‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطائفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطائفية. إظهار كافة الرسائل

07/04/2021

حين تتحول العلمانية الى ضرورة

 ثمة خبر نقلته الصحف في الأسبوع المنصرم ، لكنه لم يثر سوى القليل من اهتمام المراقبين. وفحواه ان الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان- فرع الشمال ، توصلا الى وثيقة مباديء ، تمهد الطريق أمام اتفاق نهائي للسلام. والمعتقد ان قبول الحكومة بتعديلات دستورية ، من بينها ضمان حرية الاعتقاد والعبادة للجميع ، وفصل الدين عن الدولة ، هو الذي سهل الاتفاق على التسالم ، بعد نزاع مسلح استمر نصف قرن.

محمد محمد طه

لا اظن ان هذا سينهي التوترات الاثنية في السودان ، مع انه خطوة واسعة جدا ، نظرا لاقرار الحكومة بان جوهر المشكل يكمن في النظام والثقافة السياسية  المهيمنة ، وليس في تدخلات الأجانب كما كان يقال دائما.

اعتقد ان تازمات الهوية ليست من نوع الازمات التي تملك وقودا ذاتيا. فهي ليست قابلة للتفجر حيثما وجدت. ثمة مثل شعبي مشهور ، يبدو ان رجال الدين عملوا على تكريسه ، يقول "الذي ليس على دينك لا يعينك" وفحواه ان العقيدة الدينية هي العامل الحاسم في توجيه سلوك الأشخاص. لكن هذا غير صحيح ، الا اذا تمت ادلجة الافراد ، أي اقناعهم بان الفريق الذي ينتمون اليه ، هو الوحيد المستقيم ، وان غيرهم مشكوك.

تحولات السياسة (ومعها توازنات القوى) والاقتصاد وربما الثقافة ، هي العامل الذي يوجد الفرصة لتحويل خطوط التنوع الى خطوط اختلاف ومن ثم تنازع. 

قد تختلف عوامل التأزيم بين وقت وآخر. لكني اود الإشارة الى عامل مشترك يعرفه جميع الناس ، لكنه لم يدرس على نطاق واسع. اعني به ما اسماه د. برهان غليون "الاستئثار بالراسمال الرمزي المشترك وادعاء الانفراد بملكيته".

هذا العامل مهم لانه يعطي القوى السياسية أداة قوية لقهر المختلفين في المقام الأول ، ثم المشابهين في مرحلة تالية. في السودان مثلا ، استعملت القوى السياسية  التنوع الديني والاثني كوسيلة استقواء. وقد شارك في هذا حركيون إسلاميون ، وجماعات صوفية ، وقوميون عرب ، ومجموعات قبلية ، وأخرى مسيحية تناضل للاعتراف بحقوقها المتساوية ، وربما أصناف أخرى لا اعرفها.

دعنا نأخذ السلوك السياسي للإسلاميين كمثال (وهم عدة اتجاهات كما نعرف) فقد ادعوا أولا انهم الحراس الوحيدون للاسلام. والإسلام راسمال ثقافي يشترك فيه جميع السودانيين ، بمن فيهم غير المسلمين. في الحقيقة فان الخطاب الذي حظي بالغلبة ، قد نجح في تحويل مفهوم الانتماء للاسلام بالمعنى الاجتماعي-الثقافي ، الى انتماء بالمعنى الفقهي والايديولوجي ، الذي يؤدي بالضرورة الى اقصاء غير الملتزم بالمذهب الفقهي الخاص بالقوة الغالبة.

في اول الامر كان المتضرر هو المسيحي والوثني والملحد. لكنه مع الوقت بدأ يطال المسلم الذي يتبنى مذهبا مختلفا ، او يأخذ باجتهاد مختلف. (نتذكر هنا المرحوم محمود محمد طه الذي اعدم في يناير 1985 بعدما اتهم بالردة). بعبارة أخرى ، فان نجاح أصحاب القوة في اقصاء المختلفين (الذين صادف انهم اقلية في معادلات القوى) أدى تاليا الى اقصاء المشابهين ، الذين يشكلون أكثرية عددية لكنهم يفتقرون الى القوة المادية او السياسية.

