‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاصلاحيون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاصلاحيون. إظهار كافة الرسائل

24/12/2013

بدل الانشغال بالتفاصيل ، راهنوا على تغير النسق



كتبت في يونيو ان عودة الاصلاحيين الى الحكم فرصة لا ينبغي لايران التفريط فيها. واقول اليوم ان الاتفاق النووي المؤقت
بين ايران ومجموعة 5 + 1 هو فرصة للولايات المتحدة واوربا ، ينبغي ان لا تفوتها.
لم تخل السنوات الماضية من فرص مماثلة. حوالى العام 1999 تلقى الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون ، اشارات قوية 
عن رغبة الايرانيين في التفاوض. لكن ادارته قررت تشديد الضغوط على طهران ، طمعا في تنازلات اضافية.

لا شك ان الادارة الامريكية تراقب تململ الايرانيين من سياسات حكومتهم التي قادت الى تشديد العقوبات. لكني اخشى ان انشغال واشنطن بهذه التفاصيل ربما فوت عليها ملاحظة الصورة الكاملة ، التي تعكس بدرجة ادق محركات السياسة في ايران كما في غيرها. الصورة الكاملة لا تتجلى في الشارع ، بل في وسط النخبة التي تضم اضافة الى السياسيين ، بعض المثقفين البارزين ورجال الاعمال ، وشريحة محددة من رجال الدين النافذين.


ثمة جدل مزمن يدور في اوساط النخبة ، حول "موقع ايران على الخريطة الدولية". يجادل التيار البراغماتي – وفيه اصلاحيون ومحافظون - بان لدى ايران "فائض قوة" يسمح لها باتخاذ موقع بين الدول شبه الصناعية مثل الهند ومجموعة النمور الاسيوية. وهذا يتطلب علاقات دافئة مع الدول الصناعية ، سيما الاتحاد الاوروبي. ذلك ان الصعود الى الخط الاول يتوقف على التحول الكامل نحو اقتصاد صناعي ، ذي قاعدة انتاج واسعة ومتنوعة ، وهذا مستحيل تقريبا دون تمويل خارجي وأسواق عالية الاستيعاب.

في المقابل يجادل التقليديون – وبينهم ايضا محافظون وبعض قدامى اليسار – بان موقع ايران الطبيعي هو الشرق الاوسط ، وان عليها تركيز ثقلها المادي والسياسي ضمن هذه المنطقة. ذلك ان الغرب لن يسمح بنجاح الخيار الاول ، الا اذا تخلت ايران عن مباديء الثورة الاسلامية ، الامر الذي يعد خيانة لا تغتفر. ويجادل هؤلاء بان ايران قادرة على التطور المستقل ، وفرض نفسها وخياراتها دون تقديم تنازلات.
كلا من الخيارين يمثل نسقا سياسيا كاملا ، تدعمه ايديولوجيا وتجربة ومؤسسات وشرائح من النخبة والشارع. كان الرئيس السابق احمدي نجاد ممثلا للخيار الثاني ، بينما ينتمي الرئيس الحالي وحلفاؤه الى النسق الاول.

مقال الرئيس روحاني الذي ترجمته الاقتصادية (19 ديسمبر2013) يحاول ان يشرح للادارة الامريكية هذه الفكرة: بدلا من سياسة العقوبات ، راهنوا على تحول النسق السياسي. اذا كانت واشنطن وحلفاؤها مهتمين بعلاقات ودية مع ايران ، فهناك في ايران من يتبنى ذات التوجه. استمرار هذا المسار رهن بانعكاسه الايجابي على حياة الناس ومعيشتهم. يتوقع الناس عودة المصانع المعطلة الى العمل ، عودة القنوات المصرفية بين ايران والخارج ، احياء المشروعات الكبرى التي جمدتها العقوبات. كل خطوة من هذا النوع ستكون برهانا على جدوى هذا الخيار.

ليس متوقعا ان يقول سياسي ايراني للغربيين: ساعدونا من فضلكم. والمؤكد ان ايا من السياسيين الغربيين لن يقول للايرانيين: دعونا نحمل عنكم هذا العبء. يقول السياسيون كلاما كثيرا لا يقصدونه بالتحديد ، بقدر ما يقصدون الرسائل الضمنية ، التي تظهر فقط لمن تمعن في مجمل السياق وتحولاته ، ولم يشغل نفسه بالتفاصيل الصغيرة.

