وقد اراد المؤلف معالجة قضية راهنة وقت صدوره ، الا وهي اتجاه بريطانيا للتحول الى دولة متعددة الثقافات ، تعترف لكل سكانها بهوياتهم الخاصة ، وبما يشعرون حقا انهم ينتمون اليه.

 لقد نضج الان هذا المسار ، مما يدل على حكمة النخبة السياسية التي تبنته في بداياته. إلا ان موضوع الوطنية والقومية والهوية الوطنية ، لازال بذاته مثار جدل حتى اليوم. ان قرار البريطانيين الخروج من الاتحادالأوروبي ، مؤشر واضح على صعود التيار الذي يبالغ في الاعتزاز بالذات (وهو ميل ينصرف بالضرورة الى انكماش على الذات).

نعلم ان العوامل الاقتصادية هي التي حددت اتجاه التصويت في استفتاء 2016. لكن ينبغي القول – بصورة عامة – ان المجتمع البريطاني يشهد بالفعل صراعا ، بين من يدعي ان الانجلوساكسونية هي الهوية الوحيدة المعبرة عن بريطانيا  ، وبين طرف آخر يرى ان بريطانيا نموذج للعالم الجديد الذي تلتقي فيه الثقافات والحضارات ، ويتعارف فيه البشر ويتشاركون حياتهم ، مثل نهر كبير تصب فيه عشرات الروافد الآتية من مختلف الجهات.

وقد سبق ان كتبت عن البروفسور ميلر ، وذكرت حينها انه ينتمي الى شريحة صغيرة نسبيا من أساتذة الفلسفة السياسية ، الذين كرسوا جانبا هاما من بحثهم العلمي ، للربط بين النقاشات النظرية المجردة والقضايا المثيرة للجدل في الحياة العامة. والموضوع الذي نتحدث عنه اليوم مثال آخر على هذا التوجه.

 يطرح الكتاب مسالة القومية والوطنية ، من زوايا تضطر القاريء لمساءلة قناعاته السابقة ، وربما إعادة النظر في مفاهيم يعتبرها الناس مسلمات او بديهيات. أراد ميلر تقديم رؤية تجمع بين مباديء الوطنية/القومية ومباديء الليبرالية ، وهو يدعو لما يسمى ب "الوطنية المدنية" او "الوطنية الليبرالية".

الفرضية المسبقة في القومية هي قبول التمايز بين الأمم ، فالمنتمون الى أي أمة يقررون لانفسهم حقوقا لا يتمتع بها أبناء الأمم الأخرى. بينما تنطلق الليبرالية من فرضية ان كافة الحقوق توافقات بين البشر ، وليس فيها ما هو امتياز مرتبط بالولادة او العرق. ان الجمع بين المفهومين يتطلب قراءة ناقدة لكل منهما وتنازلات متبادلة.

نعرف ان مفهوم "الامة" القديم لم يعد قائما الا كعنصر ثقافي ، بينما مفهومها الجديد سياسي/دستوري. المفهوم الثقافي عابر للحدود ، ولا يترتب عليه أي حقوق سياسية ، لأن النظام القانوني للعالم الحديث بني على أرضية اتفاق ضمني ، فحواه أن الحدود الإقليمية تشكل خطوطا فاصلة بين أمم. ومن هنا فان مفهوم "الامة" الحديث ، يطابق مفهوم "الوطن" اي مجموع رعايا الدولة ، ويطلق على الحكومة اسم دولة الامة او الدولة الوطنية او القومية.

ثمة كثير مما يستحق الشرح هنا. لكني اود استغلال هذه المساحة في الإشارة الى افتقار المكتبة العربية لدراسات معمقة في مسالة الامة ودولة الامة ، وندرة البحوث التي تهتم بالمعاني الجديدة للقومية والوطن والمواطنة. اني اذكر بهذا نظرا لشعوري بان العرب من اكثر الشعوب احتياجا الى هذا النوع من الدراسات ، فهم يعانون فعليا من إشكالية العلاقة بين مفهومي الامة والوطن ، ولأن تراثهم الفكري لا يقدم أساسا مناسبا للصيغ الجديدة من هذين المفهومين. وأظن ان افتقارنا لتاسيس فكري وقيمي مناسب لهذه المباديء الكبرى ، يشكل واحدا من أسباب التوتر المزمن ، بين التيارات السياسية التقليدية ونظيرتها التي تتبنى منظورات حديثة.

