‏إظهار الرسائل ذات التسميات ارنولد توينبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ارنولد توينبي. إظهار كافة الرسائل

30/03/2022

مقدسات التغيير: مراجعة أولى


ولدت هذه الفكرة بعدما قرأت عتابا للصديق عبد العزيز بن حمد ، على "تويتر" ، منصة التدوين القصير المشهورة. وفحوى ذلك العتاب ان كاتب هذه السطور وعد تكرارا بالعودة لاستكمال فكرة ناقصة ، في مقال آخر ، لكنه لم يفعل. ومن أبرز ما حضرني اثناء قراءة هذا العتاب ، مقالة نشرتها في صحيفة الاقتصادية قبل 8 سنين ، وهي مستوحاة من رؤية المؤرخ المعروف أرنولد توينبي ، حول قابلية المجتمع لمواجهة التحديات الكبرى. وقلت يومها اننا بحاجة لتبني ثلاثة مبادئ ، بل رفعها الى مرتبة القداسة ، كي تكون دليلا لحركتنا نحو المستقبل. ووعدت في نهاية المقالة المختصرة بالعودة الى شرح الأفكار ، لكني – للانصاف – لم أرجع لها الا لماما أو عابرا.

سوف اخصص هذه المساحة للتذكير بالمبدأ الأول من مقدسات التغيير ، وهو  تعزيز الايمان بالذات الجمعية. وخلاصته اننا – كمجموع – قادرون على حل مشكلاتنا بأنفسنا ، قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم. بل نحن قادرون أيضا على منافسة الآخرين الذين تقدموا علينا ، في بعض الجوانب على الأقل ، بما يقيم نوعا من التوازن النفسي ويعزز الثقة في الذات.

لا أظن أحدا يخالف هذه الفكرة. فنحن نسمعها من عشرات المتحدثين ، بين حين وآخر. لكننا مع ذلك لا نشعر اننا نسير حثيثا في طريق التقدم. هذا على الأقل ما تلمسه من مقالات الصحافة المحلية ، ومن تعليقات الناس في منصات التواصل الاجتماعي.

والذي أظن ان الفكرة السابقة ككل ، غير واضحة في أذهان غالبية الناس. فهناك أولا اختلاط هدف التقدم ، باعتباره الغاية الأسمى للنظام الاجتماعي ، مع الأهداف الصغيرة او الآنية ، مثل عدم توفر وظائف للجميع ، غلاء المعيشة ، ضعف مستوى الخدمات البلدية.. الخ. ان انشغال الناس بأمثال هذه المشكلات يحملهم على الاعتقاد بان التقدم الذي يذكرونه ، ليس له معنى غير علاج تلك المشكلات. واضافة الى هذا ، فهناك من يلخص فكرة التقدم في الرفاهية ، التي تعني مزيدا من المال والاستهلاك وتجميل مرافق العيش.

لعل اقرب نموذج عملي لفكرة التقدم (في التجربة السعودية على الأقل) هي "رؤية 2030" والبرامج العملية المساندة لها.  وهي مخطط ضخم جدا ، اعتقد أنه سيغير وجه الحياة في المملكة ، حتى لو انجز نصف المشروعات المخططة في إطاره فقط.

وضعت "رؤية 2030" على ضوء نظرية التنمية الكلاسيكية ، التي تربط النمو الاجتماعي المتعدد الجوانب بالمحرك الاقتصادي. ومن هنا فان غالب مشروعاتها تندرج ضمن نسق تحديث الاقتصاد ، وهو ايضا المبرر الرئيس للدور المحدود - نسبيا – للمجتمع الأهلي في سياسات "الرؤية" ومشروعاتها.

خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة ، لاحظت اهتماما أكبر بدور المجتمع الأهلي ، ولا سيما في مساندة التحولات الثقافية المرافقة لتطور مشروعات "الرؤية". لكن المسافة لازالت شاسعة بين الواقع الراهن والدور الذي ينبغي للمجتمع ان يؤديه في دعم الرؤية وحمايتها.

في اعتقادي ان انفعال المجتمع بهدف "التقدم" ، وتبنيه لعناصره ومفاهيمه ، هو السبيل الوحيد كي يتحول المجتمع من متفرج على برامج الانماء ، الى شريك فاعل في انشائها وحمايتها وتطويرها. المجتمع الذي نتحدث عنه هو الجماعة الوطنية ، اي كافة المواطنين باعتبارهم أمة واحدة ، هذا يفهم وفقا للقول المشهور "التعدد في اطار الوحدة الوطنية" اي هوية جامعة تحتضن بين جناحيها هويات قومية ومذهبية ودينية وثقافية متباينة ، تتفاعل ولا تتزاحم.

