مجلس الشورى - الرياض |
ادى الاختراق المتزايدة للحداثة الى
تعقيد ممارسة السلطة في المجتمعات التقليدية. وازداد هذا التعقيد بفعل ثورة
الاتصالات والتطور الهائل في تقنيات انتقال المعلومات التي تجتاح العالم . حتى
اواخر الربع الثالث من القرن العشرين ساد اعتقاد ، بان احتكار الحكومات لوسائل
الاتصال المتقدمة ، كان ابرز العوامل التي مكنتها من توزيع الموارد العامة ، بصورة
تضمن سيطرة مركزية شبه مطلقة على حركة المجتمع. لكن انتشار التقنيات الرقمية ،
ولا سيما تحول الكمبيوتر الى سلعة منزلية ، ادى بصورة متزايدة الى انهيار ذلك
الاحتكار. فمع انتشار وسائل الاتصال ، تغيرت منظومات العمل ووسائل كسب الثروة ،
كما تغيرت ايضا وسائل التاثير في الراي العام ، وصار من الممكن للكثير من الناس ، الذين
لا يتمتعون بالمقومات المادية للنخبة القديمة ، ان يضعوا ارجلهم على سلم الارتقاء
الاجتماعي ، بالاعتماد على الوسائل التي وفرتها الحداثة .
نتيجة لهذا اصبح في
الامكان رؤية ما يمكن وصفه بنخبة جديدة ، على مستوى العالم وعلى مستوى المجتمعات
المحلية ، نخبة تتمتع بقدرة على التاثير في الراي العام ، رغم انها لا تتمتع
بمقومات الارتقاء التي كانت متعارفة في الماضي ، ولا سيما تلك التي ترجع الى رابطة
القرابة او التواؤم الثقافي. مثل هذا التطور يتطلب بصورة ملحة ، اعادة تنظيم المجتمع
لتمكين هذه الطبقة الجديدة ، من التعبير عن نفسها ضمن اطارات قانونية ، وهي ما يمكن
وصفه في الجملة بمنظمات المجتمع المدني .
لا يخلو مجتمع في اي بقعة من العالم من
مسببات للانزعاج ، والانزعاج قد يكون فرديا او بسيطا وقد يكون واسعا بحيث يمكن
مقارنته بظاهرة عامة . لكن في كل الاحول فان منظمات المجتمع المدني هي ادوات
مثالية لتاطير ذلك الانزعاج وحصره في نطاق محدود ، ثم تحويله من مبرر للتمرد على
النظام العام ، الى مجرد موضوع للنقاش . وفي بعض الحالات تحويله من غضب احتجاجي ، الى
مطلب شرعي قابل للمعالجة بصورة نظامية وفي اطار القانون الوطني. منظمات المجتمع
المدني هي ادوات لتاطير نشاط النخب الجديدة وعامة الناس ، ولا سيما من الجيل
الجديد ، غير القابل للضبط في الاطارات الاجتماعية القديمة. في هذه الحالة فان عملية
الضبط لا تتخذ شكل القهر ، بل تنظيم مخرجات النشاط بحيث لا تتجاوز حدود النظام العام
. غياب هذا النوع من الاطارات او ضعفها او تحديدها في نطاقات صغيرة ، يحرم المجتمع
من فرصة لعقلنة التعبيرات الجديدة الناتجة عن تغير القيم والعلاقات الاجتماعية ،
او المشكلات الناتجة عن التباين بين الافراد في القدرة على استيعاب التغيير
والتعامل مع افرازاته
.
المجتمع المدني المنظم هو احد الصيغ
الاكثر فاعلية ، لتاسيس مفهوم للمشاركة الشعبية يقوم على التواصل بين الحلقات
الاجتماعية الدنيا من جهة ، والنخبة السياسية وهيئات اتخاذ القرار من جهة ثانية ،
وهو وسيلة لتحويل المطالبات العامة من خلفية للانزعاج – وبالتالي للخروج على
النظام العام – الى حوار تفاعلي ، يعين المسؤول الرسمي على قياس شعبية السياسات
وبرامج العمل .
مع الاتجاه القائم الى تطوير تجربة مجلس
الشورى ، فانه ينبغي ايضا النظر الى الموضوع ضمن افقه الاوسع ، اي باعتباره خطوة
لتوسيع مشاركة المجتمع في الحياة السياسية . وفي هذا الاطار فان عملية التطوير يجب
ان لا تغفل الحاجة الحقيقية ، الى ادماج المجتمع ضمن العملية السياسية ، وفي ظني ان
تسهيل قيام منظمات المجتمع المدني وتوفير المساعدة القانونية الضرورية لتمكينها من
النضج ، هو الوسيلة المثالية لتحقيق هذا الغرض.
( السبت
- 19/12/1425هـ ) الموافق 29 / يناير/
2005 - العدد 1322
www.okaz.com.sa/okaz/Data/2005/1/29/Art_185158.XML
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق