‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجمعية الوطنية لحقوق الانسان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجمعية الوطنية لحقوق الانسان. إظهار كافة الرسائل

05/11/2010

كي نقتلع شبكات الفساد


 قصة القاضي المسحور بالمدينة المنورة وقصة مدير التعليم الذي كشف التحقيق عن شطارته في الانتدابات (عكاظ 24-5-2010) وقصص ابطال كارثة السيل في جدة .. وغيرها من القضايا.. تشير الى ان الفساد لم يعد حدثا استثنائيا ، بل ربما امكن وصفه بالظاهرة.


التصدي لظاهرة الفساد يتطلب: أ) التمييز بين البيئة القانونية والادارية المحفزة للفساد ، وتلك المعيقة له. ب) التمييز بين الرادع النفسي للفساد مثل التقوى وخوف الله ، والرادع الخارجي مثل خسارة الوظيفة والسمعة والحرية. ج) التمييز بين الوسائل الادارية الرسمية لمنع الفساد مثل المحاسبة والتحقيق ، والوسائل غير الرسمية مثل الصحافة والراي العام.

تصبح البيئة الادارية محفزة للفساد اذا كانت مغلقة. عدد قليل من الاداريين يملكون صلاحيات واسعة وعلاقات شخصية او تجارية راسخة تولد "الامان" من المحاسبة او التدقيق او العقاب ، ويؤلفون فيما بينهم ما يشبه المنظمة السرية التي غرضها التحكم في مداخل ومخارج المال والمصالح الاخرى، ويختارون للوظائف القريبة الاشخاص الذين يثقون بهم ويأمنون جانبهم. كل عضو في هذه المنظمة يأخذ نصيبه ويحمي الاخرين ، فكل منهم صاحب مصلحة وكل منهم متورط ايضا.

اعتقد ان مثل هذه المنظمات هي الخطر الاكبر على سلامة النظام الاداري وعلى الامن والسلام الاجتماعي. لانها تشكل ما يشبه اعصارا معاكسا داخل تيار التنمية والاصلاح والخدمة العامة. وعلاجها عسير ، لكنه ممكن اذا طبقنا مبدئين: الاول هو الانفتاح الاداري الذي يعني اولا وقبل كل شيء الشفافية وتمكين الراي العام من الاطلاع على التفاصيل الخاصة بالتوظيف وانفاق المال ، والثاني : الحماية القانونية للشفافية والانفتاح.

امامي نموذجان : سيدة تعمل في احدى الوزارات وافقت على الحديث لمسؤولي هيئة حقوق الانسان حول تجاوزات في ادارتها وكشف التحقيق عن تورط اداريين اعلى درجة . حين انكشف الامر ، عوقبت السيدة بتخفيض مرتبتها وحرمانها من بعض الميزات الوظيفية. ومع انها خاطبت العديد من المسؤولين ، الا انها قوبلت بالتجاهل ، وربما قيل لها احيانا انها تجاوزت عرفا سائدا يقضي بان "كل واحد يشوف شغله" ولا يفتح عينه على اعمال الاخرين.

النموذج الثاني : مجموعة موظفين يحملون درجات علمية رفيعة اكتشفوا ان التقارير التي تصدرها ادارتهم بناء على ما يعدونه من بحوث تتضمن تغييرا في الارقام والنتائج كي تعطي صورة اجمل عن عمل الدائرة. حين اعترضوا ، قيل لهم ايضا "شوفوا شغلكم ولا تتدخلوا فيما لا يعنيكم". الذين جادلوا كان مصيرهم التجميد او ا ضطروا للانتقال الى وظائف اخرى.

هذه الحوادث ليست فردية ، فلولا وجود بيئات مغلقة ومنظمات مصالح ، لما امكن لاولئك الناس الصمود رغم انكشاف الاخطاء.

احد العلاجات الممكنة لمثل هذه الحالات هو السماح للصحافة بتناول هذه القضايا ، وتوفير الحماية القانونية للشاكي كي لا يتعرض لعقوبات ادارية او خسائر جسيمة . لان الموظف الصغير اذا خير بين السكوت على ما يراه من فساد ، وبين خسارة وظيفته او قضاء اسابيع او شهورا في الركض وراء المحاكم او انفاق المال على المحامين ، فسوف يختار السكوت دون تردد.

ثمة كلام كثير عن وجود شبكات فساد شبيهة بالتي عرضناها . ويعززها بقاء الموظفين لسنوات طويلة في مناصبهم ومواقعهم ، وعدم وجود لوائح محاسبة تفصيلية في الكثير من الادارات.

قيام هيئة حقوق الانسان والجمعية الوطنية لحقوق الانسان ساعد على تخفيض انتهاكات حقوق المواطنين والمقيمين وكشفت جهودهما عن قدرة المجتمع المحلي على اصلاح نفسه بوسائله الخاصة . واظن ان تكرار التجربة باقامة هيئة وطنية للنزاهة تسندها جمعيات اهلية لمكافحة الفساد سوف يفتح الباب على مصراعيه لتطوير مفهوم الشفافية والمحاسبة وسوف يوفر الفرصة لمعالجة الكثير من حالات الفساد وصولا الى تطوير بيئة معيقة للفساد.

كان ثمة حديث رسمي قبل سنوات عن هذا التوجه. لكننا لا نسمع اليوم شيئا عنه . وقد حان الوقت للعودة الى هذا المشروع الضروري الذي لا تقتصر فوائده على حماية المال العام ، فهو يساعد ايضا على ترسيخ السلم الاجتماعي وتعزيز امل الشباب في مستقبل بلادهم.

الجمعة 5 نوفمبر 2010 - 28 ذو القعدة 1431

19/01/2009

حان الوقت كي يتوقف الحجب الاعتباطي لمصادر المعلومات


 اود الاشادة باهتمام الجمعية الوطنية لحقوق الانسان برفع الحجب المفروض على مواقع انترنت تابعة لمنظمات حقوقية دولية . طبقا لما نشرته الصحافة المحلية فقد قالت الجمعية في خطاب لهيئة الاتصالات ان حجب هذه المواقع يتعارض مع حق المواطن في الاطلاع على المعلومات والارتقاء بثقافته الحقوقية .
اعلم ان معظم المثقفين واهل الراي في بلدنا منزعجون من سياسة الحجب التي تتم بمبررات غير معروفة اذا لم نقل اعتباطية ، ومن غياب اي آلية واضحة لمحاسبة الهيئة التي تقوم بالحجب. جربت شخصيا مخاطبة الهيئة طالبا رفع الحجب عن مواقع محددة او تقديم مبررات لقرارها ، لكني لم اتلق ردا رغم تكرار المحاولة مرات كثيرة . وطرحت المسألة على آخرين فابلغوني بانهم فعلوا الشيء نفسه ولم يتلقوا اي رد. والخلاصة ان الهيئة تفعل ما تريد ولا تجد نفسها مسؤولة او مطالبة بتقديم تبرير او كشف حساب .

هيئة الاتصالات هي واحدة من احدث الاجهزة الرسمية ، ومسؤولة عن احدث القطاعات الاقتصادية واكثرها تعرضا للتحولات ، وهو قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. لكن خلافا لما نعرفه على المستوى النظري فان انشغالها بقطاع حديث لم يؤد الى تحديث في روحية القائمين عليها او اساليب عملهم . بل نجدها تحمل ذات الروح البيروقراطية التقليدية التي نعرفها في قطاعات الاقتصاد القديم ، اي تلك التي تعطي نفسها سلطة مطلقة وتعفي نفسها من اي حساب  او مساءلة.
كلما سئل احد اعضاء الهيئة عن سبب الافراط في حجب المواقع الالكترونية ، اخرج من جيبه الاسطوانة المعروفة ، اي التبرير الذي يتلخص في هوس الشباب بالمواقع الاباحية ، وكأن الشباب لا يعرفون من الانترنت الا هذه ،  او كأن الانترنت لا تحوي شيئا غيرا هذا ، او كأنه لا يستعمل الانترنت سوى الشباب المهووس بالاباحية .
 وسمعت هذا التبرير اخر مرة في مقابلة على قناة الاخبارية في الاسبوع الماضي . لكن المواقع المحجوبة لا تقتصر على تلك التي تعرض مواد اباحية او المواقع التي تشجع العنف والفساد والجريمة . ثمة مواقع لمجلات محترمة ومراكز ابحاث ونشرات خبرية محجوبة ايضا . واظن ان كثيرا من قرارات الحجب تتم بقرارات مزاجية وتتاثر بتوجهات او ميول الاشخاص الذين شاءت الاقدار ان يكونوا في هذا الموقع.
لدى السادة في هيئة الاتصالات ردا واحدا على كل سؤال ، هو انكار الحجب الاعتباطي. وهم يعتبرون انكارهم ذاك نهاية المطاف . لكننا نناشدهم ونناشد مرجعهم الرسمي اعتماد معايير العدالة والانصاف والتاكيد على روح المسؤولية . معايير العدالة تعني ان الحجب يجب ان يكون الورقة الاخيرة . والواجب ان يبدأ الامر بمخاطبة اصحاب المواقع وانذارهم بازالة الصفحات التي يراد حجبها ، قبل اتخاذ القرار الاخير. ثمة مواقع حجبت لانها نشرت خبرا او مقالة او صورة غير مرغوبة. فلنفترض ان ذلك الخبر او المقال او الصورة ازعجت القائمين على الهيئة ، فهل يعتبر رايهم او انطباعهم مقياسا لما هو حق وما هو باطل و ما هو صحيح وما هو فاسد ؟.
اجد احيانا ان موقعا قد حجب بعد نشره مادة معينة ، بينما تركت مواقع اخرى نشرت المادة نفسها. فهل يتقرر الحجب بناء على صدفة اسمها اكتشاف الرقيب لتلك دون هذه ، ام لان الهيئة تلقت طلبات من الناس لحجب هذا الموقع دون غيره ؟. واذا كانت الهيئة تستمع لطلبات الحجب من الناس ، افليس من العدل ان تستمع ايضا للطلبات المعاكسة ، اي تلك التي تدعو الى رفع الحجب ؟.
نعرف ايضا ان كل موقع انترنت يحتوي على عشرات الصفحات ، فاذا كانت الهيئة غاضبة من صفحة معينة فلماذا تحجب الموقع باكمله ؟ هذا يشبه تماما ان تمنع كتابا  لان احدى صفحاته احتوت على كلام غير مريح او تمنع مجلة لان صفحة فيها احتوت على صورة مزعجة ، بل هو اشبه بان تحكم بهدم منزل لان غرفة من غرفه حدث فيها تشقق او عطب .
لا نريد القول ان الناس قد ملت وسئمت كثرة الممنوعات والمحضورات – وان كان هذا هو الواقع - . لكننا نناشد من يملكون قرار التوسيع والتضييق الرفق بالناس والتوسيع عليهم فان الامعان في التضييق يدفع الى الياس ويحبط الثقة ويشجع على البحث عن طرق ملتوية او غير قانونية ، وربما يقود الى تفكير بعيد عن العقلانية.
اتمنى ان تواصل الجمعية الوطنية لحقوق الانسان محاولاتها وان تستهدف بالتحديد وضع قانون معلن يحدد مبررات الحجب وحقوق اصحاب المواقع المحجوبة وكيفية رفعه وتحديد الجهة المفوضة بمحاسبة القائمين على هذا العمل ، كي لا تكون مصالح عشرين مليونا من السعوديين واهتماماتهم ورغباتهم مرهونة براي شخص او بضعة اشخاص في هيئة الاتصالات.
عكاظ 19 يناير 2009

 

مقالات مماثلة


12/09/2008

خدمات الشرطة التي لا يرغب فيها احد


نشرت الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في المملكة العربية السعودية كتيبا بحجم الجيب عنوانه "حقوق السجناء والسجينات وواجباتهم". هذا الكتاب الصغير الحجم هو – في ظني – واحد من افضل ما نشر في مجال حقوق الانسان خلال السنوات الاخيرة. هناك بطبيعة الحال كتب عظيمة الاهمية في هذا الحقل ، لكن ميزة هذا الكتيب تكمن في مباشرته ، انه اشبه بدليل عمل لمن القت بهم اقدارهم الى التوقيف او السجن.


من دون مقدمات او ديباجة ، يبدأ الكتاب بعرض مختصر لحقوق الموقوفين والمتهمين التي تضمنها نظام الاجراءات الجزائية مثل المادة التي تنص على حق المتهم في معرفة اسباب توقيفه فورا ، وان يستند التوقيف الى امر مسبب من جهة ذات اختصاص. وتعالج المادتان مشكلة كانت شائعة في البلاد ، ويبدو انها لا زالت قائمة في بعض المناطق وبعض الظروف ، حيث يجري توقيف شخص بتهمة لكنه يحاكم او يسجن بتهمة اخرى ، او يجري توقيفه بامر اداري تصدره جهة غير امنية او قضائية. ويلخص هذه الحالة مثل مشهور ، مضمونه ان الداخل الى دار الشرطة مفقود والخارج منها مولود. بعبارة اخرى فقد كانت جهة التوقيف تعتبر الموقوف مكسبا لا يفرط فيه ، فاذا لم تستطع اثبات الاتهام الاول ، فهي ستناضل لايجاد تهمة اخرى قابلة للاثبات ، وبالتالي محاكمة المتهم او سجنه. مثل هذه الممارسة لم تعد شائعة كما كان الامر في الماضي ، لكنها لم تنته تماما ، ولا زال متهمون كثيرون يذهبون ضحية جهلهم بحقوقهم ، او ضحية اصرار جهة الضبط او الاتهام على انجاح قضيتها ، بغض النظر عن حقوق المتهم ومقتضيات العدالة.

وحسب علمي فان هذه الممارسة شائعة في دول عربية كثيرة. وهي بالتاكيد احد اسباب الهوة القائمة بين المواطنين واجهزة الامن خصوصا ، وبين المجتمع والدولة بشكل عام. واذكر من الحقبة التي عشتها في العراق شعار "الشرطة في خدمة الشعب" الذي يرفع امام دوائر الشرطة ، لكني لم اجد شخصا واحدا يثق في خدمات الشرطة او يرغب في التمتع بها. الجميع كانوا يخشون التورط مع الشرطة في اي قضية صغيرة او كبيرة ، لانهم اذا دخلوا فان خروجهم يحتاج الى معجزة. وكان الشعار الذي يتردد – عفويا - في نفوس الناس حين يجري الحديث عن اجهزة الامن : "ابعد عن الشر وغني له".

ومن ضمن الحقوق التي يعرضها الكتاب المذكور ، نشير الى حق الموقوف في الاتصال بمن يراه ، لابلاغه بواقعة القبض. وكانت العادة الجارية هي منع المتهم من الاتصال باي كان ، قبل اقراره بالتهمة وتوقيعه على محضر التحقيق. والمؤسف ان هذه العادة السيئة كانت تستند الى امر مكتوب من جانب احدى الجهات العليا. وقد سبق ان جادلت فيه احد المسؤولين المختصين ، ظنا مني انها مجرد تقليد لا يستند الى اساس قانوني. لكنه اطلعني على نص الامر الذي يخرق ابسط مقتضيات العدالة.

ويؤكد الكتيب – استنادا الى نظام الاجراءات الجزائية – على ان لا تتجاوز مدة التوقيف 24 ساعة ، ويجب ان يحال بعدها الى هيئة التحقيق والادعاء العام ، او يطلق سراحه. واذا حول الى هيئة التحقيق فيجب ان لا تتجاوز المدة القصوى للتحقيق ستة اشهر ، يسلم بعدها الى المحكمة او يطلق سراحه.

والمؤسف ان هذا البند لا يطبق الا نادرا. هناك الان عشرات من السجناء لم يوجه اليهم اتهام رسمي ولم يحدد موعد لمحاكمتهم رغم مضي شهور طويلة على توقيفهم ، ربما لعدم توفر عدد كاف من المحققين ، او لعدم توفر الادلة على الاتهام الاصلي ، او لاسباب اخرى. وكان حريا باجهزة الامن اطلاق سراحهم استنادا الى ذلك النص الصريح. لكن لسبب لا نعلمه بقي هؤلاء قيد التوقيف ، فلا هم مسجونون بشكل رسمي ولا هم احرار.

يعرض الكتاب ايضا حق المتهم في الاستعانة بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. وهذا ايضا من الحقوق المعطلة ، لان جهات التوقيف لا تنتظر حصول المتهم على محام ، ولان الناس لا يعرفون ان من حقهم عدم الرد على اي سؤال قبل ان يحصلوا على مساعدة قانونية. واود الاشارة هنا الى ان من ابرز سمات النظام القضائي في الدول الغربية ، هو ضمان الدولة لحق المتهم في الحصول على مساعدة قانونية على نفقته ان استطاع ، وعلى نفقة الدولة اذا عجز. والمبدأ السائد هناك ، هو ان للمتهم الحق في رفض التعاون مع جهة التوقيف او الاتهام ، اذا كان تعاونه سيؤدي الى ادانته باي جرم. من حق المتهم ان يحظى بكل فرصة ممكنة لاسقاط الاتهام او تخفيف التهمة ، ولا يعتبر هذا تحايلا على القانون ، بل هو حق ثابت وطبيعي للمتهم حتى لو كان قد ارتكب جريمة بالفعل.