قد يبدو ان المشكلة تكمن في اقحام الإسلام في الحياة السياسية ، وهذا هو الذي يبرر دائما الدعوة لفصل الدين عن الدولة. لكني اميل الى الظن بان المشكلة تكمن في ميل بعض الأطراف الى استعمال الهوية في السياسة. وهو ميل يدعمه انزعاج قوى اجتماعية معتبرة ، من التنوع والتعدد الديني والثقافي ، والإصرار على الوحدة التي تفسر عندهم بإلغاء الألوان المختلفة ، وتحويل الناس جميعا الى نسخ متشابهة.

الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شعبان 1442 هـ - 07 أبريل 2021 مـ رقم العدد [15471]

https://aawsat.com/node/2903931/

مقالات ذات صلة

حول نظام حماية الوحدة الوطنية

18/11/2014

مكارثية جديدة



سررت جدا لأن غالبية المجتمع السعودي تدعم الدعوة لإصدار قانون يحمي الوحدة الوطنية ويكافح العوامل التي تؤدي إلى إضعافها، لا سيما إثارة الحزازات المذهبية والعنصرية والقبلية والمتاجرة بالكراهية والنزاعات الاجتماعية.

مجتمعنا بحمد الله متفق على أن وحدته وسلامه الاجتماعي ليسا موضوعا للمساومات السياسية أو الخلاف، وأن هذا يجب أن يكون موضوعا لنظام قانوني يضمن حرية التعبير، لكنه – في الوقت نفسه – يحدد المسؤولية القانونية عن أي انحراف أو إفراط في ممارسة الحرية. أعلم أن بعض الناس قلق من تحول قانون كهذا إلى مبرر لتحجيم هامش الحرية المتاح، أو شكهم في قدرة المجتمع والنظام القضائي على التعامل مع مفاهيم حديثة مثل الحقوق الشخصية والمدنية.
أتفهم هذا القلق، لكني أيضا أشعر بالدهشة حين أسمع من يدعو للمدنية ويخشى القانون في الوقت ذاته. لا توجد مدنية من دون قانون، ولا يوجد سلم اجتماعي من دون قانون. كتب جان جاك روسو، المفكر المعروف، فيما يشبه السخرية "يوم اختار الإنسان المجتمع المدني فقد سار بمحض إرادته إلى سجن القانون"، لكن روسو يؤكد أيضا أن الحرية خارج المجتمع المدني ليست حقيقية لأنها غير مصونة ولا مضمونة. أما في المجتمع المدني فإن الحقوق التي يقرها لك القانون تقيم التزاما على المجتمع كله بصيانتها وتمكينك منها.

قد لا يكون القانون عادلا، لكنه بالتأكيد خير من اللاقانون. قد يكون تطبيق القانون سيئا، لكنه بالتأكيد خير من انعدامه. قد يتخذ بعض الأقوياء من القانون مطية لأغراضهم فيقمعون هذا أو ذاك تحت اسمه. لكن هذا ليس وضعا أبديا. حين لا يكون القانون حاكما فسيكون الحكم لنزوات الأشخاص وأهوائهم. فهل يريد عاقل أن تسير حياته وفق هوى شخص آخر؟. حين يوجد القانون سيرتقي وعي الناس بحقوقهم وحدودهم، وسيعملون على إصلاح التطبيقات الخاطئة. يتغير الأشخاص وتتغير مناصبهم وسلطاتهم، لكن القانون يترسخ وتقوم على أرضيته تقاليد سياسية وأعراف جديدة تحمي المسار التصاعدي للمجتمع والنظام السياسي. لم يحصل في أي تجربة سياسية معاصرة، أن تسبب القانون في تعطيل التطور السياسي. بل على العكس، نعرف من تجارب عديدة أن القوانين الناقصة وغير العادلة، شكلت أساسا ودافعا للتصحيح وظهور قوانين أرقى وأكثر عدالة.
 الذين يخشون مما يسمونه "مكارثية جديدة" يعلمون أن المكارثية القديمة تلاشت سريعا وتحولت إلى عار على صاحبها، لا لسبب سوى رسوخ القانون، وإصرار المجتمع على تطبيقه، ثم تصحيحه وتطويره.

