‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع والدولة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع والدولة. إظهار كافة الرسائل

27/01/2016

حول برنامج التحول الوطني

بحوث التنمية الحديثة ، تجمع على استحالة تحقيق نمو متوازن ومستدام ، دون الانخراط الفعال للمجتمع في سياسات التنمية وبرامجها.

كان برنامج التحول الاقتصادي الوطني موضوعا لمناقشات عديدة ، في الصحافة السعودية خلال الأيام الماضية ، رغم انه لم يعلن رسميا.  تناقش هذه المقالة فكرة التحول في عمومها. وتؤكد على أهمية المشاركة الأهلية في استراتيجيات العمل التي يتضمنها اي برنامج من هذا النوع.


ينبغي الاشارة اولا الى انطباع عام ، فحواه ان البرنامج العتيد يمثل نوعا من الاستدراك او التعديل ، على خطط التنمية الخمسية التي تبنتها المملكة منذ العام 1971. واذا صح هذا التقدير فانه من الضروري ايضاح الاسباب التي أوجبت ذلك الاستدراك او التعديل. تنطوي الاسباب بطبيعة الحال على قراءة نقدية للنتائج التي أثمرت عنها خطط التنمية طوال الاربعين عاما الماضية. ليس من أجل جلد الذات ولا توجيه الاتهام الى احد بعينه ، بل من أجل فهم المسار والاهداف على نحو أوضح.

أشير أيضا الى عامل التوقيت. فالفهم العام يميل الى اعتبار البرنامج واحدا من المعالجات التي أملتها ظروف الانكماش الاقتصادي الراهن. ينصرف هذا الفهم – اذا صح – الى الظن بأن البرنامج يستهدف توفير مصادر دخل بديلة عن تصدير البترول الخام ، او تقليص النفقات الحكومية الحالية. ان توضيح هذا الجانب ضروري لتقييم السياسات التي يفترض ان يحتويها البرنامج المذكور ، اي اختبار ما اذا كانت تؤدي حقيقة الى هذه الغاية ام لا.

نحن بحاجة الى توضيح هاتين المسألتين ، من أجل اقناع المجتمع بالمشاركة الفاعلة في عملية التحول. ويحسن القول في هذا المقام ان خطط التنمية الخمسية التسع السابقة  لم تلحظ هذا الجانب. فكأن واضعي تلك الخطط افترضوا تحميل الدولة أعباء التنمية بكاملها. ونعلم ان بحوث التنمية الحديثة ، سيما في العقدين الماضيين ، تتفق جميعا على استحالة تحقيق نمو متوازن ومستدام ، من دون الانخراط الفعال للمجتمع في سياسات التنمية وبرامجها.

التنمية في مفهومها الحديث تتجاوز تمويل المشروعات وانشاء البنى التحتية ، الى خلق مصادر جديدة ، مادية وتقنية ، تتعدد وتتنوع على نحو يستحيل على جهة واحدة تحديدها سلفا واستيعاب ابعادها. المجتمع ككل ، هو البيئة الطبيعية لظهور وتبلور هذه المصادر. الامر الذي يوجب على مؤسسات التخطيط استنهاض هذه الطاقة الكامنة وتفعيلها ورعاية تطورها وربطها بدائرة الاقتصاد الكلي.

المثال الذي يضرب في هذا السياق هو اقتصاد المعرفة ، الذي ظهر في السنوات الاخيرة ، وتحول سريعا الى مولد رئيس للصادرات وفرص العمل ، ومحركا للنمو التقني. مشروعات مثل الهواتف الذكية من شركة ابل  ، والمتاجر الالكترونية مثل امازون ، والبوابات الالكترونية مثل غوغل الامريكي وعلي بابا الصيني ، أضافت عشرات المليارات من الدولارات الى الدخل القومي لبلدانها ، لكنها – فوق ذلك - ساهمت في تسريع التطور التقني الذي خلق ملايين من الوظائف الجديدة. لم يكن اي من هذه المشروعات حكوميا ، ولا بدأ بدعم حكومي ، بل كان ثمرة لابداع الناس وتوفر الحاضن الاجتماعي المناسب لهذا الابداع ، مع الدعم والاحتضان الرسمي في وقت لاحق. مثل هذه المشروعات وفرت للدولة ما لم تستطع توفيره اجهزتها ، رغم انها لم تنفق عليه اي شيء تقريبا.