هذا الكتيب يمثل اضافة هامة الى ثقافة حقوق الانسان ، واتمنى ان يطلع عليه كل مواطن ، كما اتمنى ان يقراه خصوصا ضباط ورجال الامن في البلاد ، كي يضمنوا التزامهم بحدود القانون ومقتضيات العدالة ، عندما يتعاملون مع المتهمين او الموقوفين. التزام رجل الامن بالقانون ليس فقط ضرورة وظيفية ، بل هو ايضا واجب ديني ووطني واخلاقي. يمكن لرجل الامن ان يكون حافظا لحقوق الناس كما يمكنه ان يكون جلادا ، والفارق بين الحالتين هي التزامه بحدود القانون المكتوب.



صحيفة الأيام البحرينية - 12 / 9 / 2008م 

16/08/2008

شبكة الحماية الاجتماعية


أضم صوتي إلى صوت الاستاذة أمل زاهد التي طالبت بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني في معالجة المشكلة المستفحلة التي يطلق عليها الآن “العنف الأسري” (الوطن 13-1). كما أدعو مجلس الشورى الى درس المسألة ضمن نطاق أوسع يشابه ما يعرف في دول أخرى بشبكة الحماية الاجتماعية؛ “شبكة الحماية الاجتماعية” هي إطار قانوني ومنظومة مؤسسات للتكافل تشترك فيها الدولة والمجتمع، وغرضها المحدد هو توفير العون المؤقت او الدائم لأولئك الناس الذين يحتاجون للمساندة حتى يقفوا على أقدامهم.
المرحوم نجيب الزامل
نعرف أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تسعى لإقناع الحكومة بوضع إطار قانوني لحماية شريحة من هؤلاء، وهم النساء والاطفال، الذين يتعرضون لعدوان الاهل او افتقاد العائل، وهو جهد طيب ومشكور يعالج جانبًا من مشكلة تتسع بالتدريج.
يؤدي تسارع الحراك الاجتماعي إلى اهتراء أو تمزق منظومات العلاقة الاجتماعية والقيم الضابطة للسلوك، كما يؤدي إلى تغير الاهتمامات والهموم، وبالتالي المشاعر والانفعالات ونوعية ردود الفعل الشخصي على المؤثرات الخارجية في البيئة المحيطة بالفرد. يتسارع الحراك الاجتماعي أو تتغير اتجاهاته بسبب زيادة النشاط الاقتصادي أو تغير الثقافة أو ظهور أزمات مفاجئة. حدث هذا التطور في كل المجتمعات التي مرَّت بتجارب من هذا النوع، لهذا فقد أصبحت تلك المعادلة بمثابة قانون من قوانين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشير ألى أن المفكر الأمريكي صمويل هنتينجتون كان من أبرز المساهمين في دراسة الآثار الجانبية للنمو الاقتصادي والاجتماعي، رغم أنه ركز على تلك الانعكاسات في الإطار السياسي والبيروقراطية الرسمية. والذي يهمني من رؤية هنتينجتون هو تفسيراته المعمقة للعلاقة بين اهتراء المنظومات الاجتماعية وتبلور البيئة المولدة للتطرف والعنف.
صحيح أن تعبير التطرف أصبح متلازمًا مع التشدد الفكري او السياسي، لكن لو أخذناه كظاهرة سلوكية عامة، أي ما يمكن وصفه بتجاوز الحدود المقبولة في العرف العام، فإن جميع اشكال التشدد السلوكي ترجع الى جذر واحد او ،على الاقل، الى مبررات ودوافع متشابهة، يمكن ان يكون عنوانها جميعا هو (العجز عن التكيف مع الحقائق الاجتماعية الجديدة)، بحسب التفسير الذي اقترحه دانييل ليرنر في كتابه الشهير (موت المجتمع التقليدي).
بعبارة أخرى، فإن عنف الشباب والعنف الأسري وجميع أشكال السلوك الاخرى التي تنطوي على طغيان أو تجاوز المقبول في العرف، هي جميعا مظاهر لعلة واحدة، تتمثل في اهتراء منظومات وقيم اجتماعية كانت في ما مضى تلعب دور الضابط الطبيعي لسلوك الأفراد.
بناء على هذا التفسير، فإن اقتراح الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المتضمن وضع تنظيم مؤسسي لاستيعاب ضحايا العنف الاسري، سوف يعالج جانبًا واحدًا من المشكلة، لكن العلاج الكامل يحتاج الى إطار أوسع يبدأ بتحديد طبيعة المشكلة واطرافها جميعا. واريد هنا الإشارة الى أحد الاطراف التي تبدو مغفلة تماما في معالجتنا، واعني بهم الشباب الذين يفشلون في دراستهم، والشباب الذين تودي بهم أقدارهم إلى طرق الانحراف ثم السجن، والشابات اللائي يفتقرن الى العيش الكريم ويتحولن الى ضحايا للغير. والحق ان جميع هؤلاء ضحايا، وان كانوا بدرجة او اخرى شركاء في خياراتهم ومسؤولين عنها.
ثم يأتي دور النساء والابناء الذين ينكرهم اباؤهم. وهم -بحسب متابعات الزميل الاستاذ نجيب الزامل- كثيرون، ولعلهم يتحولون بالتدريج الى مشكلة خطيرة على المستوى الوطني. هؤلاء ايضا اتخذوا خيارات لكنهم تحولوا الى ضحايا.
ليست لديَّ احصاءات يمكن المجادلة دونها، لكن المعلومات المتوفرة، التي لا تخلو احيانا من اضافات انطباعية، تشير الى أن العشرات من الشباب الذين دخلوا السجن لجُنح بسيطة تحولوا الى جُناة محترفين، والفتيات اللائي تعرضن للعدوان، اصبحن أسيرات للمعتدين وربما لغيرهم. دعنا نضيف إليهم ايضا العائلات التي حُرمت من العيش الكريم فتحولت الى بؤر للإحباط والقهر.
نحن بحاجة إذن، الى تفكير منفتح وصريح وموسّع في المشكلة، ليس فقط لأننا شركاء في المسؤولية عن ابناء مجتمعنا، وليس فقط لأن التكافل والتضامن الاجتماعي هو واجب ديني واخلاقي، بل لأننا ايضًا بحاجة الى حماية انفسنا وابنائنا باجتثاث جذور الانحراف وتفكيك خلاياه مهما كان وصفها ومهما كانت طبيعتها. مثل هذا العمل يحتاج الى اطار قانوني يسمح للمجتمع بالمشاركة فيه، كما يضمن الدعم الحكومي للمبادرات الاجتماعية. لهذا فإننا بحاجة الى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتشجيعها على تنظيم الجهد الأهلي الذي يمكن أن يكون كبيرا وفاعلا.
عكاظ 16 اغسطس 2008
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20080116/Con20080116166326.htm

