‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجلة العربية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجلة العربية. إظهار كافة الرسائل

02/12/2013

حق حرية التعبير وإرهاصات الفلسفة المتخيلة: د.توفيق السيف وصالح الديواني


n       منذ منتصف تسعينات القرن الماضي بدأ المجتمع السعودي يستعيد توازنه الثقافي.
n       أشك في إمكانية وجود خطاب ثقافي أو فلسفي في ظل خطاب ديني مهيمن.
n        المضمون النهضوي حاضر في الثقافة السعودية لكنه ليس تراكماً نهضوياً
n       الهوية من أهم القضايا التي تواجه المجتمعات العربية وبينها مجتمعنا
د.توفيق السيف

n       قضايا الفكر لا يمكن المجازفة بها بل تحتاج لجهد أكبر المفردة الدينية دائمة الحضور بين ثنايا الكلمات المتداولة
n       الإبداع الفردي في أصله مقترن بالحرية.
n        الفكرة الإبداعية غائبة ومغيبة بسبب التحولات السياسية.
n        المجتمع العربي يعيش أزمة الهوية بسبب حالة الجمود
صالح الديواني 
نايف كريري: جازان
نلتقي عبر سجالات (المجلة العربية) هذا الشهر مع ضيفين اشتهرا بكتاباتهما في مجالات الفكر والثقافة، ضيفنا الأول الدكتور توفيق السيف الذي استبعد من خلال هذا السجال أن يصبح المجتمع السعودي منافساً للمجتمعات المتقدمة في إنتاج العلم، طالما –حسب رأيه- بقيت الفلسفة غائبة عن المدارس والجامعات والصحافة. والضيف الآخر الكاتب الأسبوعي بجريدة الوطن الأستاذ صالح الديواني الذي يرى أن الخطاب الديني سيكون حاضراً ببهاء أكثر متى استطاع التخلص من عجرفة متبنية ديباجة إرثه القديمة. فإلى تفاصيل فقرات هذا السجال:

فلسفة مشاكسة

الفلسفة كتيار ناشئ في السعودية كيف يمكن أن يكون في المستقبل، وكيف يمكن أن يتلافى ما وقعت فيه التيارات الأخرى من أخطاء أو هفوات على الساحة؟
د.توفيق السيف: الاهتمام بالدراسات الفلسفية جديد في بلدنا، وهو قصر على شريحة صغيرة من النخبة. يقال إن الفلسفة هي أم العلوم، لأنها الأساس في التفكير العلمي. والتفكير العلمي هو التمهيد الضروري لإنتاج العلم.
من العسير أن يصبح المجتمع منتجاً للعلم ما لم يتبلور فيه العقل النقدي والتفكير العلمي، وتبعاً له فإني أستبعد أن يصبح المجتمع السعودي منافساً للمجتمعات المتقدمة في إنتاج العلم، طالما بقيت الفلسفة غائبة عن المدارس والجامعات والصحافة.

الفلسفة ليست تياراً سياسياً أو اجتماعياً بل هي منهج تفكير وبحث، ولأنها منتج بشري فهي تخضع لنفس قوانين التغيير والتحول التي تخضع لها بقية منتجات البشر. بمعنى آخر فإنه لا يصح أن نتوقع الكمال في أي علم. النقصان والخطأ والقصور جزء من طبيعة العلم؛ ولأن جميع أهل العلم يعرفون هذه الحقيقة، فإنهم لا يتوقفون عن نقد الآراء والنظريات العلمية، بل ينظرون إلى النقد كسبيل لا غنى عنه لتطور العلم وارتقائه.
فيما يخص بلدنا فإننا بحاجة إلى الفلسفة كي يتحول مجتمعنا إلى بيئة منتجة للعلم، وكي نرتقي بحواراتنا واختلافاتنا، أي نحول اختلافنا في الفكرة والرأي والعقيدة والتوجه، إلى عامل إغناء لحياتنا، وهذا يخالف الرؤية التقليدية التي تعتبر الاختلاف سبباً للشقاق والتنازع.
صالح الديواني: لا يوجد في الأصل تيار فلسفة ناشئ في المملكة، وإذا كنت تقصد تلك المحاولات المتمردة هنا وهناك من قبل البعض، فهي من وجهة نظري مجرد محاولات صغيرة (مشاكسة) تتلمس عبر يومياتها كسر المألوف من خلال تدوين ملاحظاتها ليوم ما قادم. وحتى أكمل الإجابة يجب أن يكون هناك موجود لأتحدث عنه، إلا أنه في الواقع ليس إلا إرهاصات مُتخيلة لا أكثر وإن منحها البعض مرتبة الوجود كحقيقة.

