أكثر الجدالات سخونة في العالم العربي اليوم ، يتناول
دور الدين في الحياة العامة ، وعلى الخصوص في ادارة الدولة وعملها اليومي.
تضخم اهتمام الناس على هذا النحو ، لايعني بالضرورة انهم
يشبعون الموضوع بحثا وتحليلا ، بل على العكس تماما: فهذا نوع من القضايا التي كلما
زاد الكلام فيها ، زاد غموضها واختفت معالمها ، وتعددت مذاهبها ، فلا يمكن لخبير
طرقها ، دون ان يقابل من يعرقل سعيه او يستشكل عليه بما يصح وما لايصح ، فضلا عن
اتهامه في مكنونات نفسه ونواياه. ومن هنا بات النقاش فيها اقرب الى السير على
الشوك.
وقد لفت نظري هذا الاسبوع ماقاله الأستاذ يوسف ابا الخيل ، الكاتب
السعودي المعروف (18-سبتمبر-2021) فقد كتب اولا على تويتر
، منصة التواصل الاجتماعي: "ما يهمك مني هو كيفية تعاملي معك ومدى التزامي
بواجبات المواطنة ... اما مذهبي فهو بيني وبين خالقي". في اليوم التالي كتب
ابا الخيل تعليقا على كثرة الردود المسيئة: "كمية الردود
المتشنجة على هذه التغريدة ، توضح أنه
لا يزال بيننا وبين معرفة واجبات المواطن في الدولة المدنية الحديثة
، مسافات ضوئية". ان معظم الردود المسيئة
(والشتائم) جاءت من اشخاص يزعمون الدفاع عن الدين الحنيف ، مع ان التغريدة لا تمس
الدين من قريب ولا بعيد.
ويظهر لي ان تضخم الموضوع المذكور لا ينبيء عن اهتمام
معرفي ، بل هو انفعال عاطفي سلبي ، سببه فيما أظن ، هو انعكاس المسار وما تبعه من
خيبة الأمل.
بيان ذلك: ان الجمهور العربي (في المجمل) كان يتطلع
لنخبة جديدة تولد من رحم الربيع العربي. ومثل كل الحالمين ، تخيل الناس ان هذه
النخبة ستكون عارفة بالحكم ، نظيفة الكف ، متواضعة النفس ، وزاهدة في السلطة. وحين
نظروا للساحة ، اعتقدوا ان من يرفع شعار الاسلام ويلبس ثيابه هو الأجدر بحمل تلك
الأوصاف. ولهذا حصل رموز الاسلام السياسي وقادته على دعم لا سابق له.
لكن سرعان ما انعكس المسار ، فقد ظهر ان النجوم الجدد لم
يكونوا عارفين بالحكم ولا زاهدين في السلطان ، ولا قادرين على علاج مشكلات
الانتقال الى نظام تشاركي. ونعرف ما حصل لاحقا في مصر وتونس والسودان والمغرب
والعراق وغيرها ، حين انقلب الجمهور وذهب في الاتجاه العكسي.
تخلي الجمهور عن التيار الاسلامي مثل دعمه سابقا ، لم
يكن ثمرة نقاش علمي أو واقعي ، بل هو – مثل سابقه – انفعال أملاه الشعور بالاحباط
وخيبة الأمل. ولهذا السبب تحديدا ، فانه لم يؤد الى تفريغ مخزون القلق على
المستقبل ولم يعزز اليقين في الذات الجمعية. ان استمرار الاضطراب الداخلي والهجرات
الجماعية ، هو اوضح مؤشر على الارتياب العميق في مسارات السياسة القائمة.
حين يتناقش الناس في قضايا الاسلام اليوم (حتى في امور
العقائد والعبادات بل حتى التاريخ) فانه سرعان ما ينفتح عليهم مخزون القلق ، الذي
تحول الى قلق على الدين وعلى الهوية الجمعية ، مع انه كان في الاصل مجرد انعكاس
لازمات سياسية ، لا علاقة لها بالدين.
الشرق الاوسط الأربعاء
- 15 صفر 1443 هـ - 22 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [15639]
https://aawsat.com/node/3202221
مقالات ذات علاقة
ان تكون سياسيا يعني ان تكون واقعيا
التحدي الذي يواجه الاخوان المسلمين
توفيق السيف
في مقابلة تلفزيونية حول الربيع العربي وصعود التيار الاسلامي
جدل السياسة من الشعارات الى البرامج
حاكمية الاسـلام … تحــولات
المفـهــوم
الحد الفاصل بين الاسلام و
الحركة
الحركة الاسلامية ، الجمهور
والسياسة
الحركة الاسلامية: الصعــود
السـر يـع و الا سئـلة الكبرى
الحل الاسلامي بديع .. لكن ما
هو هذا الحل ؟
الصعود السياسي للاسلاميين
وعودة الدولة الشمولية
مشروع للتطبيق لا تعويذة للبركـة
مصر ما زالت متدينة لكنها
خائفة من التيار الديني