‏إظهار الرسائل ذات التسميات منقذ داغر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات منقذ داغر. إظهار كافة الرسائل

16/05/2024

الاجوبة السحرية

لعل القراء الاعزاء يلاحظون معي ان غالبية الناس يتعجلون نسبة الحوادث والاسئلة الى تفسير وحيد ، مع اننا جميعا ندرك ان كل قضية ، صغيرة او كبيرة ، نتاج لسلسلة من التحولات والعوامل. وثمة – اضافة لهذا - من يميل أيضا الى ربط تلك الحوادث والظواهر بعوامل خفية ، لا يمكن التحقق منها ولا لمسها والتحكم فيها.

هذا ميل انساني عام. فالبشر بطبعهم ينفرون من الغموض والنهايات المفتوحة ، ويريدون تفسيرا كي يتجاوزوا الحدث واسئلته. وتدرس هذه الظاهرة في علم النفس تحت عنوان "الاغلاق المعرفي “Cognitive closure  وهو مصطلح صاغه عالم النفس الامريكي آري كروجلانسكي ، لوصف موقف الانسان الذي يواجه سؤالا محيرا او ظاهرة غير مفهومة ، او حتى موقفا غير مقبول من جانب شخص آخر، فهو يريد ان يتخلص من الحيرة باضافة وصمة او عنوان يفسر هذا الحدث ، كي ينتهي منه.

د. منقذ داغر

كل الناس اذن يكرهون الغموض ويريدون تفسيرا. لكن ما يلي هذه النقطة محل اختلاف كبير بين المجتمعات. فهناك من يتخذ السؤال او الحدث المحير نقطة انطلاق للتعرف على موضوعه. وهناك من يتعجل بنسبة الحدث الى قوى غيبية او بعيدة عن متناول الانسان ، ماديا أو معرفيا.

خذ مثلا سلوك المجتمع الامريكي ، حين فوجيء بالهجوم على نيويورك عام 2001 ، فقد انصرف الى القراءة حول الاسلام وحول الارهاب. وذكر تقرير اطلعت عليه قبل سنوات ان عدد الكتب حول الاسلام والمسلمين ، التي نشرت في الولايات المتحدة ، خلال السنوات الثلاث التالية لذلك الحادث قد تجاوز 600 فضلا عن مئات المقالات العلمية حول مختلف اوجه الحدث. هذا يعني ان المجتمع الامريكي يميل بقوة لفهم المشكلات التي تواجهه ، فهما علميا. لا اريد القول ان كل امريكي يفعل هذا ، لكني اشير الى وصف عام مقارن.

السلوك المقابل هو اغلاق السؤال بنسبته الى قوى بعيدة عن متناول الانسان. خذ مثلا النقاشات التي دارت بعد السيول الغزيرة التي شهدتها الامارات وعمان وافغانستان وايران في ابريل الماضي. فقد قطع بعضهم بانها نتيجة الاستمطار الصناعي ، وادعى آخرون انها عقوبة للناس على ما ارتكبوه من آثام. وعلى النقيض من هذا ، اعتبرها فريق ثالث تمهيدا للوعد النبوي بتحول الجزيرة العربية الى مروج وانهار.

هذا النوع من التفسيرات يصدر عن قناعة مسبقة ، فحواها ان كل ما جرى وسيجري له تفسير مختزن في الثقافة الموروثة. ولهذا فكل الاجوبة تأتي على النسق المعتاد ، وتنتهي باقرار ان الاشخاص الذين واجهوا الحدث ، لايحتاجون للمزيد من البحث والتفكير فيما وراء ذلك التفسير الجاهز.

اود استعارة وصف "الثقافة المتصلبة" الذي اطلقه د. منقذ داغر على الميل الذي شرحته آنفا ، اي الاعتقاد بان كل الاجابات مختزنة في الثقافة السائدة ، وان ما فيها يكفي لتفسير كل جديد.

حين يتأكد هذا الاعتقاد في نفسك ، فلن تفكر في احتمالات اخرى ربما تختفي وراء الحدث او الظاهرة التي شهدتها. ومن هنا فان هذا الشيء الغريب لن يلعب دور المحفز لعقلك كي يفكر ويتأمل ما حوله. الواقع ان هذا ما حدث تكرارا في المجتمع العربي. فحين تعرفوا على الراديو ، قرروا فورا انه "صندوق فيه جني". ويوم رأوا البوصلة ، قرروا انها عمل سحري (انظر ردا على هذه الرواية).

بعبارة اخرى فان التعجل بنسبة الحدث الجديد الى قوى ماورائية ، بل حتى نسبته الى المؤامرة او ما يسمى بالدولة العميقة ، تلعب كلها دور الحاجب الذي يمنع عقل الانسان من رؤية الامكانات البحثية ، التأملية أو التجريبية ، التي ينطوي عليها ذلك الحدث او السؤال.

اريد الخروج بنتيجة محددة ، هي دعوة القراء الاعزاء الى عدم التعجل بتفسير الاشياء الجديدة او نسبتها الى قوى بعيدة المنال. تحملوا قليلا ودعوها سؤالا مفتوحا ، فقد تجدون الجواب وقد لا تجدون ، لكنكم بالتاكيد ستربحون ثمرة التفكير.