استنهاض الطاقات الكامنة في المجتمع سيريح الدولة من نفقات كثيرة ، لكنه ايضا سيحول المجتمع من عبء على نفسه وعلى الدولة ، الى شريك في حل مشكلاته. وهذا من أبرز أغراض التنمية البشرية التي يتحدث عنها عالم اليوم.

الشرق الاوسط 27 يناير 2016

http://aawsat.com/node/553681/

  مقالات ذات علاقة

ظرف الرفاهية واختصار الكلفة السياسية للاصلاح

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

قرش الخليج الابيض

كي نتحول الى دولة صناعية

كي نتخلص من البطالة

متى تملك بيتك؟

المجتمع السري

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

من دولة الغلبة الىمجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

نحو نماذج محلية للتنمية

النموذج الصيني في التنمية

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

29/07/2015

لا بد من تغيير المسار



توقع صندوق النقد الدولي ان تسجل ميزانية المملكة في هذه السنة (2015) عجزا في حدود 488 مليار ريال. وتم تاكيد سحب 244 مليارا من الاحتياطي العام حتى الان. محللون توقعوا ان يتكرر العجز في ميزانية العام القادم ، الا اذا خفضت بشكل كبير بحيث تقتصر على المصروفات الجارية والقليل فقط من المشاريع العمرانية.
هذا يعيد الى طاولة النقاش جدلا قديما حول حاجة المملكة للتحرر من الارتهان شبه الكلي لمبيعات البترول الخام. يتحدث الجميع تقريبا عن ضرورة التوسع في الصناعة ، حتى تصبح منافسا للبترول في توليد الدخل القومي.
 اعلم ان كثيرا من الناس ، وبعضهم في مواقع القرار ، غير متفائل بقدرتنا على التحول الى اقتصاد صناعي خلال وقت معقول. بعض الكتاب يشكك في قدرة العالم على الاستغناء عن البترول كمصدر رئيس للطاقة. احد المصرفيين كتب يوما ان الصناعة ليست ضرورية طالما كان لدينا المال. كل ما تحتاجه معروض في السوق ، في هذا البلد او ذاك. احدهم قال لي يوما "سمعنا الكلام عن الصناعة والتحذير من الارتهان لاسواق البترول منذ السبعينات ، لكننا – بعد اربعين عاما – ما زلنا اغنى واقوى من الذين حذرونا". هذا وذاك كلام صحيح ، لكنه يكشف نصف الحقيقة فقط. المشكلة اننا لن نستطيع رؤية النصف الثاني الا اذا وقعنا فيه. في الفترة بين 1983-1990 واجهنا نموذجا مصغرا لظرف من هذا النوع. والمؤسف اننا لم ندرس الانعكاسات الكارثية لما حدث في تلك الفترة القصيرة نسبيا. واعني بها الانعكاسات الثقافية والسياسية ، فضلا عن الاقتصادية ، لانخفاض عائدات البترول يومذاك. ولهذا لم نعتبر بما جرى.