يجب علينا جميعا أن نطالب بالقانون أولا، ثم سيادة القانون وعدالة القانون، هذا هو الطريق الوحيد لقيام حياة مدنية سليمة، وهذا هو الطريق الوحيد لوقف المتاجرين بمشاعرنا وعواطفنا وخلافاتنا، لا سيما بعدما رأينا بأعيننا العواقب الدامية لهذه التجارة المريعة.
الاقتصادية 18-11-2014

http://www.aleqt.com/2014/11/18/article_907011.html

11/11/2014

درس الفجيعة



سيمر وقت طويل قبل ان ينسى السعوديون جريمة الدالوة. لقد اختلفنا كثيرا وبحثنا عن كل المبررات الممكنة كي نرمي بعضنا بقلة العقل او قلة الدين او قلة العلم ، وكل ما يستدعي الكراهية والتنافر.
لكنا لم نتخيل ان تلك الجهالات ستفضي الى مذبحة علنية كالتي جرت في الدالوة. خسرنا في هذه الحادثة الاليمة 12 مواطنا. وهذا ليس سوى الدفعة الاولى من كلفة باهضة سنضطر الى تحملها ما لم نعمل سويا على لجم السفه المذهبي الذي اوصلنا الى الفجيعة.
ربما نرمي الخارج بالمسؤولية عما جرى ، لكن هذا لن يعالج علتنا. ربما نرمي تجار التغرير والفتن ، لكن هذا لن يمنع تكرار الجريمة. ربما نجلد ذواتنا بالسياط ، لكن هذا لن يغير المسار الذي اوصلنا الى شواطيء نهر الدم. الذي يعالج العلة ويمنع تكرار الجريمة ويوقف الانزلاق الى مستنقع الفتنة هو استراتيجية شاملة لتعزيز الوحدة الوطنية وتجريم دواعي الفتنة واسبابها وكل ممارسة يمكن ان تشعلها او تصب الزيت على نارها.

خلال الايام الماضية اعاد كثير من الكتاب وأهل الراي التاكيد على دعوات سابقة لوضع قانون لتجريم الكراهية ، شبيه بما فعلته دول كثيرة. هذه دعوة صادقة يجب ان تسمع. واني لأعجب ان مجلس الشورى الذي يضم نخبة البلد لم يتخذ مبادرة بهذه الاهمية ، مع ان جميع المواطنين ينتظرون منه ذلك ، وقد تصدى لأمور انفق فيها وقتا طويلا وهي اقل اهمية وحرجا من مسألة الوحدة الوطنية التي لا استقرار ولا سلام ولاتنمية ولا مستقبل من دونها.
نحن بحاجة الى قانون كهذا بلاشك. نحن بحاجة ايضا الى استراتيجية وطنية شاملة لاجتثاث الكراهية. كل تنوع يؤدي الى اختلاف. والاختلاف هو نقطة البداية للتنازع الذي قد يقود الى الفتنة. لا يمكن لنا ايقاف التنوع لانه سنة كونية ، لكننا نستطيع تحويلة الى مصدر اغناء للشخصية الوطنية والثقافة. وهذا ما فعلته المجتمعات المتحضرة سيما الصناعية.
اني ادعو بصورة محددة الى اقامة هيئة ملكية لتعزيز الوحدة الوطنية تركز على ثلاث مهمات: 1) مهمة قانونية تتمثل في وضع اطار قانوني لتجريم الكراهية والممارسات  المؤدية اليها. 2) مهمة ارشادية تركز على اصلاح السياسات واللوائح والاعمال الرسمية التي تسمح او تحمي اثارة الكراهية. 3) مهمة رقابية تتمثل في متابعة الممارسات التي تنطوي على او تؤدي الى الاضرار بالوحدة الوطنية واحالتها الى جهات الاختصاص ، سواء القضائية او الامنية او الادارية.
ظروفنا الراهنة لا تحتمل التهاون مع مسببات الفتنة ، وعلى الحكومة والمجتمع تبني مبادرات جادة لوقف الانزلاق الى هذا المستنقع الخطير. نحن لانستطيع التحكم في ما جرى فعلا ، فهذا اصبح من التاريخ. لكننا نستطيع التحكم في مستقبلنا ، بمنع تكرار مثل هذا الحادث المروع وحماية انفسنا وبلدنا من اخطاره.
الاقتصادية 11-11-2014