مقالات ذات علاقة

·         تجارة الخوف
·         تجريم الكراهية
·         طريق التقاليد
·         فلان المتشدد

06/06/2007

التغطية الفقيرة لتقرير حقوق الإنسان



تقرير حالة حقوق الانسان في المملكة الذي اصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الانسان يستحق متابعة اكبر مما وجدناه حتى الآن في وسائل الاعلام المحلية. كان ينبغي للجمعية ان تحتذي نهج المنظمات المماثلة التي تجعل اطلاق تقاريرها السنوية الحدث الابرز في عملها خلال العام. ويجري الاعداد لاطلاق التقارير السنوية قبل وقت طويل وتقوم اقسام متخصصة بالاتصال بوسائل الاعلام حتى يستقطب التقرير ما يستحقه من اهتمام اعلامي واجتماعي وسياسي.
نشر التقرير على موقع الجمعية على الانترنت هو عمل توثيقي وليس اعلاما. الاعلام هو ايصال التقرير، كخبر او كتفاصيل، الى نسبة من المواطنين المستهدفين لا تقل عن نصف قراء الصحف ومشاهدي التلفزيون. وهذا يتطلب بطبيعة الحال حملة علاقات عامة مع وسائل الاعلام هدفها المحدد حجز مساحة محددة من حيث الوقت والمكان للاعلان عن موضوع التقرير والجمعية التي اصدرته. ونعرف من خلال التغطية الفقيرة للتقرير ان ذلك لم يحدث او انه لم يحدث بالشكل المناسب.

لاحظت الجمعية في التقرير المذكور ان ثقافة حقوق الانسان ليست شائعة في المجتمع السعودي، او ان اكثرية السعوديين ليسوا على وعي تام بالمفهوم وبالجهات العاملة في هذا المضمار، ومنها بطبيعة الحال جمعية حقوق الانسان نفسها. 