لكن الصناعة ليست مسألة اقتصادية فحسب. ثمة جوانب ثقافية وعلمية وسياسية لا تقل أهمية عن جانبها الاقتصادي. كنت قد اشرت في مقال سابق الى دورها في تعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بالوطن. كلنا نعرف ان التطور الصناعي ينعكس على شكل فخر بالوطن والجماعة الوطنية وشعور بالاكتفاء الروحي والثقافي. وهذا يقود الى تعميق الاحساس الداخلي بالانتماء.
كما ان التحول الى اقتصاد صناعي سيوفر ارضية واقعية لانتاج العلم وتطوير التقنيات التي نحتاجها. نحن اليوم ننفق مئات الملايين لتعليم ابنائنا في مختلف الفنون. لكن ظهور مجتمع علمي ، اي توطين العلم والتقنية ، ليس ممكنا دون تحول العلم والتقنية الى مصدر معيشة قائم بذاته. في الوقت الحاضر يستهلك ابناؤنا المتعلمون حياتهم في تطبيق تقنيات طورها غيرهم. مع التحول الى اقتصاد صناعي سيشاركون هم في تطوير التقنيات التي يحتاجونها ، وبهذا يتحول العلم الذي تلقوه في جامعاتهم الى راسمال قابل للاستثمار ومصدر معيشة مستقل.
ثمة من يقدم رؤية متشائمة ، مبنية على قلة كفاءة مجتمعنا وصعوبة انعتاقه من تقاليده. يخبرنا بعضهم ان المجتمع الذي اعتاد الرفاهية السهلة وآمن بالاساطير والتقاليد الخرافية لا يستطيع التحول الى مجتمع صناعي.
وهذا الكلام مثل سابقه ، اقرب الى الهندسة العكسية. في حقيقة الامر هو يرى واقع الحال ،  ويفترض انه قائم بذاته او انه سبب لذاته. لو تأملنا بعمق لوجدناه نتيجة لما فعلنا خلال نصف القرن الماضي. لقد شارك اباؤنا في اقامة مؤسسة متقدمة مثل ارامكو ولم يعجزوا عن التعلم حينما اتيحت لهم الفرصة. اما اليوم فأمامنا فرص اكثر. اطفالنا الذين لا زالوا في على مقاعد الثانوية يملكون من المعلومات اضعاف ما عرفناه يوم كنا في اعمارهم ، وهم منفتحون على التكنولوجيا والتيارات العلمية بما يزيد على حصيلة معظمنا ، رغم فارق السن بيننا وبينهم.
صحيح اننا مجتمع استهلاكي ومتساهل. لكن هذا هو الحال الذي اوصلتنا اليه مقدمات سابقة. وهو قابل للتغيير ، سيما مع اجيالنا الجديدة ، اذا قررنا تغيير المسار.
اعلم ان تغيير المسار ، ليس قرارا سهلا. اعلم ان له تبعات كبيرة ، على الاقتصاد الكلي وعلى معيشة كثير منا. لكني اعلم ايضا ان هذا هو الخيار الوحيد لمستقبل آمن ، ليس فقط في مجال المعيشة ، بل ايضا كي نشعر باننا قدمنا شيئا للاجيال التالية ، قدمنا وطنا يستحقونه ويستحق الفخر به.
الشرق الاوسط  12 شوال 1436 هـ - 29 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13392]
http://goo.gl/mCPOVW

