‏إظهار الرسائل ذات التسميات صدام حسين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات صدام حسين. إظهار كافة الرسائل

16/11/2016

كسب الارض وكسب القلوب


بعد شهر من بدء عمليات الموصل ، استعاد الجيش العراقي جميع البلدات التابعة للمحافظة ، إضافة الى عدة أحياء داخل المدينة ، خلافا لتقديرات امريكية سابقة بان العملية ستأخذ نصف عام أو أكثر. هذه المفارقة تخبرنا ان سكان الموصل لم ينهضوا لنصرة داعش ، بل تركوهم وخليفتهم وحيدين في الميدان.
المؤكد ان النخبة السياسية سعيدة بما تحقق. فهو يؤكد ان المدينة تكره داعش ومشروعه ، رغم انها لم تكن - قبل ذلك - محبة لحكومة بغداد. عامة العراقيين أيضا تفاءلوا بان الحروب المتنقلة في بلدهم تطوي الآن صفحتها الأخيرة. لكني أخشى ان ينخدع السياسيون بوهج الانتصار ، فيغفلوا عن واحد من أبرز دلالاته ، اعني به تخلي الموصليين عن داعش. على صناع القرار في العاصمة ان يشعروا – بدل ذلك - بالقلق ، وان يتأملوا مليا في الاسباب التي أدت إليه وامكانية تكراره.

هذا الحدث لم يأت بلا سابقة. ففي يوليو 2003 هاجمت قوة امريكية منزلا في شمال الموصل يختبيء فيه عدي وقصي ابنا صدام حسين. وحين سيطر المهاجمون على المنزل ، وجدوا ثلاث جثث فحسب ، تعود للرجلين وابن قصي الشاب. لم ينهض رجل واحد من أهل الموصل لنصرتهم ، بمن فيهم اصحاب البيت نفسه وجيرانهم ، فضلا عن بقية أهل المدينة التي ينتسب اليها معظم القيادات الوسطى في الجيش العراقي.
تكرر الأمر ثانية في منتصف 2014 حين اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل واحتلها في بضع ساعات. لم ينهض احد من سكان المدينة لمواجهة داعش ، مثلما لم يتحركوا هذه الأيام لدعمها. هذه الأمثلة التي تكررت بتفاصيل متشابهة تقريبا ، وخلال مدى زمني قصير نسبيا ، تستوجب التساؤل عن سر الموقف السلبي لسكان المدينة ، تجاه أي قوة تمثل الدولة او تدعي انها دولة.
ليس لدي تفسير قطعي لهذا الموقف. لكني استذكر رأي باحثة بريطانية كتبت يوما عن مفهوم " الحقوق الطبيعية" واهتمت خصوصا برد فعل الناس ، حين يحرمون من حقهم الفطري في اختيار طريقة عيشهم وصياغة مستقبلهم. تقول السيدة مارغريت ماكدونالد ان ظرفا كهذا سيدفع معظم الناس لتناسي الواجب الاجتماعي على الاغلب "المواطن المحروم من حقوقه الأساسية سيسأل نفسه يوما: لماذا يجب علي التضحية من اجل المجتمع او الوطن ، طالما لم احظ فيه بفرصة للعيش الكريم او حرية الاختيار؟".
ربما يستطيع الجيش تحرير الموصل بجهد اقل مما كان متوقعا. لكن هذا ليس نهاية المطاف. ان تحصين المدينة ، (والبلد ككل) من احتمالات شبيهة بما فعله داعش في 2014 رهن باقتناع المواطنين بانهم في ظل دولتهم ، وليسوا خاضعين لقوة احتلال او هيمنة تسيرهم رغما عنهم. لقد تفاءلت حين اجريت بحثا سريعا ، فوجدت ان معظم الضباط الذين يقودون عمليات الموصل ، ينتمون الى نفس المدينة. لكن هذا ليس كافيا لتوليد الايمان عند اهلها ، بانهم باتوا اصحاب القرار فيما يخص حياتهم ومستقبلهم.
يتوجب على الحكومة العراقية ان تجري مراجعة عميقة لنظام الادارة والتمويل ، والعلاقة بين المحافظة والمركز ، ودور المجتمع المحلي في القرار ، حتى يتخلص الموصليون (وبقية المواطنين ايضا) من الشعور بان حياتهم يصنعها ويصوغها اشخاص لا يعرفونهم او لا يثقون في نواياهم.
قد نعتبر النجاح الحالي فخرا لمن سعى فيه. لكن القائد لا ينشغل بالفرح ، بل بوضع السياسات الضرورية لمعالجة العوامل التي ادت الى تكرار الفشل في الماضي.
الشرق الاوسط 16 نوفمبر 2016 http://aawsat.com/node/785611



