‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاخ الاكبر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاخ الاكبر. إظهار كافة الرسائل

10/02/2021

حكم التكنوقراط


اعتقد ان معظم الذين شاهدوا سلسلة افلام "الماتريكس" سيتخذون موقفا معارضا لفكرة التنظيم الدقيق الذي يروج له أحيانا دعاة الادارة التكنوقراطية. والسلسلة من اخراج الاختين لانا وليلي واشوفوسكي.

لا اعراف سر اهتمام السيدتين بانتاج هذه السلسلة. لكني استطيع القول انهما قدمتا صورة مرعبة ، عن عالم افتراضي يعمل مثل الساعة ، تسيطر عليه آلات ذكية ، ويعيش البشر فيه حياة مستعارة ، لا يقررون فيها اي شيئ لانفسهم (لأن هناك من يفكر نيابة عنهم ، وهو - لسوء الحظ - اكفأ منهم واكثر انضباطا).

لعل الدافع وراء مبادرة الاختين واشوفوسكي  ، هو قناعتهما وقناعة الجمهور أيضا ، بأن الفكرة ليست خيالية 100%. انا وانت وغيرنا ، نعرف أناسا ، ربما أقلية صغيرة ، ولعلهم من الاذكياء اللامعين ، يتطلعون الى نظام اداري يسير مثل الآلة ، فيحقق المعادلة المستحيلة: عمل كامل بأقل كلفة.

ظهر مصطلح "التكنوقراطية" للمرة الاولى ، في مقالة لوليام هنري سميث عام 1919. لكن الفكرة نفسها قديمة ، وفحواها ان النظام الاداري (وحتى السياسي) الأمثل ، هو ذلك الذي يديره العلماء والخبراء. وخلال التطبيقات القليلة لهذا المفهوم ، ظهر انه شديد الخطورة ، فهو يتعامل مع البشر كأدوات انتاج ، ويحدد قيمتهم بناء على حجم ونوعية انتاجهم.

حين تكون القيمة السوقية لمنتجات الانسان ، معيارا وحيدا لقيمته ، فسوف تكون الآلة أعلى منه قدرا. وفي نهاية المطاف ، قد يجد البشر انفسهم عبيدا لآلات حقيقية أو آلات بشرية ، اي بشرا يشبهون الآلات او يفكرون مثل الآلات.

حصلت فكرة "التكنوقراطية" على رواج قصير الأمد في منتصف القرن العشرين. لكنها نبذت لاحقا ، بعدما حاول جنرالات من اوروبا وامريكا اللاتينية تبنيها كاطار فكري للتنمية السريعة ، وكانوا مستعدين للتضحية بآلاف البشر او باحلامهم ، في سبيل انجاح التجربة.

اما الداعي لهذا الحديث اليوم ، فهو ما لاحظته من انبعاث مستجد للفكرة ، أي "حكومة الآلات" مع تقدم الذكاء الصناعي وانترنت الأشياء. وكنت قد كتبت في العام الماضي ، عن مخاطر التساهل في استخدام التقنية المتقدمة ، في مراقبة الناس والتحكم في حياتهم. وهي فكرة يجري تبريرها بالحاجة للانضباط كوسيلة لمكافحة انتشار وباء كورونا.   

وخلال الاسبوع المنصرم قرأت خبرا عن اعلان لهيئة رسمية (لا اريد ذكرها كي لا ننشغل بالمثال عن الفكرة) انها ستلزم  كافة التجار  (أي نحو 1.3 مليون تاجر) باستعمال نظام الكتروني لتسجيل مبيعاتهم ، مع ربطه بغرفة مركزية تمكن موطفي الهيئة من المراقبة الدائمة لعمليات التجار. وقد قيل ان غرض هذا النظام هو منع التستر والتهرب وغش العملاء .. الخ. ولا بد ان بعض المحللين سيمتدح الخطوة لنفس الاسباب المذكورة ، وربما يذكرنا آخرون بالمثل الشائع (لاتبوق ولا تخاف).

وقد رايت في الاعوام الثلاثة الماضية مبادرات مماثلة ، استطيع القول ان كلفتها المادية والاقتصادية والانسانية ، كانت عالية ، ولم يكن لها من ناتج سوى شعور بالسعادة عند بعض مبرمجي الكمبيوتر وبعض الموظفين الاذكياء ، نتيجة اقتناعهم بانهم يملكون فعليا ادوات الضبط والتحكم في حياة الاف الناس.

أرى ان هذا التوجه خطر جدا على الامن النفسي للمجتمع ، وعلى الانتاجية والابداع في مجال الاقتصاد. فوق ان عائده ضئيل واقعيا ، وان بدا على الورق كبيرا ومدهشا. آمل ان لا يترك الامر للتكنوقراط ، لأن حكومة الآلات ليست قابلة للحياة حتى لو بدا الحديد قويا ومقاوما لعوامل الطبيعة.

