‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقابلة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقابلة. إظهار كافة الرسائل

24/02/2015

مناظرة تلفزيونية حول الدين والمواطنة



مناظرة حول الدين في المجال العام
 الدين/المذهب /المواطنة
توفيق السيف
مع فضيلة الشيخ عبد الرحمن العبد الكريم 
بادارة د. احمد العرفج

قناة الرسالة - برنامج الميدان

24 فبراير 2015
لمشاهدة البرنامج على يوتيوب اضغط الرابط  https://www.youtube.com/watch?v=kfzO2BFwxtE


11/07/2013

حول علم الكلام الجديد ، الدين والتجديد ، الديمقراطية وتطبيق الشريعة ، الحداثة والتراث


اعداد: هيفاء السادة 
 جهينة الإخبارية      17 / 6 / 2013
  •  - الليبرالية تنطوي على كثير من الفضائل وأبرزها تحرير جسد وروح وعقل الإنسان.
  • - جمود الفقه هو ثمرة لضعف التفاعل بين الفقيه وبين الحياة الواقعية للناس.
  • -  مشكلة الفكر الإسلامي التقليدي هو بحثه عن أجوبة قديمة لأسئلة حديثة.
  • - شعور الإنسان بالحرية في إختيار طريقه الديني يجعله أقرب إلى معرفة الله.
  • - نحن سجناء في تاريخنا ويجب أن نتخلص من هذا السجن.
  • - البديل عن الوحدة المذهبية هو الدعوة إلى التسامح وإلغاء الجدران الفاصلة بين الطوائف.


