‏إظهار الرسائل ذات التسميات نجيب الزامل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نجيب الزامل. إظهار كافة الرسائل

14/04/2021

التدريب على السعادة

 

يذكرني رمضان بصديقي نجيب الزامل ، الكاتب والرائد الاجتماعي ، الذي رحل عنا في مطلع العام المنصرم. لطالما شعرت – حين القاه في مثل هذا الشهر - بأني محظوظ بصداقة هذا الرجل العميق التفكير ، المتوقد العاطفة ، البشوش الوجه ، الذي أجمع الناس على محبته.

نجيب الزامل 

آمن المرحوم نجيب بأن السعادة ليست أمرا مكلفا ، ولا ينبغي ان تكون كذلك. ستنال السعادة اذا تسببت في إسعاد الآخرين. جرب الاعتياد على التبسم في وجه من تراه ، من الاقرباء لك والغرباء عنك. فكيف تظنهم سيردون؟.

الاحتمال الأقوى انهم سيبادلونك التبسم. تخيل الآن انك دخلت مجلسا او دائرة او سوقا فوجدت الوجوه جميعا باسمة... الن تشعر بالحبور والتفاؤل؟. تخيل انك تواجه هذا المشهد كل يوم ، في موقع العمل وفي السوق وفي البيت ، ألن تكون الحياة أجمل؟. هذا قدر من السعادة لايكلف اي شيء ، وهو ممكن لكل انسان ، صغيرا أو كبيرا.

ان اردت ان ترى وجوها باسمة ، في كل ساعة من ساعات اليوم ، فليكن وجهك باسما ، في كل ساعة من ساعات اليوم.

الذين يحملون وجوها حزينة او مكفهرة ، لديهم مبررات كثيرة ، بعضها معقول وبعضها مضحك او على الاقل ضعيف. سألت صديقا من اهل الوجوه الخشبية الخالية من اي تعبير: لماذا لا تبتسم حين تواجه الناس ، فأجابني ان هذا يقلل من هيبة الانسان. ولاحظت يوما ان صديقا لي استدار مبتعدا  ،كي لا يضطر للسلام على شخص حضر لتهنئته بزواج ابنه ، فعاتبته ، فقال ان هذا من نوع التكبر على المتكبر. ثم وجدته يبذل جهدا كي يبرر صنيعه ، ولو تلطف وقابل ذلك الشخص بوجه بشوش ، فسيكون اقرب الى السعادة ، وسيمكنه ان يروي لابنائه يوما ان جميع الناس جاؤوه مهنئين  ، لكنه الان لن يستطيع ذكر هذه الحادثة ، لان تصرفه لم يكن مدعاة للفخر.

الحياة ملأى بالمرارات. ونحن لا نستطيع اصلاح العالم. لكننا نستطيع التحكم في أجسامنا وانفعالاتنا. نحن من يجعل وجوهنا مكفهرة او مشرقة. ولنحمد الله ان لدينا وجوها وقلوبا ، واننا نستطيع ان نرى الناس كما يرونا.

لا تحول مجلسك الى مأتم ، فقد تخسر محبيك. رأيت مريضا في المستشفى يتأوه لانقطاع أهله عن زيارته. فكلمت قريبا له ، فاخبرني ان أهله كانوا ملتزمين بزيارته ، ثم انقطعوا عنه لكثرة عتابه لهم وسيء ما يقول عن آبائهم. وحسب تعبير هذا الصديق فان بيت ابنته كان يتحول الى مجلس عزاء ، بعدما يعودون من زيارة ابيها. واخيرا تعبوا منه وتركوه يتألم وحيدا. فايهم المذنب ياترى ، وايهم الظالم لنفسه؟.

اذا رأيت الناس يتعاطفون مع حزنك ، فاعلم انهم سيحبونك أيضا لو رأوك مبتسما. واذا رأيت الناس يظهرون الاحترام اذا قابلتهم بوجه غاضب ، فاعلم انهم ، لا يحترمون مقامك بل يتقون شرك.

لم يعلم اكثر الناس (وانا واحد منهم) ان نجيب الزامل كان مريضا منذ شبابه (وقد توفي بسبب ذلك المرض) لكنهم رأوه مبتسما على الدوام ، يدعو الناس الى المحبة والفرح ، فأحبوه لانهم وجدوه سببا لسعادتهم. اعرف وتعرفون كثيرا من الناس ، كان بوسعهم ان يكونوا مبتسمين دائما مثل نجيب ، لكنهم فضلوا مقابلة الناس بوجوه خشبية او مكفهرة ، فمن يذكرهم اليوم مثلما نذكر نجيب ، ومن يتحدث عنهم مثلما نتحدث عن داعية المحبة هذا؟.