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 جمادى الأولى 1442 هـ - 06 يناير 2021 مـ رقم العدد [15380]

https://aawsat.com/ node/2723741/

مقالات ذات صلة

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

التنوع في اطار الوحدة

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة الترابكتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

المساواة والعدالة : ديفيد ميلر

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنةمقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنةتفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

08/04/2014

حين تكون في "الجماعة" وحين تصبح خارجها


"تنوع" ليس اول مشروع شارك فيه ياسر الغرباوي. فقبلها كان عضوا فاعلا في الجماعات الطلابية الاسلامية التي تنظم نشاطات محورها التثقيف الديني واقناع الطلبة بالتزام احكام الشريعة ، فضلا عن مصارعة التيارات الاخرى المنافسة - سياسيا او اجتماعيا - للتيار الديني الحركي. خلال هذه السنوات حصد ياسر ورفاقه مكاسب كثيرة ، كما واجهوا اخفاقات عديدة. وفي نهاية المطاف ، حين عاد للتأمل في مسيرته ، وجد انه ورفاقه لم يفعلوا شيئا سوى تكرار ما يفعله الجميع. هذا اشبه بزرع شجرة جديدة وسط الغابة او سكب سطل ماء في النهر. سأل ياسر نفسه: هل هذا هو الامل العظيم الذي راود نفسه التائقة للابداع والمشاركة في تغيير العالم؟.
هذه الاسئلة فتحت ذهنه على الخيارات البديلة ، اي الواقع المتنوع خارج "الجماعة".

حين حرر ذهنه من ذلك الاطار ، اكتشف قضايا في مصر اكثر اهمية ومشكلات اكثر حرجا ، لم تطرح ابدا وسط "الجماعة" ، ولا وردت في ادبياتهم ، ولم يعتبرها احدهم موضوعا يستحق التوقف ، مثل الفقر والفساد والطبقية والبطالة والاحباط الخ.
سأل ياسر نفسه: هل ستنتهي هذه المشكلات لو اصبح الناس اكثر تدينا؟.
لكن السؤال الذي الح على نفسه اكثر هو: اي من مشكلات البلاد يمكن لشاب مثله ان يشارك في حله؟.
في هذه المرحلة تعرف ياسر على المسألة الطائفية. رغم اقرار الدستور المصري بالحقوق المتساوية للمواطنين ، الا انه اكتشف للمرة الاولى ان الاقباط لا يعاملون – من جانب الحكومة – كمواطنين طبيعيين. ثمة تمييز مقنن ومكتوب ، وثمة تمييز متعارف عليه لكنه غير مكتوب ، يمارس ضد المواطن المسيحي فيما يتعلق بمكان عبادته وفي فرصته للمنافسة على الوظائف العامة وفي تعبيره عن رايه ومعتقده. في احدى المناسبات – يقول ياسر – قررت ان ارى كيف يعيش جيراني الاقباط. دخلت كنيسة. اخبرني القسيس انه كان قائدا لاحدى الكتائب التي اقتحمت خط بارليف في حرب اكتوبر 1973 ، بعد نهاية الحرب كوفيء جميع ضباط الفرقة التي تتبعها الكتيبة بوسام الشجاعة ونجمة اكتوبر ، عدا الضباط الاقباط وهو احدهم. حينها فهم ان كونه مصريا شجاعا لا يكفي كي يعامل مثل زملائه المسلمين. يومئذ قرر ترك الجيش والعمل قسيسا.
اسس ياسر وعدد من رفاقه مركز "تنوع" من اجل كشف واقع التمييز وفضح تجار الكراهية ، الذين يستعملون الدين لتفريق الناس وتبرير التمييز ضدهم. شارك في المركز شبان وشابات ، مسيحيون ومسلمون ، عملوا معا للتشهير بالكتاب والخطباء والشيوخ والقساوسة الذين يروجون الكراهية الدينية ، ومسؤولي الدولة الذين يمارسون التمييز الطائفي ، في الجانب القبطي والمسلم على السواء.
منذ تاسيسه قبل بضع سنوات ، انضم لمركز "تنوع" مئات من الشباب ، وتعاون معه الاف غيرهم. هذا النشاط نموذج على ان الجيل الجديد قادر على المساهمة في تغيير عالمه حين يحسن الاختيار.
الاقتصادية 8 ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/08/article_839514.html
مقالات ذات علاقة