قال الدكتور توفيق السيف ان الديمقراطية هي نظام الحكم الأمثل في هذا الزمان، مضيفا ان الديمقراطية هي أحد منتجات الإنسان الكبرى والمهمة وهي مقبولة منسجمة مع القيم الكبرى في الدين الإسلامي، وفي الأديان الأخرى.
عقيل عيدان
وخلال البرنامج الثقافي الفكري «مائدة افلاطون» الذي يقدمه الإعلامي الكويتي عقيل يوسف عيدان أكد الدكتور السيف ان فرصة استمرار النهضة الحالية أقوى بكثير بدرجة لا تقارن مع النهضة السابقة لسببين، هما دخول عامة الناس في المشروع، بالإضافة لتوفر وسائل الاتصال الجمعي.وفي لقاء له مع الإذاعة الكويتية في وقت سابق قال السيف أن الحاجة للاعتقاد تأتي من الحاجة إلى الانتماء، يمكن للإنسان أن يعيش بمفرده لكنه في وقت من الأوقات سيشعر بالفراغ وبأن قيمته قليلة، قيمة الإنسان إنما تتحدد من خلال موقعه في الجماعة ، اي بوجود النظائر والاشباه.
وأشار السيف ان علم الكلام موضوعه هو العقائد حسب التعبير المتعارف، لافتا إلى ان كل مجتمع فيه قوانين وفيه قيم ونظم علاقات وفيه معايير للتصحيح والتخطأة والقياس، كل هذه المعايير وكل هذه المعايير وكل هذه القيم والقوانين تقوم على قاعدة فلسفية هي التي تميز نظام اجتماعي بأكمله عن نظام اجتماعي آخر.
وتحدث السيف عن مسألة مصادر السلطة في التفكير الإسلامي المعاصر، مشيرا لوجود اتجاه قوي على اعتبار أن المجتمع وعاء للسلطة، وموافقة المجتمع مصدر للسلطة، لا تكون السلطة مشروعة إلا إذا صدرت عن رضا عامة الناس.
وبين السيف ان البحوث العلمية سواء في الفقه أو غير الفقه التي سارت على نفس النمط القديم، لا تأتي بأي جديد، فهي تعيد إنتاج ما هو معروف، الفكر الجديد الذي يفصل بين المعرفة والنص ويؤكد على تاريخية المعرفة الدينية هو الذي ينتج الفكر الإسلامي الجديد، الفكر الذي نتعرف عليه لأول مره، سورة الإسلام العصرية التي نكتشفها للمرة الأولى.
شبكة جهينة الإخبارية تنشر الحوار:
1)     تحفل الكتب والمؤلفات المعنية بقضايا الإصلاح والتجديد الديني بالحديث عن علم الكلام الجديد. ما هو هذا العلم وماذا يميزه عن علم الكلام القديم؟
علم الكلام موضوعه العقائد حسب التعبير المتعارف. لكن إذا أردنا توسيعه سنقول أنه القاعدة الفلسفية التي تقوم عليها الشريعة ونظام العمل في المجتمع الديني.
بعبارة أخرى فان كل مجتمع فيه قوانين وقيم ونظم علاقات ومعايير للتصويب والتخطئة والقياس. كل هذه المعايير والقيم والقوانين تقوم على قاعدة فلسفية واحدة هي التي تميز نظاما اجتماعيا بأكمله عن الأنظمة الأخرى.
وبالنسبة للمسلمين فان القاعدة التي يقوم عليها نظامهم الإجتماعي هي مانسميه بالعقيدة. علم الكلام هو الحقل العلمي المتخصص بدراسة هذه العقيدة.
كان علم الكلام نشطا حتى القرن الثاني عشر الميلادي، وقد تركزت نقاشاته حول العقائد الكبرى لا سيما التوحيد واسماء الله وصفاته والنبوة والامامة.
خلال القرن الحادي عشر خصوصا جرى تنظير الفروق بين الفرق والمقالات المختلفة في الموضوع. ويبدو ان الباعث على الاهتمام بهذا الجانب هو الميل الذي تفاقم منذ القرن العاشر الميلادي لتحويل المذاهب والمدارس السياسية والكلامية الى منظومات اجتماعية متكاملة اي ما نسميه الان طوائف.
ثم تراخى الإهتمام به، وإتجه الدارسون الى الإهتمام بالفقه، وهو العلم المختص بدراسة احكام الشريعة، او ما يسمى بالفروع. وسنأتي على الفارق بين الاثنين في وقت لاحق.
وهناك دعوة حديثة بدأت منذُ زمن طويل، منذُ بداية القرن العشرين تقريبا، لكنها بقيت محدودة، ولم تثر كبير اهتمام. ثم عادت الى سطح اهتمام المفكرين مرة اخرى في اواخر القرن العشرين. وقد برزت في اطار الدعوة لمراجعة الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام الإسلامي أي علم العقائد، ليس للنظر في القضايا التي انتهى بحثها مثل موضوع التوحيد والألوهية أو موضوع النبوة وموضوع القيامة، بل انصب اهتمام الداعين اليها على ما يوصف بالرؤية الجديدة للعالم. هذه الرؤية تحاول اعادة تشكيل قاعدة فلسفية دينية يقوم عليها تصور الفرد لذاته وللعالم، النظام الاجتماعي والقانون ونظم العلاقات الداخلية، والقيم والمعايير التي توجه او تضبط الحركة في المجتمع المسلم.
كمثل على تلك الموضوعات، ثمة نقاش حول العلاقة بين العلم والدين، حدود دور العقل في تحديد القيم، مضمون الرابطة الإجتماعية التي تربط بين افراد المسلمين، ويتشكل على ضوئها ما نسميه المجتمع السياسي. يبدا هذا النقاش بسؤال حول البنية الداخلية للمجتمع المسلم، هل هي قائمة على التعاقد بين الافراد، ام أن المجتمع المسلم بنيته عضوية، كما جرى فهمه في الماضي؟.
ومثل ذلك النقاش حول قيمة النص والوحي، وهو بحث يقود بالضرورة الى مصادر السلطة في المجتمع المسلم. ثمة إتجاه قوي في الفكر الاسلامي المعاصر، سيما الاتجاه الاصلاحي، يرى ان المجتمع هو وعاء السلطة، وان اختيار العقلاء لا يقل قيمة عن الاحكام المنصوصة، وان مضمون السلطة هو تمثيل المجتمع، اي ان السلطة لا تكون مشروعة الا بتفويض عامة الناس ورضاهم.
هذا يخالف التفكير القديم الذي ورثناه عن الاسلاف، والذي يميل إلى اعتبار السلطة موجودة في مكان ما خارج المجتمع. اما باعتبارها حقا خاصا للرسول ثم الأئمة والخلفاء ثم اقرب العلماء الى صفات هؤلاء. او القول بتبعيتها لموضوعها اي حفظ النظام العام، فهي للمتغلب الاقدر على ضمان الامن والاستقرار.
2)     ماهو الفيصل بين الرايين القديم والجديد؟
علم الكلام القديم يضع «الموروث» من نصوص واراء كمعيار للمقارنة والترجيح. علم الكلام الجديد يقرر ان المعيار هو «القيم الكبرى» التي قام عليها الدين او اراد اقرارها في حياة الناس، قيم مثل اصالة الحرية واصالة العدل والمساواة الخ.. حتى لو توصلنا عبرها الى اراء تخالف المتفق عليه من النصوص والاراء الموروثة.
موضوع علم الكلام الجديد اذن هو إعادة صياغة الأرضية الفلسفية والنظرية التي يقوم عليها التنظيم الإجتماعي لمجتمع المسلمين المعاصر.
3)     تاريخيا يحيل بعض الباحثين هذا المسمى الجديد إلى الاستاذ شبلي نعماني. هل هذا دقيق او أن الأمر أقدم من ذلك يعود على سبيل المثال إلى 1906 تحديداً في إيران خلال الثورة الدستورية ومواجهة رجال الدين للمستجدات في المجتمع الإيراني أنذاك؟
اشتهرت نسبة المصطلح الى شبلي نعماني «1857 - 1914»، وهو داعية ومفكر هندي، لانه نشر كتابا حمل عنوان «علم الكلام الجديد». واظنها المرة الاولى التي يصدر فيها عمل علمي بهذا العنوان. وبالمناسبة فان حركة التجديد الاسلامي في شبه القارة الهندية كانت اول من طرح هذا النوع من النقاشات. واشير الى ان السير سيد احمد خان «1817 - 1898» وهو من اساتذة النعماني، كان قد تحدث قبله عن الحاجة الى «علم كلام جديد». كما تحدث عنه الشاعر والفيلسوف محمد اقبال «1877 - 1938» بعد ذلك. وكان محور اهتمام الاصلاحيين الهنود هو تقديم فكر اسلامي يستجيب لتحديات الحضارة الغربية، ويبرهن على قابلية الاسلام لاستيعاب الحداثة. ولعل مبعث هذا الاهتمام المبكر هو كون شبه القارة الهندية من اوائل المجتمعات الاسلامية التي واجهت تحدي العلاقة الثقافية مع الغرب.
شبلي نعماني
على اي حال ليس لدي معرفة مفصلة بالمسار التاريخي للفكرة. لكني افترض انها، مثل سائر العلوم، تتطور وفق نمطين: نمط تراكمي ونمط انقلابي. في اوائل القرن العشرين شهدت ايران بروز تيار تجديدي في اطار الثورة الدستورية التي اشرتم اليها، وتمحور جدلها حول موضوع السلطة، وبطبيعة الحال فقد كانت مسالة الامامة عنصرا مهما في الجدل، نظرا لان جدلية السلطة عند الشيعة تبدأ بمسالة الامامة.
في هذا الوقت نفسه، اي اوائل القرن العشرين، كان ثمة حراك فكري تجديدي في مصر وبلاد الشام، ونعرف ان تلك الحقبة شهدت ظهور الكتابات التاسيسية لجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وامثالهم. اهتم هؤلاء وتلاميذهم - محمد رشيد رضا مثلا - بمعالجة الاشكالات الجديدة التي تحيط بفكرة الخلافة، وامكانية التوصل الى نظرية حول قيادة سياسية - دينية اصلح من النموذج القائم في الدولة العثمانية.
ماحدث في إيران وماحدث في المشرق العربي كان ردا على الاستبداد من جهة وعلى التحدي الاوربي من جهة ثانية. لكنا نلاحظ ان ذلك الحراك قد توقف عند بداية العقد الثالث من القرن العشرين، ولم يحدث تراكم علمي حول الافكار الاولية التي طرحت في تلك الحقبة.
4)     هل يمكن الحديث عن نهضة جديدة، تملك مقومات الإستمرار والتواصل؟ أم أن الأمر لازال غير واضح الإتجاهات؟
مانراه اليوم ليس متصلا - عضويا - بما عرفه العالم الاسلامي في بداية القرن العشرين. وهو - من ناحية اخرى - مختلف عنه في محاور اهتمامه ومقوماته. وأظن أن ظروفنا الراهنة تسمح بالظن بان المرحلة الجديدة سوف تقود الى تراكم علمي مستمر، ربما يعطينا علم كلام اكثر عمقا وانسانية واستيعابا لعصرنا وحاجات الانسان فيه.
فرص الإستمرار في النهضة الحالية أقوى بكثير من النهضة السابقة، لسببين بسيطين:
الأول دخول عامة الناس في المشروع: في المرحلة الأولى كان المشروع قصرا على عدد صغير من النخبة. اما في الوقت الراهن فهو مشروع الشعب العربي كله. العرب من المحيط إلى الخليج متفقون على ضرورة المشاركة في صناعة نظامهم السياسي، والمشاركة في صناعة مستقبلهم. لعلهم يختلفون في كيفية المشاركة، لكنهم متفقون على مبدا كونهم شركاء في صناعة النظام السياسي الذي ينتمون اليه، وان الدولة ليست عالما منفصلا عنهم. هذه الفكرة أصبحت من المسلمات البديهيات التي لا يجادل فيها أحد.
السبب الثاني توفر وسائل الإتصال الجمعي. فعندما اتحدث عن «طبائع الإستبداد» وهو ربما أهم الكتب التي ظهرت في تلك المرحلة سوف نجد أنه طبع في 500 نسخة، ولعلها لم تخرج من حدود بلاد الشام إلا بضع نسخ.
اما الآن فعندما تكتب مقالا أو تنشر كتاباً، فسوف يصل الى كل مكان، ضمن فاصل زمني لا يتعدى اسابيع. بعبارة اخرى فإن الفكرة التي ينتجها شخص واحد سرعان ماتتحول إلى قضية عامة. وصول الناس الى مصادر المعلومات يمكنهم من الحوار في القضية المطروحة وحولها. الحوار الذي يشارك فيه عدد كبير من الناس، يتحول سريعا الى مادة غنية بالاسئلة والحلول المقترحة، وهذا يقود - بالضرورة - الى تجاوز الطروحات الاولية الى مستويات اعلى من الاسئلة والحلول. تعميم الفكرة يؤدي الى تطويرها، وقابلية الفكرة للتطور تزيد فرص استمرارها وتجعل تاثيرها اعمق واوسع.