18/02/2015

عباءة السلطان

زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.

علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي. او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.

لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول. ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.

تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم والصحة والسكن والعمل.

لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.

السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.

نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.

ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا. ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.

تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب. والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.

الشرق الاوسط  18 فبراير 2015

http://aawsat.com/node/292156

04/06/2013

الجمعيات الاهلية : الترخيص في غياب القانون


 (1)
فلنفترض ان عدة مواطنين شكلوا جمعية اسمها جمعية الادباء او جمعية البيئة او جمعية حماية الثروات العامة ... الخ . فهل سيعاقب هؤلاء او يجبرون على حل جمعيتهم؟.
لو طالعنا الوجه القانوني للمسالة، فهل يصح منع الناس من تشكيل تلك الجمعيات ، علما بانه لا يوجد – حسب علمي – اي نظام ينص على منعها ، او يحدد عقوبة على هذا الفعل؟.
النظام الاساسي للحكم ، اعلى قانون للبلد ، ينص صراحة في المادة 38 على انه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي". ومعنى هذا ان اي فعل لم يجر منعه بنظام صادر عن مجلس الوزراء ، فهو مباح ، ولا يجوز لاي هيئة حكومية منعه، فضلا عن معاقبة الفاعل.
(2)
الكلام السابق كله نظري ، ينطلق من فرضية صحيحة ، فحواها ان البلد يحكم بالقانون. لان القانون هو الضمان الوحيد لمنع تحكم الميول والاهواء الشخصية ، ولانه الحكم الفصل بين الناس ، الضعفاء والاقوياء ، الحكام والمحكومين.
لكن واقع الحال ينبئنا بغير ما افترضناه. فثمة اناس ارادوا تشكيل جمعية للمحامين فقيل لهم "لا بد من ترخيص" ، وثمة من اراد تشكيل جمعية للاعلاميين والكتاب ، فجوبه بجدار "لا بد من ترخيص" ، وحاول مجموعة شبان نابهين تنظيم جمعية للتوعية البيئية ، فقيل لهم "لا بد من ترخيص".
ها انا اسأل الان: ما هو النص القانوني الذي يستند اليه حراس بوابة "الترخيص"؟ . هل لدينا نظام صادر حسب الاصول ينص على منع تشكيل منظمات المجتمع المدني وجمعيات العمل التطوعي؟.
ومع العلم بعدم وجود نظام كهذا ، افلا يعتبر منع الناس من تشكيل جمعياتهم، مخالفة مباشرة لنص صريح في النظام الاساسي للحكم؟
(3)
لماذا نقول هذا الكلام؟
نقوله لان مئات من الناس يريدون فعليا المساهمة في تنمية مجتمعهم ، من خلال جمعيات للعمل التطوعي الاهلي. لكن "نظام الجمعيات الاهلية" الذي يفترض ان ينظم هذا النشاط ، لازال منذ نهاية 2010 حبيس درج ما في مجلس الوزراء ، بعدما دار اربع سنين ، بينه وبين مجلس الشورى ، حتى اقر بصيغته النهائية.
مسارعة مجلس الوزراء باصدار هذا النظام هو الحل الوحيد للخلل القانوني المتمثل في منع الناس من حق لهم ، دون سند قانوني. واذا لم يشأ المجلس اصدار النظام ، فيجب ترك الناس يقيمون جمعياتهم ، فهذا هو معنى المادة 38 من النظام الاساسي للحكم.
نطالب الناس بالتزام حدود القانون ، كما نطالب اجهزة الدولة قبل ذلك بان لا تقوم بعمل ، او تمتنع عن عمل ، ينطوي على مخالفة لاعلى نظام في البلد. هذا ما نسميه سيادة القانون.
الاقتصادية 4 يونيو 2013
مقالات ذات علاقة


16/11/2009

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية


يعتقد الاستاذ جبير المليحان وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ، اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا في هذا الصدد .
جبير المليحان
ما الذي تضيفه جمعية ادباء الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل فعلا .

لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ، ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون السعي لفك مغاليقها.

هناك بطبيعة الحال اقلية تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.

من المهم على اي حال اقناع البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي  ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.

 للعمل الثقافي سمات هي جزء من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ، منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره . العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي يقدمها الان . 

هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية . واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا

لاندية الادبية هي مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ، بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها . هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية تحت عباءة البيروقراطية.

اذا اردنا تحويل المبادرات الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا الطريق.

19/02/2009

على الدولة ابقاء الامل في التغيير


 لا يتوجب على الدولة ان تعطي كل فرد ما يريد ، ولا يتوجب عليها ان تضمن الرضى الشخصي لكل مواطن عن اعمالها . لكن يتوجب عليها بالتاكيد ان تبذل الغالي والنفيس كي تحافظ على الامل في التغيير . الامل في التغيير هو الذي يجعل عامة الناس مستعدين للتعاون مع الدولة وراغبين في تحمل مسؤولياتهم كمواطنين مهما كانت ثقيلة او بغيضة. حين يتلاشى الامل ويحل اليأس في نفوس الناس تخرج الدولة من قلوبهم ، وتصبح القلوب جاهزة لتلقي بدائل اخرى ، لان الانسان لا يستطيع العيش من دون انتماء او من دون امل في شيء ولو كان خرافة.
في بعض الحالات يتولد اليأس لان مواطنا فشل في استعادة حقه من خلال الاطارات القانونية. وينتج عن ذلك تلاشي هيبة القانون والدولة ، وتنامي الشعور بان البلاد قد تحولت الى غابة لا يستطيع العيش فيها الا من يأخذ حقه بيديه . حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو سيبحثون عن مصادر قوة خاصة ، فمنهم من يلجأ الى قوة المال ، كأن يدفع رشوة للوصول الى حقه . واذا نجح في ذلك فسوف يدفع رشوة ثانية لاستلاب حق الاخرين.