13/12/1994

دولة واحدة ... مجتمعات عديدة



خلال الاشهر القليلة الماضية تابعت وسائل الاعلام عددا من القضايا التي تبدو في ظاهرها مختلفة باختلاف مواقعها ومبرراتها ، على الرغم من كونها تمثل تجسيدات لمشكلة واحدة ، الا وهي مشكلة التنوع القومي والثقافي ، في اطار الدولة الواحدة وحدود هذا التنوع ، من اتفاق الولايات المتحدة مع كوبا على الحد من هجرة المواطنين الكوبيين ، الى منع المحجبات من دخول المدارس الفرنسية ، مرورا بالجدل الدائر في السودان حول تطبيق الشريعة ، وانتهاء بمحاكمة النواب الاكراد في البرلمان التركي .

الدولة القومية
ظهرت فكرة الدولة القومية في اوربا في اواخر القرن التاسع عشر ، كواحدة من المحاولات الهادفة الى حل مشكلة التنافر الاجتماعي ، الناتج عن تعدد الثقافات وتعدد القوميات في الدولة الواحدة ، وفي ذلك الوقت فان طبيعة النظام السياسي في اكثر الاقطار الاوروبية ، كانت توجد اسبابا لقيام تقسيم طبقي على اساس الانتماء القومي ، مما يجعل طائفة من المواطنين محكومة بارادة الطائفة الاخرى ، فتشكل الاولى مجتمع الدرجة الثانية ، بينما تستأثر الثانية بالدرجة العليا ، ومايترتب عليها من امتيازات ومكاسب ، بل ان بعض الامبراطوريات قامت بمحاولات جادة وعنيفة ، لتذويب القوميات والثقافات في بوتقة القومية المسيطرة ، مع ما استتبع هذا السعي من تكاليف باهضة ، على الصعيد المادي والبشري ، كما على الصعيد السياسي ، ولاينسى معظم المؤرخين سياسة الفرنسة في الجزائر ، ولاسياسة التتريك التي قادها حزب تركيا الفتاة ، عشية الغروب المؤلم لشمس الدولة العثمانية ، فضلا عن محاكم التفتيش المشهورة ، التي اعقبت سقوط الدولة الاسلامية في الاندلس .

تنوع باهظ الـثمن
وفي الفترة بين الحربين العالميتين حاول الحزب النازي بزعامة ادولف هتلر ، الذي اصبح من ثم الحزب الحاكم ، احياء هذه النزعة وتأجيجها على نطاق اوسع ، يقوم على التمييز بين الالمان ، باعتبارهم النموذج الانساني الاصفى والارقى ، وبين بقية سكان العالم الذين اعتبرهم من الدرجة الثانية ، وادى ذلك الى الويلات والمآسي المعروفة في الحرب الكونية الثانية .
اما في العالم العربي ، فثمة امثلة عديدة على التنافرات السياسية ، التي نتجت عن التعدد الثقافي او القومي في القطر الواحد ، من بينها الحرب الطويلة المزمنة في شمال العراق ، بين الحكومة والاقلية الكردية ، والحرب الاهلية اللبنانية التي استعرت بين الطوائف الدينية ، مرتين على الاقل خلال اقل من قرن ، وحديثا جدا الدعوة المتعاظمة بين الجزائريين الذين يرجعون الى اصول بربرية ، للحصول على وضع مميز ضمن الدولة الجزائرية .

يطمح السياسيون الى دولة ذات مجتمع واحد ، بثقافة واحدة ، لاتقاء التعدد الذي قد يصبح في وقت من الاوقات ، مبررا للتنافر الاجتماعي ، لكن يبدو ان تحقيق مثل هذا المجتمع ، لم يعد الان ضمن قائمة الممكنات على الصعيد السياسي ، بل ان العالم يسير حثيثا باتجاه مستويات من التنوع الثقافي داخل كل دولة ، تعيد من جديد صورة الامبراطوريات الكبرى ، التي سادت في ازمان سالفة ، وضمت تحت لوائها قوميات وشعوبا عديدة ، على بقاع واسعة من الارض ، كما هو الشأن في الدول الاسلامية المتعاقبة ، وامبراطوريات القرون الوسطى الاوربية ، ان تزايد الاهتمام بقضية حقوق الانسان من جهة ، وتحرير التجارة الدولية من جهة اخرى ، اضافة الى التقدم العظيم في وسائل الاتصال الجمعي ، ولاسيما في الربع الاخير من هذا القرن ، يؤذن بسقوط الحواجز السياسية التي تفصل بين الدول القومية ، كما يعمل على تفتيت الحدود الثقافية ، التي تشير الى خصائص لمجتمعات تتميز بها عمن سواها .

