16/10/2019

من اراء الفيلسوف ديفيد ميلر

استعرت معظم الافكار الواردة هنا من البروفيسور ديفيد ميلر ، وهو مفكر بارز ، ساهم بدور مؤثر في تطوير مباحث الفلسفة السياسية ، ولا سيما تلك التي تشكل جسرا بين النقاشات الفلسفية البحتة والسياسية البحتة ، والتي تقدم تصورات قريبة نسبية من الواقع القائم وفرص التطبيق.
ومن المباحث التي اسهم فيها ميلر بدور كبير ، أشير الى موضوعين على وجه الخصوص: أولهما: المواطنة والهوية الوطنية ، في اطار دولة متعددة الثقافات. اما الثاني فهو "المساواة الاجتماعية" التي يعتبرها مبدأ متمايزا عن العدالة من جهة ، وعن المساواة في المعنى المشهور بين الفلاسفة المعاصرين ، أي التوزيع المتكافيء للخيرات المادية. ويقول ميلر ان الذي ميز منهجه ، هو ادخاله تطبيقات علم الاجتماع كعنصر في النقاش الفلسفي. وأرى ان هذا يتجلى خصوصا في اتخاذه لسلوكيات الناس ومواقفهم الفعلية ، كمفسر او محدد لبعض الاراء ، وكذلك اعتباره توجهات الرأي العام ، عامل ترجيح بين الخيارات التي لا تدعمها أدلة حاسمة. والحق ان عددا قليلا جدا من العلماء ، في مختلف المجالات، يتقبلون هذه الفكرة ، اعني اعتبار الراي العام عنصرا في البحث العلمي. وقد اشار هو نفسه الى ان هذه الطريقة لا تناسب الجميع ، بل تناسب اولئك المؤمنين "بقابلية العرف العام لاصدار حكم عقلائي".
تشير هذه النقطة الى موقف مثير للجدل في الفلسفة السياسية المعاصرة ، ناتج عن التضارب بين اتجاهين:
ينطلق الاتجاه الاول من القيم المؤسسة للحداثة ، فيعتبر العرف العام ، اي رأي غالبية الناس ، عقلانيا. وأن ما يتبناه هذا العرف من قواعد عمل او قيم يعد اساسا معقولا وسليما للقوانين. وعلى ضوء هذه الفكرة يقوم نواب الشعب في الدول التي لديها برلمانات باصدار القوانين ، اي تحديد ما هو صحيح وما هو خطأ ، يثاب على فعله ويعاقب على تركه او فعل عكسه.
اما الاتجاه الثاني وهو موقف الغالبية الساحقة من المحافظين في المجتمعات الصناعية ، وكافة الناس – الا قليلا – في المجتمعات التقليدية ، فيرى ان الصحيح والخطأ قيم موضوعية ، قائمة بذاتها ، وبغض النظر عن موقف الناس . ويقول اصحاب هذا الرأي: لو ان كافة الناس اتفقوا على ان موقفا ما صحيح ، ثم ظهر بدليل علمي مستقل انه خطأ ، فان راي الناس لا يغير حقيقته. كما ان هذا الفريق يطالب ببقاء العلم والبحث العلمي ، منزها عن التاثير السياسي والاجتماعي ، وأي طرف او جهة أهلية او رسمية ، تحاول او ربما تحاول ، توجيه مسار البحث العلمي في  غير الطريق الذي يقوده البحث ذاته.
يعتقد ميلر ان العدالة موقف ذهني كلي ، وان المساواة هي التي تقدم الشكل المادي الذي يتجسد في إطاره مبدأ العدالة المجرد.
بيان ذلك: لو سألنا انفسنا ، او سألنا اي شخص في اي مكان في العالم ، عن المعنى الذي يقفز الى ذهنه ، حين تذكر قيمة العدالة. ان الجواب الذي اعلم انه قفز للتو في ذهن القاريء هو "معاملة جميع الناس على نحو واحد". القاضي العادل هو الذي يساوي بين الخصمين ، والحاكم العادل هو الذي يحكم وفق قانون واحد ، ينطبق على الجميع بنفس الطريقة. هناك معان اخرى للعدالة ، لكن المساواة هي التي تتبادر غالبا في اذهان الناس. ويقول اللغويون ان التبادر علامة الحقيقة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 صفر 1441 هـ - 16 أكتوبر 2019 مـ رقم العدد [14932] https://aawsat.com/node/1947806/

مقالات ذات صلة
فكرة المساواة: برنارد وليامز
المساواة والعدالة : ديفيد ميلر
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...