الشرق الأوسط 10-فبراير-2021  aawsat.com/node/2795461

مقالات ذات علاقة

أم عمرو وحمار أم عمرو

ما بعد كورونا .. عبودية جديدة؟

سلطة المدير

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

"الغول" أخطر ما يواجه البشرية بعد تلاشي الوباء

الأخ الأكبـــر

من محاسن المكيافيلية القبيحة

المدينة الفاضلة

الهندسة وسخرية الاقدار

كلمة السر: كن مثلي والا..!

 

 

27/01/2021

ما الفائدة من الحديث عن الوطنية/القومية


جادلني احد الزملاء بانه حتى لو افترضنا فائدة في الحديث عن الوطنية او القومية ، فانه لا ضرر من تأجيله. فاجبته بان كل شيء يحتمل التأجيل ، اهم الأشياء مثل اقلها قيمة ، طالما لم يكن علاجا لوباء كورونا.

لكن بدا لي دائما ان "العودة للذات" مهمة مزمنة ، ينبغي للمجتمعات الاهتمام بها ، لا سيما في ظروف التحول. الغرض الوحيد لمراجعة الذات والتفكير فيها هو الإجابة على سؤالين:

الأول: هل انا الذي احدد مساري ومقصدي ، ام انا فرد في حشد يقوده "أخ أكبر" أو حتى "عقل جمعي" الى مقصد لا أعلمه ولا أشارك في تحديده؟.

الثاني: مع علمنا بان الانسان بطبعه مجبول على التزام الجماعة ، إلا ان علاقته بها تستدعي سؤالا جديا حول تحديد الجماعة المعنية ، سيما في الظروف التي تستدعي المفاضلة والاختيار. ولعل معظم القراء الاعزاء ، يذكر الجدل الذي عرفته البلدان العربية في تسعينات القرن المنصرم ، حول التفاضل بين الانتماء الى الوطن/العروبة/الإسلام. والحقيقة ان هذه الأسماء الكبيرة ، كانت ستارا لجدل ضمني (اكثر جاذبية) حول أولوية العائلة ، القبيلة ، المنطقة ، المذهب ، والتيار الديني او السياسي. وأعلم ان بعض المتحذلقين من حملة الألقاب الدينية ، قد وضع سياقا تبريريا ينتهي الى تفضيل التيار او الجماعة السياسية ، ويلقي عليها عباءة "جماعة المؤمنين".

لا بد من القول أيضا ان الأمة ، أي امة ، هي ذات جمعية حقيقية ، قد تستهين بقيمتها يوما في سياق السخرية مما يسمونه "عقلية القطيع" ، أو قد تبالغ في تعظيمها يوما آخر ، حين تصفها بخير الأمم او ارقاها او اجلها تاريخا. في كل الأحوال لا يمكن انكار ان الامة حقيقة قائمة في الواقع وفي الذهن ، وان وجودها مرتبط بحاجة الانسان للانتماء ، وهي حاجة ترتبط في ظني بالغريزة الأقوى في نفس الانسان ، أي إرادة البقاء. وهو رابط يبرز بوضوح في سلوك الانسان حين يستشعر الضعف او الخطر  ، فتراه شديد الميل للانضمام الى جماعة ، احتماء بها او انحيازا الى موقفها ، حتى لو كان معارضا لبعض تفاصيله.

دعنا نقول – تحريا للدقة - ان الأمة ليست من نوع الحقائق المادية التي يمكن لمسها وتحديدها ، كالسيارة والحصان والشجرة ، ولا هي من البديهيات المنطقية. لكنها لا تقل عن هذه في وضوحها. انها من هذا النوع الذي نسميه حقائق اعتبارية ، أي المفاهيم التي اجمع البشر في مختلف عصورهم على تقبلها كمقولات صادقة بذاتها ، فلا تحتاج الى تبرير سابق ، مثل قولنا ان النظام حسن والفوضى قبيحة.

هذا على أي حال مفهوم الامة ، بما هي جمع من البشر المؤتلفين حول تصور موحد لذاتهم الجمعية ، أي السبب الموضوعي لاتحادهم. اما مضمون الرابطة التي تجمعهم ومدى قوتها او قيمتها ، فهي توافقات يصنعها أعضاء الجماعة ويطورونها جيلا بعد جيل. وتبعا لهذا فالامة ليست كيانا مقدسا في ذاته ، بل هي مثل المجتمعات البشرية الأصغر ، تتطور وتتغير قيمها وأعرافها في سياق تفاعلها مع تحديات الزمن وتحولاته. حين يفكر الناس في هذه الرابطة ، فان ما يملأ أذهانهم هو صورة الماضي المتخيل ، وليس الحاضر ولا حتى الماضي الواقعي. سواء رضيت بهذه الصورة او انكرتها ، فان الناس لا يتخيلون انفسهم مجردين منها او منفصلين عنها. انها الحقيقة التي يودون ان تمثلهم او تتمثل فيهم. الامة اذن حقيقة على النحو الذي نريده ، وليس لها صفة موضوعية فوق ارادتنا او مستقلة عنها.