13/12/2005

الشيعة في زمن جديد



ثمة احداث تختصر قرونا من التاريخ الثقافي للمجتمعات التي تعرضت لها . واظن ان سقوط صدام حسين هو من هذا النوع من الاحداث . فيما يتعلق بالشيعة فان هذا الحدث يرقى من حيث الاهمية الى مستوى الثورة الايرانية لعام 1979 والتي كانت بدورها مرحلة فاصلة بين عصر ثقافي جديد وعصر قديم استمر خمسة قرون على الاقل.
قبل الثورة الايرانية كان الاعتقاد السائد بين الشيعة ينفي امكانية قيام حكومة شرعية قبل عودة الامام المنتظر ، وكانت فكرة انتظار الامام هي البديل الثقافي عن السعي للسلطة ، ولهذا فان جميع الفقهاء تقريبا مال الى تحريم او تقبيح المشاركة في اي نوع من الحكومات القائمة في مختلف العصور ، واجازها بعضهم في حال الضرورة ، ووضع اخرون شروطا على هذه المشاركة كي لا تتحول الى وسيلة لترسيخ الجور. لكن في جميع الاحوال فان الذين اجازوا المشاركة لم يصلوا الى حد اعتبار الحكومات القائمة شرعية بالمعنى الديني. ولعل المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء كان بين قلة من الفقهاء الذين ميزوا بين المشروعية ذات المصدر الديني وتلك القائمة على اساس عرفي (اعتبارها ضرورة لحفظ النظام العام ومصالح الجمهور) . العلامة النائيني تقدم خطوة اخرى فكتب في 1908 مطالبا بالتركيز على مؤسسة الحكم بدل الجدل حول شخص الحاكم . وقال في كتابه الشهير "تنبيه الامة وتنزيه الملة "  ان الحكم يمكن ان يكون مشروعا اذا التزم بدستور مكتوب وخضعت الحكومة للمحاسبة امام مجلس شورى منتخب ، بغض النظر عن شخص الحاكم  . لكن الحل الحاسم جاء على يد المرحوم الخميني الذي قرر ان السلطة هي الوسيلة الوحيدة لاصلاح شؤون المسلمين العامة ، ولهذا فان انتظار الامام لا يعني ابدا اعتزال الحياة السياسية .

منذ ذلك الوقت تلاشت الى حد كبير الفكرة التي تعتبر المشاركة في السلطة مساعدة للظالم او تشريعا للجور . ولم يعد الشيعة يرون حرجا في المشاركة في اي نظام سياسي . بل ان حزب الله الذي دعا عند انطلاقته الى ثورة اسلامية في لبنان ، لم يتردد في المشاركة في نظام سياسي علماني يحصر السلطة العليا في يد المسيحيين .

نجحت الثورة الايرانية في حل مشكلة تاريخية في الثقافة الشيعية ، لكنها جاءت بمشكلة اخرى ، او لعلها عمقت مشكلة قائمة . تلك هي الشعور بان الشيعة هم ضحايا لمؤامرة تاريخية كبرى قام بها الحكام الظالمون في الماضي وتقوم بها الدول العظمى في الحاضر. فكرة المؤامرة عميقة الجذور في الثقافة الايرانية وهي ترجع الى تاريخ طويل تعرضت خلاله ايران لغزو الجيران من الشمال والغرب والشرق والجنوب ، وخسرت في تلك الغزوات ما يزيد على نصف اراضيها . وقد اعيد انتاج فكرة المؤامرة في اطار ديني بحيث ربط بين تعرض ايران للغزو الخارجي وكونها شيعية المذهب . وانتقلت هذه الفكرة الى معظم شيعة العالم الذين ظنوا انهم يتعرضون لمؤامرة عالمية غرضها الوحيد هو القضاء على مذهبهم . وجاء توافق العالم الغربي على حصار ايران بعد الثورة ودعمه للعدوان العراقي عليها ليعزز فكرة المؤامرة التاريخية .

تعرض الشيعة في ظل صدام حسين الى مأساة لم يروا مثلها في اي وقت سابق . وشملت بالاضافة الى التصفية الجسدية لالاف من الرجال والنساء ، تهجيرا منظما طال ما يزيد عن ثلاثة ملايين مواطن ، اضافة الى تدمير البيئة الطبيعية كما حصل في الاهوار وتفكيك المؤسسات الاجتماعية الكبرى مثل الحوزة العلمية في النجف الاشرف . واستمر هذا النهج التدميري نحو ثلاثين عاما وصل معه شيعة العراق الى حافة اليأس من امكانية الوصول الى نهاية سعيدة لهذه الحقبة السوداء. ثم جاء الخلاص على يد الولايات المتحدة الامريكية ، الدولة التي اعتقدوا طويلا انها تقود المؤامرة التاريخية عليهم ، والتي وصموها لاجل ذلك بصفة "الشيطان الاكبر" .

