وصلتني من احد الأصدقاء الأعزاء رسالة طويلة ، أرادها ردا على مقال الأسبوع الماضي. وخلاصة الحجج التي ساقها الصديق ، هي ان الدعوة لتجديد الدين ليست جديدة. وقد كتب عنها عشرات الكتب والرسائل. اما الكتابات الجديدة ، فلا تخلو من شائبة الانبهار بالفكر والمدنية الغربية ، فلا يؤمن الخطر من جانبها.
والحق ان ما قاله الصديق
لايبعد عن الواقع. ويظهر ان اقدم ما وصلنا من كتابات الاسلاف في هذا الموضوع ، هو
رسالة "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة" لجلال الدين السيوطي (1445-1505م) وقد حققها وطبعها المرحوم عبد الحميد شانوحة (1947-2020) وله
عليها تعليقات لا تقل قيمة عن متن الرسالة ان لم تزد. واقتصرت الرسالة على مراجعة
الروايات المختلفة لحديث النبي (ص) الذي فحواه ان الله يبعث للأمة على رأس كل قرن
من يجدد لها دينها ، والنصوص التي جرت مجراه ، ثم الاقوال المختلفة في تعيين من
ينطبق عليه وصف "المجدد" في كل قرن من القرون السابقة.السير سيد احمد خان 1817م-1898م
واطلعت أيضا على كتاب
طريف في هذا الباب ، هو "مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سعيد ، الذي خصص مايزيد عن ثلثي صفحاته
لنقد "المفهوم العصراني للتجديد" أي النقاشات الحديثة في الفكر الديني ،
الصادرة من خارج المدارس التقليدية ، او التي من داخلها لكنها تأخذ منحى نقديا
لمناهجها وثقافتها. وقد سمى تحت هذا الوصف جملة مفكرين ، أولهم سيد أحمد خان ،
المفكر الهندي ، ثم محمد اقبال ،
الفيلسوف والشاعر الباكستاني ، ثم الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق ومحمد اسد وعبد الله العلايلي وآخرون.
أقول ان هذا الكتاب طريف ،
لأنه اتخذ معيارا وحيدا تقريبا في نقده لما اسماه بالمفهوم العصراني ، هذا المعيار
هو خروج الفقيه أو المفكر عن القواعد الموروثة في علوم الدين. بعبارة أخرى ، فهو
يعتبر تجديدهم باطلا ، لأنهم أرادوا الانعتاق من التفسيرات القديمة والأفكار
القديمة ، أي انهم سعوا للتجديد الفعلي. هذا الكتاب اقرب الى مرافعة ضد الحداثة ،
مما هو حول التجديد.
والمشهور بين الدعاة
وعامة الناس ، ان جوهر التجديد هو الرجوع لما يسمونه الاصول الصافية ، اي القرآن
الكريم والسنة النبوية. وهم يرون ان المشكل هو "علم الدين" اي الشروح والتفاسير
والاجتهادات ، التي اعطيناها مرتبة تماثل الدين. فالتجديد عندهم هو ترك تلك الاراء
والعودة للأصل.
لكن هذا يقودنا الى مشكل آخر:
هل سيكون لكل العلماء المعاصرين حق متساو في العودة للنص والاجتهاد فيه ، ام ان
هذا الحق محصور في اشخاص بعينهم او مدرسة بعينها؟.
اذا فتح الباب للجميع
(وهو الاكثر معقولية) فكل ما ينتجه المفكرون والعلماء سواء في القيمة ، من أخذ
بهذا الاتجاه ومن أخذ بنقيضه ، من اعتمد مناهج البحث القديمة او أخذ بتلك التي
تطورت في اوربا. واذا قلنا بان الباب مقصور على العلماء الراسخين في علم الشريعة ،
بمعنى ان تفكيرهم الديني بني وتطور في اطار علم الشريعة الموروث ، فسوف يكون العلم
الذي يحملونه ، هو العلم الذي نتوقع منهم ان يتخلوا عنه! ، فهل هذا ممكن واقعيا؟.
اردت القول ان مفهوم
التجديد هذا ، غير مفيد ولايثمر عن تجديد حقيقي. التجديد بمعنى المزامنة والمعاصرة
، مشروط باجراء مطالعة نقدية في الاصول نفسها ، لاستكشاف الفاصل بين الافق
التاريخي للنص ورسالته الداخلية. ولعلنا نعود لهذه الفكرة في قادم الأيام.
الشرق الأوسط الأربعاء - 14 شوال 1442 هـ - 26 مايو 2021 مـ
رقم العدد
[15520]
https://aawsat.com/node/2992456/
مقالات ذات علاقة