يذكرني رمضان بصديقي
نجيب الزامل ، الكاتب والرائد الاجتماعي ، الذي رحل عنا في مطلع العام المنصرم. لطالما
شعرت – حين القاه في مثل هذا الشهر - بأني محظوظ بصداقة هذا الرجل العميق التفكير
، المتوقد العاطفة ، البشوش الوجه ، الذي أجمع الناس على محبته.نجيب الزامل
آمن المرحوم
نجيب بأن السعادة ليست أمرا مكلفا ، ولا ينبغي ان تكون كذلك. ستنال السعادة اذا
تسببت في إسعاد الآخرين. جرب الاعتياد على التبسم في وجه من تراه ، من الاقرباء لك
والغرباء عنك. فكيف تظنهم سيردون؟.
الاحتمال
الأقوى انهم سيبادلونك التبسم. تخيل الآن انك دخلت مجلسا او دائرة او سوقا فوجدت
الوجوه جميعا باسمة... الن تشعر بالحبور والتفاؤل؟. تخيل انك تواجه هذا المشهد كل
يوم ، في موقع العمل وفي السوق وفي البيت ، ألن تكون الحياة أجمل؟. هذا قدر من
السعادة لايكلف اي شيء ، وهو ممكن لكل انسان ، صغيرا أو كبيرا.
ان اردت ان ترى
وجوها باسمة ، في كل ساعة من ساعات اليوم ، فليكن وجهك باسما ، في كل ساعة من ساعات
اليوم.
الذين يحملون
وجوها حزينة او مكفهرة ، لديهم مبررات كثيرة ، بعضها معقول وبعضها مضحك او على
الاقل ضعيف. سألت صديقا من اهل الوجوه الخشبية الخالية من اي تعبير: لماذا لا
تبتسم حين تواجه الناس ، فأجابني ان هذا يقلل من هيبة الانسان. ولاحظت يوما ان صديقا
لي استدار مبتعدا ،كي لا يضطر للسلام على
شخص حضر لتهنئته بزواج ابنه ، فعاتبته ، فقال ان هذا من نوع التكبر على المتكبر. ثم
وجدته يبذل جهدا كي يبرر صنيعه ، ولو تلطف وقابل ذلك الشخص بوجه بشوش ، فسيكون
اقرب الى السعادة ، وسيمكنه ان يروي لابنائه يوما ان جميع الناس جاؤوه مهنئين ، لكنه الان لن يستطيع ذكر هذه الحادثة ، لان
تصرفه لم يكن مدعاة للفخر.
الحياة ملأى بالمرارات.
ونحن لا نستطيع اصلاح العالم. لكننا نستطيع التحكم في أجسامنا وانفعالاتنا. نحن من
يجعل وجوهنا مكفهرة او مشرقة. ولنحمد الله ان لدينا وجوها وقلوبا ، واننا نستطيع
ان نرى الناس كما يرونا.
لا تحول مجلسك
الى مأتم ، فقد تخسر محبيك. رأيت مريضا في المستشفى يتأوه لانقطاع أهله عن زيارته.
فكلمت قريبا له ، فاخبرني ان أهله كانوا ملتزمين بزيارته ، ثم انقطعوا عنه لكثرة
عتابه لهم وسيء ما يقول عن آبائهم. وحسب تعبير هذا الصديق فان بيت ابنته كان يتحول
الى مجلس عزاء ، بعدما يعودون من زيارة ابيها. واخيرا تعبوا منه وتركوه يتألم
وحيدا. فايهم المذنب ياترى ، وايهم الظالم لنفسه؟.
اذا رأيت
الناس يتعاطفون مع حزنك ، فاعلم انهم سيحبونك أيضا لو رأوك مبتسما. واذا رأيت
الناس يظهرون الاحترام اذا قابلتهم بوجه غاضب ، فاعلم انهم ، لا يحترمون مقامك بل
يتقون شرك.
لم يعلم اكثر
الناس (وانا واحد منهم) ان نجيب الزامل كان مريضا منذ شبابه (وقد توفي بسبب ذلك
المرض) لكنهم رأوه مبتسما على الدوام ، يدعو الناس الى المحبة والفرح ، فأحبوه لانهم
وجدوه سببا لسعادتهم. اعرف وتعرفون كثيرا من الناس ، كان بوسعهم ان يكونوا مبتسمين
دائما مثل نجيب ، لكنهم فضلوا مقابلة الناس بوجوه خشبية او مكفهرة ، فمن يذكرهم
اليوم مثلما نذكر نجيب ، ومن يتحدث عنهم مثلما نتحدث عن داعية المحبة هذا؟.
الشرق الأوسط الأربعاء - 2 شهر رمضان 1442 هـ - 14 أبريل 2021
مـ رقم العدد
[15478]
https://aawsat.com/node/2917241
مقالات ذات علاقة
عن
مكارم الاخـــــلاق
وصايا
رمضانية
مفهوم العدالة الاجتماعية
في تفسير التنازع
بين الدعاة والمصلحين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق