في خطاب الى وزراء الاعلام العرب ، حدد الدكتور محمد
الرميحي اربع مهمات ، ينبغي انجازها للنهوض بقطاع الاعلام. استطيع اختصار هذه المهمات في: اعتماد استراتيجية واضحة
متناسبة مع الرؤية المستقبلية للبلد ، التدريب العلمي والفني الذي يلبي التحديات
الجديدة في قطاع الصحافة ، المحافظة على المصداقية وتجنب المعلومات المشكوكة او
الكاذبة ، واخيرا اعتماد مبدأ حرية التعبير وتدفق المعلومات ، التي تجعل الاعلام
مرآة للحياة الواقعية ومعبرا عن جميع المشارب والتوجهات الاجتماعية. (جريدة النهار 28 مايو
2024 ).
لا أظن احدا يجادل في اهمية النقاط الاربع ، وهي – بالتأكيد
- اكثر اهمية للنشاطات ذات الطبيعة الثقافية ، كقطاعي الاعلام والتعليم. لكن ربما
يجادل بعض الناس في تطبيقات الفكرة على واقعنا القائم. قد يرون مثلا ان لدينا
سياسة اعلامية تحدد الاهداف الكبرى ، وهي استراتيجية مناسبة لظروف مجتمعنا
وحاجاته. او قد يخشون ان توسيع حرية التعبير طريق الى الفوضى. واعتاد القائلون
بهذا الرأي على ضرب المثل بما شهده لبنان من حريات صحفية واسعة ، يزعمون انها قادت
الى الحرب
الاهلية (لانهم لا يعرفون مثالا آخر). اما نقطة المعلومات الكاذبة او المنقوصة
، فالحق معهم ، فما دمت لا تسمح الا بالقليل من المعلومات ، فلابد ان الكذب فيه
قليل جدا.
هذه اذن نقاط لا يعارضها احد من حيث المبدأ ، وان
جادلوا في تطبيقاتها. والمجادلة الفرعية تؤكد الفكرة اكثر من دلالتها على
المعارضة.
حسنا ، ماذا يعني ان تكون لدينا استراتيجية اعلامية؟
كان الرميحي قد أشار الى ممارسات للاعلام تتعارض مع
التصور العام للدولة الحديثة. منها مثلا ترويج الثقافة الاسطورية وربما الخرافية ،
من خلال اشخاص او برامج ترتدي لباس التوجيه والارشاد ، وهذا يتعارض مع تشديد
الحكومة على تعزيز العقلانية واعتماد العلم في الحياة العامة والخاصة. كيف ندعو في
مدارسنا للنقاش النقدي والعقل الناقد ، بينما يروج اعلامنا لمن يقول صراحة انه لا
يصح الرجوع لاحكام العقل في هذا الحقل الحياتي او ذاك. وفي الوقت نفسه لا يفسح
المجال للرد على تلك الاقاويل ، لأننا سلمنا بأن تلك الاشياء اللاعقلانية تنطوي
على شيئ من القداسة.
واريد الانطلاق من هذه الفكرة ، اي ضرورة عدم
التناقض في الخطاب الرسمي في المضمون وفي الصورة ، لوضع السؤال التالي:
هل ينبغي للدولة ان تتبنى خطابا ثقافيا او ايديولوجيا خاصا ، ثم تستعمل
الاملاك العامة (الاعلام وجهاز التعليم مثلا) في الترويج لذلك الخطاب؟.
يبدو لي ان جواب السؤال هو احد نقاط التباين الكبرى
بين الشرق والغرب. فالنخب الشرقية عموما تقول انه يحق للدولة ان تتبنى خطابا
ايديولوجيا او ثقافيا ، وتدعو الناس الى اتباعه. بينما يذهب الرأي السائد في الغرب
الى ان تبني اي خطاب ايديولوجي يؤدي – بالضرورة – الى اقصاء كل رأي مختلف او مخالف
للخطاب الرسمي. وهم يقولون – على سبيل التمثيل فحسب – ان الدولة مسؤولة عن دنيا
الناس. اما الاخرة فهي مسؤوليتهم الشخصية ، او في ادنى التقادير مسؤولية جهات اخرى
لا تملك مصادر القوة الجبرية ، مثل الكنيسة والهيئات الدينية التي يقيمها الاهالي.
انني ممن يذهب الى هذا الرأي فيما يخص الدين ، اذ لا
ارى مصلحة للدين او للدولة في فرض دينها على الناس. لكني – بموازة هذا – اعتقد بعمق ان على الدولة واجبا
حيويا ومحوريا ، هو تجديد وتعزيز الاجماع الوطني ، والدفاع عن الهوية الوطنية التي
تجمع في ظلها الهويات الصغرى ، في مواجهة الساعين لهيمنة الهويات الصغرى على المشهد
العام او المجتمع الوطني. ان اقوى وسيلة لتحقيق هاتين المهمتين هما الاعلام والتعليم.
في ظني انه يتوجب على اصحاب المعالي وزراء الاعلام والتعليم العرب ، ان يضعوا امامهم
في كل صباح سؤالا يوجهونه الى العاملين في هذين القطاعين: ما الذي فعلتم لتعزيز الاجماع
الوطني والوحدة الوطنية الجامعة؟.
الخميس - 23
ذو القِعدة 1445 هـ - 30 مايو 2024 م https://aawsat.news/bn6yz
التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية
شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية
الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ
العقد الاجتماعي
من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة
الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات
الوطن شراكة في المغانم والمغارم
الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة
بناء الهوية الوطنية الجامعة