السؤال
الذي يشغل الدكتور ابراهيم العواجي هو: لماذا فشلنا في بلوغ الاهداف التي حددتها
خطط التنمية؟. هذا ينصرف الى سؤال اخر:
لماذا نعجز حتى اليوم عن وضع معايير دقيقة لقياس انتاجية الادارة الرسمية ، رغم
الاموال العظيمة التي انفقت على تطويرها؟.
د. ابراهيم العواجي |
في كتابه
الجديد "التنمية وعربة الكرو" يلخص العواجي تأملاته في تجربة امتدت ربع
قرن ، عمل خلالها وكيلا لوزارة الداخلية. وهو يقول انه حاول كما حاول كثيرون غيره
، تجاوز العلل المزمنة في النظام الاداري ، لكنه يقر في نهاية المطاف بان
"عوامل ثقافية" هي التي اعاقت تطور الادارة وعطلت – تبعا لذلك – عجلة
التنمية.
يشير
الكتاب مثلا الى نظام المشتريات الحكومية الذي استهدف – فرضيا - مضاعفة الدورة المحلية
لراس المال وتنويع مصادر الانتاج. لكنه تحول في واقع الامر الى قناة لتصدير
الرساميل للخارج. السبب الذي يشير اليه دون ذكره صراحة ، هو ان صاحب القرار المالي
والاداري يريد منتجا نهائيا ، ولا يهتم كثيرا بتفاصيل المسار المنتهي بالانجاز. جرى
العرف مثلا على ايكال المشاريع الكبرى لشركات اجنبية تتغطى بواجهة وطنية ، لان
الشركات المحلية غير مؤهلة ، وصاحب القرار لا يعتبر نفسه مسؤولا عن تأهيل الشركات
المحلية. حصاد هذا العرف العليل ، هو اننا لا نزال بعد 45 عاما من انطلاق خطط
التنمية ، متكلين على المقاولين الاجانب في كل شيء ، من بناء جسر الى بناء مدرسة
الى انشاء مصنع الخ..
قد يبدو
الامر بسيطا طالما كنا نحصل على ما نريد. لكن الامر ليس كذلك كما يرى العواجي.
التنمية ليست انشاء مبنى او فتح شارع ، بل عملية متواصلة ومتنامية. تخبرنا تجارب
العالم ان استمرارية التنمية تعتمد كليا على
توسع مواز في دور "الطبقة الوسطى". كل مرحلة في اي عمل تنموي يجب
ان تستهدف ضمنيا تمكين هذه الطبقة وتأهيلها كي تتولى المرحلة التالية. هذا هو
الطريق الوحيد لجعل التنمية مستدامة ولجعل ناتجها الاقتصادي رافدا جديدا لدورة راس
المال المحلي.
هذا مثال
عن الفارق بين الادارة الشخصية والادارة المؤسسية. في الاولى يصدر القرار عن شخص
واحد ، ليس لديه الوقت لدراسة تفاصيل المشروع. بينما في الحالة الثانية يصدر القرار
ضمن حزمة كاملة ، تدرس وتتقرر وفقا لتصور متكامل ، يلحظ جميع الابعاد المؤثرة
والمتأثرة بالعملية التنموية وانعكاساتها ، وما يستلزمه التعامل مع نواتجها الفورية
واللاحقة.
خلاصة تأملات
العواجي ، هي ان نجاح التنمية في المملكة ، مشروط بالتحرر من الاعراف القديمة والثقافة
القديمة ونظام الادارة الشخصية القديم. مالم يتحقق هذا ، فسوف نضطر دائما الى
التعامل مع اوضاع غريبة ، مثل ان ان نستقدم مئات الالاف من العاملين الاجانب سنويا ،
بينما نعجز عن توفير وظائف كافية للمواطنين ، ومثل ان نملك جميع الموارد المالية
الكافية لكن نصف مشاريعنا يتأخر او يتعثر.
الاقتصادية
17 يونيو 2014
http://www.aleqt.com/2014/06/17/article_858209.html
مقالات ذات علاقة