الاقتصادية 24 ديسمبر 2013

   

 

18/06/2013

فرصة جديدة لإيران


عودة الإصلاحيين إلى الحكم فرصة جديدة يجب على إيران ألا تفوتها. التصويت الواسع لروحاني لا يعبر فقط عن ثقة بشخصيته المتوازنة، فهو - في المقام الأول – تعبير عن رغبة عامة في تغيير النهج السياسي الذي أرساه الرئيس المنصرف أحمدي نجاد، النهج الذي يتسم بالخشونة والتطرف في العلاقات الدولية.
أفصح بعض الكتاب عن تشاؤم من قدرة الرئيس الجديد على التغيير، وقالوا إن مرشد الجمهورية الإسلامية هو ''الصانع الوحيد'' للقرار في هذا البلد، ولا سيما ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية. واقع الأمر أن هذا تقدير لا يخلو من مبالغة. نعرف مثلا أن سياسة إيران في السنوات الثماني الماضية كانت مختلفة كثيرا عن سياستها في عهد الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، مع أن الثلاثة حكموا في ظل المرشد نفسه.
هناك بطبيعة الحال حدود للتغيير، لكنه تبسيط مبالغ فيه أن يقال إن التغيير سيكون ضئيلا أو سطحيا. المرشد وجميع أركان النظام الإيراني يستوعبون الرسالة التي وجهها الجمهور، حتى لو كانت بخلاف توجهاتهم الخاصة. في نهاية المطاف لن يأتي الرئيس بمفرده. ثمة مئات من كبار الموظفين الجدد، المتوافقين مع تطلعاته، سيأتون معه، وهؤلاء هم من سيدير البلد في السنوات الأربع المقبلة.
لعل التحول الأكثر أهمية هو الذي جرى تحت السطح ولم يلحظه إلا القليل، أعني انهيار تيار ''المحافظين الجدد'' الذي عمل الرئيس نجاد على إيجاده خلال السنوات السبع الماضية. تتألف القوة البشرية لهذا التيار من أعضاء الحرس الثوري والشباب المهمشين، وأغلبيتهم الساحقة ينتمون إلى عائلات هاجرت من الريف إلى المدن الكبرى، وهي تشعر أنها لا تحصل على الفرص التي تستحقها. كان فوز نجاد في 2005 ذروة بروز هذه الشريحة، لكن المستفيد الحقيقي من وصوله إلى السلطة كان الحرس الثوري الذي نجح في مد نفوذه بشكل لم يسبق له مثيل في الاقتصاد والحياة العامة.
بعد أقل من خمس سنوات شعر المحافظون التقليديون بأن توسع الحرس لم يعد محتملا، وأن توسع التيار الجديد كان على حسابهم وليس على حساب الإصلاحيين، كما ظنوا سابقا. لهذا شهدت السنتان الأخيرتان عزلة متفاقمة للرئيس نجاد بين حلفائه المحافظين. وقد عبر عن هذا بوضوح رئيس البرلمان لاريجاني، الذي تحول إلى واحد من أشد منتقدي الحكومة والرئيس.
لم يستطع المحافظون الجدد تقديم مرشح قوي في الانتخابات الرئاسية، كما أن أكثرية المحافظين لم تعبأ برأي الحرس الثوري الذي ''نصح'' بالتصويت لقاليباف. واضح للجميع أن المزاج الشعبي لم يعد متعاطفا مع السياسات المتشددة، ولا راغبا في دفع ثمنها. هذا لا يقتصر على عامة الناس، فهو واضح أيضا بين النخبة السياسية والأشخاص المؤثرين في صناعة القرار.
هذه فرصة ينبغي لإيران أن تستثمرها. استثمارها يتطلب قرارات شجاعة وجذرية، عنوانها الملاينة والتلاؤم مع المحيط والعالم، بعد حقبة طويلة نسبيا من الانقطاع والتناقض.
الاقتصادية 18 يونيو 2013