الأربعاء - 14 جمادى الآخرة 1442 هـ - 27 يناير 2021 مـ رقم العدد [15401]

https://aawsat.com/node/2767181/ 

مقالات ذات صلة

المسألة القومية واستقلال الفرد

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كيف تولد الجماعة

مكانة "العامة" في التفكير الديني

حزب الطائفة وحزب القبيلة تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

«22» الهوية الفردانية

في ان "الامة" مخلوق حديث

المسألة القومية واستقلال الفرد

ان تنتمي الى قوم بعينهم

دعوة لمراجعة مفهوم الامة/القومية/الوطنية

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

12/02/2020

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

وفقا لرأي د. ابراهيم البعيز فان التوجيه الاخلاقي – رغم ضرورته – ليس علاجا كافيا للانحرافات السلوكية والمشكلات التي تلازم الحياة المدينية. وكان البعيز ، وهو استاذ جامعي مهتم بقضايا التربية والاعلام ، يتحدث امام منتدى التنمية  المنعقد في الكويت (7 فبراير 2020) ، حول الدور المحوري للقانون كضابط للحياة المدينية التي تزداد عمقا وتعقيدا.
اننا نسمع من الارشادت والمواعظ الشيء الكثير ، وبشكل شبه يومي. واذا كنت سعوديا تجاوز الثلاثين من العمر ، فالمؤكد انك حصلت على نحو 2000 ساعة من التعليم الديني. وهذا قدر يكفي لجعلك متخصصا في علم الدين. لكني أجد – ولعلكم مثلي - ان التخصص العلمي شيء والتعامل الاخلاقي شيء آخر. يود الناس بطبيعة الحال المطابقة بين المعرفة الدينية والاخلاق الرفيعة. لكن هذا مجرد افتراض. 
إن معايير السلوك (في جانبها التطبيقي خصوصا) مستمدة من العرف. وغرضها تسويغ التعاملات الاجتماعية. ولذا فهي تصعد او تهبط ، تبعا لتحولات الحياة الاجتماعية: ما يستنكر  بالامس ربما يقبل اليوم ، وما يرحب به اليوم قد يستنكر غدا ، وهكذا. ارتباط الاخلاقيات بالعرف قد يصل الى حد التعارض مع تعاليم الدين ، التي يجري التاكيد عليها كل يوم. من ذلك مثلا إحسان التعامل مع الاجير والفقير والضعيف. ومنه افشاء السلام وايثار الاخر  والاحسان ، ومنه الرحمة والعطف ، ومنه المبادرة باقرار الحقوق المالية والمعنوية لاصحابها ، وعدم السكوت عنها ، فضلا عن انكارها او الحط من قدرها. 
فهذه أمثلة عن اخلاقيات معروفة تحث عليها جميع الاديان ، ويتفق على حسنها كافة الناس ، لكنها مع ذلك ضعيفة التأثير في الحياة الاجتماعية. ولذا نرى ان المشكلات الناتجة عن اساءة التعامل ، لا يختلف عددها وحجمها بين بلد مسلم متدين وبلد غير مسلم او غير متدين. ونعلم على سبيل المثال ان السجناء في نزاعات مالية يعدون بالالاف ، وان قضايا العضل واساءة المعاملة للنساء والعمال والشرائح الضعيفة في المجتمع ،  تعد بعشرات الآلاف وليس المئات او الآلاف في كل عام.
هذا أمثلة نراها كل يوم ، وهي تخبرنا عن ضعف الصلة بين الارشاد والوعظ من جهة ، والتعاملات الواقعية بين الناس في حياتهم اليومية ، من جهة اخرى.
تتسم الحياة في المدينة بالسرعة والتعقيد وكثرة المستجدات. ان التغير هو السمة الرئيسية للحياة المدينية. ولهذا فهي تزداد تعقيدا وعسرا ، بقدر ما تدخل عليها من عناصر جديدة ، وأبعاد غير مألوفة في كل يوم. وهذا بدوره يؤكد الحاجة الى القانون الذي يشكل حدا نهائيا لحركة البشر والمال والاشياء ، كي لا يسقط الضعفاء في الزحام فتسحقهم الاقدام.
كان ارسطو  يعتقد ان الناس يطيعون القانون خوفا من العقاب ، لا حبا في الفضيلة. هذا تصور مبني على رؤية متشائمة للطبيعة البشرية ، كانت سائدة في الأزمنة القديمة. اني أعارض هذه الرؤية ، لأسباب قد اعرضها في وقت آخر. لكني اعترف بان بدائل القانون ، ومنها الوعظ ، ليست فعالة في هذه الاوقات. ولو كانت فعالة ومفيدة لكان اهل الأديان احسن حالا ، على الاقل في مجال التعاطي مع بعضهم البعض.  
ومن هنا ، فاني سوف اقبل – ولو على مضض - الرؤية الداعية لتحكيم القانون في كافة اجزاء الحياة المشتركة بين الناس ، بحيث يتوفر لدينا ضابط فعال لكل ما امكن من التبادلات داخل المجتمع. وسوف يكون علينا ابقاء الامر على هذا الحال ، حتى نعتاد على الاقرار بالحقوق الضرورية المتبادلة فيما بيننا ، عندئذ سيكون للوعظ محل.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 جمادى الآخرة 1441 هـ - 12 فبراير 2020 مـ رقم العدد [15051]
مقالات ذات علاقة 


رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...