ولهذا السبب فقد توقعنا ان تستثمر الجمعية هذه الفرصة الهامة للتعريف بنفسها وبنشاطها. يتضمن التقرير الاول عن حالة حقوق الانسان في المملكة مادة في غاية الاهمية، وربما لم يسبق لهيئة محلية ان عالجتها على هذا النحو من التوسع والمباشرة. واظن ان هذه المادة بذاتها هي اقوى وسيلة لتقريب فكرة حقوق الانسان كمفهوم وكممارسة فردية او كنشاط جمعي الى عقول عامة المواطنين.

من المفهوم ان كثيرا من الناس متشكك في جدوى هذا النشاط او في قدرة الجمعية على معالجة الخروقات المتكررة لحقوق الانسان من قبل هيئات رسمية او غير رسمية. لكن مادة التقرير تدل بصورة قاطعة على ان الجمعية قادرة – رغم المعوقات والحدود المعروفة – على مباشرة المسألة ومعالجة بعض اجزائها، او على اقل التقادير تسليط الضوء عليها وتعريتها من المبررات.

ليس من المنتظر ان تقوم منظمات حقوق الانسان بدور الدولة، وهي لا تستطيع ذلك حتى لو ارادت. فدورها في الاساس رقابي، يتمحور حول المتابعة والمقارنة وتسليط الضوء على الافعال التي تنطوي على انتهاك للحقوق الاساسية للمواطنين، ثم مطالبة الجهات الرسمية بمعالجة المشكلة المرصودة. اما تنفيذ العلاج فهو مسؤولية الجهة الرسمية التي جرى الخرق في اطارها. بالنظر الى هذه الحدود، فان ما ورد في التقرير من معلومات ومعالجات يكشف عن جهد يستحق التقدير. ويبدو لي ان معظم من اطلع على التقرير قد توصل الى مثل هذا الاستنتاج.

لن يكون عمل الجمعية ذا تأثير اذا كان عدد المتابعين له او العارفين بتفاصيله محصور في اقلية صغيرة. ولا اظن اهل الجمعية غافلين عن اهمية الاعلام في صناعة المكانة والتأثير. لا يزال الوقت مناسبا للقيام بحملة اعلامية موسعة تستهدف اطلاع عامة المواطنين على التقرير. وينبغي ان تضع الجمعية قيمة كمية، تمثل حدا ادنى للتغطية الناجحة، تتضمن فقرات خبرية حول التقرير نفسه وحول الجمعية، وفقرات اخرى يشار ضمنها الى ما ورد في التقرير من مادة ذات علاقة، ومقابلات مع اعضاء الجمعية اوالخبراء في مجال حقوق الانسان او الاشخاص الذين كانوا طرفا في مشكلات عالجها التقرير.

هذا النشاط الاعلامي الموسع يحتاج الى تنظيم استثنائي خارج اطار الاعمال اليومية للجمعية. تختلف الحملة الاعلامية عن النشاط الاعلامي الاعتيادي في انها تستهدف صناعة جو جديد وفهم جديد عن الجمعية وعملها. ويتحقق هذا من خلال سلسلة من الاعمال المتزامنة تدور حول حدث محدد (هو التقرير) وتستهدف غرضا محددا، هو الوصول الى نسبة معتبرة من متابعي وسائل الاعلام.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070606/Con20070606116135.htm
الأربعاء 20/05/1428هـ ) 06/ يونيو/2007  العدد : 2180