5)     كيف تؤثر العلوم الحديثة سيما في حقل العلوم النظرية والانسانية على علم الكلام الجديد؟
اتذكر ان اول درس لي في اصول الفقه كان يدور حول التعريف بالعلوم التي يعتمد عليها الفقه. يومئذ ذكر استاذنا علم النحو واللغة والبيان وذكر علم الرجال والدراية وتفسير القران والمنطق، باعتبارها جميع ضرورية لدارس الفقه. نعلم اليوم ان كلا من هذه العلوم قد تشعب وتفرع، ونعلم ان علوما اخرى قد انضمت الى العلوم الضرورية لدارس الفقه مثل علم الاجتماع والاقتصاد والفلسفة وغيرها.
بكلمة اخرى فان لكل من تلك العلوم اثر مهم في فهم الخطاب الديني. كما يجدر القول ان تطور تلك العلوم يستوجب انعطافا موازيا في الدراسات الدينية يتناسب مع القضايا والاسئلة الجديدة.
حتى وقت قريب كان النقاش الفلسفي في المدارس الدينية محصورا في الاسئلة ومسارات النقاش التي ورثناها عن الفلسفة اليونانية. لكن عددا من المفكرين المسلمين يتفاعلون اليوم مع الاتجاهات الجديدة في الفلسفة سيما في نظرية المعرفة التي تطرح نقاشات واسئلة تختلف جذرياً أو جزئياً مع النظريات اليونانية التي أعتدنا عليها.
يؤسفني القول ان النقاشات الفلسفية الجديدة لازالت محدودة، معظم مدارس العلم الديني لا تهتم بدراسة الفلسفة، وتلك التي تهتم - كما هو الحال في ايران مثلا - اكثر ميلا الى التراث الفلسفي اليوناني الذي دخلها منذ زمن بعيد وحظي بالكثير من الشروحات والنقاشات واعيد انتاج الكثير من قضاياه ضمن النسيج الثقافي الاسلامي. 
زبدة ما اردت قوله ان المناهج الفلسفية الحديثة لازالت محدودة الانتشار، لكنها بدأت تؤثر في نطاقات واسعة نسبيا. كمثل على ذلك فان كتاب «مفهوم النص» للمرحوم نصر حامد ابو زيد، ترجم وطبع ثلاث مرات في ايران. كما ان كثيرا من كتب د. عبد الكريم سروش ود. محمد مجتهد شبستري طبعت مرات عديدة وترجمت الى اللغة العربية. وكذلك حال كتب المرحوم محمد اركون. هذا يشير الى ان الطروحات الفلسفية الجديدة تحظى باقبال متزايد بين المشتغلين بالفكر والمهتمين بالدراسات الاسلامية. لكن علينا ان ننتظر بعض الوقت كي نكتشف مدى تاثيرها في المسار العام للدراسات الدينية، سيما في مجامع العلم الشرعي التقليدية.
عدا البحوث الفلسفية، لاحظت ايضا تزايد الاهتمام بعلم الاجتماع بين المشتغلين بالعلوم الدينية. تساعد البحوث الاجتماعية في فهم العلاقة بين الفكرة النظرية وبين سلوكيات الافراد الجماعات، وهو من المجالات الهامة التي ينبغي استيعابها بالتوازي مع التفكير في النظريات الدينية
6)     بالعودة إلى العقيدة، اود ان اسأل سؤالا عاما: من أين تأتي الحاجة للإعتقاد؟ اليس اتخاذ دين محدد او شريعة معينة تقييد لحرية الفرد؟
الحاجة إلى الإعتقاد تأتي من الحاجة إلى الإنتماء، يمكن للإنسان أن يعيش بمفرده لكنه في وقت من الأوقات سيشعر بالفراغ وبأن قيمته قليلة. قيمة كل فرد وموقعه في النظام الاجتماعي يتحدد بموقف الافراد الآخرين منه.
حتى ينتمي الإنسان إلى جماعة فإن عليه أن يدفع ثمن الحياة الإجتماعية. اذا عشت في مدينة فعليك الالتزام بقوانينها ونظام الحياة فيها، في السير وفي الحركة وفي البناء وفي غير ذلك.
كل نظام في داخله حدود تقيد حرية الفرد. نحن نطالب بالحرية في اقصى تجلياتها. لكننا نتحدث عن الحرية في مجتمع يخضع للقانون وليس مجتمع الغابة. طبقا لراي جان جاك روسو فان انعدام القيود في مجتمع الغابة ليس حرية بالمعنى الدقيق. الحرية تتجلى في المدينة، والمدينة مجتمع ينظمه القانون. نحن اذن نقبل بالقانون الذي ينظم العيش الجمعي في المدينة لاننا نريد الحياة المشتركة مع الناس في المدينة، وندرك ان القانون ضروري لتنظيم هذا النوع من الحياة، رغم اننا ندرك ايضا ان علينا التنازل عن جزء من حريتنا مقابل التمتع بفضائل العيش مع الناس في المدينة في ظل القانون.
المجتمعات المسلمة تعتمد القانون المستمد من الشريعة او المنسجم مع القيم الدينية. لو كنت في بلد غير مسلم فستخضع لقانون اخر مستمد من مصادر اخرى. بعبارة اخرى فان اي حياة مدنية تتطلب قانونا يلتزم به الناس، وكل قانون يؤدي بالضرورة الى تقييد لحريةالفرد. لكن هذا ثمن نرتضي دفعه كي نبقى متحضرين.
7)     ماهو تصورك الشخصي عن الليبرالية؟ أي العناصر التي تعتبرها مقومات لازمة لليبرالية؟
دعني أولاً أقترح مدخلا للفكرة. نحن ننفتح على كل الافكار ونتعامل مع كل المفاهيم التي أنتجها البشر في هذا العصر أو في العصور القديمة، نضعها في مرتبة واحدة، سوء ظهرت وتطورت ضمن اطارنا المعرفي والحضاري الخاص او عند الأخرين. نتعامل مع كل الافكار تعاملا نقديا، لا ننبهر بها فنقلدها تقليدا اعمى ولا نغلق اذاننا وعقولنا دونها. بل نحاول التعرف عليها، نحاول تفكيكها وفهم سياق تطورها، فاذا وجدنا بعضها او كلها مفيدا لنا، عملنا على اعادة تركيبه ضمن الشروط الخاصة بثقافاتنا ومجتمعنا.
هذا هو الطريق الذي نتبعه في التعامل مع كل النظريات والمباديء والمفاهيم الجديدة.
فيما يخص «الليبرالية» فان فهمها مشروط بمعرفة الاطار الذي نتحدث ضمنه. قد نتحدث عنها في إطارها الغربي فنقول أن الليبرالية جيدة أو غير جيدة. لكن حين نتحدث عنها كموضوع قابل للجدل والتطبيق في بلادنا، فإننا نلحظ دائما إطار التعامل النقدي الذي اشرنا له انفا.
-        حسنا .. هل الليبرالية تنطوي على فضائل؟ أم لاتنطوي على أي فضيلة؟
الجواب: الليبرالية تنطوي على الكثير من الفضائل، أبرزها فضيلة الحرية، تحرير الإنسان، وتحرير جسده، تحرير روحه، وتحرير عقله. وهذا أصل في الخلق. خلق الله البشر أحرارا غير مقيدين بأي شيء حتى بالدين. ثم عرض عليهم الديانات، عرض عليهم المنهج، واعطاهم العقل الذي به يختارون هل ينتمون إلى هذا الطريق او لا ينتمون. قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ وقوله ﴿إِمَّاشَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ وفي الحديث المشهور «يولد أبن آدم على الفطرة». والفطرة هي حالة حيادية تنطوي على قابلية للإختيار والعيش. لكن إختيار دين معين أو ايديولوجيا خاصة يأتي في وقت لاحق. زبدة القول ان اهم مضمون لليبرالية هو تمجيد واعلاء قيمة الحرية الفردية، حرية الروح، وحرية الجسد، وحرية العقل. والحرية حسب اعتقادي أصل في الايمان.
الزاوية الثانية ان الحرية في المذهب الليبرالي قرين للمسؤولية. الفرد - عند اتباع هذا المذهب - مسؤول بشخصه عن كل أفعاله. لا احد غيره يتحمل مسؤولية افعاله. بديهي ان المسؤولية المباشرة للانسان هي المسؤولية المدنية، اي كونه مسؤولا عن اي فعل يقيم علاقة مع الافراد الاخرين. بكلمة اخرى فان الليبرالية لا تتحقق إلا ضمن مدينة حياتها منظمة بالقانون. الليبرالية لا توجد في الصحراء، ولا توجد في الغابة. من هنا نقول ان تعريف الحرية في المذهب الليبرالي مشروط بقانون المدينة، وهذا أيضاً أمر مقبول.
لا أريد الإطالة. ساذهب الى النقطة الأخيرة التي هي في العادة مورد الجدل. في الليبرالية الإنسان هو مبدأ كل شيء ونهايته، هو مصدر التشريع، مصدر الحق وهو معيار الحق والباطل. اظن ان هذه النقطة «الانسانوية» هي ابرز المبررات التي يطرحها الرافضون لليبرالية في المجتمعات المسلمة.
اعتقادي الشخصي ان الانسان الفرد يحظى بقيمة كبرى في الدين الاسلامي. لكني انظر للمقولة الليبرالية في هذا الخصوص بشكل انتقائي. من حيث المبدا ارى ان النظام الإجتماعي الإسلامي يقوم على اولوية الفرد وليس الجماعة كما هو شائع. بمعنى أن الفرد هو البداية وليس الأسرة أو الجماعة أو القبيلة. الخطاب الالهي موجه - بصورة اولية - الى الافراد. المسؤولية الاخروية/الدينية عما يجري في الدنيا تتعلق بالفرد. الفرد مطالب بان يختار ويلتزم بخياراته ويتحمل مسؤوليتها، بغض النظر عن خيارات الجماعة. هذا لا يطابق بشكل تام مفهوم (الفردانية =individualism ) المعروف في الادبيات الليبرالية، لكنه يقترب من جوهره الفلسفي.
الزاوية الثانية: ايهما مصدر الحق ومعيار الصواب والخطأ.. الفرد أم الجماعة؟
في هذا الجانب بنبغي التمييز بين مستويين. المستوى الاول يتعلق بالحقوق والتكاليف الاساسية الضرورية لضمان حياة البشر وكرامتهم. وقد اطلق الفيلسوف الانكليزي جون لوك عليها اسم «قانون الله» وتعرف في الفلسفة السياسية باسم «الحقوق الطبيعية» واميل الى تسميتها «الحقوق الفطرية». والمستوى الثاني يتعلق بالحقوق المدنية والتكاليف المترتبة عليها، الضرورية للحياة الجمعية المدنية.
ارى ان المستوى الاول يخضع لمعايير موضوعية فوق الفرد وفوق الجماعة، ونعتقد - كمسلمين - ان مثل هذه المعاييرالمتعالية يجب ان تكون سماوية، اي غير قابلة للتبديل والتعديل على يد الانسان. ومن بينها مثلا القيم الكبرى المطلقة مثل العدالة والحرية والمساواة والتراحم بين الناس. ومال عدد من المفكرين الاسلاميين الى تصنيفها كمستقلات عقلية، اي قيم متعالية تطلق دون الحاجة الى تدليل عليها، وقالوا ان مصدرها هو اجماع عقلاء البشر في مختلف الاماكن والازمنة على ضرورتها.
اما المستوى الثاني «الحقوق المدنية» فالجماعة هي من يضع معاييرها وطرق تطبيقها، شرط ان لا تؤدي الى التفريط في معايير المستوى الاول.
التصنيف السابق يتعلق خصوصا بحياة الناس الدنيوية، اي ما يصلح دنياهم. لكن ثمة - اضافة الى هذا - التزامات يختارها الناس في سياق علاقتهم بربهم، ونطلق على هذا المسار عنوانا عاما هو الايمان او التدين. وهو يتعلق اساسا باغراض ما بعد الدنيا. فهذا مجال لا علاقة لليبرالية ولا اي مذهب فلسفي اخر به. فهو خيار خاص للانسان لا يصح تحديده ولا الجبر عليه. وهو يصنف ضمن عنوان حرية التفكير والاعتقاد، الذي يندرج ضمن الحقوق الفطرية. بعبارة اخرى فنحن لا نسأل عما اذا كانت الليبرالية تتوافق مع الايمان ام لا، فهي في الاساس ضد الجبر والتحديد. اما اذا سألنا هل ثمة توافق بين الليبرالية والايمان فالجواب اننا لا نتعامل معهما كخيارات متقابلة. واذا وجدنا تقابلا فسوف نطبق مبدأ حرية الاختيار. بالنسبة لنا كمسلمين فسوف نختار ما هو اقرب الى ايماننا ورضا ربنا.