تعدد تحت سقف واحد
وبالنظر الى هذه التطورات ، فان الرهان القديم على امكانية قيام مجتمع نقي العنصر ، موحد الثقافة ، اصبح جزء من الماضي ، وحل محله قبول يتزايد مع مرور الزمن ، بفكرة المجتمع المتنوع والمتعدد الثقافات ، ضمن الاطار القانوني لسيادة الدولة .
لكن التعدد كان في الماضي ارضية للتنافر الاجتماعي ، ادى في احيان كثيرة الى نزاعات سياسية مكلفة ، ولذلك فان اعتماده قاعدة للعلاقة بين الدولة الحديثة والمجتمع ، بحاجة الى منهج في العمل واجراءات سياسية ، تتيح معالجة الاشكالات التي لابد ان تنتج عن الوضع الجديد .
ان اهم جزء من منهج العمل ، هو الاعتراف بحق كل مجموعة ثقافية في التمتع بخصوصيتها ، وحماية حقها الكامل في التعبير عن توجهاتها الثقافية ، بما لايصل الى الاضرار المادي او المعنوي بالمجموعات الاخرى ، وهي تحصل على هذا الحق في مقابل اقرارها الكامل بسيادة الدولة ، وتعالي القانون الوطني ، ومعالجة اي جزء من ثقافتها الخاصة ، ربما ينطوي على توجهات مخالفة لمصالح مجموع البلاد .

كما ينبغي اتخاذ اجراءات تستهدف تأكيد الهوية الوطنية ، الجامعة لمختلف الافراد والمجموعات الثقافية والاجتماعية في البلد الواحد ، والتاكيد على اعتبار هذه الهوية وتطبيقاتها ، حاكمة على اي مجموعة بمفردها ، بالنظر لكونها تمثل الحد القانوني والمعترف به ، لمفهوم المصلحة العامة الذي يرجع اليه الجميع .

وياتي في طليعة تلك الاجراءات ، مساعدة كل مجموعة على الانفتاح على الاخرى ، ثقافيا واقتصاديا ، حتى يبقى التنوع في حدوده الطبيعة ، كخاصية للجماعة ، فلا يتعداها الى الحدود المبغوضة ، كأن يصبح مبررا للتعالي على الغير او اعتزالهم .

 وفي الولايات المتحدة ومعظم الدول الاوربية ، التي يهاجر اليها مئات الالاف من البشر كل عام ، تتبنى الحكومات سياسة مزدوجة لاستيعاب المهاجرين ، تتضمن ـ من جهة ـ التاكيد على كون وطنهم الجديد هو الوطن النهائي الذي يختص بالولاء والحب ، كما تتضمن ـ من الجهة الاخرى ـ حماية حقهم في التعبير عن هويتهم الثقافية الخاصة ، مع تعديلها لكي تتناسب ونمط الحياة ، ومتطلبات القانون في الوطن الجديد .

ويظهر من دراسة التجربة الامريكية على وجه الخصوص ، ان سياسة الدمج المتوازن تحقق نجاحات كبيرة ، فهذا البلد الذي تشكل اساسا من مهاجرين من مختلف ارجاء العالم استطاع الحفاظ على مكانته كاقوى بلد في العالم ، واكثرها تقدما ، بل انه استثمر ذلك التنوع في تعزيز نفوذه الاقتصادي والثقافي في معظم بلدان العالم الاخرى ، بخلاف التجربة السوفياتية البائدة ، التي قامت على الدمج القسري وسيطرة الاكثرية الروسية ، فانتهت الى النزاعات القومية الدامية ، التي قلّ ان تخلو صحيفة يومية من اخبار جديدة عنها وعن مآسيها .
نشر في (اليوم) 13-ديسمبر- 1994

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...