لم يكن غرض الامريكان مساعدة الشيعة ولا الدفاع عنهم ، لكن حربهم مع صدام حسين ادت – موضوعيا – الى نهاية الحقبة السوداء . واستطاع الشيعة العراقيون ان يحصلوا على حقهم في حكم انفسهم للمرة الاولى منذ القرن العاشر الميلادي. لهذا السبب لم يجد الشيعة غضاضة في العمل مع عدوهم التاريخي المفترض ضد العدو الفعلي . لم يجد عامة الناس حاجة للبحث عن مبررات في كتب الفقهاء ، فالليل الذي انتهى اشد ايلاما من اي حاجة للتبرير.

بعيدا عن التوصيف السياسي لهذا الحادث فاننا امام حالة ثقافية جديدة خلاصتها ان فكرة المؤامرة التاريخية لم تعد موجودة في الاذهان . بكلمة اخرى فان الشيعة الذين سبق ان عزلوا انفسهم عن العالم ظنا بانه يتآمر عليهم ، وجدوا ان العالم ليس معنيا ابدا بصراع المذاهب وان ما يهمه اولا واخيرا هو صراع المصالح . اذا كانت مصلحة واشنطن معك فهي ستاتيك ، واذا كانت مع عدوك فهي ستذهب اليه. في اعتقادي ان هذا التطور يرقى الى مصاف الحوادث التاريخية الكبرى ، لانه انهي في اسابيع قليلة منظورات ثقافية سادت لقرون طويلة واعاقت الى حد كبير حركة مجتمع باكمله .

الثورة الايرانية كانت – بالنسبة للشيعة - بوابة لتشريع المشاركة في السلطة ، بغض النظر عن طبيعتها والقائمين عليها . كما ان المشاركة الامريكية في تغيير النظام العراقي هي بوابة للانفتاح على الحداثة وتياراتها النشطة في العالم .

يتحدث الشيعة العراقيون اليوم عن مفاهيم جديدة تماما على الخطاب العربي والاسلامي ، مفاهيم تنتمي بالكامل الى زمن الحداثة الثقافي . من ذلك مثلا اعتبار الحريات العامة خطا احمر لا يمكن تجاوزه باي قانون حكومي حتى لو قام على مبررات دينية . ومن ذلك القبول بالتعددية الثقافية من دون حدود او قيود ، ومنها المشاركة الجبرية للنساء في البرلمان والوزارة ، ومنها القبول بحكم محلي يتجاوز في كثير من الاحيان سلطة الدولة المركزية .

كل من الحدثين ، الايراني في 1979 والعراقي في 2003 يمثل فاصلة تاريخية بين زمنين ثقافيين . واظن ان من المهم ان نفكر في الانطلاق مما جرى فعلا لبناء منظومة ثقافية جديدة تكرس القطيعة مع تاريخ من المآسي الرمزية ، وتنفتح على عالم جديد رحب من فرص وامكانات التقدم . عالم عجزنا عن اكتشافه في الماضي ، لاننا سجنا انفسنا وعقولنا في صندوق رمزي مليء بالمآسي والهموم والاحزان.

الايام 13 ديسمبر 2005

31/01/2004

الوجوه المتعددة للشفافية

في تمثيل لا يخلو من مبالغة ، وصف حسن العلوي الكاتب العراقي حكومة صدام حسين بدولة "المنظمة السرية". وهذا وصف قابل للتمديد الى معظم دول العالم ، ففي كل دولة ثمة درجة من التكتم المقصود او العفوي ، على المستوى السياسي او الاقتصادي او سواه.


نظريا فان السيطرة متلازمة عضويا مع التكتم ، فالذين على راس العمل يهمهم ان يحافظوا على مكانتهم على المدى الطويل من خلال استبعاد المنافسين. التكتم على الامكانات والتكتم على القرارات هي احدى الوسائل الفعالة في تحديد اطار المنافسة وبالتالي التحكم في شروطها وعدد الاطراف الداخلة فيها.