8)     إذا أردنا أن نطبق الليبرالية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية في الواقع هناك تفاوت في الحقوق بالفقه الإسلامي، مثلاً تفاوت الحقوق بين المرأة والرجل أو بين المسلم وغير المسلم، ومايعتبره البعض من ذاتيات الدين أو ضروراته، بحيث يصح القول أن تساوي الحقوق في الفكر الليبرالي يتعارض مع التعاليم الإسلامية، هل هذا الكلام دقيق؟
هنا تأتي أهمية علم الكلام. الأحكام الفقهية سواء تلك التي قال بها فقهاء معاصرون أو نقلوها عن أسلافهم، بل حتى تلك التي ورد فيها نص. غالب هذه الاحكام تنظيمية - سيما غير العبادية - هي اقرب الى معنى القانون الذي يستهدف تنظيم الحياة الجمعية وتداول المصالح بين الناس. السؤال الان: هل هذا القانون او ذاك نهائي، عابر للزمان والمكان أم أنه مشروط بموضوعه والمصالح التي استهدف تحقيقها. في هذا الجانب تحديدا فاننا نتحدث عن تأثر القانون بظروف الزمان والمكان وحاجات الناس المتغيرة.
لو ذهبنا لعلم الكلام ووضعنا فلسفة للنظام الإجتماعي تقول على سبيل المثال بأن للمسلمين في كل زمان من أزمانهم الحق في إعادة النظر في القوانين التي تحكم نظامهم الإجتماعي. حينئذ سيضع المسلمون المعاصرون يستجيب - من ناحية - للتحديات والاسئلة والحاجات الجديدة، ويستجيب - من ناحية اخرى - لمتطلبات الايمان. بعبارة اخرى فهم سيضعون القانون الذي يتناسب مع شعورهم بالانتماء الى هذا الدين. وبالتالي سيكون القانون إسلامياً بمعنى انتمائه للجماعة المسلمة وبمعنى تلاؤمه مع الشعور الديني عند واضعيه.
من زاوية اخرى، فانه من المهم القول ان الأحكام الفقهية - بما فيها تلك التي تحظى بالاجماع بين الفقهاء - ليست عابرة للزمان والمكان، وسأعرض بعض الامثلة لتوضيح الفكرة:
المثال الاول: اتفق فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم على أن المرأة لا تتولى المناصب السيادية، مثل منصب القاضي ورئيس الدولة والوزير. لانها - في رايهم - غير مؤهلة تكوينيا للوفاء بحاجات هذه المناصب. وهذه نظرية قال بها اولا الفلاسفة اليونان، ثم دخلت في الفكر الاسلامي وتحولت الى احكام فقهية.
نعلم الان ان كثيرا من الفقهاء تخلى الان عن هذا الراي، رغم ما يحفه من اجماع على امتداد التاريخ الماضي ورغم النصوص الكثيرة التي اختيرت لتبريره. من هذا نفهم أن الأنظمة " التي تصنع في الإطار الفقهي وتصبح أحكاما، هي قضايا تتفاعل في صياغتها مع حاجات الناس وأوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في كل زمان.
المثال الثاني: اتفق علماء المسلمين الماضين والمعاصرين على ان «الفائدة المشروطة» هي التي تضفي على التعامل المالي صفة الربا المحرم. لكننا نعلم ان شيخ الازهر السابق، محمد سيد طنطاوي والشيخ محمد مهدي شمس الدين وعدد اخر من الفقهاء، يطرحون قراءة مختلفة. طنطاوي مثلا يميز بين الفوائد المترتبة على القروض الاستهلاكية والاستثمارية، كما يبين بين الوادائع العادية وتلك التي تستهدف مباشرة العمران. وشمس الدين يدعو الى فهم حرمة او اباحة الفائدة ضمن منظور اوسع يتناول الحركة الاجمالية لراس المال في هذا الزمن مقارنا بزمن النص، اي الدور النسبي لكل من راس المال والعمل في توليد فائض القيمة. بعبارة اخرى فهو لا يرى ان الفائدة المشروطة بمفردها علة للربا المحرم. وان التحريم في زمن النص لا يؤخذ منفصلا عن السياق العام للنظام الاقتصادي ودورة راس المال في تلك الحقبة، وهي بالطبع مختلفة عن الحال القائم في زمننا.
مثال اخر يتعلق بالدية. فقد اتفق فقهاء المسلمين قديما وحديثا على ان دية المرأة والكافر تعادل نصف دية المسلم في القتل الخطأ. في ايران افتى عدد من الفقهاء بتساوي الدية، وتحول هذا الراي الى قانون بعد اقراره في مجلس الشورى.
هذه الامثلة وكثير غيرها تشير الى ان تغيير الاحكام الفقهية او تعديلها ليست امرا غريبا. ما نشعر به احيانا من جمود في الفقه هو ثمرة لضعف التفاعل بين الفقيه وبين الحياة الواقعية للناس. واظن ان ظروفا معينة تولد حاجات تدفع الفقهاء وعامة الناس الى مراجعة الثوابت والموورثات واستبدالها. هذا يعني ان التفاعل النشط، اي تبادل التاثير والتاثر بين الفقيه والناس سيفتح طريقا اوسع لتجديد الاحكام الشرعية.
9)     وبالتالي دكتور توفيق هنا يمكن أن نتكلم عن تاريخية النص الديني في سياقات معينة أو في زمان معين أو في مكان معين، وإلا هل هناك شيء آخر؟
تاريخية النص تحدث عنه بعض المفكرين مثل الاساتذة اركون وسروش وشبستري. لكني لا اميل للحديث عنه في هذه الفرصة المحدودة، ففيه تشعبات لا يسمح بها المقام. لكني سأشير الى مسالة مبدئية تلقي ضوءا اجماليا على الفكرة. تاريخية النص معناها ببساطة ان النص مجرد ظرف للرسالة التي في داخله، ما يريده الخالق منا هو الرسالة الداخلية التي تمثل قيمة ومعيارا جرى ادراجه ضمن النص او القضية التي يحكيها النص. بناء عليه فان الثابت والعابر للزمان والمكان هو القيمة والرسالة الداخلية التي عرضت في صورة نص او قضية يحكيها النص. النص بذاته والقضية بذاتها مجرد «ظرف» للرسالة، مثل اناء للطعام، وبهذا المعنى فانه ليس ضروريا اعتبار منطوق النص او القضية التي يحكيها دليلا نهائيا عابرا للزمان والمكان.
في الوقت الحاضر تتركز عملية الاسنتباط «الاجتهاد» على النص باعتباره هو - بذاته - البرهان والدليل. ولذا يقال ان النص الواضح متنا ودلالة والثابت سندا هو دليل قطعي. منذ زمن طويل اكتشف الفقهاء ان هذا القول المطلق بحاجة الى تحديد وتقييد، فوضعوا مثلا «سبب النزول» كامارة مقيدة او شارحة لمراد النص. ووضع الشاطبي وغيره المقاصد الشرعية في نفس السياق. وفي ايران المعاصرة ابتكر الامام الخميني فكرة «وزن المصلحة» في راي الفقهاء مقابل نظيرتها في راي العرف المتمثل في اكثرية نواب الشعب كدليل حاكم للاخذ بالراي الفقهي او رده. هذه كلها محاولات استهدفت تجاوز الاشكالية التي يثيرها القول باطلاق حاكمية النص الواضح.
لكن كما اشرت سلفا فان القول بتاريخية النص يتجاوز هذا كله ويستهدف جعل العقل الجمعي في كل زمان مصدرا للالزام الشرعي.
10) هل ترى ان الفكر والفقه الاسلامي الموجود بين ايدينا اليوم قادر على تجديد نفسه؟
لبحوث العلمية سواء في الفقه أو غير الفقه التي سارت على نفس النمط القديم، لا تأتي بأي جديد، هي تعيد إنتاج ماهو معروف ومالوف بصياغات جديدة احيانا. هذا اشبه بكتاب قديم يعاد نشره على الانترنت. الوسيلة الحديثة لا تغير من حقيقة ان الفكرة قديمة ومنفصلة عن زمنها. اما الافكار الجديدة التي نعرفها اليوم فهي ثمرة التفاعل الايجابي مع الاسئلة الجديدة، خاصة الاسئلة التي تتناول المسلمات المعتادة والموروثة، وهي ايضا ثمرة الفصل بين النص وما حوله من معارف وشروح واجتهادات بشرية.
11) هل تكمن المشكلة في أننا نعيد طرح الأسئلة لذلك نعيد إنتاج نفس الأجوبة؟
مشكلة الفكر الإسلامي التقليدي هو بحثه عن أجوبة قديمة لأسئلة حديثة، يعني السؤال يثار اليوم فيذهب الفقيه إلى كتب الفقهاء والمفكرين الذين ماتوا قبل 1000 سنه، أو 500 سنة. فكأنك تفترض أن هذا السؤال هو عينه السؤال الذي اثير في ذلك الوقت.
معلوم أن السؤال نتاج طبيعي لبيئته الثقافية والإجتماعية، اسئلة الناس تتغير بين زمن واخر لان ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تتغير، مستوى ونوعية معارفهم تتغير، وكذلك همومهم وانشغالاتهم. هذا ما يسمى في الهرمنيوتيك الفلسفي بالأفق التاريخي. فهم الافق التاريخي ضروري لوضع السؤال في اطاره الصحيح وبالتالي تحديد الجواب المناسب. اظن ان معظم اخفاقاتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية كانت نتاجا لاختلاط الازمنة في ثقافتنا العامة. ابسط الامثلة على هذا هو ماتسمعه دائما من استدلال باية او حديث نبوي او حادثة جرت في زمن ما، تساق للتدليل على سلوك يدعى اليه او العكس او تساق لتاكيد قيمة او نفيها، دون الاخذ بعين الاعتبار الافق التاريخي الخاص بالدليل واختلافه عن الظرف الذي نتحدث فيه.
12) البعض يعتقد أن الإيمان الحقيقي هو ثمرة إختيار حر غير قسري. ونعرف أن المجتمع الليبرالي يوفر الحرية الكاملة للناس كي يؤمنوا بمن شاؤا، فهو يعتبر العقائد حقا شخصيا لا يجوز للمجتمع او الدولة استعمال الجبر والتحديد القسري فيه. هل ترى ان هذا الظرف هو الامثل لتحقيق الايمان؟
هذا رأي آية الله محمد مجتهد شبستري، وهو أستاذ فلسفة في إيران، فهو يرى أن النظام الليبرالي ديمقراطي هو النظام الذي يوفر فرصة لحياة دينية سليمة، بمعنى أنه يمكن الإنسان من إختيار طريقه ومعتقده، يمكنه من ممارسة عباداته دون قلق او حرج، او حاجة للتبرير للآخرين أو أو خوف منهم.
شعور الإنسان بأنه حر حرية كاملة في إختيار طريقه الديني يجعله أقرب إلى معرفة الله عز وجل، أقدر على فهم علاقته الخاصة والشخصية بالله عز وجل.
التدين في ذروته طريق يسلكه المؤمن إلى الله عز وجل، تواصل روحي واندماج للذات في حب المطلوب المعبود. وبهذا التعريف فهو تجربة شخصية تتوقف على تحرر القلب والعقل من الضغوط الخارجية، سواء ضغط الثقافة أو ضغط المادة او ضغط الأسرة أو ضغط الدولة أو غيرها.
13) كيف يتعين علينا قراءة الإنسان اليوم، على نحو يجلي مبدأ إحترام النفس الإنسانية، وعموماً ماهي في تقديرك المبادئ التي تقرر احترام ارواح الناس وتجنب اللجوء للعنف؟
خلال دراستي لمبدأ «العقد الإجتماعي» «نشرت لاحقا ضمن كتابي رجلىالسياسة» واجهتني بعض الاسئلة التي اظنها اساسية، أحدها يتعلق بمكانة الفرد ودوره ضمن النظام الاجتماعي. العقد الإجتماعي يقوم على فكرة أن أفرادا أحرارا متكافئين قد أتفقوا على النظام الذي يحكمهم، فهل يستطيع الفرد بمفرده أن يقرر ماهو صالح له أو غير صالح، هل الفرد - من حيث المبدأ - مؤهل لهكذا دور؟. هذا السؤال قادني لسؤالين آخرين اولهما: هل يملك الإنسان نفسه؟ هل يملك جسده؟ هل يملك روحه ام لا؟
إذا قلنا بأن الإنسان يملك نفسه فكل سلطة عليه من الخارج هي بغي وعدوان، لأنها تنطوي بالضرورة على تصرف في ملك الغير. لو دخل احد بيتي دون اذني، فان القانون يعتبره عدوانا على ملكي، بنفس المبدأ لو كنت أملك نفسي وتدخل آخر في حياتي ايا كان مبرره فهو إعتداء على ملكي، الا اذا حصل مسبقا على موافقتي.
السؤال الثاني: هل يستطيع الإنسان الفرد وتالياً الجماعة «العقل الجمعي» أن يكتشف الحقيقة، أي هل للحقيقة وجود موضوعي خارجي، قابل للإدارك من جانب العقلاء العاديين.