02/05/2007

حقوق الإنسان في الإطار المحلي



إذا تحدثت الى رئيس هيئة حقوق الانسان الاستاذ تركي بن خالد السديري فسوف يخبرك من دون مواربة بانه يتفهم تساؤلات الناس عن دور الهيئة وربما شكوكهم في قدرتها على تلبية توقعاتهم الكثيرة. والمؤكد ان مثل هذا الشعور موجود لدى شقيقتها الاهلية (الجمعية الوطنية لحقوق الانسان).
والحق ان الانسان ليشفق على المؤسستين من صعوبة المهمة التي التزمتا بحملها نيابة عن المجتمع او نيابة عن الدولة. تكمن الصعوبة في ان مفهوم حقوق الانسان يعتبر جديدا على الثقافة العامة في المجتمع السعودي. ولعل كثيرا من الناس لا يفهم مغزاه او الحاجة اليه. والمؤكد ان بعض الناس سوف ينظر اليه بعين الارتياب او العداء. ربما يتذكر بعض القراء ما كان يقال في سنوات سابقة من ان «حقوق الانسان» وجمعياتها هي مجرد ادوات للغزو الفكري او التدخل الاجنبي. نفهم ايضا ان بعض البيروقراطيين، سيما في المراتب الوسطى من الادارة الحكومية والقطاع الخاص، لا يستسيغ فكرة الرقابة من خارج النظام الاداري لمؤسسته، ويزداد الامر سوءا اذا وصل الى نقد ادائه الشخصي، في تطبيق القانون او التعامل مع الغير
قد تمثل هذه الصعوبات عذرا للقائمين على المؤسستين. لكن القصور مثل التقصير ليس من النتائج التي يرغب الانسان في الاتصاف بها على اي حال. ولا اظن احدا في هذا القطاع او في اي قطاع آخر يرغب في الوقوف امام الناس او الصحافة يوما كي يخبرهم بانه عجز عن الوفاء بوعوده، حتى لو كان لديه مبررات واعذار. الفشل هو الفشل، مهما كان تبريره
اذا صح القول بان المؤسستين تواجهان مشكلة سببها غربة مفهوم «حقوق الانسان» عن الثقافة العامة المحلية، فسوف يتوجب عليهما وضع برنامج عمل «تثقيفي» غرضه المحوري هو تمهيد الطريق امام عملهما. يستهدف البرنامج ايصال فكرة حقوق الانسان وشرح موضوعها الى جميع الاطراف ذات العلاقة. واقترح تحديد الاستهدافات على النحو التالي:
أ- على المدى القصير: الهيئات الحكومية والخاصة التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، من وزارات او مؤسسات عامة او شركات اهلية. يتركز العمل في هذا الاطار على التفاوض مع رؤساء تلك الهيئات وقياداتها الوسطى، لشرح مفهوم حقوق الانسان وموضوعاته والخروقات المحتملة والاجراءات التأديبية او العقابية المقررة او التي يمكن ان تتقرر في المدى المنظور. الهدف الرئيس من هذا العمل هو تفهيم رؤساء الادارات بان سلطاتهم مهما عظمت لا تسمح لهم بخرق حقوق الغير، سواء كان مواطنا عاديا او مراجعا ذا مصلحة او وافدا اجنبيا، وصولا الى اقناع كل دائرة بوضع لائحة اجراءات تنفيذية محورها احترام حقوق الانسان. ويمكن ان تنفذ خطة العمل في هذا الجانب على مدى سنتين.
ب- على المدى المتوسط: التوجيه الاعلامي من خلال الصحافة والتلفزيون والمنتديات الخاصة والعامة والاتصال المباشر بالجمهور بكل وسيلة ممكنة. ومحور هذا العمل هو تبيئة مفهوم حقوق الانسان وتطبيقاته وجعلها اليفة عند الناس ومتصلة بثقافتهم، واقناعهم بفوائدها لاشخاصهم ومجتمعهم. اما غرضه الرئيس فهو ايجاد علاقة تفاعلية بين مؤسسات حقوق الانسان وبين الجمهور العام، وكشف المجالات والسبل التي يمكن لكل فرد ان يسهم فيها ومن خلالها في دعم الجهد الوطني الهادف الى حماية حقوق الانسان.
ج- على المدى البعيد: ادماج مفهوم حقوق الانسان ضمن برامج التعليم العام والنشاطات اللاصفية، ولا سيما في المراحل قبل الجامعية. ومحور هذا العمل هو تحويل مفهوم «حق الفرد ومسؤولياته» الى جزء اعتيادي في التربية المدرسية. وغرضه الرئيس هو انتاج قاعدة ثقافية لحقوق الانسان وتخليق مفاهيم مرادفة في الاطار المحلي، فضلا عن تعريف الفرد بنفسه كانسان حر، مستقل، ومتساو مع الغير، وتعويده على احترام مسؤولياته في هذا الاطار. هذا الجزء من البرنامج يحتاج الى مدى زمني لا يقل عن عشر سنوات.
خلاصة القول ان ترسيخ مبادئ حقوق الانسان قانونيا واداريا، يحتاج الى تبيئة وتوطين المفهوم. من هذه الزاوية فان برنامجا تثقيفيا واسع النطاق كالذي نقترحه يمثل وسيلة ضرورية لمعالجة ما اظنه غربة اجتماعية لهذا النشاط ومؤسساته.
عكاظ  2 مايو 2007  العدد : 2145

https://www.okaz.com.sa/article/104811

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...