في غمرة التطور الاقتصادي الذي ساد اوربا عقب الحرب العالمية الثانية ، اكتشفت الاجيال الجديدة من السياسيين ورجال الاعمال ان تقاليد التكتم تعيق بشكل جدي النمو الاقتصادي والتطور السياسي في الوقت نفسه. ان جهل غالبية الناس بالامكانات الفعلية التي تحتويها السوق ثبط الكثير من الناس عن الاستثمار ، كما ان صعوبة التنبؤ بالسياسات المستقبلية للحكومات دفع كبار المتمولين الى تركيز استثماراتهم في القطاعات السريعة المردود او المضمونة (تملك العقارات مثلا) بدلا من تلك القطاعات التي تلعب دور المحرك لنشاطات اخرى (الصناعة مثلا). من هذا المنطلق فقد تحول موضوع العلنية او الشفافية الى واحد من ابرز القضايا التي يدور حولها الجدل في ادبيات التنمية منذ اوائل الستينات. الفكرة البسيطة وراء الموضوع برمته هي ان كل الناس يجب ان يحصلوا على فرص متساوية للارتقاء ، وهذا يتطلب ان تكون المعلومات متوفرة للجميع بحيث تكون كفاءة المتنافسين هي المعيار الاساسي للتقدم.  وثمة دراسات تؤكد ان توفر المعلومات حفز انواعا جديدة من النشاطات الاقتصادية في السنوات الاخيرة، وهو ما يعتبر ابرز فضائل انتشار الانترنت.

على المستوى السياسي ايضا فان الشفافية وتوفر المعلومات هي عامل رئيسي في تحقيق مفهوم الحرية. وتقوم هذه الفكرة على دعوى عميقة الجذور فحواها ان المجتمعات التي ابتليت بالعبودية انما بقيت اسيرة لتلك الحالة بسبب جهلها وانعدام الخيارات المتاحة امامها . حينما تجبر مجتمعا على سلوك طريق واحد دون سواه فانك في حقيقة الامر تستعبده . الجبر قد يتحقق من خلال الارغام المادي وقد يتحقق من خلال حرمان الغير من الخيارات البديلة.
على المستوى الاداري ، ترتبط فكرة الشفافية بالمسؤولية . نحن نطلق على كل صاحب قرار في المؤسسات التجارية والحكومية لقب "المسؤول" . ويثير هذا الاطلاق - الذي نادرا ما نتوقف عنده - تساؤلات مثل : مسؤول امام من؟ ومسؤول عن ماذا ؟ وما هي حدود هذه المسؤولية ؟.

الفهم السائد – العفوي غالبا – يقرن فكرة المسؤولية بالسلطة ، فحينما نصف شخصا بانه مسؤول ، فاننا نقصد تحديدا انه صاحب سلطة ، وهذا ينطوي – ضمنيا – على دعوى ان احدا لا يستطيع مناقشته او الرد عليه او نقده . بكلمة اخرى فثمة تناقض كامل بين العنوان ومضمونه الداخلي بحيث يمكن ان تصف المسؤول بانه غير مسؤول دون ان يتغير المضمون الذي يشير اليه العنوان الخارجي.

ثمة تاكيد في الادبيات السياسية على ان اي صاحب منصب في الدولة الحديثة هو مسؤول ، فكرة المسؤولية هنا تشير الى ان صاحب المنصب يؤدي وظيفة وليس مالكا للمنصب ، وانه يؤدي وظيفته اعتمادا على قانون مكتوب يحدد اهداف العمل وطريقة ادائه وحدود الصلاحيات المتاحة له. وهو ايضا خاضع للمساءلة والمحاسبة ، من خلال مقارنة ادائه مع المعايير المحددة في القانون ، اي انه "مسؤول" عن عمله.

يمكن تحقيق فكرة كون الموظف مسؤولا اذا تحددت الجهة التي تسأله وتحاسبه . في المؤسسات التجارية فان هذه الجهة هي المالكين او حملة الاسهم ، اما في الحكومات فان هذه الجهة هي المجتمع ككل.  هذا يفترض بطبيعة الحال ان يكون كل من القانون الذي يرجع اليه في المساءلة ، والتقارير المتعلقة بالاداء علنية ومعروفة في المجتمع. في بلد مثل تركيا ، يقول رئيس الوزراء ، كان هناك على الدوام فرص لمعالجة المشكلات التي بدا للجميع انها مستعصية ، لكن العقبة كانت عجز اولئك الذي يطرحون الحلول عن الوصول الى عقول الناس. وقد ادت الشفافية التي سادت البلاد منذ اوائل التسعينات الى تمكين هؤلاء من عرض البدائل التي يقترحونها على المجتمع والدولة معا ، وهكذا اصبح بالامكان الحديث عن حلول بعدما كان الجميع غارقا في المشكلة.

Okaz ( Saturday 31 Jan 2004 ) - ISSUE NO 958
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/1/31/Art_70875.XML

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...