إذا قلنا نعم.. فإن المجتمع الفرد والمجتمع قادرون على تشخيص المصالح والمفاسد، لأن المصلحة والمفسدة هي حقائق موضوعية، إذا كانت قابلة للإدارك فإن الناس قادرون على تشخيصها. اهمية هذا الكلام تكمن في حقيقة ان وظيفة الدولة والنظام الاجتماعي بمجمله ليس سوى ترتيب المصالح والمفاضلة بينها وتحديد اولوياتها،
أي تقديم مصلحة وتأخير أخرى، إذا قلنا ان الناس قادرون على إدراك الحقيقة وبالتالي تشخيص المصالح والمفاسد، فهذا يعني انهم مؤهلون لتعريف وانشاء نظامهم الإجتماعي، وإذا قلنا بأن الإنسان يملك نفسه فهذا يعني أنه هو مصدر السلطة على نفسه، يعني هو يختار من يرأسه وليس لاحد ان يفرض نفسه عليه دون رضاه.
وجدت كثيرا من الأدلة في الفقه مثلاً تؤكد ملكية الإنسان لنفسه وابرزها القاعدة الفقهية المعروفة بقاعدة السلطنة، والتي تستند الى بناء العقلاء وروايات فحواها ان الناس مسلطون على ما تحت ايديهم. وهذه من القواعد الراسخة في الفقه الإسلامي، ويستدل بها كثير من الفقهاء على ملكية الإنسان لنفسه ويستفيدون منها مثلاً في موضوع نقل الأعضاء، عند السؤال هل يجوز للإنسان التبرع بأعضائه، يقول كثير منهم بالجواز لان الانسان يملك جسده. وقد اعتمدت على هذه القاعدة في تطوير الراي الذي جادلت دونه، اي ان سلطة الانسان على نفسه تامة لا يجوز مزاحمتها او نقضها دون رضاه.
كذلك الامر في النقاش حول موضوعية الحقيقة. ثمة نقاش واسع في الفلسفة الإسلامية حول هذه المسألة، وقد وجدت ان كثيرا من الفلاسفة والاصوليين المسلمين يذهبون هذا المذهب، ولهم فيه ادلة متينة. زبدة القول ان المبدأ الاساس في تحديد قيمة الانسان يتالف من جزئين اولهما هو الاقرار باستقلاله وسلطته على نفسه وعليه نبني القول بعدم قسره او فرض سلطة عليه دون رضاه، والثاني هو ان تحديد القيم والالزامات وفرضها على الناس لا يصح الا بتوافقهم على ذلك. دعوى ان الفقيه او الشرع بشكل عام حدد قيما غير قابلة للادراك واجاز فرضها على الناس دون رضاهم هو قول لا يسنده دليل. وبالتالي فانه ليس لاحد ان يضع قيمة للناس، يرفعهم او ينزلهم، يجبرهم على شيء او يمنعهم من شيء استنادا الى دعوى امر شرعي او مصلحة، لانهم قادرون تشخيص المصالح وهم المكلفون بهذا الامر
14) يبدو لي ان هناك نوع من الصراع بين رجل الدين وبين المثقف الديني، هناك نقاشات عديدة تنطلق بينهما عن مرجعية التمثيل الديني، والقدسية المتوهمة لرجال الدين، ماهي الخلفيات التاريخية أوالأيديولوجية التي تحكم هذا الصراع الذي دائماً نجده في الأدبيات؟
انا لا أجد أي خلفيات تاريخية ولكن هناك دوائر مصالح أو انظمة مصالح مختلفة. رجل الدين، سيما رجال الدين الذين تعلموا ويمارسون العمل ضمن المدرسة الفقهية في فهم الدين، يختلفون في خطابهم الديني وفي دوائر تاثيرهم الاجتماعي وفي انشغالاتهم الحياتية عن تلك الشريحة من العلماء والمفكرين الذين يسعون لفم شامل، او ما نسميه فهم ديني - انساني للدين. الفريق الاول مشغول بالتاكيد على المظهر الديني للحياة، مشغول بالتزام الناس بتفاصيل الاحكام الفقهية. اما الفريق الثاني فهو منشغل بعمران الارض ونهوض الامة وقوتها وتقدمها ومستقبلها. بعبارة أخرى ينطلق الفريقان من هموم مختلفة ويقومون بأعمال مختلفة مثلاً رجل الدين الذي يعمل في الإطار الفقهي عمله الدعوه، والدعوة تحتاج إلى تقديم أجوبة بسيطة وفيها قدر كبير من العموم، تستهدف تطمين الناس والمحافظة على الجماعة، بينما عمل المفكر يستهدف إثارة الأسئلة ودحض الأجوبة وتفكيك حلة السكون والإطمئنان.
اختلاف الخطاب والهموم يؤدي بالضرورة الى اختلاف دوائر النفوذ ومحاور التركيز وبالتالي المواقف من الاحداث والقضايا الاجتماعية. نحن إذا إزاء دائرتي مصالح «دائرتي عمل مختلفتين» هذا هو السبب.
15) اظن ان تجديد الفكرة الدينية يحتاج الى تنشيط الحوار بين الفلسفة والفقه والدين، وارى ان هذا الحوار قد توقف لزمن طويل. هل ترى فرصة لعودته في الوقت الحاضر؟
بحسب معلوماتي وهي قليلة، ثمة عودة الى الاهتمام بالفلسفة في المدارس الدينية وبين المفكرين. بنظرة عامة استطيع القول ان هذا لازال صغيرا في مساحته وفي نوعية القضايا التي يطرحها للنقاش. في ايران هناك حسب علمي مجلتان متخصصتان في الفلسفة الجديدة، وهناك عدد من الأساتذة الأكاديميين الذين يركزون أهتمامهم على نظرية المعرفة والفلسفة الحديثة ويمارسون نقداً منتظماً للفلسفة القديمة والمعرفة الأفلاطونية، التي لا توال هي السائدة المدارس الدينية عموما. كثير من الطلاب الجدد في «الحوزة العلمية» جاؤوا من الجامعات، ولديهم انشغالات ذهنية مختلفة عن المعتاد في الحوزة، وهم يستمعون جيداً للجدالات الفلسفية الجديدة في ايران، سيما وان قيام الدولة الدينية كشف عن نقاط ضعف جوهرية في الخطاب الديني والفقهي التقليدي. لاحظت ايضا ان بحوث الفلاسفة والمفكرين الجدد تحظى باقبال كبير جدا، وهؤلاء يطرحون نقاشات مثيرة للاهتمام.
لذلك لدي امل بأن ماسيأتي سيشهد عودة الجدل والنقاش، والتلاحم النقدي بين الفكر الديني والفلسفة الجديدة.
16) هل الأساليب المستمدة من الدين كافية لتسيير المجتمع المعاصر والدوله الحديثة؟
هذا يعتمد على تعريف الدين الذي تعنيه. اذا كنت تعني «الرسالة العلمية» اي مجموعة الفتاوى التي يصدرها الفقيه لمقلديه، او كنت تقصد الكتب المدرسية فهي بالتاكيد لا تكفي لتسيير قرية فضلاً عن دولة.
لكن إذا تحدثنا عن الدين في المعنى الواسع فالجواب مختلف. اقصد بالدين الذي يسير الحياة عنصرين متفاعلين: القيم العليا التي قررها او اقرها النص الديني، والاجتهادات يقوم بها المسلمون كرد على الاسئلة والمشكلات والتحديات التي تواجه حياتهم.
التحديات التي نواجهها كبشر هي نتاج عملنا وهي لهذا السبب ليست فوق قدرتنا على الاستجابة وتقديم الحلول. ما يميز المجتمع المؤمن عن غيره ليس استجابته للتحديات بل مضمون ومدى تلك الاستجابة. كمثل على ذلك فان القيم التي يتبناها المؤمنون تمنعهم من قتل الناس والاستيلاء على املاكهم كي يحلوا مشكلاتهم الاقتصادية، تمنعهم من تدمير الارض لزيادة ثرواتهم.
انا من القائلين بعدم وجود ارتباط ضروري او سببي بين الدين والحضارة. يمكن للبشر ان يديروا انفسهم ويقيموا حضارتهم مع الدين او بدونه. الفارق الذي يصنعه الدين هو ان الحضارة المتوافقة مع الايمان ستكون اكثر انسانية واقل كلفة.
من نفس المنطلق اقول ان عودة الاسلام الى الحياة مرهون باقلاع الانسان المسلم من حالة الانفعال والاستهلاك الى حالة الفعل والانتاج. هذا لا يحتاج الى المزيد من الالتزام بالاحكام الفقهية او استذكار التاريخ كما يفعل بعضنا اليوم، بل يحتاج الى تعزيز دور العقل النقدي وتعزيز قيمة الفرد وتعظيم قيمة العلوم واصحابها والخروج من سجن التاريخ وجدالاته العقيمة والتخلي عن حالة الخوف من العالم وتعزيز الثقة بالذات والمستقبل.
لدي ايمان راسخ بان الجيل الجديد من المسلمين لديه القدرة على ابداع الحلول لكثير من مشكلاتنا الموروثة والجديدة. ونحتاج الى تمكين هذا الجيل من الامساك بازمة الامور، اي تحريره من القيود الذهنية والروحية التي وقعنا فيها واعتدنا عليها.
17) اشرت الى هيمنة التاريخ على تفكيرنا. هل هذا يعود الى ماوصفه د. محمد اركون بالمخيال العربي الذي يرى الحق والنجاة في القديم دون الحديث ام ان هناك اسباب اخرى؟
صورة ذات صلة
محمد اركون
واقع الحال أننا نقدس الماضي، ننظر إليه كحالة متعالية، وننظر إلى أنفسنا وواقعنا بشيء من الإستصغار. لا أعلم السبب وراء هذه المقارنة السقيمة بين الماضي والحاضر. ربما تكون أسبابه نفسية، أو حالة التخلف التي نشعر أننا شركاء في المسؤلية عنها، أو ربما شعورنا بالضعف في مواجهة التحدي الأجنبي. ايا كان السبب، فنحن سجناء في تاريخنا ويجب أن نتخلص من هذا السجن. هذا سجن للعقل، فيجب أن نكسر هذا السجن. كي نرى واقعنا كما هو. اول خطوة نحو المستقبل هي الادراك الصحيح لواقعك الفعلي كما هو وليس كما تتصوره او كما خيل اليك.
18) منذ فجر الإسلام أنقسم المسلمون إلى مذاهب وطوائف، ماهو الأساس في هذا الإنقسام؟ وماهي نظرتك حول مسألة المذهبية في الإسلام؟
الإنقسام في المجتمعات هو نتيجة طبيعية للتطور الثقافي والإجتماعي، حينما يتطور الإنسان يكتشف مفهوم الملكية ويكتشف دائرة المصالح الخاصة به، أو التي هو شريك فيها، اود الاستشهاد براي الفيلسوف المعروف جان جاك روسو الذي قرر ان اكتشاف مفهوم الملكية هو الذي تباين المصالح ومن ثم انقسام الناس وتنازعهم. وبالمناسبة فان معظم النظريات المثالية «اليوتيوبية» حاولت تقديم حل للنزاعات بفرض مساواة قسرية في الملكية. لكن هذا خلاف الطبيعة البشرية.
الإنقسام لازم من اللوازم الطبيعية في النمو والتقدم الذي يحدث في المجتمعات، لكن التعامل مع هذه الإنقسامات هو الذي يميز بين مجتمع العقلاء ومجتمع الجهلة.
مجتمع العقلاء يحترم الإختلاف والتمايز وينظر اليه كجزء من الواقع الإعتيادي للحياة. التمذهب كان موجودا في الإسلام منذ البداية. وكانت المذاهب اشبه بانحيازات سياسية او مدرسية داخل الإسلام، ولم تكن طوائف او تكوينات اجتماعية متباينة ومستقلة. التطور الذي حدث منذ القرن العاشر الميلادي، اي في المرحلة الاخيرة من حكم العباسيين، هو أن المدارس تحولت إلى طوائف، وهذه الطوائف تحولت إلى أنظمة إجتماعية مغلقة تحاول الإستئثار بالموارد المادية في الأرض التي تقيم عليها وتقصي الطوائف الأخرى.
في هذا اليوم لا ارى الدعوة إلى الوحدة او الغاء المذاهب والطوائف امرا مجديا او ممكنا. البديل الصحيح هو الدعوة إلى التسامح أي إلغاء الجدران الفاصلة بين الطوائف والإنغلاقات الثقافية التي تبرر انفصالها الاجتماعي والسياسي. يمكننا التعامل مع الاطياف والطوائف كانظمة اجتماعية طبيعية اعتيادية تؤكد التنوع، شرط ان نجعلها منفتحة على بعضها. هذا في ظني سيعيدها الى حالتها الاصلية كمدارس او انماط حياة مختلفة لكن غير متعارضة.
19) هل النظام الديمقراطي القائم على المساواة في المواطنة والتعددية والحقوق هو الحل للأزمات الطائفية في العالم؟
لا شك أن الديمقراطية هي نظام الحكم الأمثل في هذا الزمان، الديمقراطية هي أحد منتجات الإنسان الكبرى والمهمة وهي مقبولة منسجمة مع القيم الكبرى في الدين الإسلامي، وفي الأديان الأخرى.

