‏إظهار الرسائل ذات التسميات دستور افغانستان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دستور افغانستان. إظهار كافة الرسائل

01/09/2021

الاسئلة الخطأ

 

استيلاء حركة "طالبان" على العاصمة كابل ، أثار – كما توقع الجميع – نقاشات مستجدة حول الحكومة الدينية وسلطة رجال الدين. ومرة اخرى ذهبت نقاشاتنا في اتجاه لا يفيد معرفة ولا يثبت رأيا. في اعتقادي ان سؤال: هل حكومة "طالبان" اسلامية ام لا ، سؤال خطأ ، فلا يمكن ان يأتي بجواب صحيح مهما حاولت.

سواء اعتبرنا حركة "طالبان" جيدة او سيئة ، اسلامية ام قبلية ، فان السؤال المتعلق بتشكيل الحكومة ينبغي ان يبدأ في نقطة أخرى ، هي الشرعية السياسية.

بكلمة موجزة ، تعرف الشرعية السياسية ب "الحق او المبرر الذي يسوغ لاشخاص محددين اصدار الاوامر للناس والتصرف في المال العام ، والحق او المبرر الذي يسوغ للمواطنين طاعتهم من دون ان يشعروا بان أولئك الاشخاص يستعبدونهم". أقرب مثال يوضح الفكرة هو علاقة الموظف بمديره: حين يأمرك المدير بأمر ، فان كليكما يعرف الاساس او المبرر الذي يسوغ له اصدار الامر ، ويسوغ لك طاعة الامر ، رغم انك لست عبدا له. المبرر طبعا هو عقد العمل الذي وقعته مع رب عملك.

بالعودة الى افغانستان.. فان دستورها الصادر في 2004 هو وثيقة العقد الاجتماعي بين المواطنين ، والتي تشكل مصدر الشرعية القانونية ، كما تحدد طريقة نيل الشرعية السياسية. هذا الدستور هو القانون الاعلى للبلاد ، وهو مرجع كافة القوانين ، واليه يرجع تفويض السلطات وتبريرها.

لكن السؤال الذي يسبق الدستور ، هو بالتأكيد سؤال الدولة ذاتها: ما هي هذه الدولة التي ستنظم امورها طبقا لهذا الدستور؟. نسمع طبعا من يتحدث عن "امارة اسلامية". لكن ليس لدينا نموذج مماثل في هذا العصر كي نقيس عليه ، اما نموذج الحكم الذي اقامته "طالبان" نفسها بين عامي 1996 و 2001  فقد كان فوضويا وغير مستقر ، ولذا لا يمكن القياس عليه ، بل حتى زعماء طالبان يقولون بشكل صريح او ضمني انهم لن يكرروا تلك التجربة.

يمكن ان تناقش سؤال الدولة من اي زاوية. لكنك مضطر ، في نهاية المطاف ، لطرح نموذج الدولة القومية الحديثة ، لأنها النموذج الوحيد المتلائم مع النظام الدولي والقوانين التي تحكم العلاقات بين الأمم. بعبارة اخرى ، فان اي دولة مضطرة الى اقامة علاقات مع دول العالم الاخرى ، ولن تستطيع العيش في  عزلة. هذه العلاقات منظمة فعليا في اطارات قانونية ومؤسسية راسخة ، لا تفسح مجالا إلا لنموذج الدولة القومية.

لعل طالبان تعتزم اقامة دولة قومية ، وتطلق عليها اسم الامارة الاسلامية ، فهناك العديد من الدول ، من بينها افغانستان نفسها وباكستان وايران وموريتانيا ، تحمل اسم الجمهورية الاسلامية ، لكنها في واقع الامر دول قومية.

لا بد لحركة "طالبان" ان تسير في هذا الاتجاه (بغض النظر عن الاسم) ، اي ان تقيم دولة قومية ذات نهج تعددي ، يحترم كافة المكونات القومية والدينية ، ويقيم هوية وطنية جامعة ، لا ترهن علاقة المواطن مع بلده او مع حكومته ، بعرقه ولا بدينه او قبيلته او طريقة حياته. يمكن للمواطن ان يكون مسلما او بوذيا او هندوسيا ، ويمكن ان يكون من البشتون او الازبك. لكن ما هو مهم هو الهوية الوطنية التي لا تميز بين اي من هؤلاء.

تمثل الدولة القومية إطارا مناسبا للمشاركة المتساوية في الحقوق والفرص المتاحة في المجال العام ، والوصول الى الوظائف العامة. هذه المساواة القانونية هي التي تعزز امل المواطنين في المستقبل ، وتبرر تحميلهم الواجبات والمسؤوليات المقابلة لتلك الحقوق ، وابرزها واجب الدفاع عن البلد والمساهمة في بنائه.

ان اي حكومة ، في اي بلد ، مسؤولة في المقام الاول عن دنيا الناس وعمرانها ، اما آخرتهم ، فكل منهم مسؤول بشكل شخصي عن مصيره "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 محرم 1443 هـ - 01 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15618]

https://aawsat.com/home/article/3163791/

مقالات ذات علاقة

توفيق السيف في مقابلة تلفزيونية حول الربيع العربي وصعود التيار الاسلامي

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني

التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

مباديء اهل السياسة ومصالحهم

اقامة الشريعة بالاختيار

الحد الفاصل بين الاسلام و الحركة

الحركة الاسلامية: الصعــود السـر يـع و الا سئـلة الكبرى

الحل الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟

جدل السياسة من الشعارات الى البرامج

حاكمية الاسـلام … تحــولات المفـهــوم

نقد المشروع طريق الى المعاصرة

مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة

الحركة الاسلامية ، الجمهور والسياسة

الديمقراطية والاسلام السياسي

من الحلم الى السياسة

ان تكون سياسيا يعني ان تكون واقعيا

 

سلع سريعة الفساد

 

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...