مقالات ذات علاقة

29/06/2009

الانتخابات الايرانية وعالم السياسة المتغير



الاحتجاجات التي اعقبت اعلان نتائج الانتخابات الايرانية التي عرفت باسم جنبش سبز=الحركة الخضراء) تكشف عن حقيقة السياسة كعالم متغير : كل خطوة فيها تولد نقيضها واسباب نهايتها المنتظرة .
في هذه الانتخابات سجل المحافظون هدفهم الاهم فاحتفظوا بالرئاسة . لكنهم دفعوا ثمنا غاليا جدا ، ربما ستظهر انعكاساته في الانتخابات النيابية بعد عامين . 
يتألف التيار المحافظ بشكل رئيسي من فريقين ينتميان الى تصنيف طبقي – سياسي مختلف ، اي مصادر نفوذ مختلفة واحيانا متعارضة . جاء الرئيس نجاد من جناح غالبه من متوسطي العمر ينتسب الى الطبقة الوسطى ، وتبلورت تجربته السياسية من خلال العمل الاداري في مؤسسات الدولة . اما الجناح الاخر الذي يوصف بانه تقليدي فقد تبلورت تجربته السياسية من خلال العمل الاهلي في مؤسسات دينية او في السوق ويستمد قوته من نفوذه في الشارع ومن دعم الهيئات الدينية. تاريخيا كان الفريقان على طرفي نقيض ، فالاداريون يميلون الى توسيع نفوذ الدولة وضبط المؤسسات الاهلية ، وهذه تمثل بذاتها مصدرالقلق الرئيس عند الفريق التقليدي الذي يميل بشدة الى الاستقلال عن الدولة وانظمتها الضيقة .
رغم التفارق السياسي والاجتماعي ، يحمل الجناحان المحافظان ايديولوجيا سياسية متماثلة الى حد كبير. عنصر الاجماع هذا هو الذي وحد انشغالاتهم بعدما اكتسح الاصلاحيون الشارع بين 1997 الى 2005.  يحمل الاصلاحيون ايديولوجيا سياسية مختلفة تماما ويسعون الى اهداف يعتبرها المحافظون عائقا امام نموذج الدولة التي يحلمون بالوصول اليها . في العام 2003 وحد المحافظون صفوفهم ونجحوا في ثلاث جولات انتخابية كبرى ، بدأت بالانتخابات النيابية ثم المحلية وتوجت بفوز مرشحهم بالرئاسة ، احمدي نجاد ، في 2005. لكن السياسة ابت ان تغادر طبيعتها كعالم متغير ، فكل نجاح حمل معه تناقضات اضافية اعادت تفكيك التيار الذي نجح بعد لاي في توحيد صفوفه .

 ويبدو لي ان الفوز الاخير هو ايضا نهاية التشكيل الكلاسيكي للتيار المحافظ. خلال الحملة الانتخابية شن الرئيس المرشح احمدي نجاد وانصاره حملة شرسة على عدد من زعماء المحافظين ابرزهم ناطق نوري الذي ادار عملية توحيد الاجنحة المحافظة في 2003 وكان قبل ذلك مرشح التيار للرئاسة في 1997 ، كما شملت الحملة هاشمي رفسنجاني الذي يقف في منتصف الطريق بين المحافظين والاصلاحيين لكنه يعتبر حليفا اساسيا للمحافظين التقليديين.

كان المتوقع بعد فوز احمدي نجاد بالرئاسة ان يبادر الجميع الى الاحتفال ، لكننا لاحظنا ان ابرز زعماء المؤسسة الدينية في مدينة قم قد تجاهلوا الامر بشكل مثير للانتباه ، فلم يبادر اي منهم بتهنئة الرئيس الجديد ولا اعلنوا تاييدهم لاجراءات الحكومة في مواجهة غضب الاصلاحيين. كما ان رئيس المجلس النيابي ونوابه قاطعوا الاحتفال الذي اقامه الرئيس احمدي نجاد لمناسبة فوزه. 