يجب أن نتعامل مع هذه الفكرة ونطورها، أن نحاول تنسيجها ضمن شبكتنا الثقافية الخاصة، قد نعترض على جزء هنا أو جزء هناك، لكننا لا نرفضها بشكل كلي، ربما نعدل مانراه غير قابل للملاءمة وهذا امر طبيعي ومقبول. لكن في الاساس، ارى ان التقدم نحو الديمقراطية، سيما في نسختها الليبرالية، هو الحل الجذري للنزاعات الطائفية والعرقية والقومية، التي تتصاعد وتتعمق في ظل الاستبداد وهيمنة التقاليد القديمة البائسة.

01/09/2012

حوار على قناة فور شباب حول التوتر في القطيف

مقابلة حول التظاهرات والعنف وبيان العلماء والحلول المقترحة للمشكلة الطائفية
برنامج حراك
المتحدثون : د. محمد السعيدي  . د. توفيق السيف . المقدم : د. عبد العزيز قاسم 
31 اغسطس 2012 


http://www.youtube.com/watch?v=FI1aUW6beao&feature=youtu.be

03/08/2011

توفيق السيف مع د. الهتلان في حديث الخليج


الكاتب والمفكر السعودي الدكتور توفيق السيف يؤكد في برنامج حديث الخليج أن "الربيع العربي" ظاهرة جديدة متصلة بما قبلها، ويوضح أن التغيير حتمي لأنه حتى الثورات التي فشلت قديما استطاعت أن تغيّر. ويرى أن السياسة هي التي تعيق التوجه نحو الحداثة أكثر من مواقف التيارات الدينية. ويقترح تكوين كتلة إصلاحية تتعاون مع الحكومات والنخب على المستوى الخليجي لتوضيح طريق مناسب للإصلاح التدريجي.




Saudi writer and thinker, Dr. Tawfeek Al Saif confirms in Gulf Talks that the "Arab spring" is a new phenomenon related to what came before it, illustrates that change is inevitable for even the revolutions that failed was able to change. He believes that it is politics that hinder the move towards modernity over the positions of religious trends. Cluster configuration and suggests reform to work with governments and elites on the Gulf to clarify the appropriate way for the gradual reform.