الاهتمام السياسي

يعيش المجتمع وبخاصة في العقد الأخير عدداً من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما أثر هذا الحراك المجتمعي في تشكيل الفكر السعودي، وما النتائج المؤملة من هذا الحراك للوصول إلى تشكل فكري ناضج؟
د.توفيق السيف: أميل إلى الربط بين الظرف الثقافي في المملكة، وخطط التنمية الاقتصادية التي بدأت في 1971 حيث شهد المجتمع السعودي في السنوات العشر الاولى (1971-1980) ما أظنه قطيعة حادة عن تاريخه الثقافي السابق. وخلال العقد التالي بدأ في تشكيل ما يمكن وصفه بثقافة جديدة، كانت –بسبب القطيعة السابقة– مختلطة، بين الغرق المتعمد في التراث، وكان هذا واحداً من تجليات (صدمة الحداثة)، وبين الإغراق في استيراد الثقافة الأجنبية، وهو ثمرة للشعور بالفراغ والفقر الفكري. لكن في المرحلة الثالثة، سيما منتصف تسعينات القرن الماضي، أشعر أن المجتمع السعودي يستعيد توازنه الثقافي. وشهدنا خلال العقدين الماضيين أعمالاً فكرية مثيرة للاهتمام.
مجتمعنا ليس بعيداً عن بلوغ مرحلة النضج الثقافي. لكن هذا سيبقى رهناً بمساحة الحرية المتاحة للإنتاج الفكري والثقافي. حرية الاعتقاد والتعبير مازالت -للأسف– موضع جدل في بلادنا. نحن بحاجة إلى إقرار جمعي بحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير باعتبارها حقوقاً فردية مصونة بالقانون. إذا تحقق هذا، فسوف نكتشف سريعاً أن مجتمعنا ينطوي على طاقات فكرية عظيمة، تنتظر الفرصة المناسبة كي تكشف عن وجهها.
صالح الديواني: أنا متفائل بالمستقبل البعيد على الرغم من قوة المغريات التي تحاول كل جهة طرحها للفوز بالشريحة الأكبر والاستحواذ عليها، لكن تلك المغريات خطيرة بخطورة استخدامها كأدوات، وهذا ما يجعلها خارج الوعي والاستيعاب مؤقتاً، وقد ينقلب عليها وعلى مستخدميها لاحقاً بالاتجاه السلبي، ومن الواضح أن ذلك الحراك محل اهتمام سياسي بالدرجة الأولى، فقضايا الفكر وأطروحاته لا يمكن المجازفة بها هكذا، ذلك لأنها مؤثرة لفترات طويلة، وتحتاج جهداً أكبر لإحلال بدائل أخرى غيرها.

طرف المعادلة

إلى أي مدى يمكن أن يتقاطع الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي، وحتى مع الفلسفي الظاهر حديثاً في الفكر السعودي؟ وما السبب في كون الخطاب الديني دائماً في أحد أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية؟
د.توفيق السيف: من الصعب القول بوجود (خطاب ثقافي) أو (خطاب فلسفي). يطلق وصف (الخطاب - Discourse) على منظومة منهجية تتضمن نظرية ومعايير نقدية ودائرة مصالح. هذه الفكرة تقترب من وصف النسق والنموذج الذي اقترحه الفيلسوف الأمريكي توماس كون.
نعلم أن هناك خطاباً دينياً في بلدنا، وهو معروف ومحدد بنظريته ومعاييره ورجالاته ومؤسساته ودوائر مصالحه الخاصة. لكني أشك في إمكانية وجود خطاب ثقافي أو فلسفي. ربما نتحدث عن رؤى اجتماعية أو سياسية تجمع شريحة كبيرة أو صغيرة من المثقفين، لكن هذا لا ينطبق عليه وصف الخطاب المتعارف في علم الاجتماع.
فيما يخص كون الخطاب الديني طرفاً رئيسياً في معظم الحوارات الجارية في المملكة، فسببه هو هيمنة الجانب الديني على الثقافة العامة، إضافة إلى أن دور الدين في الحياة العامة، وقيمة المنتج الثقافي/ الاجتماعي الذي تقدمه المؤسسة الدينية، يمثلان موضع جدل رئيسي في المجتمع المحلي.
صالح الديواني: انظر.. بالإمكان أن يكون الخطاب الديني حاضراً ببهاء أكثر متى استطاع التخلص من عجرفة متبنية لديباجة إرثه القديمة، ولغة التعالي الإقصائية التي يقدمونه من خلالها، إذ عليهم أن يقدروا أهمية الزمن ومتغيراته، والواقع ومتطلباته، وإلا فإنهم سيكونون مضطرين لمواجهة جماهيرية غير مسبوقة، وهو ما رأيناه يحدث في مجتمعات إسلامية عديدة، وتواجده الدائم كأحد أطراف المعادلة، لا يعود لقوته الفكرية أو الفلسفية أو الإقناعية، بل لأن المجتمع في أصله ذو صبغة دينية، فالمفردة الدينية دائمة الحضور بين ثنايا كلماته المتداولة (السلام عليكم، ما شاء الله تبارك الله، بالله عليك يا فلان، حفظك الله يا صديقي... إلخ)، وهذا الحضور في الواقع هو ما يكسب الخطاب الديني تفوقه على غيره فقط. ولكنه قطعاً بحاجة ماسة إلى تطوير لغته، لأنه اليوم أمام جيل متعدد الثقافات والاطلاع.