الشرق الأوسط الأربعاء - 27 شعبان 1443 هـ - 30 مارس 2022 مـ رقم العدد [15828]

https://aawsat.com/node/3561826/

 

مقالات ذات صلة

 اختيار التقدم

استنهاض روح الجماعة

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بقية من ظلال الماضين

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

حول برنامج التحول الوطني

خطباء وعلماء وحدادون

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

الطريق الى 2030

عجلة التنمية المتعثرة

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

05/09/2018

التقدم اختيار.. ولكن

||هل نستطيع الاقرار بان ثقافتنا وتاريخنا ، حلقة في التاريخ العام للبشرية. ام نواصل الاصرار على ان تجربتنا التاريخية هي نهاية التاريخ؟||

لو خير الانسان بين التقدم والتخلف ، فهو سيختار الاول دون شك ، مهما كانت ثقافته او انتماؤه الاجتماعي. هذا ليس موضوعا للمناقشة فيما اظن. فكل عاقل يعرف الفرق بين الاثنين ويعرف ايضا ان  التقدم قيمة وضرورة.
ارنولد توينبي
موضوع النقاش هو كلفة الانتقال من الاختيار الاولي الى الانحياز الحياتي. اي تحويل التقدم من فكرة الى منهج في حياة الانسان. هذا يشبه تماما المقارنة بين الغنى والفقر ، او بين العلم والجهل. فمن سيختار الفقر اذا حصل على فرصة الغنى. ومن سيختار الجهل اذا حصل على فرصة العلم.
لكننا - مع ذلك – نجد اشخاصا كثيرين ، بل لعلهم الغالبية ، يقفون امام الفرصة فلا يرونها ، او يرونها فيخشون من دفع الكلفة الذهنية او البدنية الضرورية لتحويلها الى منهج حياتي. اظن ان القراء جميعا قد اختبروا خيارا كهذا في انفسهم ، او في الناس الذين من حولهم. كم من الناس ترك الدراسة في منتصف الطريق ، بعدما سأم منها او تعب من حمل اثقالها. وكم من المستثمرين الصغار تخلوا عن استثمارهم في بداياته ، بعدما اكتشفوا ان الطريق الى الثروة ليس سهلا مثل الكلام عنها.
اختيار التقدم لا يختلف في حقيقته عن هذين المثلين. بل استطيع القول ان التقدم ينصرف في بعض معانيه ، الى التقدم العلمي الذي يقود الى الارتقاء الحياتي ، كما ينصرف الى الغنى المادي الذي يعزز حرية الفرد ومكانته. ان تراجع الناس عن ركوب هذا الطريق ليس سوى مثال ، يجسد محصلة الجدل الداخلي بين ارادة التقدم في جهة ، والخوف من مواجهة التحدي ، في جهة اخرى. هذا الجدل يدور معظمه في داخل ذهن الانسان.
دعنا ننتقل من مثال الفرد الى مثال الجماعة. تبعا لرأي المؤرخ ارنولد توينبي – وفق نقل المرحوم مالك بن نبي - فان رد الفعل المتوقع من المجتمعات التي تتعرض لتحد خارجي ، يتبلور غالبا في واحد من ثلاثة مواقف: الاستسلام او المقاومة الايجابية او الرفض المطلق. يعبر الموقف الاول عن مجتمع فارغ ثقافيا ومهزوم نفسيا. لا يتحرج من امتصاص ثقافة الغالب ، ولو أدى لتفكيك ثقافته الخاصة. ويعبر الثالث عن ميل شديد للعزلة والانكماش على الذات. بينما يعبر الثاني عن ميل للتفاعل مع التحدي ، والرغبة في اكتشاف عناصر قوته ، ثم استثمارها في اطلاق او تعزيز عناصر القوة المقابلة ، في النظام الاجتماعي او في الثقافة او في اعضاء الجماعة او مواردها المادية.
جدالات التقدم والتخلف في العالم الاسلامي ، تدور مجملا حول "الثمن" المطلوب لركوب القطار وتحريكه. والثمن الذي يدور حوله النقاش ، ليس كلفة مادية او بدنية. بل هو ثمن ثقافي/معنوي ، يمكن تلخيصه في السؤال التالي: هل نحن كمسلمين مستعدون للاقرار بان ثقافتنا وتاريخنا ، حلقة في التاريخ العام للبشرية ، ام نواصل الاصرار على ان ثقافتنا هي الخاتمة وان تجربتنا التاريخية كتبت نهاية التاريخ؟.
الخيار الاول يعني القبول بالتعامل مع تجربة البشر في نسختها الراهنة ، اي النسخة الغربية ، باعتبارها امتدادا ممكنا لتجربتنا التاريخية ، وأن لها من القيمة مثل ما لتاريخنا. اما الثاني فيعني مواصلة التاكيد على امكانية ان نعيش في عالم منقسم ، على امل ان تأتينا فرصة الاستعلاء يوما ما.
اظن ان غالبية الشريحة النشطة في مجتمعاتنا تجادل نفسها في اختيار واحد من هذين الطريقين ، وبالطبع الثمن المعنوي المترتب عليه.
الشرق الاوسط الأربعاء - 25 ذو الحجة 1439 هـ - 05 سبتمبر 2018 مـ رقم العدد [14526]