تسجيل المقابلة على يوتيوب 

نص المقابلة 
نقلا عن "شبكة راصد الاخبارية 26 / 8 / 2011م  www.rasid.com

قال المفكر السياسي الدكتور توفيق السيف ان دول الخليج ليست في منأى عن تأثير الثورات العربية وأن السعودية مضطرة لاجراء اصلاحات سياسية "كبيرة جدا ومؤلمة.. وإلا فقد تواجه انهيارا شاملا".
واشار في لقاء سابق على "قناة الحرة" ان دول الخليج ليست في منأى عن الربيع العربي "وقد تأثر الخليجيون جدا بهذا المناخ".
وشدد السيف خلال برنامج "حديث الخليج" الذي يعده ويقدمه د. سليمان الهتلان بأن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تغير بعد الثورة التونسية ولن يعود إلى سابق عهده.
 نص اللقاء:
 في مقال لك نشر في جريدة عكاظ "عن اللبرالية وتوق الانسان للتحرر" في 02/12/2010 ، تقول في مقدمته "لو أردنا ان نلخص تاريخ الانسان منذ بدايته وحتى اليوم في جملة واحدة لقلنا انه كفاح لاجل التحرر والانعتاق" هل هذه الجملة كافية لتلخيص الثورات العربية المعاصرة؟
 هي كافية لتلخيص تاريخ البشر كله. اعتقد حقيقة الانسان منذ طفولته بشكل غريزي وطبيعي يسعى للتحرر من القيود التي تقيده، الفقر والجهل والمرض والطغيان السياسي كلها قيود تقيد حركة الانسان، اذا تعلم الانسان يتحرر ، اذا استغنى يتحرر ، اذا تخلص من الطغيان السياسي يتحرر. الانسان يسعى الى الانعتاق. يسعى الى اخراج افضل ما فيه. يسعى الى تجاوز قدراته ، حدوده الجسدية ، قدراته المادية. الانسان بشكل دائم هو اكبر من حجمه الجسدي،  اكبر من حجمه المادي. والانسان يسعى الى بلوغ ذلك الحجم الحقيقي ، الذي هو اكبر من الحجم المادي البشري. الكشوفات ، الاختراعات ، السفر ، تعلم التجارب ، اللغة ، الصراعات ، الحروب ، السعي الى المال ، كلها محاولات للخروج من الحدود الضيقة التي هو فيها ... الانعتاق والتحرر.
 نعم ولكن اذا طبقنا هذه المقولة على ما شهده الشارع العربي في الاشهر الماضية هل هناك اسباب فكرية غير البعد الاقتصادي الذي نتحدث عنه الكثير كتحليل سياسي لما يحدث اليوم في الشارع ما هي في ظنك ابرز المسببات او التراكمات التي قادت ما نشهده اليوم من حراك؟
 انقل عن استاذنا الدكتور تركي الحمد كلاما خلاصته - واظن ان اصله ذكره جان جاك روسو المفكر الفرنسي المعروف - ان الفقر بمفرده لا يفجر ثورة، هنالك الملايين من الفقراء لا يسعون للثورة ، ولكن الاحساس السياسي بالفقر ، يعني شعور الانسان ان هذا الفقر هو جزء من بنية النظام ، وانه لا يمكن ان يتخلص من حالة الفقر مع وجود هذا التنظيم السياسي الذي يعيش في ظله، هذا هو الفقر الذي يفجر الثورة . مجرد وجود الفقر لا يفجر ثورة . لذلك اقول ان وجود الفقر في العالم العربي، انخفاض المستوى المعيشي لم يكن بمفرده كافيا لتفجير الثورة، شعور الناس انهم يستطيعون تغيير حالهم ، وكون هذا النظام يمنعهم من تغير حالهم بانفسهم ، يعني بحسب تعبيرنا لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل عليك، هذا الذي يجعلهم يشعرون ان الفقر مشكلة سياسية وليست اقتصادية.
 نعم لكن في بعدها كظاهرة وبعدها الفلسفي ، انت قلت لي الربيع العربي باعتباره ظاهرة ، ماهي هذه الظاهرة وكيف نفسرها؟
  نحاول ان نصف ما يحدث هنا ، ويمكن ان نختلف في تفسيره مع اخرين.  لكن الحركات الاجتماعية والتحولات الاجتماعية هي عبارة عن ظواهر تحل محل النسق العام الساكن . على سبيل المثال منذ 1974 الى 1979 كان لدينا الظاهرة الاسلامية ، الاسلام السياسي ، بداية بما نسمية الصحوة الاسلامية الذي بلغت ذروتها مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران سنة 1979. هذه الظاهرة استمرت ثم بدأت تنزل حتى 1991 واحتلال الكويت ، حيث بدأت ظاهرة جديدة . في بواكيرها صغيرة محصورة على النخبة ، وهي محاولة طرح اللبرالية كبديل عن الاسلام السياسي، طبعا ليس عن الاسلام كدين بل عن التصور السياسي للاسلام الذي كان مطروحا في الثورة الاسلامية في ايران وما جاء انعكاسا لها. بعد 2001 والهجوم على نيويورك ، ثم بعد 2003 بشكل محدد ، بدأت محاولة التخلص من اعباء الاسلام السياسي. كان لدينا بديل هو اللبرالية التي تتمثل بشكل ملخص في الحريات المدنية والشخصية والمشاركة الشعبية والانتخاب كوسيلة لنيل المشروعية السياسية. وكان لدينا شعور بالحاجة للخلاص من عبء فحواه اننا كلنا مجبورون ان نكون سياسيين اسلامين لانا مسلمين.
 يعني ان هذا المشروع كان سيد المشهد في وقت من الاوقات وكانوا هم من يقود الحدث بهذا الخطاب..
 المشكلة ان كل واحد بدا يشعر انه حتى يصبح متدينا حقيقة او مسلما حقيقة ، يجب ان يؤمن بالمنظور السياسي الذي طرحه التيار الاسلامي وسمي بالاسلام السياسي. منذ 2003 بدأ الناس يتخلصون من هذه الملازمة، يعني بدأ بعض الناس يشعر انه قادر على ان يكون متدينا جدا وليبراليا جدا. لا يشعر بالتناقض بينهما فأصبحنا نستطيع ان نتحدث عن الحرية باعتبارها قيمة مستقلة عن الديموقراطية ، باعتباره مبدأ مستقلا لا يتناقص مع الاسلام ، ولا نشعر بالحاجة الى تبربر عدم تعارضه مع الاسلام، اما الربيع العربي فهو ظاهرة جديدة متصلة بحد كبير بما قبلها.
 هذا السؤال الذي كنت اريد ان اطرحه كان البعض مثلا من التيار المسمى بالصحوة الاسلامية ربما يريد ان يزعم انما حدث هو من تراكمات خطابه السياسي والاسلام السياسي هيأ لها.  في المقابل ايضا دعاة الديموقراطية والليبرالية في المنطقة يقولون هذا حصادنا ، بينما ربما مراقب اخر يقول الربيع العربي ورواد الربيع العربي وبداياته وانطلاقاته ورموزه ، ربما هو خارج عن هذين الحراكين ، بمعنى انه بين قوسين (الشارع العربي خرج ليعبر بتلقائية عن رغبته للتحرر من قيود الفقر والاستبداد.... الخ) اليست انتهازية من بعض التيارات انها تزعم انها كانت المسبب لربيع العربي؟
 اظن انهما سؤالان مختلفان. سؤال: هل كان الربيع العربي حركة شعبية؟ نعم هو بالطبع حركة شعبية متأثرة بمجموع التنظيمات السياسية والاعمال السياسية اليسارية واللبرالية والاسلامية، لابد انها كانت متأثرة.  وهل هذه التنظيمات هي التي حركت الشارع العربي؟. انا اظن لا ، ليست هي التي حركت الشارع العربي. ولو كانت هي التي لاستطاعت أن تتنبأ انه سيحدث. لكننا نعلم ان احدا لم يتنبأ. احد اصدقائي كان في سبتمبر او في نوفمبر 2010 يعني قبل انتفاضة تونس بشهرين ، كان في اسطنبول ، والتقى هنالك الشيخ راشد الغنوشي الزعيم الاسلامي التونسي ، فوجده محبطا جدا ، يعني يشعر ان الوضع في تونس لا امل فيه. يعني قبل شهرين من الثورة لم يكن يتوقع ثورة ، لا بل ويعتقد ان الثورة مستحيلة. هذا مثال ، والاستاذ الغنوشي هو من الرجال الصادقين .
 اذا كان الغنوشي قبل شهرين لم يتوقع ، لكن الا تعتبر امثال راشد الغنوشي ، الاسلام السياسي ، حتى التيار الليبرالي ، تعتبر فعلهم التالي انتهازية سياسية ، اي قطف ثمار جهد الشباب الذين ضحو بدمائهم في الشارع؟
 هذا هو السؤال الثاني : حينما تحدث ثورة شعبية او حين يظهر مركز استقطاب او نقطة استقطاب والثورات الشعبية من نقاط الاستقطاب الهائلة الكبيرة جدا ، فان كل الناس يتجهون الى هذا القطب ، يتجهون اليه لانهم يريدون تغير المسار الذي اعتادوا عليه. يعني اعتقد مثلا ان الاخوان المسلمين في مصر اليوم مختلفين عن الاخوان المسلمين قبل الثورة سياسيا وثقافيا. ربما اشخاصهم وتنظيماتهم هي نفسها ، ولكن توجهاتهم وسياساتهم ستكون بالقطع مختلفة كذلك حركة النهضة في تونس ستكون مختلفة تماما عن تلك التي سادت في المشهد قبل الثورة لان الثورة كنقطة استقطاب تجبر الانسان على ان يتخذ موقفا جديدا. واذا اتخذ الانسان موقف جديدا فسيشعر هو بالحاجة الى تبريره ثقافيا. وسيغير ثقافته تبعا لهذا. اريد فقط ان اشير الى نقطة عكسية نتحدث عنها احيانا. ربما نظن ان الانسان يغير افكاره ثم يغير مواقفه ، ثم ينتهي الى جهة او يبتعد عن جهة. الصحيح هو العكس . حينما توجد نقطة استقطاب ، تجبر الناس على تغيير مواقفهم ، فإذا غيروا مواقفهم ، سيشعرون بالحاجة الى تبرير ثقافي ، فيغيرون ثقافتهم. تغير الواقع هو الذي يغير المواقف وليس العكس. هذا ما يحدث في السياسة في الاغلب.
 البعض بما اننا نتحدث عن الظاهرة ، ينتقد هذه الظاهرة ويشكك في الربيع العربي بإعتبار انه لا توجد قيادات شعبية لهذا الحراك ماذا تقول انت؟
 احيانا نحتاج الى قائد واحيانا نحتاج الى فكرة قائدة، الفكرة القائدة تفرز لنا قادة يمكن ان يكون بعضهم جيدا وبعضهم غير جيد. بعضهم يواصلون وبعضهم يسقطون. الافكار القائدة تنتج قادة. ولا شك ان مصر اليوم ستنتج عشرات من القادة الذين لم نعرفهم ابدا من قبل شهرين او ثلاثة اشهر. ربما لا يزال الوقت مبكرا لإكتشافهم جميعا واحدا واحدا ولكن. نذكر مثلا قادة الثورة الاسلامية في ايران 1979 من كان يعرفهم؟. لا احد يعرفهم، قادة العراق قبل 2003 من كان يعرفهم؟ الثورات ، الافكار القائدة ، تنتج قادة ولكن اعطيهم وقت قليل وستعرف الكثير منهم.
 ما هو مقياس نجاح الثورة؟
  تحقيق اهدافها الاساسية. الهدف الاساسي بالنسبة الى ثورة مثل ثورة مصر وتونس هو جعل الشعب سيد الموقف. اذا اصبح الشعب هو الحاكم ، يعني اصبحت الحكومة ممثلا حقيقيا للشعب ، ستكون قد نجحت.
 لكن لابد للثورة ان تنجح؟
 لا ، بعض الثورات لا تنجح ، ولكن الثورة تحدث فرقا. يعني حتى الثورات التي فشلت مثل ثورة طلاب 1968 في فرنسا لم تستطع تغير النظام السياسي لكنها غيرت فرنسا كلها، غيرت ثقافة الفرنسيين غيرت النظام الاجتماعي....... ساعدت على خروج فرنسا من وضعها كدولة استعمارية، على سبيل المثال الثورات تغير، ثورة تيان مينج في الصين غيرت كثيرا داخل الصين لكن بقي الحزب الشيوعي حاكما.
 نعم وهذا يقود الى سؤال. هنالك البعض في الاعلام العربي على الاقل ، يريد ان ان يختزل الثورة او الربيع العربي في بعض الفوضى التي نشهدها في الشوارع العربية ، في بعض المظاهر التي لم تكتمل ، وكأن الثورة لابد ان تحقق نظام ديمقراطي بين ليلة وضحاها ، وبالتالي نتخلص من ارث اربيعن خمسين سنة من الاستبداد؟
 الذي اراه ان هناك صراع على الرموز، في مصر مثلا يريدون ان يحاكم حسني مبارك لان وجود حسني مبارك يمثل الوجود الرمزي لنظام عمره ستون عاما، يتمثل في وجود الجيش في السياسة وجود قادة الجيش كحكام على هذا الشعب. هم يريدون ان يحاكموا هذا الرمز ، هذه الفكرة ، هذا الزمن الذي يختفي وراء هذا الرمز.. اليمن مثلا يريدون خروج علي صالح ، مع انهم سيقبلون بالتأكيد باشخاص كثيرين من معاوني علي صالح ، لانهم يريدون ضرب الرمز ، يريدون التخلص من مشروعية لا تنتمي الى الحاضر ، مشروعية قديمة. ما حصل في تونس من الرغبة في محاكمة بن علي او طرد بن علي وعائلته، كذلك هي محاولة لتصفية رموز.. هنالك الان ما يمكن ان نصفه بالحرب على الرموز ، لان الناس فعلا تريد ان تشعر بالخلاص تريد ان تشعر انها استراحت من الماضي في الحاضر.
 ولكن في المقابل هنالك من يخشى ان تتحول  فكرة الثورة الى انتقامات شخصية فردية، بمعني انه ماذا نتعلم كمجتمع من الثورة؟. كيف يمكن ان تؤثر على قناعاتنا ، على تفكيرنا ، على رؤيتنا ، على مفاهيمنا. المفروض ان الثورة تدعمها ديمقراطيا.  ما الذي يمكن ان نستفيده كجماعات من ما نسميه اليوم بالربيع العربي؟
 اذا اردنا ان نفكر بشكل مثالي، حتى المجرمين السابقين هم جزء من الشعب ، ويجب ان يتمتعوا بنفس الحقوق التي يتمتع بها باقي الشعب. لكن من الناحية الواقعية هم لا يقبلون بهذا الشيء ، هم لا يقبلون ان يكونوا من هذا الشعب ، يريدون دوما ان يكونوا سادة وفوق القانون، لذلك قد يشعر الانسان بتعاطف. انا شخصيا اشعر بتعاطف مع من يريدون تصفية النظام القديم بكل رموزه واشخاصه مع انه على المستوى النظري هم جزء من الشعب ولهم حقوق كما للثوار حقوق.
 ايضا هو ليس بتبرير لكن اليس هؤلاء نتاج ثقافة اجتماعية وسياسية وفكرية سادت في العالم العربي على مدى مئة سنة؟
 على أي حال هم جزء من الشعب ، والشعب يستمد حقه في المشاركة من كونه مالكا لهذه الارض ليس لانه جيد او سيء حتى الشعب السيء هو يملك الارض لذلك هو له الحق في اتخاذ القرارات والمشاركة بالقرارات التي تتعلق بأرضه حتى لو كان فاسدا ، حتى لو كان عميلا ، حتى لو كان لصا. حقوق الناس في المشاركة السياسية مستمدة من كونهم مالكين لارضهم ، وليس من كونهم جيدين او سيئين، الذين حكموا هذه السنوات وكانو سيئين هم جزء من الشعب الذين يملكون ارضه ولهم نفس الحقوق. هذا في التصور المثالي.
 لكن المؤكد ان اليوم العالم العربي تغير ، لم يعد مثلما كان قبل خمسة سبعة اشهر؟
 ما بعد ديسمبر 2010 لن يكون مثل ما قبل ديسمبر 2010 . هذا شيء قطعي بلا جدال ليس فقط العالم العربي بل الشرق الاوسط ككل.
 الدكتور توفيق السيف في 2 مارس 2009 القيت محاضرة عن الديمقراطية في الاسلام في منتدى سيهات الثقافي. لديك ايضا كتاب اسمه الديمقراطية في بلد مسلم . السؤال لمذا ننشد الديمقراطية في الدول الاسلامية، يعود الى سؤال قديم هو الاسلام والديمقراطية؟
 التراث السياسي في الاسلام فقير جدا. حين تقرأ في كتب التراث الاسلامي ، بما فيها الكتب التي كتبت في السنوات الاخيرة ، تجد ان تصورها للسياسة تصور بسيط جدا. فهي تلخص الدولة في الحاكم. دائما يتكلمون عن صفات الحاكم ، عادات الحاكم ، كيفية انتخاب الحاكم. لا يفكرون في الدولة كمؤسسة ، ولا يفكرون في البلد ، في المجتمع السياسي كمنظومة. في الوقت الراهن نحن لا نفكر في الحاكم ،ولا يهمنا الحاكم. نحن نتحدث عن نظام سياسي ، نتحدث عن فلسفة سياسية ، فلسفة يعمل عليها النظام السياسي، نتحدث عن مؤسسة عامة ، وليس عن اشخاص. فكرة ان الدولة مؤسسة ، غير موجودة في التراث السياسي الاسلامي. لذلك عندما يتكلمون عن الديمقراطية يجدونها غريبة ، لان الديمقراطية مبدأ قابل للتطبيق على مؤسسة في منظومة اجتماعية كبيرة اسمها المجتمع السياسي الديمقراطي.
 لا فائدة من الجدل هل الاسلام يقبل الديمقراطية او لا . هذا جدل لا طائل منه ، لاننا نتحدث عن منظومتين مختلفتين . الان ، نحن كمسلمين هل نستطيع ان نصنع مؤسسة سياسية جديدة تنتمي الينا كمسلمين ، تنتمي الى افكارنا وتطلعاتنا؟ الجواب نعم نحن نستطيع ذلك ، وسيكون اسلاميا ، سيكون مقبولا في الاسلام. عند ذاك هل نستطيع ان نختار مبدأ الديمقراطية ؟، مبدا الحرية ؟. نعم نستطيع اختيارهما.