ثمة انباء عن جهود يبذلها الرئيس السابق رفسنجاني ورئيس المجلس النيابي علي لاريجاني للتوصل الى تسوية . ويسعى رفسنجاني الى ضمان دعم المراجع الدينية في قم فضلا عن اقطاب الجناح التقليدي. واذا نجح هذا المسعى  فهو سيكون بالضرورة على حساب المحافظين الشباب والرئيس المنتخب . فالمفهوم ان هذه المحاولة لا تستهدف دعم الرئيس بل استعادة المحافظين التقليديين للمبادرة ، وبالنظر لما يشهده الشارع من احتجاجات وغليان فان حصة الاصلاحيين في الحل المنتظر ستكون بالتاكيد معيارا لقبول او رفض هذا الحل. فالقلق الذي ولدته الاحتجاجات لا يتعلق بدور الجناح التقليدي بل بمطالب الاصلاحيين . في الحقيقة فان كل مسعى للحل بحاجة الى استثمار الغضب الذي عبر عنه انصار الاصلاحيين كي يبلغ غايته.

الحل الذي يسعى اليه رفسنجاني هو تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة نجاد تضم اصلاحيين ومحافظين تقليديين . لكن هذا مستبعد في ظني اذا لم تتغير التوازنات الحالية ، اي اذا لم يجد مرشح الجمهورية سلطته ومكانته مهددة بشكل جدي . مرشد  الجمهورية لا يفضل مثل ذلك الحل لانه سئم من السياسيين المحترفين (بمن فيهم رفسنجاني ولاريجاني)، وهو يميل الى حكومة تكنوقراط يلعب فيها الوزير دور مدير اعلى لا دور رجل سياسة . لكن في كل الاحوال فان الموقف المعترض للتقليديين ، والموقف المعارض للاصلاحيين سوف يلقي ظلالا قاتمة على مكانة وعمل الرئيس في السنوات الاربع القادمة. ومن المؤكد انه سيكون اقل قوة واندفاعا مما كان عليه خلال الفترة الرئاسية الاولى.

عكاظ 29 يونيو 2009

02/04/2007

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية



لم يختلف الايرانيون حول رجل مثلما اختلفوا حول رئيسهم السابق محمد خاتمي ، ولم يحبوا رئيسا مثلما احبوه . طيلة السنوات الثمان التي قضاها في رئاسة الدولة ، حافظ خاتمي على درجة رفيعة من اخلاقيات الفيلسوف والمفكر التي عرفت عنه قبل الرئاسة. وهي صفات سارت جنبا الى جنب مع عنف فكري وشجاعة في التعبير عن اراء تتناقض كليا او جزئيا مع تلك السائدة بين انداده ونظرائه في النخبة السياسية والمجتمع الديني بشكل عام . ولا شك ان توجهات خاتمي قد اسهمت الى حد بعيد في تغيير البيئة السياسية في ايران ، ولهذا فان فترة رئاسته تشكل علامة فارقة في مسيرة ايران الجمهورية .  
آمن خاتمي بان انعتاق الانسان الروحي وتحرره من سطوة الدولة وهيمنة الخرافة وقيود التقاليد هو الطريق الوحيد للعالم الاسلامي كي يلتحق بركب الحضارة . كما يعتقد ان تراث الاسلاميين السياسي يفتقر الى ارضية فلسفية وفقهية مناسبة لاقامة نظام سياسي يحول دون الاستبداد ويعيد الاعتبار الى الانسان الفرد ، لان المعرفة الدينية لم تتطور في فضاء حر ، بل كانت في معظم الازمان انعكاسا لعلاقة بين المجتمع والدولة ذات طابع استبدادي في المجمل. وينظر الى الديمقراطية كنموذج للعمل السياسي يمثل ارقى ما توصل اليه الانسان .

يتناول الجدل حول الديمقراطية في ايران ثلاثة مجالات . يتعلق الاول بجانبها الوظيفي ، اي كونها نظاما للتمثيل الشعبي ، التداول السلمي للسلطة ، الفصل بين السلطات ، عمومية القانون ، وما اشبه . ويتعلق الثاني بارضيتها الفلسفية ، اي حاكمية الشعب ، المساواة ، الحقوق الطبيعية ، وما اشبه . 