29/08/2018

اختيار التقدم

||جذر التقدم يكمن في سعي البشر لشق حجاب الغيب ، وتحويل ما وراءه الى مشهود ومعلوم. على نفس النسق فان المتخلف هو ذلك الانسان الذي يقرر سلفا عدم التفكير في الغيب الماثل أمامه||

التقدم والتخلف صفات نسبية. نقول عن مجتمع ما بانه متقدم ، نسبة لغيره في نفس الزمن ، او مقارنة بوضعه هو في أزمان سابقة. ان اقرب مثال على التخلف هو سيارة بطيئة في طريق سريع.The Structure Of Scientific Revolutions, Books & Stationery on ...
ثم ان أدوات التقدم وتطبيقاته تتغير بين زمن وآخر ، نظرا لتطور حاجات البشر ، وتغير الاسئلة التي يواجهونها في حياتهم. لكن ثمة جذر ثابت للتقدم لا يتغير أبدا ، الا وهو شق حجاب الغيب ، ونقل مكونات الحياة والطبيعة من دائرة المجهول الى دائرة المعلوم. علمك بالشيء يؤهلك - في الحد الأدنى – لانشاء علاقة منطقية معه ، و في الحد الاعلى  ، لتسخيره او استثماره.
ثمة شريحة واسعة من الشباب - وربما الكبار ايضا – يهوون فئة الافلام والقصص التي تسمى بالخيال العلمي. وهم يعلمون بطبيعة الحال ان ما يرونه مجرد خيال. لكن كثيرا منهم يؤمن في قرارة نفسه ، ان تلك الخيالات هي التي تحرض عقل الانسان على المغامرة. وهي قد تتحول يوما ما ، الى واقع يمشي على قدمين.
التخيل مثال على سعي العقل لتجاوز المشهود والمحسوس ، والتأمل في عوالم ممكنة او محتملة ، لا زالت خارج سيطرة الانسان. هذه العوالم قد تكون في الانسان نفسه ، او قد تكون في البيئة المحيطة به ، او في الكون الواسع البعيد عنه غاية البعد.
هذه العوالم الممكنة أو المحتملة ، هي ما يسميه القرآن غيبا. كما في سورة البقرة ، السورة الثانية في القرآن الكريم ، التي تبدأ بآيات تشير الى هذا المعنى "ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب". والغيب المقصود هنا هو الغيب النسبي او المؤقت ، وهو خلاف "مفاتح الغيب" التي لا يعلمها الا هو سبحانه ، كما في سورة الأنعام.
يذكرني هذا بالمجادلة الذكية التي قدمها توماس كون في كتابه القيم "بنية الثورات العلمية" حين قال ان الباحث يتوصل خلال تأمله في المشكلات والاسئلة ، الى العديد من الأجوبة المحتملة. لكنه – بدافع خفي – يتركها ويواصل بحثه ، حتى يصل الى ما يرجح انه حل صحيح. يتساءل كون: طالما لم يكن هذا الباحث عالما بالحل قبل ذلك ، فما الذي حمله على رفض الاحتمالات الاولى؟.
في رأيي ان ترجيح احد الاحتمالات ، تابع للمسلمات التي ينطلق منها الباحث. حين تنطلق من الاعتقاد بان الغيب صندوق مغلق ، فسوف تميل لجواب منقطع ، مثل القول بان الحل "في علم الله" ، أو أنه عمل السحرة ، او عمل الجن. أي أن المشكلة وحلها – في المجمل - خارج دائرة الامكان العقلي البشري.
أما حين تنطلق من الاعتقاد بان الغيب حجاب ، فسوف تفكر في المراحل المنطقية اللاحقة لكشف الحجاب ، اي الاشكالات التي ترد على الحل المحتمل. تصور الانسان للمرحلة الثالثة والرابعة ، هو الذي يرجح احد الاحتمالات ويستبعد الاحتمالات البديلة. تلك الاشكالات والمراحل تكشف الرابط المنطقي بين الحل والمشكلة.
زبدة القول ان جذر التقدم يكمن في سعي البشر لشق حجاب الغيب ، وتحويل ما وراءه الى مشهود ومعلوم. على نفس النسق فان المتخلف هو ذلك الانسان الذي يقرر سلفا عدم التفكير في الغيب الماثل أمامه ، باعتباره فوق ما يستطيعه عقل البشر. المجتمع الاقرب للتقدم هو الذي ينظر للكون كنظام مؤسس على علاقات منطقية. والمجتمع الاقرب للتخلف هو الذي اعتاد إحالة الاسئلة والمشكلات الى الجن والسحر وعجز العقل.
الأربعاء - 18 ذو الحجة 1439 هـ - 29 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14519] 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...