 دعني اسألك عن كتابك "رجل السياسية : دليل في الحكم الرشيد". تقول ان الانتقال الى الحداثة يتجسد على نحو ملموس من خلال تغير انماط الحياة على صعيد العلاقات الاجتماعية واللغة والسلوكيات الشخصية. مازال الخطاب الديني التكفيري موجود بيننا ، فكيف نتكلم عن الحداثة؟. هل نسبق الزمن بتحدثنا عن الحداثة ام ان مجتمعاتنا قفزت ، او ربما الربيع العربي قفز بنا فكريا فاصبحنا نستطيع  ان نتحدث عن هذه المفاهيم؟
 انا اظن اننا في الخليج بشكل خاص ، وربما في السعودية بشكل اخص ، نبالغ في تقدير القوى المضادة للحداثة. هم يعادون حقوق المراة، حرية الراي، تعدد الطوائف والمذاهب، تعدد الثقافات. ونظن ان معاداتهم لذلك هي التي تعيق التحرك. انا اظن ان موقفهم يؤثر بصورة من الصور ، ولكن ما يعيق التحول الى الحداثة ليس التيار الديني. اذا اعتبرناه كذالك فنح نبالغ في اهمية مواقفه.
 من يؤثر اكثر، القرار السياسي؟
 نعم انا اعتقد ان السياسة هي التي تعيق بالفعل. لكن هنالك حراك على مسارين متوازيين: حراك على المستوى المجتمعي سريع، المجتمع السعودي والخليجي يتطور سريعا بإتجاه الحداثة ، ويحدث نفسه ، واحيانا يحقق مطالبه بيده . المسار الثاني هو الحراك على المستوى الرسمي وهو بطيء جدا. كمثال: المجتمع يطالب بحرية التعبير، لكن الدولة لا تعطي رخص لجرائد جديدة وقنوات اعلامية . ومع ذلك لدينا الان ما لا يقل عن خمسة واربعين قناة تلفزيون فضائي مستقلة ، غير القنوات التي هي جزء من مجموعات تجارية كبيرة، بين هذه الخمس واربعين قناة ، هناك على الاقل خمسة عشر تبث من داخل الاراضي السعودية ، وكلها ليس لديها تراخيص. اي انها ممنوعة حسب القانون ، لكن لم يأت احد ويقفل مكاتبها ، ولم يات احد ليعطيها تراخيص ، فهي في المنطقة الرمادية ، لاهي قانونية ولا هي غير قانونية.
مثال اخر: التنظيمات السياسية والمهنية ليست مسموحة ولكن لدينا 200 منظمة اهلية بين سياسية وحرفية وثقافية .. الخ. هذا يدل على ان المجتمع يتطور في سياق مستقل عن تطور الدولة. لذلك قد نبالغ بقولنا ان التيار الديني قد اوقف الحداثة او اعاق تقدمها .
 الربيع العربي هل يمكن ان يعزز الخطاب المدني؟. هل يمكن ان نشهد خطاب جديد على ضوء الثورات العربية؟
 هو فعل ذلك فعلا . يعني الثورة الشعبية التي سادت العالم العربي غيرت اللغة السياسية الشعبية. لعلي ذكرت لك هذا المثال: عبارة (الثورة الشعبية) فتش في جميع ادبيات التيار الديني السلفي قبل 2010 لن تجد مفردة الثورة الشعبية في أي مكان. الان كلهم يتحدثون عن الثورة الشعبية. فكرة المشاركة الشعبية ، فكرة الحريات العامة، فكرة سيادة القانون، فكرة ان يكون الناس حكاما لانفسهم ، ان يأتي الحكم ممثلا للشعب وليس ممثلا للنخبة، هذه المبادىء الكبرى التي كانت مستنكرة في وسط التيار الديني سابقا ، او كانت على اقل التقادير مغفلة او مهملة، الان اصبحت في متن واساس الكلام السياسي في العالم العربي كله ، عند التيار الديني وغيره .
 هو جيد وان كان البعض ، ربما كما ذكرنا في بعض الاسئلة السابقة ، يقول بأنه لابد وان تمشي مع التيار ، سمه يعني انتهازية..
 هذا ليس انتهازية، هذا لأن نقاط الاستقطاب تجبر الناس على تغيير مواقفهم.
 كيف نتأكد من هذا دكتور؟
 هذا لا يحتاج للتأكد، رجال الدين، الحركات الدينية، الزعمآء السابقين، كلهم جزء من هذا الشعب.
 انا اقصد اننا لا نتحدث عن القيادات. في الخطاب الديني او في الاسلام السياسي قيادات جديدة متأثره جدا بالفكر الجديد .هي  الى حد كبير قريبة من رموز  التيار السلفي السابق . وبعضهم يميل الى التكفير ، يميل الى رفض  الحداثة ، ويبررها بالخوف من التغريب، الى اخره. هنآك وجاهه لمثل هذا القلق ، لعل المسألة عندهم ليست سوى ركوب الموجة..
 لنفترض انهم ركبوا الموجة. انا لا افترض هذا الشيء. لكن لنذهب معك ونفترض انهم ركبوا الموجة. الثورة الشعبية تعيد هيكلة توازن القوى، تغير توازنات القوة ، وتمنح جزءا كبيرا من القوة للشعب في الشارع. اذا قلنا بأن الشعب الذي في الشارع اصبح قويا واصبح مؤثرا ، وهو الذي يقود ، او هو الذي يقرر ماذا يفعل، فلماذا نخشى اذا رجل دين او زعيم سياسي اصبح معه؟ اذا هل نظن ان هذا الشعب لا زال مجموعة جهال يؤثر عليهم أي راكب؟
 لا ولكن رجل الدين يأتي بشيء ما من القدسيه في خطابه  وهذا يؤثر في المجتمعات المتدينة بطبيعتها!
 هذا قبل الثوره، بعد الثوره الناس يغيرون ثقافتهم، الناس ينضجون ، يعني الان في مصر مثلا : لماذا لم يستطع رجال الدين ركوب الموجة؟. انظر مثلا : كم عدد رجال الدين الذين اصبحو قادة الثورة في مصر ، أو في تونس. كم عددهم بالقياس الى المجموع؟.  ليسوا كثيرين، لان الناس اصبحو انضج، الثورة تنضج الناس. وحينما ينضج الانسان ينضج عقله وفكره يصبح اقدر على الاختيار.
 بمقابل الدولة المدنية دكتور توفيق هناك من يدعو الى دولة دينية. مازالت الدعوة موجودة ، والحديث عن الدولة الدينية موجود.. هل تتناقض الدولة المدنية مع الدولة الدينية في رأيك؟
 الدولة الدينية هي دولة مدنية . بمعنى ان الدولة تصدر في اوامرها عن رأي الحاكم وليس عن علم الله. وتذكر احاديث في هذا المجال ، لا اريد الاستطراد فيها ، ولكن احدها يقول اذا نزلت على قوم، يعني اخضعتهم، فأنزلهم على حكمك ولا تنزلهم على حكم الله، لأنك لا تدري أتصيب حكم الله ام تخطي، هذا مضمون لحديث نبوي مشهور. الحاكم والقائد ينزل الناس على حكمه هو ، على رأيه هو ، وليس على حكم الله عز وجل ، لأنه لا يعلم بحقيقة حكم الله، وهو يخطئ ويصيب.
 هل هناك دولة دينيه هل حدث ان عشنا دولة دينيه في التاريخ؟
 لا اعلم حقيقة ولا أرى ان هذا مهم، الذي اقول ان الدولة الدينية هي دولة مدنية. يعني اذا اردنا دولة تتمتع بالمشروعية الدينية ، يرضى عنها الله عز وجل ، فهي الدولة المدنية ، التي تحكم بالعدل ، تشرك الناس ، تعطي كل شيء للجمهور، الجمهور هو صاحب الثورة.
 وفقا لدساتير لقوانين لأنظمة واضحه حتى لا يستغل الدين لتبرير الاستبدال.
 الدولة الصالحة هي دولة تعاقدية.
 في محاضرة لك بمنتدى الدكتور راشد المبارك بالرياض 2 يناير 2011 ذكرت ان مفهوم الوطن الجديد يتألف من ثلاثة عناصر اساسية: «ارض وعقد ومشاركة نشطة». ما المقصود هنا بالعقد والتعاقد، هذا المفهوم بعد بداية الربيع العربي هل سيتأثر هل سيتغير مصطلحات مثل ولي الامر والتبريرات الدينية، مفهوم التعاقد هل سيتأثر بما يحدث اليوم؟
 ببساطة: الناس يملكون الحق في المشاركة في القرار لأنهم يملكون الارض التي يسكنونها، ملكية التراب الوطني هي التي تجعل لكل فرد من افراد الشعب الحق في المشاركة في القرار السياسي، هذا الذي يسمى بالمشاركة الشعبية. تنظيم هذه العملية يجري في اطار ما يسمى بالعقد الاجتماعي، العقد الاجتماعي هو عقد ذو بعدين: بين الناس انفسهم حول تكييف علاقتهم مع بعضهم، ادارة امورهم المشتركة، تقرير مستقبلهم المشترك، الى اخره، هذا ينتج ما نسميه "الاجماع الوطني". البعد الثاني من العقد، هو تعاقد مجموع الناس مع الهيئة التي تدير العقد، التي تدير البلد بمعنى الحكومة.
 تتحدث عن الدستور الان؟
 نعم وهو الدستور، الحكومة في الحقيقة هي ممثل للشعب، هي وكيل عن الشعب وليست جهة مستقلة. فإذا عمل مجموعة من الناس الحكم كجهة مستقله ، يعني بغض النظر عن رأي الناس و قرار الناس ،هؤلاء يسمون حراميه ، يكونو باغين على موكليهم ، باغين على المالك الاصلي. والاصل انهم مجرد موظفين عند المجتمع، والموظف يجب ان يعمل لصالح رب العمل، رب العمل هو الشعب ، هو المجتمع.
 وهذا ما عشناه في المنطقة العربية ان عندك دساتير وبرلمانات ومسائل شكلية يعني في الاخير ان لم تطبق هذه النظريه كما تقول انت فتكون هذه من العوآمل التي تقود الى الثورة؟
 الانفصال بين المجتمع والدولة يؤدي الى سقوط مشروعية الدولة وسعي الشعب الى تغييرها. هذه هي الثوره، الثوره هي سعي الشعب لتغيير حكومة فقدت مشروعيتها.
 نعيدك الى مفهوم الدولة الدينية والدولة المدنية، يقف اللبرآليون خاصة في منطقتنا ضد مفهوم الدولة الدينية فيما الاسلاميين ضد فكرة الدولة المدنية. يعني على الورق جميل جدا ، ولكن ممكن احد يسأل ماهي المرجعية الدينية التي من خلالها نقرر القوانين والدساتير والانظمة؟
 مافي مرجعية دينية، هناك مرجعية شعبية. لان الدولة هي نتاج لعقد اجتماعي.
 اذا لنتحدث عن دولة مدنية الان..
 هذا هو الذي اقوله. اقول ان الاسلام يسعى لدولة مدنية بمعنى دولة يحكم الناس فيها بأعتبارهم بشرا ، وليس كأنصاف الهة، يحكمون فيها بأعتبارهم ممثلين للشعب وليس ممثلين لله عز وجل، تفويضهم جاء من المجتمع وليس من الله. فهي دولة مدنية. القاضي حينما يطبق حكما شرعيا هل يطبقه بالاقناع ام بالجبر، الذي يطيع حكم القاضي او الذي يطيع حكم الدولة يطيعه خوفا من العقاب وليس رغبة في رضى الله. هذا هو تطبيق القانون وهذا هو الذي يريده الاسلام، الاسلام يريد على المستوى السياسي وعلى مستوى الدولة، دولة فيها قانون وفيها اشخاص يحكمون نيابة عن الجمهور. اما على المستوى الشخصي والفردي، فالاسلام يريدني ان اتقي الله عز وجل وان اتورع عن محارمه وان أؤدي عباداتي وبقية ما امرني به. بعبارة اخرى القانون الاسلامي او النظام الاسلامي هو النظام الذي يحقق اهداف الشريعة الإسلامية وابرزها العدل. اما في الكيفيه فلا توجد كيفية خاصة.
 جميل، اذا لنعيدك لدراسة لك منشوره في مجلة الكلمة في 13 يونيو 2011 بعنوان نموذج الدولة الدينية عند الاصلاحيين المعاصرين في ايران، تقول: يدعو الاصلاحيون الى نموذج للحكم يقارب الى حد كبير النموذج الليبرالي فهو يرى ان الدولة تعاقدية وممثله لمصالح متنوعه لمواطنيها وليست ممثله للسماء وهم يدركون تماما ان مفهوما كهذا لا يسهل تأسيسه على ارضية النموذج الديني الموروث. هل معنى ذلك ان الاصلاحيين اليوم هم ضد ولاية الفقيه التي يفترض انها لاتتناسب مع الدولة المدنية؟
 ولاية الفقيه هي احدى النظريات، نظرية تستهدف تفسير المشروعية الدينية للدولة. واعتقد انها أدت غرضها فعلا. يعني في وقت من الاوقات كانت مفيدة وضرورية. لكنها أدت غرضها ، واظن انه حان الوقت لتجاوزها الى نظريات ارقى. لعل ابرز الاشكالات في نظرية ولاية الفقيه انها لا تعطي مساحات كبيرة للمجتمع «الشعب». وقد حان الوقت لكي يصبح المجتمع حاكما لنفسه وهذا ايضا مقبول على اساس القيم الإسلامية.
 ما الذي يعيق قيام ثورة شبابية بمفاهيم سياسيه جديدة في ايران، اذا اخذنا مثال الثوره الايرانية فرضت مفهوم اقرب مايكون الى الدولة الدينية؟
  في 2009 ، بعد الانتخابات الرئاسية حدثت مثل هذه الثورة ، او لنقل انتفاضة ، لكنها قمعت. ولم يكن يومذاك متابعة اعلامية قوية وقادره مثلما هي اليوم ، ولذا لم نعايش الحدث بتفاصيله.
 الاعلام الجديد تحديدا لعب دور اعطاء الناس المجتمعات العربية ادوات جديده لتمكين المجتمع للتواصل مع بعضه لترتيب اموره..
 لان القوة المتحركة في الثورة هي في الاساس الجيل الجديد ، الطبقة الوسطى،  الشباب، تطور وسائل الاتصال مكن الطبقه الوسطى من خرق الحدود القديمة والحجب القديمة ولا سيما موضوع الرقابة.
 هل هذا يقلل من شأن الثورات التي اعتمدت على تقنيات عالمية جديدة عكس الثورات التي نشأت، يعني في ثورات كثيرة لم يكن هناك اعلام اصلا على مدى طويل ولكن نجحت في الاخير؟
 الثورات التي تنشأ في جو مثل هذا سيكون عدد المشاركين فيها اكبر سيكون تأثيرها اوسع.
 اذا لنسألك عن اقتراح فلسفي او مثل احد المصطلحات تقول في دراسة منشورة في مجلة الكلمة الفصلية ايضا 13 يونيو 2011 : انت استعملت تعبير "استقلال السياسة عن الدين" بدلا من "فصل السياسة عن الدين"، مالفارق بين التعبيرين؟
 احيانا نقول ان الدين لا يجب ان يتدخل في السياسة اصلا، احيانا نقول لا بأس بتدخل الدين في السياسة، وانه يجب على السياسة ان تستهدف تثبيت وترسيخ القيم الدينية العليا مثل قيمة العدل. لكن لا يلزم من هذا ان يكون رجل الدين هو رجل السياسة، بدون إلزام ان تكون المؤسسة الدينية هي الحاكمه. انا ادعو الى الفصل التام بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية بمعنى تجريد الدولة من سلطة الامر بأسم الله او استعمال الدين في اوامرها، وتجريد المؤسسة الدينية من قوة الدولة، من مال الدولة من سلاح الدولة من الامر ووضع القوانين بأسم الدولة . الفصل بين المؤسسه الدينية والمؤسسه السياسيه ينتج دولة متعادله ولا يضر بمبدأ يعني تلازم السياسي مع الديني . هو ليس فصلا بين الدين والسياسة ، وليس تلبيسا للدين في السياسة. فتصبح المؤسسة الدينية اهلية، الناس يتعاملون معها كمؤسسة اهلية بدون خوف منها وبدون طمع فيها.
 في ظل كل هذا الحديث ونحن في حديث الخليج، اين نحن في الخليج من كل هذه الظواهر بأمانة وبحياد قدر ماتستطيع: هل دول الخليج في منأى عن هذه الظاهرة؟
 لا لسنا في منأى. وقد تأثرنا بشكل عميق جدا. واظن ان بعضنا في الطريق، لكننا نحتاج الى معالجة بعض الاشكالات التي قد تتفجر في ظل هذا الحدث او غيره.  نحتاج الى تكوين كتلة اصلاحيه على المستوى الخليجي، كتلة تدعو الى اعتماد مبادئ الحريه وحقوق الانسان ، نبذ الفئويه والطائفيه والمناطقيه ، وتفضيل الناس بناء على سماتهم الموروثه، كتلة تدعو الى تغيير سلمي لتلافي احتمالات الانزلاق الى العنف ، وهذا محتمل في بعض المناطق. انا ادعو حقيقة الى تشكيل كتلة اصلاحيه خليجية تتعاون مع الحكومات ، تتعاون مع النخب ، ومع رجال الدين ومع قطاع الاعمال ، تتعاون مع الشباب ، من اجل تفصيح وتوضيح طريق مناسب للاصلاح التدريجي الذي سنضطر اليه والا سنواجه الكارثه.
 لننقل الموضوع من الخليج بشكل عام الى السعودية بشكل خاص كونك جاي من السعودية؟
 اعتقد ان هذا ينطبق على المملكة، المملكة مضطرة الى اصلاحات سياسية كبيرة جدا ومؤلمة ايضا، مضطرة الى ذلك لانها تضر بمصالح الكثير من النخبة الحاكمة، وكثير من النخبة النافذة ايضا وقد تضر بمصالح قطاع من الجمهور. يجب ان نقدم على اصلاحات عميقة والا قد نواجه انهيار شاملا وهذا مالا نريد الوصول اليه.

مقالات ذات علاقة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...