ويتناول الثالث اساسها الايديولوجي ، اي تطورها في الاطار التاريخي - المعرفي الغربي . وينظر المحافظون الى الديمقراطية كجواب خاص للمجتمعات الغربية على الازمات التي واجهتها. وكما ان من السفه استيراد المشكلات من مجتمعات اخرى ، فانه بنفس القدر مخالف للعقل استيراد الحلول الخاصة بتلك المشكلات.  
في مقابل هذا ، يرى الاصلاحيون ان استبداد الدولة واحتكارها للموارد العامة ومصادر القوة طيلة التاريخ الماضي والحديث كان سببا في اذلال الشعب وتشويه شخصيته وثقافته ، والمعيق الابرز لتمدن البلاد وارتقائها . وان الديمقراطية هي وسيلة عملية وفعالة لاصلاح الخلل في موازين القوى ، على وجه يجعل المجتمع سيدا للدولة . ويذهب ايةالله شبستري بالجدال الى مدى ابعد حين يقرر ان الديمقراطية ضرورة للدين مثل ضرورتها للمجتمع ، فالنموذج الديمقراطي الليبرالي هو (الوحيد الذي يوفر الفرصة لتحقيق الغايتين الاعظم من غايات الدين ، اي العدالة وانعتاق الانسان).   
ويتفهم الاصلاحيون حقيقة انه لا يمكن تاسيس نموذج ديمقراطي على ارضية التراث الذي ورثناه من الاجداد . لكن في الوقت نفسه فان خاتمي يندد بالتقليد الطفولي لتجارب المجتمعات الاخرى كما يندد بالرفض الاعمى لنتائج تلك التجارب دونما سبب سوى كونها اجنبية. بدلا من هذا ، فهو يدعو المثقفين المسلمين الى تعامل نقدي مع ما يصفه باعمدة الحضارة المعاصرة مثل الليبرالية ، الفردانية ، الحقوق الطبيعية ، والعقلانية . الحداثة في رايه هي أحد الحلول التي توصل اليها الانسان في كفاحه الدائب للتقدم ،  وهي تنطوي مثل اي منجز انساني آخر على عناصر ايجابية واخرى سلبية ، وهي متغيرة ومتفاعلة وليست نظاما مغلقا تأخذه كله او تتركه كله. ولهذا يدعو الى اعادة انتاج الحداثة ولا سيما جانبها السياسي ، اي الديمقراطية ، في اطار الثقافة المحلية كي تأتي متناغمة مع روحية الشعب وقادرة على استيعاب همومه وتطلعاته .

 "توطين الديمقراطية" يتضمن صيانة عمودها الاساس ، اي حاكمية الشعب ، وفي الوقت نفسه تمكين الشعب من اختيار الطريقة الملائمة لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ. توطين الديمقراطية يعني بصورة محددة جعلها متلائمة مع الدين ، باعتباره المكون الابرز للثقافة والهوية الوطنية.

07/02/2004

جدل الدين والدولة في ايران


  

اذ نظرنا الى الجدل الدائر بين المحافظين والاصلاحيين في ايران من خارج اطاره ، فهو مجرد صراع سياسي يرتبط بالسمات الخاصة للمجتمع والنظام السياسي في هذا البلد . لكن اذا نظرنا الى المكونات الاولية لهذا الجدل ، ولا سيما المقدمات التي اوصلت اليه ، فهو نموذج قابل للمقارنة بنظائر له في مختلف البلدان الاسلامية. من هذا المنظور ، فهو صراع بين القوة السائدة ، او ما يعرف في الادبيات السياسية بالمؤسسة ، وبين تيار يسعى للتغيير، وحينئذ فان كلا من الطرفين هو عنوان لقوة اجتماعية تتبنى منظومة خاصة من المفاهيم والاهداف ، تتعارض جوهريا مع الاخرى.