النهضة والعولمة

هل غاب الخطاب النهضوي عن قاموس كثير من الخطابات المختلفة والمتعددة في الفكر السعودي؟
د.توفيق السيف: أجد أن المضمون النهضوي حاضر في الثقافة السعودية في مستويات عديدة. لكنه غير متوائم، ولهذا فإنه لا يؤدي إلى تراكم الفكر النهضوي. عدم التراكم سببه –في ظني– هو افتقارنا إلى نقاشات علنية حول (النهضة) باعتبارها قضية عامة، فيها جوانب علمية واجتماعية وسياسية... إلخ. إذا نظرنا إلى تجربة المجتمعات الأخرى، في الشرق والغرب، فسنرى أن جدلية (النهضة) بدأت بنقد المألوف، سواء الذي ورثناه أو الذي صنعناه في عصرنا. تنطلق فكرة النهضة من احتجاج على الواقع القائم، ثم تمرد عليه، ثم نقاش في بدائله. بسبب غياب الضمان القانوني لحرية التعبير، فإن نقاشات كهذه لا تزال محدودة ومنخفضة المستوى.
صالح الديواني: كل ما نراه اليوم مطروحاً من الصيغ المختلفة للخطابات (النهضوية) -وأتحفظ على تسميتها- على الساحات العربية بعمومه، هو في الواقع نتاج العولمة وحساباتها، سواء أكانت تلك الحسابات سياسية أم اقتصادية، وتخضع أيديولوجياً لثقافة المسيرين واللاعبين الأساسيين، ويكفي أن تلقي نظرة على التحولات السياسية في المنطقة لتدرك أن الفكرة الإبداعية غائبة أو لنقل مغيبة.

كسر الجمود

هل يعيش المجتمع أزمة الهوية؟
د.توفيق السيف: أظن أن أكثر المجتمعات العربية تعيش أزمة هوية، سببها الرئيس هو التحول الذي شهده العالم من عصر الدولة الأحادية الهوية إلى عصر الدولة المتعددة الثقافات. الفشل في الإدراك المبكر لهذه المشكلة كان واحداً من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي وتغير الخارطة السياسية في شرق أوروبا ووسط آسيا. ونعلم أن الفشل في استيعاب متطلباتها كان سبباً في انفصال جنوب السودان.
مشكلة الهوية متعددة الأبعاد. تغير مفهوم الوطن والدولة على مستوى العالم، أدى إلى تغيير مسارات الثقافة، وتبعاً له مضمون التفاعل الثقافي بين المجتمعات. نحن نتأثر –شئنا أم أبينا– بالمنتج الثقافي الغربي، لأننا نستعمل التقنية الغربية في حياتنا اليومية. نحن نستمع إلى الأخبار ونشاهد برامج التلفزيون ونستمد جانباً مهماً من معارفنا من الإنترنت. كما أن أبناءنا يدرسون في الجامعات الغربية، أو يتعاملون مع مصادر العلم المنتج في الغرب. وهذه كلها تصنع –الجزء الأكبر منها– في إطار معرفي متناسب مع مفهوم التعدد الثقافي والدولة المتعددة الثقافات التي أشرت إليها.
خلافاً لهذا فإننا نتوهم أن معرفتنا للتراث وإيماننا به يوفر هوية صلبة، تغنينا عن أي هوية أخرى. أقول إننا نتوهم، لأننا في واقع الأمر، نحمل هويات متعددة، أي أننا نعيش في مجتمع متنوع ثقافياً / متعدد الهوية. وكثير منا يدرك هذه الحقيقة.
صالح الديواني: نعم يعيش المجتمع العربي أزمة الهوية، لأنه ليس مشاركاً حقيقياً في كيان المتغيرات العالمية، وبقاؤه على الهامش لقرون طويلة أضر به كثيراً بكل أسف، وعليه السعي حثيثاً لكسر حالة الجمود التي تصبغه، والانخراط في تشكيل البنية الثقافية العالمية بوعي أكثر ليوجد له موطئ قدم يتناسب مع تاريخه الطويل، وإلا فإنه سيجد نفسه على قارعة المنجز الإنساني.

د.توفيق السيف
مفكر وباحث ديني وسياسي ومؤلف سعودي مهتم بقضايا التنمية السياسية. ولد في القطيف عام 1959م. يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وست مينيستر في بريطانيا. له عدد من الكتب والمؤلفات، من أهمها: هوامش نقدية على واقعنا الثقافي، ونظرية السلطة في الفقه الشيعي وغيرها.
صالح الديواني
كاتب وباحث سعودي، من مواليد 1388هـ بمدينة جازان، يحمل درجة الدبلوم في صناعة الإعلامي والمذيع الناجح، ودبلوم في إدارة الأعمال، ودبلوم إدارة التسويق والمبيعات. متخصص في مجال الحواسيب والبرمجيات وصناعة البرامج الخدمية. حاصل على شهادة في قوانين حقوق الإنسان والشرعية الدولية. كتب عموداً ثابتاً في صحيفة المدينة لعدة أعوام، ويكتب حالياً مقالاً أسبوعياً في صفحات الرأي بصحيفة الوطن السعودية.

نايف كريري: جازان
المجلة العربية الإثنين 02/12/2013  
http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3190

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...