‏إظهار الرسائل ذات التسميات تجارة الرقيق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تجارة الرقيق. إظهار كافة الرسائل

12/04/2023

ثقافة العيب

ذكرت في الأسبوع الماضي ان "علاقة المسلمين بالأمم الأخرى ، واحدة من أبرز انشغالات العقل المسلم في عصرنا الحاضر. وهو انشغال يشترك فيه عامة المسلمين ونخبتهم". واطلعت قبل أيام على تغريدات للأستاذ محمد المحمود في الموضوع ذاته. عبارات قصيرة ، لكنها – مثل جميع كتابات المحمود الأخرى – عميقة ومباشرة ، تضع الاصبع على الجرح ، من دون تمهيد او مجاملة.

لاحظ المحمود ان نقد الذات تقليد راسخ في الثقافة الغربية ، وانه يصنف كشرط للتطور. النقد الذاتي يعني تشجيع البحث عن العيوب والمشكلات ، كشفها لعامة الناس ، ثم استنهاض الرغبة في المجادلة والمعالجة ، وصولا الى اكتشاف العلاج. لقد تسارع التقدم في الحضارة الغربية ، لأنها جعلت الشفافية ركنا من أركان حياتها ، وتخلصت من عقدة العار إزاء الخطأ.

ولفت انتباهي خبر نشرته الصحافة البريطانية في الأسبوع الماضي ، خلاصته ان قصر بكنغهام قد فتح أرشيفه السري لباحثين من جامعة مانشستر ، بعدما كشف أحدهم عن علاقة القصر بتجارة الرقيق في القرن السابع عشر. وكان شارلز ملك بريطانيا قد صرح العام الماضي بانه يشعر بأسى عميق لدور أسلافه في تجارة الرقيق ، وانها كانت صفحة سوداء في تاريخ بريطانيا ، لكنه يرى ان علاج هذا الجرح يبدأ بالكشف عن كافة البيانات المتعلقة بالمسألة ، في اطار بحث علمي موضوعي.

الاقرار بالأخطاء التي ارتكبها المجتمع السياسي تقليد مقبول في الثقافة الغربية ، خاصة بعدما يصبح الخطأ وأطرافه في ذمة التاريخ. وهي طريقة لاعادة الامور الى سياقها الطبيعي ، والحيلولة دون تحول العداوات السابقة الى محرك لعداوات جديدة ، او على الاقل شعور الطرف المظلوم بأنه قد استعاد اعتباره ، وان المخطيء أقر بمسؤوليته ، كي لا يقول أحد في المستقبل ان المظلوم شريك في الخطيئة أيضا.

ويرد الى ذهني الآن كتاب "التقصير" الذي اصدره فريق من الصحفيين الاسرائيليين بعد حرب اكتوبر 1973 ، وركز على استكشاف نقاط الضعف التي قادت الى هزيمة اسرائيل في الحرب. موقف الاسرائيليين والعرب من هذا الكتاب مثال على الفارق الكبير في التعامل مع اخطاء الماضي. نعلم ان الرقابة العسكرية لم تسمح بالكثير مما أراد المؤلفون نشره. رغم ذلك فقد شكل صدمة للاسرائيليين ، واثار مطالبات قوية بمراجعة مدعياته وتحديد المسؤولية. في المقابل فان العرب الذين اطلعوا عليه في العام التالي (1974) تعاملوا معه كدليل على اننا "تمام التمام" وان الإسرائيليين "مثلما تكلمنا عنهم سابقا". الحقيقة ان الانتصار الباهر في حرب رمضان (اكتوبر 1973) قد حجب عن عيوننا أهمية المراجعة التحليلية لما جرى في تلك الحرب ، ولا سيما تشخيص نقاط القوة والضعف في الاداء السياسي والعسكري والاجتماعي. بحسب علمي لم تقم أي جهة عربية بمراجعة علمية جادة لتلك الحرب ، ولا للحروب الاخرى التي كان العرب طرفا فيها. كما اننا نمر بين حين وآخر بأزمات كبيرة ، فلا يتوقف أحد لدراسة ما حدث ولماذا ظهرت الأزمة أو كيف نتفاداها.

النقد الذي يمارسه الغرب كممارسة تقدمية ، يستثمره بعضنا في سياق التفاخر بان "اقرار العاقل على نفسه حجة" ، أي طالما قال الغربيون بأنهم اخطأوا ، فهذا دليل على اننا خير منهم ، والدليل امامك: اقرارهم.

هذا المنهج يعزز في ظني ثقافة "العيب" اي اعتبار الحديث عن العيوب منقصة وسببا لهدم البناء الاجتماعي والثقافي ، ويتسبب عادة في التشنيع على الناقد. ثقافة العيب تعني – ببساطة - التستر على العيوب والاخطاء ، مع ان هذا التستر يؤدي الى تعميقها وتوسيعها والحيلولة دون علاجها في الوقت المناسب.

الشرق الاوسط الاربعاء 21 رَمضان 1444 هـ - 12 أبريل 2023 م

https://aawsat.com/node/4267676/

مقالات ذات صلة

الحداثة تجديد الحياة

الخروج من قفص التاريخ

العقلاء الآثمون

مجتمع العبيد

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

النقد الأخلاقي للتراث: مجادلة أولى

نقد التجربة الدينية

نقد المشروع طريق الى المعاصرة


 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...