الشرق الأوسط  الأربعاء - 2 شهر رمضان 1442 هـ - 14 أبريل 2021 مـ رقم العدد [15478]

https://aawsat.com/node/2917241

مقالات ذات علاقة

عن مكارم الاخـــــلاق

وصايا رمضانية

مفهوم العدالة الاجتماعية

في تفسير التنازع بين الدعاة والمصلحين

 

16/08/2010

وصايا رمضانية

هذه تعقيبات على وصايا رمضانية ، قدمها صديقنا العزيز الأستاذ نجيب الزامل ، أعرضها على من شاء أن يجني شيئا من بركات هذا الشهر الكريم:

1- مبدأ الحياة أن تكون سعيدا. جوهر السعادة هو أن تشعر بالحب يسري من حولك، في عيون الناس وفي كلامهم إليك. كي تشعر بحب من حولك حاول أن تعطيه من قلبك، وتعلم أن تترك قلبك مفتوحا كي يدخل إليه. أنت تشعر بالسعادة إذا ابتسم في وجهك شخص تعرفه أو لا تعرفه، وإذا قال لك كلاما طيبا. فلتكن المبادرة من عندك: قل للناس الكلام الطيب الذي تود أن تسمعه منهم، وبادرهم بالبشاشة والابتسام الذي تأمل أن تراه في وجوههم. إذا أردت محبة الناس فابدأهم بالحب.

نجيب الزامل (انتقل الى رحمة الله 4 يناير 2020)

2- ورد في وصايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم». وأظن أن أسعد الناس من كثر صحبه ومحبوه ، وأقلهم سعادة ، من يعيش وحيدا لا يعاشر أحدا ولا يعاشره أحد. ربما تخترع ألف مبرر كي تغضب من صديق أو تخسر صديقا، لكن أيا من هذه المبررات لا تعطيك لحظة سعادة. أما حين تكسب صديقا جديدا فإنك تخلق سببا للسعادة والسرور، لأنك تشعر بقيمة ذاتك وما تنطوي عليه من جمال لا يدركه من اعتاد الغضب أو الكراهية.

3- يتمنى بعض الناس أن يلتقي زيدا ليبصق في وجهه، أو ربما يتمنى لو كان له قوة لذبحه واستراح منه. لكنه لو فعل ذلك فسوف يظل أسيرا لهذا الفعل نادما عليه سنوات وسنوات. اسألوا الذين بدأوا حياتهم بالعنف والتشدد مع الآخرين ممن حولهم، كيف أصبحوا يشعرون بالخجل كلما التقت عيونهم مع عيون ضحاياهم، أو كلما ذكرت هذه القصة في جمع من الناس ممن يعرفهم أو لا يعرفهم. يخجل الإنسان من استذكار الألم الذي أوقعه في الآخرين، لكنه يشعر بالسعادة كلما تذكر إحسانا فعله فيهم، أو كلمة طيبة قالها لهم، ويشعر بسعادة أكبر إذا ذكر هذا الإحسان وقرن اسمه معه.

إذا فكرت في قهر شخص أو في وصفه بقبيح الكلام أو في معاملته بالعنف والشدة، فاعلم أن هذا الموقف الذي يدوم ساعات سوف يطاردك سنوات، وسوف يعكر صفو حياتك وسوف يحرمك السعادة حين تحتاجها. القول اللين وعمل الإحسان راسمال تستعيد أرباحه في مستقبل أيامك.

4-أجد بعض من يحمل لقب شيخ أو داعية أو يصنف نفسه في قبيلة المثقفين، عنيفا في الكلام، يستعمل من الألفاظ أخشنها وأكثرها إثارة للكراهية، ويظن نفسه بطلا في معركة. والحق أن المعركة قائمة في داخل نفسه فهو الذي نفسه منقسمة على ذاتها يحارب بعضها بعضا، وهو الذي يرى العالم من حوله حروبا تلد أخرى. وقد كان العفو أوسع له لو أراد السعة، والحلم أليق به لو عرف قيمة إنسانيته. لو كان رفيقا بنفسه لاكتشف جمال الرفق بالناس في كلمة طيبة أو ابتسامة في الوجه أو تحية في مناسبة أو في غير مناسبة..

5- حين تحسن إلى شخص فإنك لا تسأل إن كان مستحقا للإحسان أم لا. وقد أخطأ الذين قسموا الناس إلى مستحقين للإحسان ومستحقين للإساءة. ينبغي للإنسان أن يفعل ما يليق به، وما يحب أن يوصف به وينسب إليه. فهل رأيتم شخصا يحب أن يوصف بأنه شتام أو عياب، وهل يرضى شخص بأن يذكر في تاريخه أنه كان يذكر مخالفيه بالسوء ويشتمهم؟. إني لم أجد إسرافا محمودا ومحبوبا مثل الإسراف في القول اللين والإسراف في إظهار المحبة وبشاشة الوجه.

6- رمضان شهر التواضع، وأول التواضع هو الاعتقاد بأن ما تعرفه ليس آخر العلم، وأن ما تعتقده قد لا يكون عين الحق. التواضع هو أن تحتمل أن بعض ما تراه خطأ عند الآخرين ليس خطأ في حقيقة الأمر بل ربما يكون علما لم تبلغه أو حقا لم تدرك أبعاده.

لن يحاسبنا الله على أفعال الآخرين وآرائهم، لكنه سيسألنا عن أفعالنا الخشنة وأقوالنا الجارحة، فقد تكون ظلما للغير وإن ظنناه حقا يستوجب الإعلان.

 صحيفة عكاظ  - 16 / 8 / 2010

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...