29/01/2005

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

  تصريحات سمو وزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز بشأن توسيع صلاحيات مجلس الشورى وزيادة عدد اعضائه أحيت الامل بتواصل مسيرة الاصلاح وصولا الى تحقيق مشاركة شعبية كاملة في الحياة السياسية . المشاركة السياسية الواسعة ليست فقط مطلبا عاما بل هي ايضا وسيلة رئيسية لتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي ومعالجة التوترات التي يمكن ان تؤدي الى اختلال النظام العام.
مجلس الشورى - الرياض
ادى الاختراق المتزايدة للحداثة الى تعقيد ممارسة السلطة في المجتمعات التقليدية. وازداد هذا التعقيد بفعل ثورة الاتصالات والتطور الهائل في تقنيات انتقال المعلومات التي تجتاح العالم . حتى اواخر الربع الثالث من القرن العشرين ساد اعتقاد ، بان احتكار الحكومات لوسائل الاتصال المتقدمة ، كان ابرز العوامل التي مكنتها من توزيع الموارد العامة ، بصورة تضمن سيطرة مركزية شبه مطلقة على حركة المجتمع. لكن انتشار التقنيات الرقمية ، ولا سيما تحول الكمبيوتر الى سلعة منزلية ، ادى بصورة متزايدة الى انهيار ذلك الاحتكار. فمع انتشار وسائل الاتصال ، تغيرت منظومات العمل ووسائل كسب الثروة ، كما تغيرت ايضا وسائل التاثير في الراي العام ، وصار من الممكن للكثير من الناس ، الذين لا يتمتعون بالمقومات المادية للنخبة القديمة ، ان يضعوا ارجلهم على سلم الارتقاء الاجتماعي ، بالاعتماد على الوسائل التي وفرتها الحداثة .

 نتيجة لهذا اصبح في الامكان رؤية ما يمكن وصفه بنخبة جديدة ، على مستوى العالم وعلى مستوى المجتمعات المحلية ، نخبة تتمتع بقدرة على التاثير في الراي العام ، رغم انها لا تتمتع بمقومات الارتقاء التي كانت متعارفة في الماضي ، ولا سيما تلك التي ترجع الى رابطة القرابة او التواؤم الثقافي. مثل هذا التطور يتطلب بصورة ملحة ، اعادة تنظيم المجتمع لتمكين هذه الطبقة الجديدة ، من التعبير عن نفسها ضمن اطارات قانونية ، وهي ما يمكن وصفه في الجملة بمنظمات المجتمع المدني .
لا يخلو مجتمع في اي بقعة من العالم من مسببات للانزعاج ، والانزعاج قد يكون فرديا او بسيطا وقد يكون واسعا بحيث يمكن مقارنته بظاهرة عامة . لكن في كل الاحول فان منظمات المجتمع المدني هي ادوات مثالية لتاطير ذلك الانزعاج وحصره في نطاق محدود ، ثم تحويله من مبرر للتمرد على النظام العام ،  الى مجرد موضوع للنقاش . وفي بعض الحالات تحويله من غضب احتجاجي ، الى مطلب شرعي قابل للمعالجة بصورة نظامية وفي اطار القانون الوطني. منظمات المجتمع المدني هي ادوات لتاطير نشاط النخب الجديدة وعامة الناس ، ولا سيما من الجيل الجديد ، غير القابل للضبط في الاطارات الاجتماعية القديمة. في هذه الحالة فان عملية الضبط لا تتخذ شكل القهر ، بل تنظيم مخرجات النشاط بحيث لا تتجاوز حدود النظام العام . غياب هذا النوع من الاطارات او ضعفها او تحديدها في نطاقات صغيرة ، يحرم المجتمع من فرصة لعقلنة التعبيرات الجديدة الناتجة عن تغير القيم والعلاقات الاجتماعية ، او المشكلات الناتجة عن التباين بين الافراد في القدرة على استيعاب التغيير والتعامل مع افرازاته .

المجتمع المدني المنظم هو احد الصيغ الاكثر فاعلية ، لتاسيس مفهوم للمشاركة الشعبية يقوم على التواصل بين الحلقات الاجتماعية الدنيا من جهة ، والنخبة السياسية وهيئات اتخاذ القرار من جهة ثانية ، وهو وسيلة لتحويل المطالبات العامة من خلفية للانزعاج – وبالتالي للخروج على النظام العام – الى حوار تفاعلي ، يعين المسؤول الرسمي على قياس شعبية السياسات وبرامج العمل .

مع الاتجاه القائم الى تطوير تجربة مجلس الشورى ، فانه ينبغي ايضا النظر الى الموضوع ضمن افقه الاوسع ، اي باعتباره خطوة لتوسيع مشاركة المجتمع في الحياة السياسية . وفي هذا الاطار فان عملية التطوير يجب ان لا تغفل الحاجة الحقيقية ، الى ادماج المجتمع ضمن العملية السياسية ، وفي ظني ان تسهيل قيام منظمات المجتمع المدني وتوفير المساعدة القانونية الضرورية لتمكينها من النضج ، هو الوسيلة المثالية لتحقيق هذا الغرض.

 ( السبت - 19/12/1425هـ ) الموافق  29 / يناير/ 2005  - العدد   1322
www.okaz.com.sa/okaz/Data/2005/1/29/Art_185158.XML

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...