الشرق الاوسط الخميس - 08 ذو القِعدة 1445 هـ - 16 مايو 2024 م

https://aawsat.com/node/5019636

 

13/04/2022

من عقلية القطيع الى تصلب الشخصية

 

تخبرنا أبحاث "الثقافة السياسية" عن مجتمعات تمتاز بقابلية عالية للمساومة والتوصل الى مطالبها ‏من خلال التفاوض. وثمة في المقابل ، مجتمعات ترفض - من حيث المبدأ - المساومة والحلول الوسط. بل ربما تعتبر الداعين للمساومة مفرطين أو حتى خونة.‏

لتوضيح الفكرة ، افترض اني طرحت السؤال التالي على 10 أشخاص في بلد عربي: لدينا خلاف على حقوق ندعيها ، ‏ويمكننا تحصيل نصفها من خلال التفاوض ومن دون خسائر كبيرة. فهل نقبل بالنصف ام نتمسك بمطالبنا كلها ‏مهما طال الزمن؟. ‏

اعتقد ان سبعة من هؤلاء الاشخاص سيقبلون النصف ، لانه مضمون وغير مكلف. ‏سيقول بعضهم: دعنا نستثمر ما حصلنا عليه ونعيد بناء النصف الآخر من جديد. لكن الثلاثة الباقين سيرون ‏التخلي عن حقوقنا جبنا وانهزامية. وسيقولون مثلا: ليس مهما ان تكسب الماديات ، المهم ان تكسب نفسك وتقاتل دون حقك مهما طال الزمن. ‏

لعل بعض القراء الأعزاء يوافقني في ان عصفورا في اليد خير من عشرة على الشجرة. ولعل غالبية الناس سيذهبون نفس المذهب.‏

لكن الذي لاحظناه ان طريقة المجتمع العربي في اتخاذ المواقف السياسية ، تتناقض تماما مع هذا ‏المنهج. في القضايا القومية (فلسطين مثلا) وكذا القضايا القطرية ، يطالب الناس بالعصافير العشرة جميعا ، ويرفضون اي ‏مساومة عليها. وأرى ان هذا من الأسباب التي عطلت حل المشكلات الكبرى التي تواجه البلدان ‏العربية.

وقد اخبرني الصديق الدكتور منقذ داغر ، انه يجري بحثا على المجتمع العراقي ، يتناول مفهوم "تصلب ‏الشخصية" الذي يعني بشكل محدد  عدم القدرة على المساومة والتفاوض ، حيث تشير ‏البحوث الميدانية الى ان ما نتحدث عنه بشكل انطباعي ، يعكس صورة حقيقية قابلة للاثبات العلمي: ‏ان المجتمع العراقي يتصف فعلا بتصلب الشخصية.‏

من المفهوم طبعا ان البحوث ‏العلمية تعتمد القياس النسبي ، الذي يعطي فكرة اجمالية عن سمة غالبة او ميل عام لمجتمع بعينه ، لا أن كل شخص يحمل هذه الصفة. ‏

لم اوفق لأجراء دراسة من النوع الذي يجريه الدكتور داغر. لكن تأملاتي في كلام الناس وتعاملاتهم  ‏العادية ، اوصلتني الى كشف ازدواجية في الموقف ، شائعة جدا في المجتمع العربي.

بيان ذلك: لو عدنا الى السؤال السابق ، فوجهناه الى عشرة اشخاص ، كلا بمفرده ، فسوف يوافق 7 منهم على المساومة والحل الوسط. لكن لو وجهنا نفس السؤال الى جمع غفير ، فسينهض الثلاثة الآخرون ، ويلقون خطابا مجلجلا حول الإهانة العظمى التي تلحق بالأمة التي ترضى بالحلول الوسط. وعندئذ سوف ترى الكفة مائلة بشدة الى جانب هذا الموقف.

وتسأل نفسك: هل تخلى السبعة السابقون عن رأيهم لمجرد استماعهم الى خطاب الثلاثة؟.

الواقع انهم لم يتخلوا ، لكنهم بدأوا ينظرون الى زاوية أخرى ، هي زاوية القيم والمباديء (التي - لسوء الحظ - تم فصلها عن قواعد المنطق ومتطلبات الواقع). ربما بدأ بعضهم يقول لنفسه: هل يمكن ان يكون سبعة اشخاص على صواب بينما كافة الناس الاخرين على خطأ؟. او ربما قال: هل يصح ان اتخلى عن القيم والمباديء من أجل حطام الدنيا الفانية؟.

لقد كانت هذه الأسئلة مطروحة فعليا على اليابانيين في يوليو 1945 ، والثقافة اليابانية شبيهة بنظيرتها العربية في التصلب. لكنهم – مع ذلك – اختاروا القبول بما دون النصف. اما مسلمي الهند ، فقد واجهوا نفس السؤال في نفس الوقت تقريبا ، فاتخذوا الاتجاه المعاكس الذي انتهى الى إقامة دولة الباكستان. ولهذا وذاك قصة أخرى ربما نعود اليها قريبا.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 شهر رمضان 1443 هـ - 13 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15842]

https://aawsat.com/node/3588631

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...