مقالات ذات علاقة

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب


الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

06/05/2014

قانون حماية الوحدة الوطنية


بلادنا ليست جزيرة معزولة عن العالم وصراعاته. مجتمعنا مثل كل مجتمعات العالم ، لا يخلو من جماعات تستثمر النزاعات الاهلية كي تعزز نفوذها الاجتماعي.
يعتقد الكثير من الشخصيات العامة في المملكة ان النصح والتوعية علاج ناجع لحالة التنازع والفرقة ، سيما تلك التي تتلبس عباءة الدين. وقام بعضهم مشكورين ببذل المستطاع في دعوة الناس الى الاخاء وتعزيز المشتركات بين ابناء الوطن. تجربة الحوار الوطني كشفت ايضا عن امكانات كبيرة لتجاوز دواعي الخصام.
لكنا نعلم ان هذه الجهود الخيرة لم تحقق الثمار المرجوة. لم ننجح كما لم ينجح غيرنا في البلدان الاخرى. الكويتيون مثلا اقتنعوا بضرورة اقرار "قانون حماية الوحدة الوطنية" الذي ينظم التعامل مع تجار الكراهية. تجربة بريطانيا انتهت بصدور قانون المساواة العرقية وانشاء هيئة تتولى تطبيقه ، حددت مهمتها بدمج الاطياف الاجتماعية ومعالجة ظواهر ومسببات الانقسام الاجتماعي. 
نحن بحاجة الى تفعيل الامكانات القانونية المتوفرة لدينا. واشير خصوصا الى المادة 12 من النظام الاساسي للحكم التي تنص على ان "تعزيز الوحدة الوطنية واجب ، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام". هذا النص الصريح يمثل ارضية مكينة لاستراتيجية تشارك فيها الدولة والمجتمع بهدف ترسيخ الوحدة الشعورية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
المجتمع السعودي لم يعد بسيطا كما كان قبل نصف قرن. الدعوات الاخلاقية والدينية لم تعد كافية لتصحيح الاخطاء. لا بديل عن قانون يجرم الكراهية ويردع تجارها اذا اردنا حماية وحدتنا الوطنية وسلامنا الاجتماعي في مثل الظروف المتفجرة التي يعيشها محيطنا الاقليمي.
لا يليق بنا ولا يليق ببلدنا ان نتحول الى مجرد صدى لصراعات الاخرين. يتصارع الافغان فينقسم السعوديون الى فسطاطين ، يتصارع العراقيون فيحد كل منا سكاكينه ويتربص بالاخر ، يتصارع السوريون فاذا بنا نتحول الى درعا وحمص وحلب ، يتنازع المصريون على رئيسهم فاذا بمجالسنا تتحول الى ميادين رابعة والتحرير.
وليت الامر ينحصر في التنازع اللفظي. هذه الصراعات/الاصداء تتحول الى معارك حقيقية ، تتصاعد فيها لغة التخوين والتكفير والتهديد والمقاطعة والاستعداء والاستهداف ، وقد تصل الى العدوان المادي على الاشخاص.
هذا النوع من النزاعات طبيعته التوسع والتفاقم. ثمة اشخاص من بيننا تخصصوا في استثمار النزاعات الطفولية والمتاجرة في سوقها. وهم يجنون مالا وشهرة ونفوذا. هؤلاء لا يتركون تجارتهم اذا استمعوا واعظا او درسا في الاخلاق. ولا يهمهم ان يهتز البلد ماداموا رابحين.
اصدار قانون حماية الوحدة الوطنية اصبح ضرورة كي نحمي انفسنا وابناءنا ومستقبلنا من تجار الكراهية هؤلاء.
لا نطالب باجتراح المعاجز. نطالب فقط وفقط بصدور قانون يشرح الطرق القانونية اللازمة لتطبيق المادة 12 من النظام الاساسي للحكم. من واجب الحكومة تطبيق النظام الاساسي ، وهي مسؤولة عن مستقبل البلد ، امام شعبها وامام التاريخ.



