‏إظهار الرسائل ذات التسميات قاضي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قاضي. إظهار كافة الرسائل

27/10/2010

ابعد من فيلم الجني ومن لبسه

اخشى اننا طرنا بالعجة كما يقولون ، وصدقنا ان القضية تتلخص في الجني الذي تلبس القاضي ، وفي الستمائة مليون التي يقال انها وجدت في حسابه ، والمئة مليون التي هرب بها الوسيط. قصة تشتمل على جني وقاض وملايين حاضرة واخرى هاربة ، تمثل فيلما شديد الجاذبية ، بالنظر للثنائيات والمفارقات التي ينطوي عليها كل عنصر. لكن هذه العناصر بذاتها ليست سوى الاسطورة او الصورة الرمزية التي قد تخفي وراءها عالما اخر حقيقيا لكنه مستور ، هو عالم الفساد المنظم والتآمر واستغلال السلطة والمعرفة والعلاقات العامة.

مبلغ السبعمائة مليون ريال الذي ذكر في القصة – على ضخامته – ليس المجموع الحقيقي لما جناه الفاسدون في هذه القضية. وهو بالتاكيد ليس ثمرة لعملية واحدة . القاضي والجني والسبعمائة مليون هي مجرد اعلان عن مسلسل طويل من الفساد شارك في اعداده واخراجه وتمثيل فصوله اناس كثيرون.

الاشخاص الذين اوصلوا الى شبكة الفساد المعلومات الضرورية حول التغير  المحتمل في قيمة الاراضي والاملاك التي تمحورت القصة حولها ، والافراد الذين حجبوا تلك المعلومات عن الطرف المتضرر ، والافراد الذين استعين بمناصبهم او بنفوذهم او باتصالاتهم لانجاح العمليات المتعددة  التي جمع خلالها المال ، والافراد الذين علموا بذلك وسكتوا عنه . كل هؤلاء اشتركوا في الفساد.

لدينا اذن ثلاثة عناصر جديدة : 1) عدد كبير نسبيا من الاشخاص المشاركين او المطلعين على عمليات الفساد . 2) الزمن الذي شهد هذه العمليات ، واعتقد جازما انه طويل وقد يصل الى عدة سنوات. 3) الثقوب القانونية والادارية والاعراف التي تسمح بعمليات فساد تتواصل لزمن طويل ، وفي مدينة رئيسية تتركز عليها الانظار وتحتدم على اراضيها المنافسة ، وليست قرية معزولة او نائية.

هذه العناصر الثلاثة تشكل اجزاء لما يمكن ان نسميه منظومات الفساد ، او الفساد المؤسسي. اني ازعم ان منظومات الفساد هذه منتشرة في اماكن كثيرة. ولو قرأ الانسان الصحافة المحلية بعين فاحصة ، او تابع كلام الناس في مجالسهم ، فسوف يكشف عشرات من هذه المنظومات التي تنخر في هيبة القانون وفي قيم المجتمع وفي ثروته واستقراره.

لا اريد مطالبة الاجهزة الرسمية بتكثيف جهودها للكشف عن تلك المنظومات المزعومة. لاني اعتقد ان العنصر  الثالث ، اي الثقوب القانونية والادارية والاعراف ، لن تسمح باصطياد السمك الكبير . واخشى ان تعمل على طريقة "فرسان المناخ" ، المسرحية الكويتية المعروفة التي قرر مخرجها اقالة الفراش وقطع خط التلفون عقابا لادارة الشركة التي عبثت بالملايين من اموال المساهمين.

اني اطالب الاجهزة الرسمية باطلاق يد الصحافة في كشف المستور ، كما اطالب رؤساء تحرير الصحف باطلاق ايدي الصحفيين الشباب ، الذين لا تنقصهم الجرأة والذكاء ، لكن يحول بينهم وبين هذه المغامرات خوفهم من قطع ارزاقهم .

في كل المجتمعات المتقدمة كانت الصحافة هي السباقة الى مكافحة الفساد ، كانت دائما اسبق واكثر فاعلية من اي جهاز حكومي . لانها ببساطة تقوم بعملها الطبيعي . العمل الطبيعي للاجهزة الرسمية هو تنفيذ القانون ، مثلما ان العمل الطبيعي للصحافة هو كشف المستور وتحويله الى قضية راي عام.

اخيرا ادعو مجلس القضاء الاعلى الى استثمار قضية قاضي المدينة وملايينه وجنيه ، استثمارها في شق طريق جديدة لتنزيه الجسم القضائي من الفاسدين ، وترسيخ ثقة الجمهور بالجهاز القضائي . وذلك باصدار بيان اسبوعي مفصل عن مجريات التحقيق. في هذه المسألة لا ينبغي ان يكون هناك اسرار او ستر ، لانها اصبحت قضية راي عام . الاعلان الاسبوعي عما جرى من تحقيقات ومن اعتقل من متهمين او مشتبهين ، سوف يرسل رسالة قوية جدا الى الفاسدين او الذين يفكرون في الفساد والى عامة الناس ، رسالة فحواها ان كل انحراف سينكشف وان كل منحرف سيدفع ثمنا غاليا وسيندم اشد الندم على ما قدمت يداه.

في مقابل الفساد المؤسسي ، نحتاج الى علاج مؤسسي ايضا ، الفساد المؤسسي يدور بين جدران الدوائر ، اما العلاج المؤسسي فهو يتمدد من الدوائر الى مؤسسة المجتمع والعرف والاعلام .

 شبكة مصدر 27 اكتوبر 2010 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...