لا يتوجب على الدولة ان تعطي
كل فرد ما يريد ، ولا يتوجب عليها ان تضمن الرضى الشخصي لكل مواطن عن اعمالها .
لكن يتوجب عليها بالتاكيد ان تبذل الغالي والنفيس كي تحافظ على الامل في التغيير .
الامل في التغيير هو الذي يجعل عامة الناس مستعدين للتعاون مع الدولة وراغبين في
تحمل مسؤولياتهم كمواطنين مهما كانت ثقيلة او بغيضة. حين يتلاشى الامل ويحل اليأس
في نفوس الناس تخرج الدولة من قلوبهم ، وتصبح القلوب جاهزة لتلقي بدائل اخرى ، لان
الانسان لا يستطيع العيش من دون انتماء او من دون امل في شيء ولو كان خرافة.
في بعض الحالات يتولد اليأس
لان مواطنا فشل في استعادة حقه من خلال الاطارات القانونية. وينتج عن ذلك تلاشي
هيبة القانون والدولة ، وتنامي الشعور بان البلاد قد تحولت الى غابة لا يستطيع
العيش فيها الا من يأخذ حقه بيديه . حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو
سيبحثون عن مصادر قوة خاصة ، فمنهم من يلجأ الى قوة المال ، كأن يدفع رشوة للوصول
الى حقه . واذا نجح في ذلك فسوف يدفع رشوة ثانية لاستلاب حق الاخرين.
في حالات اخرى يتولد اليأس
لان الدولة لم تف بوعود سابقة للاصلاح . ومع تكرار ذلك او تطاول الفارق الزمني بين
اصدار الوعد وبين الوقت المتوقع للوفاء به ، سوف يتبلور شعور بان الدولة تعاني من
خلل بنيوي يمنعها من الوفاء بوعودها وان هذا الخلل ليس قابلا للعلاج . وبالتالي
فان كل امر آخر يعتمد عليه سيبقى وعدا فارغا او مستحيل التنفيذ. حين يشعر الناس بان الامر على هذا النحو فسوف
يبحثون عن كبش فداء يلقون عليه بالمسؤولية عن العجز او الخلل . بعض الناس يركزون
انظارهم على اصحاب القرار وسينظرون اليهم باعتبارهم غير متعاطفين مع مطالب
المواطنين وحاجاتهم . او ربما سينظرون اليهم كاشخاص ضعفاء وجدوا انفسهم في مكان لا
يستحقه غير الاقوياء.
في حالة ثالثة يتولد اليأس
لان الدولة او بعض اجهزتها تمارس تمييزا واضحا وقابلا للملاحظة والاثبات بين
الشرائح او الطبقات المختلفة . او حين تتباطأ الدولة في تصحيح الفوارق بين تلك
المجموعات ، او تتهاون في منع التمييز الذي ربما تمارسه فئة قوية ضد الفئات
الضعيفة .. الخ . ويحدث هذا عادة في الاقطار التي يتألف شعبها من مجتمعات متعددة
ذات انتماءات عرقية او ثقافية او طبقية متفاوتة ، او حين يكون في البلاد اقليات لا
تستطيع التمثل بصورة مناسبة في جهاز الدولة الاداري والسياسي ، بسبب الحواجز اللغوية
او الدينية او المعيشية او العرقية التي تميزها عن الاكثرية.
في كل هذه الحالات
يتبلور الشعور الاقلاوي لدى تلك الشريحة من المواطنين التي تعاني من التمييز .
الشعور الاقلاوي – نسبة الى الاقلية – ليس بالضرورة دليلا على ان هذه المجموعة او
تلك تقل عن غيرها من حيث العدد ، بل هو حالة ذهنية مصدرها الاساس هو الانفعال
بالمحيط ، لكنها تتطور الى حالة ثقافية وسلوكية متعددة الاوجه والمبررات ، قابلة
للتمظهر في سلوكيات فردية او جمعية ذات طابع انعزالي او عدواني في العموم.
ربما تكون هذه الحالة هي
اخطر الحالات الاجتماعية في الوقت الحاضر ، بالنظر الى الاتجاه السائد في العالم
اليوم ، والذي يطلق عليه الباحثون الاجتماعية "انفجار الهوية". وهو
تعبير عن اتجاه متعاظم لدى المجموعات البشرية المتمايزة عن غيرها بعرق او ثقافة او
انتماء خاص ، الى التعبير المركز ، بل والمتشدد احيانا ، عن ذاتها وخصوصياتها ،
والتركيز على الفوارق التي تفصلها عن غيرها . هذه الحالة خطرة جدا لانها قد تغذي
يأسا من الوحدة الوطنية ينقلب الى رغبة في الانفصال الاجتماعي وتاكيد على التمثيل
الخاص مقابل التعبيرات الوطنية او التمثيل ذي الطابع الوطني .
لكل من الحالات الثلاث مخرجات
متفاوتة الخطورة ، لكن ابرز مخرجات الحالة الاولى هو شيوع الفساد المالي والاداري
وتطبيعه . وابرز مخرجات الحالة الثانية هو تبلور الاتجاهات العنفية والانشقاقية
المتطرفة ، كما ان الحالة الثالثة تنتهي عادة الى تطلع الى الخارج باعتباره مصدرا
محتملا للتعاطف والتاييد.
كل هذه المخرجات خطيرة
ومخربة ، لكنها جميعا قابلة للعلاج ، ليس بالوعظ والارشاد وليس بالشجب والتنديد ،
بل باعادة الامل الى نفوس الناس . ربما يتوقف الامر على مبادرات فعالة او ربما
يتوقف على اجراءات ذات قيمة رمزية ، تعيد للناس الامل بان حكومتهم لم تنسهم وانها
ليست عاجزة ولا فاشلة.
الايام 19-2-2009
مقالات ذات علاقة