في حالات اخرى يتولد اليأس لان الدولة لم تف بوعود سابقة للاصلاح . ومع تكرار ذلك او تطاول الفارق الزمني بين اصدار الوعد وبين الوقت المتوقع للوفاء به ، سوف يتبلور شعور بان الدولة تعاني من خلل بنيوي يمنعها من الوفاء بوعودها وان هذا الخلل ليس قابلا للعلاج . وبالتالي فان كل امر آخر يعتمد عليه سيبقى وعدا فارغا او مستحيل التنفيذ.  حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو فسوف يبحثون عن كبش فداء يلقون عليه بالمسؤولية عن العجز او الخلل . بعض الناس يركزون انظارهم على اصحاب القرار وسينظرون اليهم باعتبارهم غير متعاطفين مع مطالب المواطنين وحاجاتهم . او ربما سينظرون اليهم كاشخاص ضعفاء وجدوا انفسهم في مكان لا يستحقه غير الاقوياء.

في حالة ثالثة يتولد اليأس لان الدولة او بعض اجهزتها تمارس تمييزا واضحا وقابلا للملاحظة والاثبات بين الشرائح او الطبقات المختلفة . او حين تتباطأ الدولة في تصحيح الفوارق بين تلك المجموعات ، او تتهاون في منع التمييز الذي ربما تمارسه فئة قوية ضد الفئات الضعيفة .. الخ . ويحدث هذا عادة في الاقطار التي يتألف شعبها من مجتمعات متعددة ذات انتماءات عرقية او ثقافية او طبقية متفاوتة ، او حين يكون في البلاد اقليات لا تستطيع التمثل بصورة مناسبة في جهاز الدولة الاداري والسياسي ، بسبب الحواجز اللغوية او الدينية او المعيشية او العرقية التي تميزها عن الاكثرية.

 في كل هذه الحالات يتبلور الشعور الاقلاوي لدى تلك الشريحة من المواطنين التي تعاني من التمييز . الشعور الاقلاوي – نسبة الى الاقلية – ليس بالضرورة دليلا على ان هذه المجموعة او تلك تقل عن غيرها من حيث العدد ، بل هو حالة ذهنية مصدرها الاساس هو الانفعال بالمحيط ، لكنها تتطور الى حالة ثقافية وسلوكية متعددة الاوجه والمبررات ، قابلة للتمظهر في سلوكيات فردية او جمعية ذات طابع انعزالي او عدواني في العموم.

ربما تكون هذه الحالة هي اخطر الحالات الاجتماعية في الوقت الحاضر ، بالنظر الى الاتجاه السائد في العالم اليوم ، والذي يطلق عليه الباحثون الاجتماعية "انفجار الهوية". وهو تعبير عن اتجاه متعاظم لدى المجموعات البشرية المتمايزة عن غيرها بعرق او ثقافة او انتماء خاص ، الى التعبير المركز ، بل والمتشدد احيانا ، عن ذاتها وخصوصياتها ، والتركيز على الفوارق التي تفصلها عن غيرها . هذه الحالة خطرة جدا لانها قد تغذي يأسا من الوحدة الوطنية ينقلب الى رغبة في الانفصال الاجتماعي وتاكيد على التمثيل الخاص مقابل التعبيرات الوطنية او التمثيل ذي الطابع الوطني .

لكل من الحالات الثلاث مخرجات متفاوتة الخطورة ، لكن ابرز مخرجات الحالة الاولى هو شيوع الفساد المالي والاداري وتطبيعه . وابرز مخرجات الحالة الثانية هو تبلور الاتجاهات العنفية والانشقاقية المتطرفة ، كما ان الحالة الثالثة تنتهي عادة الى تطلع الى الخارج باعتباره مصدرا محتملا للتعاطف والتاييد.

كل هذه المخرجات خطيرة ومخربة ، لكنها جميعا قابلة للعلاج ، ليس بالوعظ والارشاد وليس بالشجب والتنديد ، بل باعادة الامل الى نفوس الناس . ربما يتوقف الامر على مبادرات فعالة او ربما يتوقف على اجراءات ذات قيمة رمزية ، تعيد للناس الامل بان حكومتهم لم تنسهم وانها ليست عاجزة ولا فاشلة.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...