‏إظهار الرسائل ذات التسميات الامام مالك. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الامام مالك. إظهار كافة الرسائل

02/06/2021

طريق التجديد: الحوار النقدي مع النص

عمل سيد ولي نصر  عميدا لكلية الدراسات الدولية بجامعة جون هوبكنز في واشنطن. ونال شهرة عريضة عن دراساته المعمقة في تيارات الاحياء الإسلامي ، في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية. لاحظ نصر ان كافة الجماعات التي درسها ، انطلقت من رؤية تربط النهضة بقراءة جديدة للقرآن الكريم وتراث الجيل الأول من المسلمين.

نظريا ، تبدو هذه رؤية جذابة. فهي تسمح بتصور فاصل معنوي ، بين أصحابها وبين واقع المسلمين القائم ، وما فيه من تخلف ومشكلات. كما انها تربطهم بالجيل الأول من الصحابة الذين لاخلاف على فضلهم ، وهو امر يضفي شعورا بالرضى عن الذات ، بل التفوق على الاخرين. اما نقطة القوة الأبرز في هذه الرؤية ، فهي انسجامها مع اعتقاد شائع بأنه "لايصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" وهو قول ينسب للامام مالك (711-795م). وينصرف في أذهان السامعين الى معنى العودة للكتاب والسنة ، واستبعاد ما قام حولهما من شروح وتفسيرات.

هذه أبرز نقطة في تلك الرؤية ، لأنها تعفي أصحابها من التسليم بأي دليل علمي يعارض اجتهاداتهم. فهي تجعل النص القرآني والنبوي داعما مباشرا لآرائهم. وسوف يقتنع بهذه الآراء غالبية المتلقين ، الذين لاعلم لهم بمنطق الاستدلال وطرقه ، ولا بالفرق بين ادراج آية في سياق الكلام ، وبين كونها دليلا قطعيا على ذلك الكلام.

زبدة القول ان العودة للنص المقدس وإعادة قراءته ، هي القاسم المشترك بين التيارات الاحيائية في الإسلام. وهي تطرح أيضا كجوهر لمفهوم تجديد الدين الوارد في حديث نبوي ، ذكرناه في مقال الأسبوع الماضي.

لكن البروفسور نصر يلاحظ ، بعدما شرح هذه الرؤية ، ان التيارات المعنية أخفقت في تقديم مشروع تجديدي بالمعنى الدقيق ، فأكثرها عاد الى نفس الخطاب التقليدي ، مع تعديلات سطحية. ويلمح نصر الى ان السبب ربما يكون انشغال هذه التيارات بتوازنات القوة ، وحاجتها لمهادنة الجمهور أحيانا ، والتيار التقليدي أحيانا أخرى ، كي تضمن لنفسها مكانا في المشهد الاجتماعي-السياسي.

لكني أميل للاعتقاد بأن التيارات المذكورة ، ومن دون استثناء ، لم تخرج أصلا من النسق الفكري والفلسفي التقليدي ، حتى لو كانت قد استخدامت لغة جديدة او وسائل جديدة.

ان اردت اجتهادا جديدا في النص او سواه ، فيجب ان تقف على  مسافة منه (ربما خارج النسق الذي يتموضع فيه) ثم تقيم محاججة نقدية معه ، وتغفل مؤقتا (على الأقل في مرحلة البحث) جانبه القدسي ، وكونه صادرا عن الخالق او النبي. يجب ان تطلق قدراتك العقلية لمحاولة فهمه ، ثم مجادلته على ضوء منطق العصر ورؤيته المعرفية ، ومن يعرف هذه ويعرف نظيرتها في المدرسة الفقهية التقليدية ، فسوف يعرف أيضا ان الأولى متقدمة على الثانية بمراحل ، وانها تتجاوز كل ما لدى المدرسة التقليدية من أدوات لاستنباط المعرفة او صناعة المعرفة.

امامنا تجربة فعلية في تجديد الفكر ، خاضتها تيارات فيها علماء ومفكرون كبار ، طيلة قرن من الزمن. لكنا نجدهم قد عادوا جميعا الى نفس المعسكر التقليدي الذي تمردوا عليه. وبعكس هؤلاء ، نجحت اقلية من المفكرين في تحقيق اختراقات ، وقدمت فكرا دينيا قريبا من روح العصر. الذي ميز هؤلاء هو خوضهم حوارا نقديا مع النص. هؤلاء لم ينبهروا بأقوال اساطين اللغة ولا رواة الحديث والفقهاء ، بل اختطوا مسارا جديدا حقا ، فقدموا رؤية جديدة.

الشرق الأوسط الأربعاء - 21 شوال 1442 هـ - 02 يونيو 2021 مـ رقم العدد [15527]

https://aawsat.com/node/3004111/

مقالات ذات علاقة

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

التجديد القديم واخوه العصراني

الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب "الحداثة كحاجة دينية"

الحداثة تجديد الحياة

الحداثة كحاجة دينية

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

قراءة أهـل الشك

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...