قدمت في الاسبوع الماضي
لمحة عن رؤية البروفسور غونار
ميردال ، المتعلقة باقتصاديات البلدان النامية. والتي يدعو فيها للنظر الى العدالة
الاجتماعية كمحفز للاقتصاد ، لا كغاية اخلاقية او ايديولوجية فحسب.
أهمية هذه الرؤية تكمن في عنصرين ، أولهما
ان الرأي الغالب بين السياسيين يعتبر برامج العدالة الاجتماعية ، كلفة كبيرة على
الخزينة العامة. ويدعو للتخفف منها بقدر ما نستطيع. من هذا المنطلق فان معظم
الحكومات التي تتبنى هذا النوع من السياسات المكلفة ، تقيمها على اعتبارات
ايديولوجية أو أخلاقية. كما ان بعضها يسعى لتضييق قنوات الانفاق ، وتحميل جانب
منها على المواطنين بشكل مباشر ، مثل فرض رسوم على التعليم الجامعي او الادوية او
المستشفيات العالية التخصص .. الخ.النظام التعليمي الفاشل يفرغ الريف ليزيد البطالة في المدن
اما العنصر الثاني الذي يبرز أهمية تلك
الرؤية ، فهو يكمن في حقيقة انها تصدر عن خبير اقتصادي معروف في الاوساط العلمية
شرقا وغربا. من المعروف اجمالا ان خبراء الاقتصاد العاملين في الادارات الحكومية ،
يصنفون ضمن طبقة التكنوقراط
، ويلحق بهم – تجاوزا – زملاؤهم اعضاء الاكاديميات. ونعلم ان البروفسور ميردال عمل
استاذا في الجامعة ، وباحثا في مراكز ابحاث ،
وناشطا حزبيا ونائبا ووزيرا ، اي انه جميع المجد من طرفيه كما يقال. لكنه مع ذلك
حافظ على رؤيته القائلة بان سياسات العدالة الاجتماعية ليست مسألة ايديولوجية او
اخلاقية ، بل هي في المقام الأول ضرورة لتنشيط الاقتصاد وحفز الطاقات الكامنة
والمعطلة فيه ، أي انه لم ينظر الى جانب الكلف المباشرة ، كما فعل نظراؤه
التكنوقراط ، بل نظر اليها على ضوء تقديره الخاص لمكانة الانسان في العملية
الاقتصادية.
يعاتب ميردال خبراء الاقتصاد لكثرة كلامهم عن تحسين
نظم التعليم كي تتحسن الكفاءة الانتاجية للخريجين. كما يلاحظ ان قادة النظام
التعليمي ربما انزلقوا أحيانا الى نفس هذا التقدير ، فبات الامر المهم عندهم هو ان
يكون الشباب الذين تخرجوا من المدارس والجامعات ، موظفين جيدين ، الامر الذي يساعد
على زيادة الانتاج وكفاءة المشروع الاقتصادي بشكل عام.
هذا التفكير يشبه ذلك الوزير الذي سئل يوما عن
برنامجه لمعالجة البطالة في الأرياف ، فاقترح على الباحثين عن وظائف ، الانتقال
الى المدن الكبرى ، التي تعج بالفرص الوظيفية من مختلف الانواع والمستويات. هذا
النوع من التفكير ، سواء تم التعبير عنه صراحة او القيت الحبل على الغارب ، حتى
يتوصل اليه الناس بأنفسهم ، هو الذي أدى الى تفريغ الارياف من قوة العمل ، ونشوء
المناطق العشوائية حول المدن الكبرى.
كان ميردال قد لاحظ ان العائلات التي ارسلت اطفالها
الى المدارس في الريف الهندي ، وضعت في اعتبارها ان المدرسة ستكون طريقهم للخلاص
من العمل اليدوي في المزرعة ، والالتحاق بوظيفة مكتبية في المدينة. ومن هنا فان
التعليم لم يخدم المجتمعات الريفية ، بل ساعد في تفريغها من قوة العمل وابقاها
فقيرة ، أو ربما جعلها أكثر فقرا. اي ان التعليم
قد عمل ضد اغراض التنمية الاقتصادية.
نعلم ان هذا المثال تكرر في العديد من المجتمعات ، وكان
سببه دائما هو ان تلاميذ المدارس يوجهون كي يكونوا موظفين في دائرة ما او شركة ما
، ولا يدربون كي يصبحوا رواد اعمال ، ينشئون اعمالهم الخاصة ، التي تفتح الباب
لتوظيف آخرين وزيادة حجم المال الذي يدور في السوق المحلي.
يعتقد ميردال ان دور التعليم هو خلق القابلية للابداع
الفكري والعملي ، والاستعداد للمغامرة الفردية ، وان يكون هدف التلميذ هو
صناعة عمله الخاص ، وليس تأجير يديه ووقته.
بديهي ان غالبية خريجي المدارس ستفضل
الوظيفة المريحة. لكن الفارق كبير بين ان نحصل على 10 رواد اعمال ومبدعين في كل
100 خريج ، او نحصل على 100 باحث عن وظيفة بين كل 100 خريج.
الشرق الاوسط الخميس
- 30 جمادي الأول 1445 هـ - 14 ديسمبر 2023 م
مقالات ذات علاقة
اول العلم
قصة خرافية
بين النهوض العلمي
والتخصص العلمي
التخلي عن التلقين
ليس سهلا
تدريس العلوم
بالعربية.. هل هذا واقعي؟
تطوير التعليم من
الشعار إلى المشروع
تعريب العلم ، ضرورة
اقتصادية ايضا
التعليم كما لم نعرفه
في الماضي
التعليم والسوق.. من
يصنع الآخر؟
التمكين من خلال
التعليم
حول البيئة المحفزة
للابتكار
كيف نجعل الثقافة
محركا للاقتصاد؟
مجتمع المعرفة لازال هدفا ضروريا
المدرسة وصناعة العقل
معنى ان يكون التعليم
العام واسع الافق
يوكل علم ؟ ... يعني
مايفيد !