يتبنى المحافظون فكرة الدولة الدينية المثالية ، ويجادلون بان تطبيق الشريعة في مداه الاقصى يتطلب تدخلا واسعا  من جانب الدولة في حياة الناس . وهذا يترجم عمليا في سيطرة الدولة على وسائل الاعلام ، ومراقبة المطبوعات غير الحكومية ، وفرض معايير خاصة للسلوك الاجتماعي. على المستوى الاقتصادي يسعى المحافظون الى اقتصاد حر تتحكم فيه اليات السوق. ولمعالجة التناقض الظاهر بين فكرة تدخل الدولة سياسيا واجتماعيا وانكماشها على المستوى الاقتصادي ، اقترح محمد جواد لاريجاني ، وهو احد منظري التيار المحافظ ، احتذاء النموذج الصيني. لقد نجحت الصين ، التي اتبعت نظاما يجمع بين التخطيط المركزي وتحرير الاستثمار ، في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة ومنتظمة طوال اكثر من عقد من الزمن ، بلغت احيانا سبعة في المائة ولم تنخفض ابدا عن اربعة في المائة ، في مقابل معدل نمو يدور حول الواحد في المائة في معظم الاقطار الغربية. والاشارة بالطبع هنا الى ان النمو المنتظم في الصين لم يتلازم مع تنمية سياسية موازية ، فلا زالت الصين دولة غير ديمقراطية ولا زالت حقوق الانسان فيها دون الحد الادنى المتعارف في العالم .

يتبنى الاصلاحيون في المقابل نموذج الديمقراطية الليبرالية باعتباره الصورة الامثل لدولة حديثة. وطبقا لآية الله شبستري وهو احد المنظرين الاصلاحيين البارزين ، فان هذا النموذج هو الوحيد الذي يسمح بتحقيق ابرز اهداف الشريعة الاسلامية ، اي كرامة الانسان وانبعاث العقل. وهو يرى ان تحرير ارادة الانسان هو السبيل الوحيد لاقامة مجتمع رشيد ، وتحرير العقل هو السبيل للنهوض العلمي الضروري لاستثمار الامكانات المادية والطبيعية التي لا تستغل فعلا على افضل الوجوه.

 ويريد الاصلاحيون تخصيص الاعلام الحكومي والغاء الرقابة على المطبوعات بشكل كامل. كما يدعون الى دولة صغيرة يقتصر تدخلها في المجتمع على الحد الادنى . وفي رأيهم ان التدين والسلوك الاجتماعي بشكل عام ، ليست من مهمات الدولة ولا اشغالها ، بل ان التدخل في مثل هذه الامور يتناقض نظريا وسياسيا مع فكرة التكامل بين السلطة السياسية والمجتمع التي هي الاساس في نظرية الدولة الحديثة.

على المستوى الاقتصادي لا يختلف الاصلاحيون كثيرا عن منافسيهم المحافظين لكن الربط بين الحريات العامة ، سيادة القانون ، الانفتاح على العالم ، وحرية الاستثمار هو نقطة القوة التي تميز الخطاب الاصلاحي. وخلال السنوات الاربع الماضية حقق الاقتصاد الايراني معدل نمو منتظم ، زاد في العام المنصرم عن سبعة في المائة كما وفر نصف مليون وظيفة جديدة.

وكما هو واضح ، فان خلاف الطرفين يدور حول حدود تدخل الدولة ، ولا سيما علاقة الدين بالدولة . وفي هذا المجال بالخصوص ، فان جوهر الجدل يدور حول ما اذا كان للدولة الحق في اجبار المواطنين على الالتزام بطريقة معينة في التدين ام ترك الامر لهم . بكلمة اخرى ، فان المحافظين يدعون الى استخدام سلطة الدولة وامكاناتها في فرض خطاب ديني محدد ، بينما يرى الاصلاحيون ان المجتمع اقدر من الدولة على ادارة اموره الدينية والاخلاقية . الدولة – بكلمة اخرى – مسؤولة عن دنيا الناس ، اما دين الناس فالناس اولى به وهم المسؤولون عنه.

على المستوى النظري يبدو الامر بسيطا ، لكن على المستوى العملي، فان هذا الاختلاف يتناول حدود الدولة ومدى قانونية تدخلها في حياة الناس وسلوكهم ، وبالتالي حقها في استعمال القوة لفرض نموذج سلوكي معين ، وبهذا المعنى فان الخلاف يتناول فلسفة الدولة والاساس الذي تقوم عليه . المحافظون مع دولة فوق المجتمع وسيدة له ، بينما يدعو الاصلاحيون لدولة تستمد شرعيتها من المجتمع ، فهي خاضعة لارادته تابعة لتوجهاته.


Okaz ( Saturday 7 Feb 2004 ) - ISSUE NO 965

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...