لا
مناص من مواصلة التفكير . ولا مناص من التعبير عما نتوصل اليه من افكار . سواء
قبلها الناس او رفضوها. وسواء توافقت مع المألوف او كانت غريبة. بوسع الكاتب
والمفكر ان يستقريء اراء الناس ثم يعيد صياغتها في قالب ادبي . وسوف يحصل بالتاكيد
على شهادات مديح لاحصر لها ، لانه "عبر عما في نفوس الناس" او كان
"مرآة للمجتمع". لكننا نعرف ان المرآة لا تريك شيئا غير القشرة
الخارجية. تريك وجهك الذي تعرفه والذي اعتدت عليه.
المفكر
ليس مرآة للمجتمع ولا ينبغي ان يكون كذلك. وليست مهمة الكاتب محصورة في التعبير
عما في نفوس الناس. رايت مرة اشخاصا ياتون الى عزاء فيجدون اهله يبكون وينتحبون
فيشاركونهم في البكاء ، وهم بذلك يواسونهم ويعزونهم ويخففون عليهم وطأة المصيبة .
فهل وظيفة الكاتب هي البكاء مع الباكين والضحك مع الضاحكين؟.
لو
قبل اصحاب الافكار بالاستسلام لفكرة التوافق مع مألوف المجتمع والانسجام مع
تقاليده ، فمن الذي سيكشف للمجتمع عيوب هذه التقاليد والمالوفات؟ ومن الذي سيخبر
الناس عن الافكار الجديدة ، ومن الذي سيلفت انظارهم الى عيوب الواقع ونواقصه؟.
كتب
توماس كون ، الفيلسوف الامريكي الشهير ، ان العلوم لم تتطور بشكل تدريجي ، لبنة
فوق لبنة. تقدم العلوم جاء على شكل انقلابات دراماتيكية في المفاهيم والافكار
والمسلمات. وجادل في كتابه "بنية الثورات العلمية" بان عالم الافكار ليس
مجرد منظومة متفاعلة ، بل هو نسق Paradigm مغلق الى حد ما ، يحوي
في داخله – اضافة الى النظرية العلمية – انماط سلوك ونظم علاقات وقيم . بل وحتى
تكوينات اجتماعية ، تعمل جميعها على نحو يشبه مؤسسة مترابطة ، تدافع عن وجودها ، مثلما
يدافع حزب سياسي عن طروحاته ومصالحه.
حين
يتمرد البعض على هذا النسق ، يعارضون مسلماته او يقدمون بدائل عنه او حلولا
لمشكلات مستعصية فيه ، فانهم – خلافا للمتوقع – لا يلقون ترحيبا او تشجيعا . بل
يواجهون الشكوك والاتهامات ، وربما يصفهم رجل دين – كما فعل الشيخ ناصر العمر هذا
الاسبوع – بانهم هواتف عملة ، يتحدثون بقدر ما يدفع لهم. او ربما يوصفون بانهم
حمير للاجنبي ، او تافهون – رويبضة حسب الوصف المعياري الدارج في بلدنا -.
تجربة
الانسان المعاصر تكشف بوضوح حقيقة ان
الخلاص من التقاليد البالية والاعراف المتخلفة لم يكن – في اي بلد – سهلا
او ميسرا. ولعل ابسط ثمن يدفع هو احتمال تلك الاوصاف والصبر على اصحابها ، حتى يصل
النداء الجديد الى جميع الناس. وعندها سينقلب الذين قاوموا الراي الجديد الى
مدافعين عنه وانصار.
لو
مالأت المجتمع وانسقت في تياره فلن يكون لفكرك قيمة. لانك – حينئذ – مجرد ميكروفون
او مرآة. ولو حاولت تنبيه الغافلين الى العوالم التي لا يرونها ، او التي لا
يريدون رؤيتها ، فسوف تتهم بالزندقة والالحاد وعمالة الاجنبي. هذه اوضح الخيارات
المتاحة امام اصحاب الراي والكتاب.
الاقتصادية
22 مايو 2012
http://www.aleqt.com/2012/05/22/article_659209.html
مقالات ذات صلة
الحريات العامة
كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب
الحرية التي يحميها
القانون والحرية التي يحددها القانون
الحرية المنضبطة
والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...
الحرية وحق الاختلاف في
منظور الاسلاميين: عرض كتاب