الاقتصادية  6 مايو 2014
مقالات ذات علاقة

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

تجارة الخوف

 نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن

 في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

08/04/2014

حين تكون في "الجماعة" وحين تصبح خارجها


"تنوع" ليس اول مشروع شارك فيه ياسر الغرباوي. فقبلها كان عضوا فاعلا في الجماعات الطلابية الاسلامية التي تنظم نشاطات محورها التثقيف الديني واقناع الطلبة بالتزام احكام الشريعة ، فضلا عن مصارعة التيارات الاخرى المنافسة - سياسيا او اجتماعيا - للتيار الديني الحركي. خلال هذه السنوات حصد ياسر ورفاقه مكاسب كثيرة ، كما واجهوا اخفاقات عديدة. وفي نهاية المطاف ، حين عاد للتأمل في مسيرته ، وجد انه ورفاقه لم يفعلوا شيئا سوى تكرار ما يفعله الجميع. هذا اشبه بزرع شجرة جديدة وسط الغابة او سكب سطل ماء في النهر. سأل ياسر نفسه: هل هذا هو الامل العظيم الذي راود نفسه التائقة للابداع والمشاركة في تغيير العالم؟.
هذه الاسئلة فتحت ذهنه على الخيارات البديلة ، اي الواقع المتنوع خارج "الجماعة".

حين حرر ذهنه من ذلك الاطار ، اكتشف قضايا في مصر اكثر اهمية ومشكلات اكثر حرجا ، لم تطرح ابدا وسط "الجماعة" ، ولا وردت في ادبياتهم ، ولم يعتبرها احدهم موضوعا يستحق التوقف ، مثل الفقر والفساد والطبقية والبطالة والاحباط الخ.
سأل ياسر نفسه: هل ستنتهي هذه المشكلات لو اصبح الناس اكثر تدينا؟.
لكن السؤال الذي الح على نفسه اكثر هو: اي من مشكلات البلاد يمكن لشاب مثله ان يشارك في حله؟.
في هذه المرحلة تعرف ياسر على المسألة الطائفية. رغم اقرار الدستور المصري بالحقوق المتساوية للمواطنين ، الا انه اكتشف للمرة الاولى ان الاقباط لا يعاملون – من جانب الحكومة – كمواطنين طبيعيين. ثمة تمييز مقنن ومكتوب ، وثمة تمييز متعارف عليه لكنه غير مكتوب ، يمارس ضد المواطن المسيحي فيما يتعلق بمكان عبادته وفي فرصته للمنافسة على الوظائف العامة وفي تعبيره عن رايه ومعتقده. في احدى المناسبات – يقول ياسر – قررت ان ارى كيف يعيش جيراني الاقباط. دخلت كنيسة. اخبرني القسيس انه كان قائدا لاحدى الكتائب التي اقتحمت خط بارليف في حرب اكتوبر 1973 ، بعد نهاية الحرب كوفيء جميع ضباط الفرقة التي تتبعها الكتيبة بوسام الشجاعة ونجمة اكتوبر ، عدا الضباط الاقباط وهو احدهم. حينها فهم ان كونه مصريا شجاعا لا يكفي كي يعامل مثل زملائه المسلمين. يومئذ قرر ترك الجيش والعمل قسيسا.
اسس ياسر وعدد من رفاقه مركز "تنوع" من اجل كشف واقع التمييز وفضح تجار الكراهية ، الذين يستعملون الدين لتفريق الناس وتبرير التمييز ضدهم. شارك في المركز شبان وشابات ، مسيحيون ومسلمون ، عملوا معا للتشهير بالكتاب والخطباء والشيوخ والقساوسة الذين يروجون الكراهية الدينية ، ومسؤولي الدولة الذين يمارسون التمييز الطائفي ، في الجانب القبطي والمسلم على السواء.
منذ تاسيسه قبل بضع سنوات ، انضم لمركز "تنوع" مئات من الشباب ، وتعاون معه الاف غيرهم. هذا النشاط نموذج على ان الجيل الجديد قادر على المساهمة في تغيير عالمه حين يحسن الاختيار.
الاقتصادية 8 ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/08/article_839514.html
مقالات ذات علاقة


25/06/2013

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

زميلي الاستاذ جمال خاشقجي يقول ببساطة: ياصديقي الشيعي كن معي في موقفي والا سأكون ضدك (الحياة 22 يونيو 2013).
كي لا تختلط الامور فالزميل لا يطالبنا بالخروج في غزوة بدر مثلا ، ولا يدعونا لتحرير الاراضي المحتلة ، بل ولا حتى لنصرة الشعب السوري الجريح. المطلب المحدد للزميل الكريم هو ببساطة : ان تكون عدوا لايران وحزب الله. 

جوهر المسالة التي شغلت باله هناك ليس حق الشعب السوري في صناعة مستقبله بحرية ، جوهرها – حسب ما يشرحه الاستاذ خاشقجي - هو وجود حزب الله وتاييد ايران للنظام. لا يحتاج الامر الى تفسير او تحليل ، فاما ان تكون عدوا لمن يعاديه الاستاذ جمال والا فانت مصنف في جبهة اعدائه.
ليس الامر مهما لو اقتصر على معاداة شخصية ، سيما لو كان عدوك عاقلا مثقفا حصيفا كالاستاذ جمال. لكن الاستاذ جمال لا يتحدث عن عداء شخصي ولا اظنه يفكر فيه. بل يقول كلاما يؤدي – موضوعيا – الى تبرير حالة استقطاب اجتماعي على اساس مذهبي : الاكثرية السنية في طرف والاقليات الشيعية في الطرف المقابل. تذكرت وانا اقرا مقالة الاستاذ جمال خطبة بن لادن "اصبح العالم فسطاطين" ، وتذكرت قسمة بوش الشهيرة "من لم يكن معنا فهو ضدنا". لا اظن خاشقجي يعنيها ، لكن مقالته مجرد تبرير لهذا المنهج. فهو يخير مواطنيه الشيعة بين موقفين : ان يساعدوه ، والا فلينتظروا انقسام المجتمع الوطني. طبيعة المساعدة هنا هي تقليد موقفه الشخصي. عنوان مقال الاستاذ خاشقجي يقول دون مداورة: ساعدني والا سأكون طائفيا ، اي عدوا لك.
حسنا. لنفترض اني رفضت مساعدتك ، فهل ستضحي بوحدة الوطن وسلامه الاجتماعي من اجل سوريا؟. هل تسعى لانتصار السوريين ولو على حساب وحدة بلدك وامنه واستقراره؟.
خاشقجي وكل شخص اخر يتبنى مواقف بناء على تحليله الخاص ، او انطلاقا من دائرة مصالح ينتمي اليها. هذا ليس مشكلة ، فلكل شخص حق ثابت في اتخاذ اي موقف ومناصرة اي طرف او معاداته. لكننا لسنا بصدد قضية وطنية مشتركة ، كي نقول ان مصلحة الوطن او مستقبله او امنه يتوقف عليها. موضع الجدل هو الموقف من الثورة السورية ، وبالتحديد مناصرة الجماعات المسلحة فيها.
لطالما اختلف مجتمعنا حول الموقف تجاه قضايا خارجية. في الثمانينات كان الحماس للثورة الافغانية اوسع كثيرا من الحماس الحالي للثورة السورية. ونعرف اليوم مآل تلك الثورة وما صاحبها من حماسة. هل اخطأ الذين رفضوا الانخراط في دعم الثورة الافغانية يومذاك؟. هل يتوجب علينا القول ان قضايا الخارج يديرها اهلها واننا مجرد مراقبين؟. هل يتوجب علينا الحذر من المبالغة في الانخراط العاطفي ، سيما حين ينطوي على مخاطر مباشرة او غير مباشرة على وحدة بلدنا وامنه وسلامه الاجتماعي؟.
لنفترض ان الشيعة جميعا ابوا مناصرة الثورة السورية ، فهل نهدد بلدنا بالانقسام عقابا لهم على هذا الموقف؟. هل سمعتم بعاقل يرهن علاقته بمواطنيه لموقف سياسي ، خارجي تحديدا ، مهما كانت اهميته؟. اي عاقل يتعامل بهذا القدر من الخفة مع قضية بهذه الخطورة .. اعني وحدة الوطن والسلم الاهلي؟.
الاقتصادية 25 يونيو 2013

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...